معركة قصيرة رائعة
كان صوت الأقدام متعثرًا، ثم سقط صاحبه على باب الخيمة. وأسرع «أحمد» بفتح الباب، فوجد «موري» ملقًى على وجهه، وقد قبضت أصابعه المتشنجة على ورقة …
انحنى «أحمد» فوق «موري»، وجذبه مسرعًا إلى داخل الخيمة، وأحاط به الجميع … وقال «أحمد» وهو يتناول الورقة من بين أصابعه: «إلهام» … إنَّه مصابٌ!
«لقد رفض هذا الغبي أن يقول لنا من أنتم … ونحن نطلب منكم تسليم أنفسكم فورًا، وإلا أفنيناكم عن آخركم.»
لم تمضِ لحظة على قراءة «أحمد» للورقة حتى مرَّت رصاصة فوق الخيمة، وكان واضحًا أن القادمين لا يضيعون وقتًا … إنه إنذارُ تسليمٍ أو قتلٍ!
قال «أحمد»: «عثمان» و«قيس»، سنتسلل من تحت الخيمة ونخرج لهم!
ثم التفت إلى «إلهام» وقال: عليكم بالانبطاح أرضًا … أعتقد أنهم سيطلقون الرصاص على ارتفاع نصف قامة الواقف!
وانبطح الجميع على الأرض، ورفع الشَّياطين الثلاثة جانب الخيمة المطل على حدود المراعي، ثم تسللوا كالثعابين وخرجوا، وألقى الثلاثة نظرة جانبية على موقع الأعداء … كانت الخيول تقف ساكنة، والرجال فوقها، وقد شرعوا بنادقهم في اتجاه الخيمة، وهمس «أحمد» إلى «عثمان»: أريدك أن تُسقط الرجل الأول بكرتك … إن عددهم سبعة وليس عشرة كما قال «فيجو».
وأخرج «عثمان» من حزامه كرته الجهنمية، ووقف خلف الخيمة، ثم هزَّ الكرة في يده لحظات واستجمع قوته، ثم أرسلها كالقنبلة … وشاهد الشَّياطين الثلاثة من خلف الخيمة، الرجل وهو يسقط من فوق ظهر حصانه جثةً هامدة … وارتفعت أصوات زملائه الرجال، ونزل بعضهم ليرى ماذا حدث لزميلهم الذي وقع، بينما أخذ الباقون يطلقون رصاصهم على الخيمة كالمجانين … وأشار «أحمد» أنهم سينتشرون على شكل مروحة، فاتجه «قيس» يسارًا، و«عثمان» يمينًا، وهما يزحفان …
وأسرع «أحمد» إلى شجرة قريبة واختفى خلف جذعها للحظات، ثم قفز إلى شجرة أخرى أقرب إلى رجال العصابة، وتسلَّق الشَّجرة كالقرد، ثم استولى على غصن قوي، وأزاح الأغصان الرفيعة جانبًا، ثم مدَّ ذراعه بالمسدس «الكولت» الضخم، وأطلق رصاصة أصابت أحد الرجال فسقط. وطلقة أخرى أصابت رجلًا آخر … وارتفعت أصوات الرصاص من كل جانب … وأخذت الخيول المذعورة تصهل بصوت مرتفع … وتجري في كل اتجاه.
قفز «أحمد» إلى الأرض … لقد كانوا في أشد الحاجة إلى هذه الخيول لاستئناف رحلتهم … وجرى بكل قوته إلى حصان كان قد أسرع إلى الأشجار، وبعد مناورة سريعة قفز على ظهره، ثم اتَّجه به إلى قافلة المهربين … كانت البغال المربوطة أحدها إلى الآخر تزمجر وهي لا تستطيع الحركة، وكان الرجال بين جريح وهارب … وبعد لحظات ظهر «عثمان»، وهو يمتطي حصانًا آخر، ثم ظهر «قيس» بحصان ثالث … ورفع «أحمد» أصابعه علامة النصر؛ فلقد أنهوا المعركة بنجاح في دقائق قليلة، وكانت حصيلة المعركة رجلَيْن هاربَيْن، وواحدًا مغمًى عليه، هو الذي ضربه «عثمان»، وأربعة جرحى بالرصاص … وسرعان ما كان الشَّياطين يجمعون الأربعة في مكان واحد … وسأل «أحمد» «إلهام»: كيف حال «موري»؟
ردت «إلهام»: لا بأس … ولكن يجب نقله فورًا إلى أحد المستشفيات.
أجال «أحمد» البصر في الرجال الأربعة … كانوا جميعًا غلاظَ الملامح يبدو عليهم الشَّر والخسة. وكانت «إلهام» و«هدى» تقومان بتضميد جراحهم.
وقال «أحمد» موجهًا الحديث إليهم: لقد ضربتم زميلنا وكان رسولنا إليكم، ومن الواجب قتلكم جميعًا، ولكني سوف أفرج عنكم إذا قلتم لنا: لحساب مَن تعملون … وما هي الشحنة التي معكم؟
لم يُجب الرجال الأربعة، وأخذوا يتبادلون نظرات صامتة … فعاد «أحمد» يقول: لا بأس … سوف أربطكم مع زميلكم الخامس، وأترككم في الصَّحراء تلقون حتفكم جوعًا وعطشًا، أو تفتك بكم الذئاب الجائعة والحيَّات المفترسة!
ولم يستجيبوا إلى طلب «أحمد» … فأشار «أحمد» إلى «قيس» و«عثمان»، وسرعان ما قادا الرجال الأربعة إلى حافة الصَّحراء، وقام «قيس» بربطهم برباط محكم، ثم ذهب الثلاثة إلى الشحنة التي كانت فوق البغال. وانضمت إليهم «إلهام» و«هدى»، بينما بقي «فيجو» بجوار صديقه الجريح.
كانت الشحنة عبارة عن مجموعة من الصَّناديق الصَّغيرة، قد لُفَّت بعناية بالخيش والجلد … وأخذ «عثمان» يفك أحد الصَّناديق بعناية، حتى وصل إلى خشب الصُّندوق، وعندما حاول إنزاله وجده ثقيلًا، فابتسم عن أسنانه البيضاء، وقال: لعلَّها شحنة من الذهب … سنصبح أغنياء!
وتعاون «قيس» و«عثمان» على إنزال الصُّندوق، وقالت «إلهام»: ليس من المعقول أن يكون صندوقًا بهذا الحجم ثقيلًا إلى هذا الحد!
عثمان: إنه يزيد عمَّا تتصورين!
أنزل «عثمان» و«قيس» الصُّندوق الخشبي إلى الأرض. وبواسطة خنجر «عثمان» أطار جزءًا من الغلاف الخشبي، وظهر الصُّندوق الأصلي، وصاح «عثمان»: إنه من القصدير السَّميك، ومغلف من بعض جوانبه بالحديد!
قالت «إلهام»، وهي تتذكر: قصدير! شيء مدهش!
هدى: طبعًا … إن صناديق القصدير لا تُستخدم إلا مع المواد المشعَّة!
أحمد: مواد مشعة؟! ذلك شيء يدعو للتفكير!
ووقف الشَّياطين الخمسة حول الشحنة الغامضة … كانت الشَّمس قد ارتفعت في الأفق وبدا الجو مصفرًّا قليلًا، ولكن العاصفة ظلت مستمرة … ساد الصَّمت لحظات، ثم قالت «هدى»: هل تنوي حقًّا أن تترك هؤلاء الرجال للموت؟!
قال «أحمد»: سنحاول أن نتظاهر أمامهم بذلك، لعل أحدهم يعترف!
كان الرجال الأربعة ينظرون إلى الشَّياطين في جمود، وزميلهم الخامس الذي أصابه «عثمان» بالكرة ما زال مغمًى عليه، وإن أخذ يتحرك تدريجيًّا … وقال «أحمد»: هيا نستعد، إن الوقت يمضي.
قيس: إن عندنا ما يكفي من الخيول والبغال. ولكن الاثنين الهاربين … هل سنطاردهما؟
أحمد: لا … إنهما لن يذهبا بعيدًا، فلن يتمكنا من اجتياز المستنقعات، والحل الوحيد هو أن يعودا إلى الصَّحراء، وسوف يجدان الرجال الخمسة هنا … ولعلهم يتعاونون على العودة إلى المكان الذي جاءوا منه!
إلهام: والشحنة؟
أحمد: سنأخذها معنا بعيدًا عن هذا المكان ثم ندفنها، وقد نعود إليها مرة أخرى إذا دعا الأمر.
إلهام: هل فكرت فيما تحتوي هذه الشحنة؟
أحمد: إذا لم أبالغ؛ فإنني أعتقد أنها مواد مشعة مهرَّبة عبر الحدود من «شيلي» الغنية بمناجمها إلى «مارتينز».
هدى: «مارتينز»؟!
أحمد: بالطبع … إن المركز الذري الذي يموله اتحاد العصابات يحتاج إلى مواد مشعة لإجراء التجارب الذرية. وبالطبع فإن المواد الذرية كلها تخضع في كل دولة إلى رقابة مشددة، ولا يمكن إخراجها من دولة إلى أخرى إلا بإجراءات أمن قاسية … والحل الوحيد أمام «مارتينز» ورجاله هو تهريبها عبر الحدود … وليس أفضل من «شيلي» موردًا، ومن السَّهل تهريبها عبر الصَّحراء مع أمثال هؤلاء الرجال.
بدأ الشَّياطين الخمسة استعداداتهم للرحيل، ولم تمضِ ساعة حتى كانوا قد امتطوا صهوات جيادهم، ووضعوا «موري» على بغل، وركب «فيجو» بغلًا آخر … وعندما أشار «أحمد» بيده استعدادًا لبدء الرحلة، كان الرجل الخامس قد أفاق، وأخذ ينظر حوله في ذهول، ثم تبادل مع الجرحى الأربعة حديثًا سريعًا … وعندما استدارت الخيول للرحيل سمع الشَّياطين صوت أحد الرجال يناديهم …
استدار «أحمد» و«عثمان»، واتجها إلى الرجال الخمسة، وسرعان ما وقفا أمامهم. وقال الرجل الخامس الذي بدا واضحًا أنه زعيم المجموعة: هل ستتركوننا هنا؟!
أحمد: بالطبع؛ إن هذا أقل ما يجب أن يحيق بكم.
الرجل: ولكننا سنموت هكذا!
أحمد: لقد عرضت على زملائك أن نفكَّ وثاقكم، ونعطيكم بعض الطعام والماء، مقابل أن تخبرونا عن الشحنة، وإلى أي جهة أنتم ذاهبون بها؟
تململ الرجل في مكانه قليلًا، وعندما لاحظ علامات التصميم على وجه «أحمد» قال: هذه شحنة من المواد المشعة، مرسلة إلى السنيور «مارتينز» …
تبادل «أحمد» و«عثمان» النظرات … لقد كانت استنتاجات «أحمد» صحيحة … وقال «أحمد»: إنك لم تكذب. وسوف أفي بوعدي معكم!
نزل «أحمد»، ثم أخرج خنجره، وفكَّ وثاق الرجال بعد أن جردهم من أسلحتهم، بينما أسرع «عثمان» يحضر لهم بعض الطعام والماء … وسأل الرجل: ولكن كيف سنتحرك من هذا المكان؟
أحمد: هذه مشكلتكم أنتم … وعلى كل حال هناك زميلان لكم قد فرَّا، وأعتقد أنهما سوف يعودان، وسوف تتعاونون على العودة إلى بلادكم.
قال أحد الرجال الأربعة: لا تدعني أقابلك بعد ما حدث أيها الشَّاب.
نظر إليه «أحمد» طويلًا، ثم قال: إنك تهددني! … لا بأس، ولا تدعني أراك مرة أخرى!… لقد أبقيتُ على حياتك، وفي إمكاني أن أنهيها الآن بطلقة واحدة، بل يكفي أن أتركك تموت جوعًا وعطشًا، ولكني وعدت بإطلاق سراحكم، وقد وفيت بما وعدت.
واستدار «أحمد» و«عثمان» … وسرعان ما بدأت القافلة سيرها، بإرشاد «موري» الذي كان يركب بغلة يقودها «عثمان»، وهو على حصانه … كان «موري» قد اختار أن يسيروا على حافة الصَّحراء والمراعي، حتى يمكنهم الاختفاء بين الأشجار والأعشاب إذا تعرضوا لأي هجوم …
قال «عثمان» يسأله: كم هي مسافة الرحلة إلى القرية؟
رد «موري»: قد نصل إليها عند الغروب إذا سرتم بسرعة معقولة … وأرجو ألا نلقى استقبالًا سيئًا، فهي قرية تتعامل مع عصابات التهريب ويسودها العنف والقتل.