المتحدث على الطرف الآخر!
فكَّرت «زبيدة» لحظات، ثم قالت: لقد طلب «بازوليني» من «أحمد» أن يذهب إلى فندق «سانتا كيارا» … وقالت «كارميلا»: إن «جياكومو» صاحب «سانتا كيارا» كان صديقًا لأبيها … وإنها لا تستبعد أنهما كانَا شركاء … وقد وجدت «كارميلا» المظروف مع «جياكومو» … وهذا يعني أن «جياكومو» رجل يمكن الاعتماد عليه … وفي الإمكان أن نضع كل ما حدث لنا أمامه ثم نطلب منه المشورة … إما أنه يعرف نفس المعلومات التي كان يعرفها «بازوليني» … فيدلنا على العصابات الأربع، ويكتب لنا كشفًا بآخر الأسماء والمعلومات كما فعل «بازوليني» … أو يعطينا بعض المعلومات التي يمكن الاستدلال بها في صراعنا مع العصابات الأربع.
صاحت «إلهام» بإعجاب: أنتِ مدهشة يا «زبيدة»! كيف لم نفكر في ذلك من قبل؟!
أحمد: أوافق تمامًا … وسننقسم إلى قسمين … وسأذهب أنا إلى «جياكومو».
حاول الثلاثة الاعتراض. وقالت «إلهام»: ما زال الوقت مبكرًا … إن العصابات لن تتصل إلا في الليل كما قالوا في رسالتهم.
أحمد: بمنتهى الصراحة … لقد أخطأتُ عندما ضاع مني المظروف … وها نحن الآن معرَّضون لمخاطر لا مثيل لها … ومن واجبي أن أحافظ عليكم … دعوني أذهب وحدي.
عثمان: إنك تُحدِّثنا كما لو كنتَ والدَنا العجوز الذي يرعى أبناءَه … نحن لا نوافق على هذه النظرة إلى المسائل يا «أحمد» … وإذا كنتَ قد أخطأت فكلُّنا يُخطئ … ولا يمكن أن نتركك تتحرك وحدك!
إلهام: اذهب معه يا «عثمان»!
أحمد: أريد أن أوضح وجهة نظري … قد يكون «جياكومو» مراقَبًا من العصابات، فهم بالطبع لا يجهلون علاقته ﺑ «بازوليني»، وقد نقع أنا و«عثمان» في المصيدة ويكفي واحد منَّا.
عثمان: بالعكس. إن وقوع واحد في المصيدة أسهل من وقوع اثنين، ثم إنني لم أحضر إلى فينسيا للنزهة … لقد جئت لإنجاز عمل … ثم هزَّ «عثمان» كرتَه المطاط الجهنمية وقال: ثم إن «بطة» تريد أن تعمل.
ضحكت «زبيدة» قائلةً: هل سميتَها «بطة»؟
عثمان: لقد فكرت طويلًا … وقررت أن أُطلقَ عليها هذا الاسم؛ لأنني أحب أكل البط.
وضحك الشياطين الأربعة … وقام «أحمد» و«عثمان» لزيارة «جياكومو» كما اقترحت «زبيدة».
ركبَا الأتوبيس البحري … وجلسَا يتفرجان على الشواطئ الحافلة بالسياح من جميع أنحاء الدنيا … حركة نشيطة في كل مكان … موسيقى … وشباب يغنِّي ويرقص.
وصلَا إلى «سانتا كيارا» … كان الفندق الصغير مزدحمًا بالسياح لموقعه الممتاز على حافة القناة الرئيسية … وجلس «أحمد» و«عثمان» على الكازينو الملحق بالفندق، وطلبَا مشروبًا باردًا … وعندما جاء الجرسون بما طلباه سألاه عن السنيور «جياكومو» صاحب الفندق. قال الجرسون: إنه يرتاح قليلًا في غرفته. هل ثمة شكوى من الفندق؟
أحمد: لا، أبدًا … إننا نريد مقابلته لمسألة شخصية!
الجرسون: سأُخطره … ما اسمك؟
أحمد: «ريمون».
الجرسون: إنك نزيل في الفندق … أليس كذلك؟
أحمد: كان ذلك حتى أمس … أما اليوم فقد انتقلتُ إلى مكان آخر.
الجرسون: سأُخطره يا سنيور.
كان «أحمد» ما زال يحتفظ بشخصية «ريمون» كما هي في جواز السفر الإضافي الذي يحمله … بعد أن أصبحت أوصافه الحقيقية معروفةً لرجال الشرطة الذين يبحثون عنه بتهمة قتل «بازوليني» … أوصافه التي في جواز سفر «أحمد».
أما جواز سفر «ريمون» فكان مختلفًا.
عاد الجرسون بعد قليل وصحبهما إلى الدور التالي … وبعد السير في عدد من الممرات دقَّ بابًا، ثم فتحه، ودعاهما للدخول.
كان «جياكومو» رجلًا طويل القامة … ورغم أنه تجاوز الستين … فقد كان يبدو قويًّا كالثور … غزير الشعر … طويل الذراعين كالغوريلَّا … وكان يقف عند نافذة الغرفة يتناول مشروبًا. وعندما دخل «أحمد» و«عثمان» ضاقَت عيناه قليلًا، ثم ابتسم لهما وتقدَّم وهو يمدُّ يدَه بالتحية.
قام «أحمد» بواجب التعريف، فقال «جياكومو»: أي خدمة يمكن أن أُؤَدِّيها لكما؟
أحمد: لقد جئنا لنتحدث إليك عن «بازوليني».
ضاقَت عينَا «جياكومو» كما فعل عند دخولهما، وقال: «بازوليني»!
أحمد: نعم … ولا داعي لأن تقول إنك لا تعرفه.
جياكومو: إن إيطاليا كلها تتحدث عنه منذ أيام. ألم يُقتل في فندق صغير في ميلانو؟
أحمد: لقد جئنا نتحدث عن مظروف تركَه لك «بازوليني».
وفتح «جياكومو» فمَه ليتحدث ولكن «أحمد» أشار بيده واستمر يقول: نحن نعرف أن المظروف قد أودعه «بازوليني» أمانةً عندك. وأنك احتفظت به، ثم سلمتَه إلى «كارميلا».
لم يُعلِّق «جياكومو» وظل صامتًا، فمضى «أحمد» يقول: إن هذا المظروف كان يخصني وقد جئت خصيصًا لاستلامه، وقد تسلَّمتُه من «كارميلا» أمس ليلًا … ولكن حدث شيئان جئتُ للحديث معك عنهما … أولًا: أن المظروف قد ضاع … والثاني تعرفه هو: أن «كارميلا» قد اختفت أو بالأصح قد خُطفت.
جرع «جياكومو» ما بقيَ من المشروب في قدحه، ثم قال: ومَن الذي أدلى لكما بكل هذه المعلومات عني؟
أحمد: «كارميلا» … فهي تعتبرك صديقَ والدها الوحيد … وقد جئتُ أعرض عليك عرضًا محددًا … إن معي مظروفًا أعتقد أن به مبلغًا كبيرًا من المال، وإني على استعداد لتسليم هذا المظروف لك إذا كتبتَ لنا المعلومات التي تعرفها عن اتحاد العصابات … الأسماء … وطرق تهريب المخدرات إلى الشرق الأوسط.
ولم يعلِّق «جياكومو»، وإن عادت عيناه تضيقان … ومضى «أحمد» يستكمل حديثه: وفي نفس الوقت نريد معلومات عن المكان الذي به «كارميلا» الآن.
فرك «جياكومو» عينَيه بأصابعه … ونظر عبر النافذة إلى الجراند «كانال»؛ حيث كانت عشرات من قوارب الجندولا تقطعه … ثم التفت إلى «أحمد»، وقال: إنني أريد أن أقول لكما نصيحةً.
وضاقت عيناه ثم قال: أن تركبَا أول طائرة إلى بلادكم معكما الفتاتان الجميلتان، فهذه لعبة أكبر منكما.
أحمد: إننا نقدِّر نصيحتك … ولكن ما رأيك في العرض الذي أقدمه لك؟
أخذ «جياكومو» ينظر بإمعان إلى «أحمد» و«عثمان»، ثم ابتسم في النهاية وقال: إنني أقدِّر شجاعتكما، وما دمتما تريان أنكما قادران على تحدِّي العصابات الأربع وانتزاع «كارميلا» من أيديهم، فسوف أساعدكما.
تنهَّد «أحمد»، وابتسم لأول مرة في اليومين الأخيرين، وقال: إنني على استعداد للاستماع لك.
قال جياكومو: إنني لستُ مستعدًّا للكلام الآن؛ فأنا رجل مسالم أعيش في هدوء … وأنتما تعرضان عليَّ التدخل في صراع رهيب لا يدري أحدٌ كيف ينتهي … ولكي آخذَ هذا القرار، فإنني أحتاج إلى وقت. فليكن موعدنا غدًا في الثامنة مساءً.
أحمد: ألَا يمكن …
ولكن «جياكومو» أشار بيده قائلًا: غدًا في الثامنة مساءً وليس قبل ذلك بدقيقة واحدة.
كان واضحًا أنه مصرٌّ جدًّا … ورغم أن «أحمد» كان يعرف أن أيَّ وقتٍ يمضي ليس في صالحه إلا أنه لم يكن يملك إلا الإذعان لما قاله «جياكومو» … هكذا قامَا. وأوصلهما «جياكومو» حتى باب الغرفة، ثم انصرفَا مسرعَين.
عادَا إلى فندق «سان سباستيانو» حيث ينزلون … كانت «زبيدة» و«إلهام» في انتظارهما على أحرِّ من الجمر … وروى لهما «عثمان» بإيجاز ما تم من حديث بينهما وبين «جياكومو».
قالت «إلهام» معلقةً: لا بأس … بعضُ التأخير خيرٌ من لا شيء.
إلهام: لنتناولْ غداءَنا هنا في الفندق ثم نرتاح قليلًا، فمَن يدري ماذا سيأتي به المساء عندما تتصل العصابات بنا؟
مضَت الأمسية بطيئةً. وعندما مالَت الشمس كان الأربعة يجلسون معًا في صالة الدور الثالث حيث ينزلون، يتناولون الشاي ويتحدثون عن احتمالات الصراع المحتمل.
ومضَت الساعات كأنها سنوات … ودقَّت الساعة التاسعة … وسمع «أحمد» في غرفته صوتَ جرس التليفون يدقُّ، وكان قد ترك الباب مفتوحًا … وفي خطوات كان داخل الغرفة … ومدَّ يدَه ورفع سماعة التليفون. وعلى الطرف الآخر سَمِع صوتها … صوت «كارميلا».