مغامر من شيكاغو!
أخذ ذهن «أحمد» يعمل بسرعة … وقرر أن يقول ﻟ «فرانك» الحقيقة … حقيقة أنهم مطاردون، وقد يتطاير الرصاص بعد لحظات … وكان «فرانك» يجلس في نهاية القارب في استرخاء متمتعًا بنسيم الليل المنعش … سعيدًا بهؤلاء الأصدقاء الذين ألقَتهم المقادير في طريقه … واقترب منه «أحمد»، وقال: «فرانك» … أريد أن أقول لك شيئًا.
وابتسم «فرانك» في بساطة … ومضى «أحمد» يقول: إنني وهؤلاء الأصدقاء على خلاف مع العالم السفلي في هذه المدينة.
لم يتحدث «فرانك» بل اتسعَت ابتسامتُه، وأكمل «أحمد» حديثه: وأؤكد لك أننا في جانب العدالة والحق.
فرانك: إنني أُصدِّقك.
أحمد: هل تعرف المطربة «كارميلا»؟
فرانك: طبعًا … إنني وخطيبتي «نانسي» من أكثر المعجبين بها … وقد أحزننا للغاية أنها اختفت.
أحمد: إن «كارميلا» صديقتنا، ونحن نبحث عنها.
فرانك: هل تتحدث جديًّا؟
أحمد: بمنتهى الجدية … والذين اختطفوها يطالبوننا بشيء ما مقابل إطلاق سراحها.
فرانك: نقود؟
أحمد: لا … لا، شيء آخر أرجو أن تعفيَني من ذكره.
فرانك: إنك تُثير اهتمامي يا «ريمون»!
أحمد: وهؤلاء الخاطفون يمثِّلون اتحاد أكبر عصابات للتهريب في هذه المنطقة … وهم الآن في أعقابنا.
فرانك: تقصد الآن؟
أحمد: نعم … الآن … هل ترى هذا القارب الكبير الذي يسير على مبعدة منَّا في القناة الرئيسية. إنهم فيه … ولا أدري ماذا ينتوون … فموعد لقائي معهم غدًا في التاسعة مساءً بحديث تليفوني يحددون فيه شروطهم.
ولدهشة «أحمد» الشديدة ضحك «فرانك» بدلًا من أن يخاف، ثم قال: إنك تُثير شهيتي يا صديقي.
أحمد: لستَ خائفًا؟
فرانك: أنا أخاف؟ … من أي شيء؟ … إنك لا تعرفني.
أحمد: لا أعرف عنك سوى اسمِك.
فرانك: نسيت أن أقول لك إنني من شيكاغو، بلد العصابات في أمريكا؛ حيث عاش رجل العصابات الإيطالي الشهير «آل كابوني» … وقد خطفَتني إحدى العصابات وأنا صغير … وتعرَّضتُ للموت بضعة مرات ولم يَعُد هناك شيء يُخيفني، خاصةً وقد أصرَّ أبي على أن أتعلم كيف أدافع عن نفسي بكل الوسائل.
أحمد: لقد أردتُ أن أوضِّح لك موقفنا حتى لا تتعرض للخطر دون أن تدري.
فرانك: اعتبرني عضوًا في مجموعتك. وسأنفذ تعليماتك!
أحمد: شكرًا يا «فرانك»!
مضى قارب الأصدقاء حتى عبَرَ الجراند كانال … ثم انحرف في شبه دائرة. ودخل إلى قناة صغيرة … بدَا في نهايتها قصرٌ ضخم يربض فوق صفحة المياه … وأشار «فرانك» إلى القصر قائلًا: هذا هو مقرُّنا … وأعتقد أن والدتي ما زالت مستيقظةً … فالنور مضاء في غرفتها.
وأدار البحَّار الإيطالي القارب ببراعة ثم خفض من سرعته ونظر «أحمد» إلى نهاية القناة الصغيرة … ولكنه لم يجد أثرًا للقارب الكبير … فالتفت إلى «فرانك» قائلًا: يبدو أنني كنت واهمًا؛ فالقارب الكبير لم يدخل خلفنا.
فرانك: أعتقد أنهم ينتظرون دخولنا القصر، ثم يأتون … فهم سيعرفون مكاننا بالقارب أمام القصر.
ابتسم «أحمد»؛ فقد كان يعرف ذلك، ولكنه أراد اختبار مدى ذكاء صديقه الجديد … ودخلوا جميعًا القصر … واستقبلهم الحارس العجوز بابتسامة طيبة.
وبينما صعد الجميع سلالم القصر العالية، ربض «أحمد» في الظلام بجوار السور، وسرعان ما شاهد القارب الكبير يدخل القناة، مخفِّفًا سرعته حتى لا يسمع أحد صوت الماكينات.
ظل «أحمد» مكانه بعد أن أشار للأصدقاء بتركه هو و«عثمان»، وانتظر حتى توقَّف القارب الكبير على بُعْد أمتار من القصر، وشاهد عددَ الرجال الذين قفزوا منه … كانوا أربعةً.
ولمعَت عينَا «عثمان» الأسمر في الظلام وقال هامسًا: ماذا تريد منهم؟
أحمد: لا أكثر من علقة طيبة ليعرفوا مَن نحن!
هزَّ «عثمان» «بطة» في يده، وقال: هناك واحد سيغيب عن وعيِه فترةً طويلة ولن يشاهد المعركة!
كان الأربعة يتقدمون واحدًا وراء الآخر، محتمين بجدران البيوت التي تحيط بالقناة وظلوا يقتربون ثم توقَّفوا … وبدَا أنهم يتحدثون.
قال «أحمد»: ما هو نوع التسليح الذي معهم يا «عثمان»؟
عثمان: ليس في أيديهم أسلحة كبيرة، ويبدو أنهم يعتقدون أننا أطفال يمكن التعامل معهم بالمسدسات.
وتقدَّم رجل واحد من الأربعة، واقترب من الحديقة الكبيرة المحيطة بالقصر … وقال «أحمد»: هل هو هدف مناسب؟
عثمان: طبعًا … وأستطيع استعادة «بطة»، فسوف تلمع في الظلام بما عليها من مادة فسفورية.
وتمطَّى «عثمان»، وامتدَّت ذراعه في الظلام إلى الخلف. ثم أطلق كُرَته الجهنمية على الشبح الأسود الذي يقترب من القصر … وقطعَت الكرة مسارها في الظلام كالقدر المخيف وارتطمت برأس الرجل، فأحدثَت دويًّا خافتًا، وسقط الرجل على الأرض دون أن يُطلق آهةً واحدةً … وتسلل «عثمان» وراء «بطة» مسرعًا … وفي نفس الوقت كان أحد الرجال الثلاثة الباقين قد أسرع إلى زميله الذي سقط … وقبل أن يتمكن «أحمد» من تحذير «عثمان» كان رجل العصابة ينقض على «عثمان» من الخلف، ويطوي رقبته بذراعه … ووقف «أحمد» في ظل إحدى الأشجار مستعدًّا للهجوم لنجدة صديقه.
ولكن «عثمان» لم يكن في حاجة إلى نجدة؛ فقد انحنى إلى الأمام بسرعة، وحمل الرجل على ظهره ثم أمسك برقبته وجلد به الأرض، وتدحرج الرجل وأخرج من جيبه مسدسًا … ولكن «عثمان» أطلق ساقه في ضربة قوية أصابَت يده، فطار المسدس في الهواء. وانقض «عثمان» على الرجل، والتحمَا في صراع مخيف، وأخذَا يقتربان من المياه بسرعة.
دار كلُّ هذا دون أن يحسَّ أحدٌ ممن في القصر بما حدث. ولكن «فرانك» أقلقه غياب «أحمد» و«عثمان» فخرج، وسمع صوت الصراع المكتوم الدائر بين «عثمان» ورجل العصابة فاتجه إليه … ولكن يد «أحمد» امتدَّت في الظلام لتُمسك بذراعه … ولدهشة «أحمد» الشديدة وجد فرانك ينحني إلى الأمام ثم يُطلق ذراعه في لكمة محكمة إلى وجه «أحمد». وانحرف «أحمد» قليلًا، وطاشت الضربة ثم تلقف «فرانك» بين ذراعَيه، وقال: «أنا ريمون»!
قال «فرانك»: ماذا حدث؟! إنني …
ردَّ «أحمد» قبل أن يُكمل جملته: إن «عثمان» يتسلَّى بهم.
كان الرجلان الباقيان قد تقدَّمَا لإنقاذ زميلهما، ولكنهما وصلَا متأخرَين؛ فقد سقط «عثمان» والرجل في الماء، وأمسك «أحمد» بذراع «فرانك» وقال: «هيَّا».
وانطلق الشابان في الظلام … ودارَا حول بعض الأشجار حتى أصبحَا قريبَين من الرجلَين، وبسرعة البرق طار «أحمد» في الظلام وتعلَّق بغصن شجرة ثم أطلق ساقَه في ضربة بارعة قاضية أصابَت رأسَ الرجل فدار حول نفسه ثم سقط على الأرض، وكان «فرانك» ملتحمًا مع الرجل الآخر في صراع صاخب، فتركه «أحمد» وأسرع على الفور إلى المياه ليرى ما حدث ﻟ «عثمان» … ووجده يصعد من الشاطئ … وقد ابتل تمامًا … ولكن أسنانه البيضاء كانت تلمع في وجهه الأسمر.
أسرع «أحمد» و«عثمان» إلى حيث كان «فرانك» مشتبكًا مع رجل العصابة … لم يجداه … وظلَّا يسيران بين الأشجار بالحديقة دون أن يعثرَا له على أثر.
وتصورَا أنه أنهى صراعَه مع الرجل ودخل القصر، فأسرعَا إلى هناك. وفي الصالة الكبيرة كانت «زبيدة» و«نانسي» و«إلهام» منهمكات في إعداد العشاء، وقد ارتفعت منهن الضحكات.
وعندما رأت «زبيدة» «عثمان» ضحكَت قائلةً: ماذا حدث … حمام في الليل؟!
عثمان: حمام رغم أنفي!
دار «أحمد» بعينَيه في الصالة وأحسَّ بأعصابه تتوتر … لم يكن هناك أثرٌ ﻟ «فرانك»، ولم يجد بدًّا من السؤال، فقال: فرانك … أين هو؟
ردَّت «نانسي»: لقد خرج منذ ربع ساعة للبحث عنكما.
أحمد: ولم يَعُد؟
نانسي: لا.
ونظر «أحمد» إلى «عثمان» … ثم انطلقَا جريًا إلى الحديقة … لقد عرفَا على الفور أن غياب «فرانك» يعني أشياءَ كثيرةً؛ فربما تكون رصاصة غادرة قد استقرت في جسده بسبب مغامرة لا دخل له فيها.