رَبَّةَ الشعرِ عن آخيل بن فيلا
أنشدينا واروي احتدامًا وبيلا
١
ذاك كيدٌ عمَّ الأخاء بلاهُ
لأذيسٍ أنفذن منحدراتٍ
وفرى الطيرُ والكلابُ القيولا
٣
ثم ما شاء زفس من يوم شَبَّت
أيّ ربٍ قضى؟ فما غير فيـ
ـبُوس وزفس ونكلَّا تنكيلا
٦
فابن لاطونة بأتريذ رام الـ
سُّوءَ مذ سامهُ جفاءً ثقيلا
٧
فدهى جيشه بشر وباءٍ
فغدت جنده تخر فُلُولا
مذ أهان المليك كاهنه الهمَّ
خريسًا لمَّا أتى الأسطولا
٨
يفتدي بنتهُ بِغُرّ الهدايا
وجميع الإغريق يدعو ذليلا
سيما العاهلين من ولد أترا
عسجديًّا أعلام ذي النَّبل فيبو
قال: «فرعي أترا وقوم أخايا
مَن حذيتم طرًّا حذاءً جميلا
منحتكم آل الألمب اعتزازًا
قهر فريام ثم عودًا جليلا
١١
فبفيبوس فرع زفس المعلَّى
من سهام الرَّدَى يهيل هُمُولا
١٢
إقبلوا فديتي وردُّوا فتاتي»
فجميع الإغريق ضجوا قبولا
١٣
آثروا حفظ حرمة الشيخ فيهم
وارتضاء الفكاك منه بديلا
غَيْر أن المقال ساء أغاممـ
ـنُون أترَا فردَّه مخذولا
قال: «يا شيخُ فاحذر القرب من فلـ
ـكي سواءٌ رجعت أم أنت باقي
ليس في الصولجان هذا ولا في
ذي عصابات رَبَّه لك واقي
١٤
لن تنال الفتاة بل سوف تبقى
ببلادي أرغوس مثل البواقي
تدرك العجز وهي تنسج قطنًا
ضمن صرحي بغربةٍ وانسحاق
وتلي مضجعي فقم واخشَ غيظي
إن ترم آمنًا لحاق الرفاق
ذعر الشيخ فانثنى واجمًا في
جرف بحر يعجُّ في الآفاق
١٥
ثم في عزلةٍ دَعَا ودُعاه
لابن لاطونةٍ أفلون راقي:
«رب يا ذا قوس اللُّجين استجبني
يا ولي السمنث يا عون كلَّا
إن أكن قد زيَّنت هيكلك الوهَّا
ج أو ما ضحيّت بالإحراق
ولسوق السّخال والثور زكَّيـ
ـت فسالت بشحمها المهراق
فبأبناء دانو نبلك الصُّـ
ـمُّ لتفتك بدمع هذي المآقي»
١٨
فرغ الشيخ فاستجاب أفلو
ن بأعلى الأولمب وانقض حالا
حاملًا وهو مزمهر على كتـ
ـفيه قوسًا وجعبة ونبالا
١٩
حانقًا كُلَّما خطا ارتجت النَّبـ
ـل عليه كالليل بالهول مالا
ورمى الفلك من بعيدٍ بسهمٍ
من لجين فزلزلت زلزالا
ضرب الغضف والبغال فألقى
شرَّ سهمٍ فجندل الأبطالا
٢٠
فتولت نيران موتاهم إثـ
ـر وباءٍ بالفتك تسعًا تَوَالى
٢١
شهدت ثمَّ ربَّة الأذرع البيـ
ـضاء هيرا دم الأراغس سالا
٢٢
فعليهم حنَّت فألهمت القرْ
مَ أخيلًا أن ادرأن الوبالا
فدعاهم للرَّبع عاشرَ يومٍ
واستوى قائمًا عجولًا فقالا:
٢٣
«أرانا أيا أتريذ والخطب قد عرا
نخوضُ على الأعقاب ذا اليوم أبحرا
٢٤
نتيه ولات الحين والرُّزء فادحٌ
وهذا الوبا والحرب قد أفنيا السُّرى
فسل قائفًا أو كاهنًا أو مفسرًا
رؤى الخلق إذ زفس رؤى الخلق سيَّرا
على ما أفلُّون من الجيش ناقمٌ
يَقُل أفبالقربان والنذر قصَّرا
عساه يزيل السخط إن ننتقي له
من العنز والحملان ذبحًا مكفرا»
فلما انتهى آخيل هبَّ ابن ثسطرٍ
أجل ذوي العرفان كلخاس وانبرى
٢٥
ففيبوس أولاه النُّهى وبهديه
لساحل إليون بأسطولهم سرى
خبيرٌ يعلم الغيب ماضِ وحاضرٍ
ومستقبلٍ فانساب فيهم محذرا:
«أتأمروني آخيل أن أكشف الذي
يغيظ إلاهًا ينفذ النَّبل أسطرا
سأفعل إن تقسم بأن تدفع الأذى
بكفك والإفصاح عني مجهرا
سيغضب قولي سيدًا ذا خطورةٍ
لديه الأخائيون تعنو كما ترى
٢٦
وليس لمرءٍ يغضب الملك حيلةٌ
وإن كظم السلطان غيظًا وأضمرا
٢٧
فلا بد أن يقتصّ وهو سجيةٌ
فهل لك إنقاذي إذا الأمر أظهرا؟»
فقال أخيل: «فا أمننَّ وهات ما
لديك من الإنذار بالغيب مخبرا
بحق أفلون مقرب زفسنا
ورب بما أولاك جئت معبرا
فما اختلجت نفسي بصدري ومقلتي
بعيني من الإغريق لا تخش منكرا
ونفس أغاممنون قيل قيولنا
إذا كنت تعني لن تمسَّ وتعثرا»
٢٨
فلما اطمأن الشيخ قال: «فما على
ذبائح أو نذرٍ هوى السخط مسعرا
ولكن أتريذًا على الكاهن اعتدى
وأمسك عنه بنته وتجبَّرا
فإن لم تؤب فالويل فيكم فخيمٌ
وليس يُداني الجبر منكم مكسرًا
لترجع لأهليها بلا فديةٍ ولا
بديلٍ وتؤتون الذبيح المسطَّرا
فيعطى خريسًا ثم نستدفع الأذى
ونستعطف الربَّ الغضوب لما جرى»
فقام أغاممنون ذو الطول مغضبًا
يميِّزه الغيظ العنيف تسعرا
وقال وعيناه تطاير منهما
شرار لكلخاس الولي معزِّرا:
«أيا منبئ السوء الذي لم يفه لنا
بخير ولكن ظل بالشر منذرا
٢٩
بقولٍ وفعلٍ لم تقم قط حكمةً
وها أنت للأسرار جئت مفسرا
تقول إله النبل قد شد صائلا
لأني لم أرض الفداء المقررا
ولم تدر أني جانحٌ لبقائها
وقد فضلت زوجي كليتمنسترا
٣٠
فليست بحسن القد والخد دونها
ولا بسمو العقل والفعل مخبرا
ومهما يكن من ذا فأخلي سبيلها
إذا كان خيرًا للجنود لتظفرا
أود زوال السخط عنهم وإنما
أروم جزاءً أرتضيه فأصبرا
٣١
فيبدو لي الإغريق أني لم أكن
بلا سلبٍ كي لا أهان وأصغرا
٣٢
وكلكم فينا شهودٌ بأنني
حرمت نصيبي والقضاء تقدرا»
فقال المجتبى آخيل: «مهلًا
أيا أتريذ يا سامي المقامِ
٣٣
أأطمع كل مخلوق أترجو
مكافأة الأراغسة العظامِ
فليس لهم وتعلم بيت مال
يضم كنوز أموال ركامِ
فما نلنا من المدن اللواتي
دككنا شاع بين ذوي السهامِ
وكيف يليق سهم الجند نجبو
وقد نالوا على هامٍ وهامِ
فعد وأرجعنَّ فتاة قومٍ
أثاروا غيظ رشَّاق السهامِ
وموعدنا إذا إليون دكت
بنعمة زفسنا مولى الأنامِ
بأضعافٍ مثلَّثةٍ وأوفى
نجيزك فاعتبر حرج المقام
فصاح يجيب: «يا آخيل يا من
حكى الأرباب دع هذي المسالك
٣٤
فلست بخادعي أبدًا وإني
تراني غير منقادٍ لقالك
أرد سبيتي وذهاب سهمي
وسهمك فائزٌ خطرا ببالك؟
٣٥
وإلّا خلتني أعتاض قسرًا
بمال أياس أوذس أو بمالك
هناك أحلُّه خيمي بنفسي
ومن وافيت فليحنق هنالك
سنبحث، واقذفوا فورًا هنا في
غرابٍ في عباب البحر حالك
٣٧
نراه بالأرادم والضحايا
وذي الحسناء فوق اللج سالك
٣٨
عسانا بالتزلُّف والضحايا
لرب النبل ندرئ المهالك»
فقال أخيل يشزره غضوبًا:
«أيا طمعًا تدثر بالشنارِ
وهل في القوم بد فتى خداعا
تغرُّ هنا فيبدر في بدارِ
علمت بأنني لم آت بغضًا
بأقوام الطَّراودة الكبارِ
فقط علي لم يبغوا بسوءٍ
وما سلبوا خيولي أو ثياري
وما نهبوا بأم البهم فثيا
وذات الخصب زرعي في دياري
٤٠
ففيما بيننا لجج عماقٌ
وغاباتٌ على الشم القفارِ
وإليونًا أممناها التماسًا
لما يرضيك نأخذها بثارِ
وندفع عن منيلا شر بؤس
وعند وقد جزيت بالاحتقارِ
ورمت سبيةً ما نلتُ إلا
ببطشي إثر إعلاء الغبارِ
حبانيها الأخاءُ وأنت منهم
أيا كلبًا يصول بطرف عارِ
فإن نمرح بطروادٍ زمانًا
وعثنا بالمدائن بالبوارِ
وأمسينا نقسم ما سلبنا
فلي نزرٌ وتحظى بالخيارِ
فحظك قد تراخى عنه حظي
وباعي حمِّلت ثقل الطواري
وأرضي قسمتي وأسير فيها
لفلكي مفعمًا شرر الأوارِ
سأقلع راجعًا ولديَّ خيرٌ
أعاود موطني وأحل داري
وأشهد لست تلقى بعد خذلي
كنوز المال في جرف البحارِ»
٤١
فقال: «إذن وقد رمت انهزامًا
فقر فلست ملتمسًا بقاكا
فلي بسواك عزوة خير رهط
أجلُّوني وزفسٌ لي سواكا
وفيما بين كل قيول زفس
أنا لم أقل قط فتى قلاكا
بفلكك عد لأهلك في سراكا
وسد بين المرامد مُشتهاكا
٤٣
وزد قهرًا بأني مذ خريسا
بغى عني فبوس لها انفكاكا
أسيرها بصحبي في سفيني
وفي نفسي أسير إلى حماكا
فتاتك منك أعتاض اقتدارًا
فتعلم ما مداي وما مداكا
٤٥
ويخشى من سواك هنا بوجهي
مفاخرتي فلا يهوى هواكا»
فأحزن آخيل وقد ضاق صدره
ونازعه في صدره عاملًا فكرِ
أعن جنبه يستلُّ ماضي عضبه
ويأخذ في تشتيتهم عائل الصَّبرِ
ويصرع أتريذًا على الفور أم يرى
سبيلًا لكظم الغيظ في أهون الأمرِ
رأى وإذا من جنة الخلد أهبطت
أثينا وجرته بأشعاره الشقرِ
٤٦
رسولة هيرا تلك من لكليهما
تبرُّ ولا تختار برًّا على برِّ
ولم يرها من زمرة الجمع غيره
بدت خلفه والعين حمراء كالجمرِ
تحقق مرتاعًا ثبوتَ هبوطها
فبادر يشكو شدة الأمر والوزرِ:
«أيا ابنة رب الترس زفس أجئتني
هنا لتري كيد ابن أترا وتستقري
فأنبئ والإنباء ظني صادقٌ
سيلقى بما قد غرَّهُ حتف مغترِّ»
أجابته زرقاء اللّواحظ: «إنما
أتيت لأسري الغيظ عنك عسى يسري
بإيعاز هيرا مرتضاة كليكما
بعثت فخل الشر وادفع لظى الشر
٤٧
وفي كفك الفتاكة أغمد حسامها
وقابل أغاممنون ما شئت بالزجر
وأصدقك الوعد اليقين فخذ به
فسوف تنال الجبر من بعد ذا الكسر
ثلاثة أضعاف الذي سينالُهُ
ستحرز يومًا فانتصح واستمع أمري»
فقال: «أراني يا إلاهة مجبرًا
على الطوع مهما كان في النفس من قهر
فذلك خيرٌ من يطع سادة العُلى
يُثبْ ولهُ من بعدُ أجرٌ على أجرِ»
وأغمد تعلو كفُّهُ فَوقَ قبضةٍ
لجينية نصل الحسام الذي يفري
فسارت أثينا للألمب لقومها
بدارة رب الترس في قمة القصر
وغيظ أخيل ظلَّ غير مسكنٍ
ومال على أتريذ بالشتم والنَّهْرِ:
٤٨
«يا مليكًا بنشوةِ الراحِ مثقلْ
يا لحاظ الكلاب يا قلب إيل
٤٩
لم تكن قطُّ كفءَ خوض المنايا
بين قوم الإغريق إن يعل قسطل
لم تقد قط صيدهم بكمين
كل هذا يريك موتًا معجَّل
٥٠
هو خيرٌ علمت أن تسترد الـ
ـسهم ممن يصد قولك إن ضلْ
أنت ذا الشعبَ قد فرست بظلمٍ
حيث بين الأنذال كنت المفضَّلْ
كنت لولا هذا أأتريذ في ذا الـ
ـحين تلقي هونًا أخيرًا وتخذلْ
لك مني نبوءة ويمين
أثقلت في ذا الصولجان المبجَّل
٥١
محجنٌ لن يزهو له ورقٌ مذ
راح عن جذعه على الشم يفصلْ
كيف يزهو وقاطعُ الحد عرَّا
ه وهيهات بعد ذلك يخضلْ
إي وذا الصولجان وهو وليٌ
لجموع الإغريق في العقد والحلْ
بين أيديهم يناط وهم حفَّـ
ـاظ شرعٍ لزفس فيهم تنزَّلْ
قسمي وهو ألوة لك كبرى
سوف يبكي أخيل جيش منكَّل
حين هكطور فيه يبطش بطشًا
وتروم الذياد عنه فتفشلْ
فبك النفس تصطلي وهي حنقى
منك إذ كدت خير شهمٍ وأبسل»
وإذ انتهى ألقى أخيل إلى الثرى
بالمحجن المزدان في قتر الذَّهب
٥٢
واحتلَّ مجلسه وأتريذٌ على
كرسيه متسعرٌ بلظى الغضب
فانساب بينهما الموفق نسطرٌ
والشهد من شفتيه بالنطق انسكب
٥٣
وهو الخطيب أخُو الفصاحة والنهى
في فيلسٍ فأراد إخماد الشغب
قد كان يحكم ثالث الأجيال فيـ
ـها بعد أن جيلين عاصر واصطحب
٥٤
متجللًا برزانةٍ ورصانةٍ
في مجمع الإغريق مُنتصبًا خطب:
«ربَّاه أي رزيةٍ صماء قد
هجمت على أرض الأخائيينا
لا شك فريامٌ وكلُّ بنيه والـ
ـطروادة الباقون يبتهجونا
إذ يعلمون لما اختصامكما أيا
من فقتما بأسًا علا ويقينا
فاستعصما بنصائحي فكلاكما
دوني حئولًا جمَّةً وسنينا
ولقد صحبت بما مضى صيدًا أشـ
ـدَّ وقد رَعَوا لي حرمةً وشئونا
لم ألق قطُّ ولن أرى في ذا الورى
بين الرجال كفير ثو أو كينا
أو إكسذٍ أوثيس بن أغيس من
قد كان مثل الخالدين رزينا
أوذريس راعي الورى والمُجْتَبى
فوليفمٍ قومٍ خلوا صلدينا
كانوا أشدَّ العالمين وقاتلوا
قومًا شدادًا في النزال شبينا
٥٥
وعلى قناطرة الجبال سطوا ولم
يذروا لهم أثرًا يُرى مأمونا
٥٦
وصحبتهم واستقدموني جملةً
من موطني فيلوس ملتمسينا
فنجدتهم جهدي وألقيت الزما
ن بمثلهم في الروع كان ضنينا
وبكل شوراهم إذا رأبي بدا
تخذوه بالإجماع متفقينا
لكما بهم مثل أطيعاني إذا
وخذاه رأيًا صائبًا ورصينا
فاحذر أيا أتريذ غصب فتاته
مهما علوت أماجدًا وقرونا
هي لابن فيلا قد حباه بها بنو
إغريقيا حقًّا له مضمونا
وتجاوزن آخيل عن ملك حوى
شأنًا علا شأن الملوك ركينا
ولئن تفق بأسًا وأمك ربةً
كانت فزفسٌ زاده تمكينا
وهو الأشد قوىً وأكثر عدةً
وانبذ أيا أتريذ عنك ضغونا
وأخيل صاف وراعني فلقد غدا
في ذا الوغى حصن الأخائيينا»
٥٧
فقال أغاممنون: «يا شيخ حكمةً
نطقت ولكن ذا المقاتل يستعلي
يروم امتلاك الأمر والنهي إنما
بعلمي من لا يتَّقيه ولا يدلي
وإن تكن الأرباب أولته شدة
فهل هم أباحوا أن يهين أولي الفضل»
أجاب أخيل للحديث مقاطعًا:
«بأمرك مر غيري فلم يمتثل مثلي
فإن رحت منقادًا لقول تقوله
إذًا فادعني ندلًا وأوضع من ندل
ولكن لي قولًا صريحًا فخذ به:
لأجل فتاتي لستُ منتضيًا نصلي
ولن أتصدَّى للدِّفاع لأيكم
لسلبكم بالعنف ما نلت بالعدل
ومن دُونِها احذر أن تمد يدًا لما
حوت سفني وافعل إذا تقت للفعل
ير الجيش ما تبدي ورمحي عاجلًا
يسيل دما كالسود فابل إذا تبلي»
كذا انفصلا بعد اختصام وحدة
وفض اجتماع الحشد من بعد ذا الفصل
فآخيل في فطرقل والصحب قافلا
إلى فلكه والخيم في منتهى السهل
٥٨
وأتريذ ألقى للعباب سفينةً
بعشرين ملاحًا تنقَّى بلا مهل
وفيها خريسا والضحايا لفيبس
وربَّانها أوذيس ذو الفضل والعقل
ومذ مخرت أتريذ نادى بجنده
وضوءًا وتطهيرًا فقاموا إلى الغسل
ولبَّوهُ والأقذار في البحر أفرغوا
وقادوا الضحايا خيرة الثور والسَّخل
٥٩
وأذكوا لها في الجرف نارًا تصاعدت
دُخانًا إلى الزَّرقا روائحها تُعْلي
بذا اشتغلوا طرًّا وأتريذ لم يزل
بهاجسه في كيد آخيل ذا شغل
دعا أورباتًا ثم تلثيبيوس من
له لم يزالا أصدق الصحب والرسل
وقال: «اذهبا اقتادا بريسا بزندها
إلى هنا من خيم آخيل ذي النُّبل
٦٠
وإن هو يأبى جئته بعصابةٍ
بنفسي فيزداد انخذالًا على خذل»
سارا يسوقهما الأمر العنيف على
البحر المخوف على رغم على ألم
بين المرامدة الغضى أخيل بدا
لدى سفينته السوداء والخيم
رآهما فتلظى واحترامهما
والخوف صدَّاهما عن واجب الكلم
٦١
فاستوقفا وجلًا والقلب أنباه
فقال مبتدرًا بالبشر والسَّلم:
«يأمر سلي زَفس والناس أدنوا عجلًا
ما الذنب ذنبكما إن تقصدا علمي
أتريذ يبغي بريسا فاأتين بها
فطرقل يا مجتبى زفسٍ فهيت قم
ليأخذاها وعند الخالدين وعنـ
ـد الناس والمعتدي فليشهدا قسمي
لئن تولَّت سرى الإغريق نازلةٌ
واستدفعوا العار واضطروا إلى هممي
٦٢
… … … … … … … … … …
… … … … … … … … … …
لا شك أودى به الغيظ المشوم فلم
يذكر ولم يتروَّ الأمر بالحكم
حتى إذا قاتلوا في ظل فُلكهم
ظل الأخاءة في أمن وفي سلم»
فقام فطرقل يمضي أمره وأتى
بها بقلب بنار البث مضطرم
تسلَّماها وسارا وهي مكرهةٌ
لفلك ملك المكينيين ذي العظم
٦٣
فغادر الربع آخيل وسار إلى
الجرف الخلي يفيض الدَّمع كالديم
٦٤
وصاح يبسط ذرعًا وهو يحدق في
بحر طغى مستمدًّا رحمة الرَّحم:
٦٥
«أماه ثيتيس مذ أولدتني وقضى
زفسٌ بقصر حياتي فليصن شيمي
٦٦
علي ضن بنذر المجد حيث أغا
ممنون في طوله يسطو على قسمي»
هبَّت وقد سمعت من لُجها صعدًا
مثل الدخان من الأمواج كالنَّسم
من قرب نيرا أبيها الشيخ طائرةً
علت فألفته يُهْمي دمع محتدمِ
فعانقته وصاحت: «يا بُنيَّ علا
م ذا البكاء فبح بالضيم لا تَجِمِ»
قال والنفس صعَّدت زفرات:
«ليس تجدي لما علمت الإعادَهْ
٦٧
قدس إتيون ثيبةً مُذ دهمنا
وارتفدنا منه أجلَّ ارتفاده
٦٨
وزع الكسب ها هنا وخريسا
نال أتريذ غادةً أيَّ غاده
فاتانا خريس كاهن فيبو
س مثير السهام يلقي المقادَهْ
يفتدي بنته بغرِّ الهدايا
وبيُمناه صولجان السِّيادَهْ
صولجانٌ من عسجدٍ وعصابا
تُ أفلون فوقه ميَّاده
فاتانا مستنجدًا مستجيرا
راجيا من جميعنا إنجاده
«سيما العاهلين من نسل أترا»
فجميع الإغريق حقُّوا مراده
٦٩
آثروا حفظ حرمة الشيخ فيهم
وقبول النَّفائس الوقَّاده
فابن أترا استشاط يطرده من
بيننا موريًا عليه احتداده
ذعر الشيخ وانثنى بدُعاء
وفبوس استجابه واستجاده
فرمانا سهمًا فبدَّدنا والـ
أسهم الدُّهم أنفذت بدَّاده
طفقت جندنا تخر ركامًا
بعضها فوق بعضها منقاده
فقه الأمر كاهنٌ ذو سدادٍ
واحتدام الإلاه أدَّى مفاده
فطلبت استرضاءه فانبرى أتـ
ـريذ حالًا يبدي عَلَيَّ اشتدَادَه
وأعَدَّ الوعيد ثم قضاه
وأراد الإغريق منع الزِّيادَهْ
فأعدوا سفينةً سيَّروها
بخريسا إلى أبيها مُعَاده
ثم ساروا وأوفدوا بنذورٍ
شائقاتٍ للرَّبّ خير وفاده
وبذا الحين قام من خيمي الرسـ
ـلُ بسهمٍ أوتيت حقَّ الجلادَه
لابن أترا يستصحبون بريسا
أنجدي ابنًا عليك ألقى اعتماده
أنصفيه إذا استطعت وسيري
لِلْعُلى في ألمب ربِّ العباده
واستغيثي إن كنت حقًّا بقولٍ
أو بفعلٍ خلبتِ يومًا فؤاده
باعتزاز سما بقصر أبي كم
مرة قد رويت خير إفاده:
عندَ ما فُوسِذ وَهِيرا وآثيـ
ـنا استطالوا على ولي الإبادَهْ
٧٠
وتجاروا لغل زفس الذي ير
كم غيم العلى ويدجي اسوداده
لم يكن بين عصبة الخُلْد إلَّا
ك يقيه من ورطةٍ مرتاده
فابتدرت الأغلال بالحلِّ والجـ
ـبار حالًا دَعَوْت يبدي جهاده
٧١
«مئة أذرعًا له وهو يدعى
بريارا في عُرف أهل السعاده
ولدى الناس إيجيون يُسمَّى»
من فسيح الأولمب رام افتقاده
من أبيه أشدُّ بأسًا وعند ابـ
ـن قرون أقام يوري زناده
٧٢
فاقشعر الأرباب منه هلوعًا
وارعووا عن مكيدة نقَّاده
٧٣
أقصدي زفس ذكريه بهذا
قَبِّلي ركبتيه وارجي مداده
ليبيد الإغريق بالجرف قر
ب الفلك قهرًا وينجد الطرواده
وابن أترا يرى بمجد علاه
حَطُّ مجد المِحْرَاب أيَّان قادَه»
قالت وأهمت دموع الحزن: «والهفا
وهل ولدتك كي تشقى وتشقيني
ما ضر لو كنت عند الفلك مغتبطًا
لم تلق ضُرّا وتذرف دمع مشجون
فقد ولدتك أشقى الخلق واأسفي
في طالع السَّوءِ للأحزان والهونِ
تكاد تبلغ آجالًا مُعَجَّلةً
ولم تزل بين مرغوم ومحزونِ
نعم إلى قمه بالثلج ضافيةٍ
فوق الألمب سأمضي ساعة الحين
أشكو إلى زفس قذَّاف الصواعق ما
تشكو عسى يرعوي رِفقًا ويدنيني
وأنت ظل عن الإغريق معتزلًا
بقرب فلكك لا تلوي على لين
بالأمس للأوقيانس سار زفس مع الـ
أرباب في دعوةٍ جُلَّى التزايين
يقضي برحلته اثني عشر يوم صفا
بالأثيبيين في رهط العرانين
٧٥
فركبتيه متى يأتي أقبل في
قصر النحاس عسى يصغي ويكفيني»
وغادرته بقلب لاهب حنقًا
لغصب غادته الميساء مفتون
هذا وأوذس ماض في ضحيَّته
إلى خريسا وذاك الثغر مذ وصلا
٧٦
طوى الشراع إلى قعر السفينة والـ
ـحبال حلَّ وحالًا أنزل الدَّقلا
٧٧
وقام يجذف للمرفا ويطرح مر
ساة ويوثق شد الجمل معتقلا
٧٨
فأخرج الذِبْحَ والحسناء تتبعه
إلى مقام فبوسٍ فانثنى وتلا:
٧٩
«أيا خريس أغاممنون أرسلني
لرد بنتك واستدراك ما حصلا
لفيبسٍ بضحايانا نقرِّبها
جئنا عساه يزيل السُّخط والعللا»
آوى إليه ابنة رَقَّت عواطفه
لها وباشرت الإغريقة العملا
صَفُّوا على المذبح الزدان ذبحهم
ذرُّوا الشعير وكل كفَّه غَسَلا
٨٠
وللسماء خريس مدَّ في لَهَفٍ
يد الضَّراعة يدعو الرب مبتهلا:
«يا رب كلا وذا قوس اللجين ويا
مولىً بقوَّته تِينِيذسًا وصلا
٨١
ويا ولي خريس قد أجبت دعا
دعوته وبلوت القوم شرَّ بلا
أجب سؤالي وعن أبناء دَانَوس
أزل وباءً على أعناقهم ثقلا»
٨٢
كذا دعا وأفلُّون استجاب وهم
دعوا وذرُّوا شعيرًا طاهرًا فضلا
والذابح الذبح أعلى رأسه وكذا
من بعد تجريده أفخاذه عزلا
٨٣
بالشحم غشَّى حواشيها وأتبعها
الأحشاء داميةً من فوقها وشلا
فأضرم الشيخ خشبانًا مقطَّعةً
والخمر صبَّ عليها والصلا اشتعلا
وحوله بسفافيد مخمَّسةٍ
أطرافها فتية الإغريق والنبلا
حتى إذا ذابت الأفخاذ واجتعلوا
باقي الحشا اقتسموا اللحم الذي فضلا
٨٤
ثم اشتووه وهبوا للطعام ولم
يكن بهم قط شاك لم ينل جُعلا
لما اكتفوا بكئوس الرَّاح طافِحَةً
داروا وفتيتهم قد رتَّلت جذلا
ظلوا نهارهم يبغون بالنَّغم الـ
ـشادي تقبُّل ربّ منهم انتفلا
٨٥
وعظَّموه بأنشادٍ له نُظِمَت
فطاب نفسًا بطيب اللحن واجتذلا
٨٦
حتى إذا أبرزت وَرْدِيَّ أَنْمُلها
بنت الصباح وذات الفجر مُنْجلا
٨٧
عادوا لقومهم والريح مسعفةٌ
لهم بفيض إله ذبحهم قبلا
هبوا إلى نشر مبيض الشراع على
أكناف سارية ثم انثنوا عجلا
راحوا ومركبهم شق العباب على
تلاطم الموج يدوي حوله قللا
كادوا يطيرون حتى قومهم بلغوا
فللرصيف استجروا المركب العجلا
القوة بين عِضَاداتٍ مثبتةٍ
وبين فلكٍ وخيم فُرِّقوا جُمُلا
٨٨
وظل أخيل حانقًا عند فلكه
بعيدًا عن الشورى افتخار البواسل
يؤجج في أحشائه نار عُزلةٍ
ووجدٍ لضجَّات الوغى والجحافل
٨٩
وفي فجر ثاني عشر يومًا مقامهُ
أتى زفس في رهط الخلود الأفاضل
٩٠
ولم تك ثيتيس لتنسى وعودها
فشقَّت عبابًا حال بين المراحل
تجاوزت الجو الفسيح إلى السما
إلى حيث زفسٌ بالجبال العواطل
على القمة العليا بهن قد استوى
بعيدًا عن الباقين جم المخايل
٩١
تدنَّت إليه وانْبَرَت مستجيرةً
ومست بيمنى ذقن مولى العواهل
ومالت بيسراها تقبِّل ركبةً
وتلتمس الحسنى بكل الوسائل:
«أبا الخلق زفسًا إن صدقتك خدمةً
بقولي وفعلي بين رهط الأماثل
٩٢
أجر ولدي أدنى الرجال إلى الرَّدى
فقد حطَّهُ أتْريذ حطَّة خاذل
وأعدمه سهمًا فلا تطرحه يا
حكيمًا تجلَّت فيه غُرُّ الشمائل
أفز جيش طروادا ليعظم قدرُهُ
ويُنْزله الإغريق أسمى المنازل»
فأبطأ رَكَّام الغيوم ولم يجب
على الرُّكب انقَضَّت وصاحت «الأصل
وماذا الذي تخشى فخل تعلُّلا
وقل أو أشر بالوعد أو رفض نائلي
فأعلم بين الخالدين مذلَّتي»
فقال مبينًا زفرة المتثاقل:
٩٣
لذلك عبر ضيق إن نمي هنا
لهيرا انبرت لي بالجفا والقلاقل
فتوغر صدري إذ بكل نميمةٍ
بمجتمع الأرباب تثقل كاهلي
وتزعم أني للطَّراود ناصرٌ
فَهُبي ولا تنظرك هبةً عاجل
سأنظر فيما تبتغين وهاكها
إشارة وعد بالإجابة قائل
ففيها بدار الخلد عهدٌ مصدقٌ
وثيق وطيد لن يمس بطائل»
وحرَّك جفنه فمادت شعوره
وزلزل عرش الخلد أقوى الزلازل
٩٤
بعد هذا الحديث سار الإلاهان
فثيتيس للعباب العسوف
من أعالي الأولمب غاصت وزفسٌ
عاد للصرح في المقام المنيف
نهضت أرباب العلى لأبيها
حرمةً واختشاء هولٍ مخيف
حل في عرشه وهيرة بالمر
صاد كانت ما بين تلك الصفوف
٩٥
أبصرتْهُ يلقي ابنة الشيخ نيرا
ذات رجل اللُّجَين بالمعروف
فعليه مالت سريعًا بعزمٍ
وتلقته بالكلام العنيف:
«من ترى أيها الإلاه المُدَاجي
قمت تدني إليك طيَّ السُّجوف
٩٦
قد كرهت استيداع سرك عندي
إن أغب رمت سر غير أَليف»
قال ربُّ الأرباب والناس طرَّا:
«لا ترجي استطلاع كل صروفي
لا تطيقين لا وإن كنت زوجي
غير عرفان حقك المألوف
ذاك لا خالدٌ ولا بشرٌ قبـ
ـلك يروي له أقلَّ الحروف
وحذار السؤال عمَّا أرى أن
رمقته بطرف عين مهاةٍ
ثم قالت: «وما الذي ترويه
٩٨
أنا لا أطلب التفحص عما
تَبْتَغي أجر أنت ما تشتهيه
إنما خشيتي من ابنة شيخ الـ
ـبحر أن تعتلي بمكرٍ وتيه
وافت الفجر والتقتك بلثم الـ
رُّكبتين ابتغاء أمرٍ بديهي
ويقينًا أشرت بالوعد أن يحـ
ـظى أخيل بكلِّ ما يبتغيه
وبمرأى الإغريق في فلكهم تر
دي ألُوف الأبطال كي ترتضيه»
٩٩
قال: «غاليت في مراقبتي ويـ
ـك وأكثرت ثقلة التَّمويه
١٠٠
لن تنالي بذاك إلا نُفُوري
بل تذوقين طعم خذل كريه
ولئن كنت قد صدقت بما قلـ
ـت لأستحسنن ما أجريه
فالزمي الصمت في مكانك إيَّا
ك خلافًا وهاك أمري فَعِيهِ
ليس يُنْجِيك من ثقيلِ ذِراعي
في أُلمبي جميع من حل فيه»
جلَسَتْ أصمتت وخارت فؤادًا
وبنو الخلد بلبلوا بلبالا
١٠١
فتصدى الحدَّاد ذو الشأن
هيفست لتسكين أمه ثم قال:
١٠٢
«فدح الأمر إن تكونا لأجل النـ
ـاس بالأرض تُنْشبان القتالا
وإذا ما أوْسَعْتُمانا جفاءً
كيف نبغي الصفا وننعم بالا
لك نصحي مهما تعي حكمةً أن
تتقيه وأن تليني المقالا
خشيةً أن يشتدَّ زجرًا فتمسي
كأس أفراحنا بذاك وبالا
هكذا شاء قاصف الرعد وهو الـ
أعظم الفائق الجميع كمالا
١٠٣
وهو كفوء لهدِّ كل قوانا
بعروش قد أعظمتنا جلالا
سكني غيظه بعذب الأحاديـ
ـث فيرضى عنَّا ويحسن حالا»
ثم زجَّى لها وقد قام كأسًا
طفحت قال: «هاك خمرًا زلالا
١٠٤
همدي الرَّوع كلما اشتد إني
مشفق أن يسومك استذلالا
لست كفأ مهما علقت بقلبي
لدفاعٍ أراه أمرًا محالا
ساقَني العزم مرَّة لانتصارٍ
لك فاجترَّني برجليَّ حالا
ورمى بي من السماء فدحرجـ
ـت نهاري حتَّى سنا الشَّمس زالا
فوق لمنوس خائر العزم أُهْبِطْتُ
لدى السِّنت فالنقطت معالا:
١٠٥
ببهي اليدين من بعد أن هشـَّ
ـت وبَشَّت تناولتها فمالا
وأدار السُّلاف دورًا على البا
قين يسقي يمينهم فشمالا
مقبلًا يستقي من الدَّن صرفًا
وهو يجري ويحسن الإقبالا
فعلا الضحك بينهم إذ رأوه
هارعًا فيهم بقصرٍ تعالى
١٠٦
لبثوا يؤلمون يومهم بيـ
ـن طعامٍ يُؤتى وحظٍ توالى
وفيوس بضرب قيثاره والـ
ـحُورُ ينشدن بهجةً وجمالا
وإذِ الشَّمْس بالخباء توَارَت
كلُّ ربٍ مضى يروم اعتزالا
نهضوا للمنام ضمن صروحٍ
شاد هيفست بالسنا تتلالا
١٠٧
وكذا زفس رام مضجعه حيـ
ـثُ لَذِيذ الهُجُوع يلقي الظِّلالا
وإلى جانبيه من فوق عرشٍ
عسجديٍ هيرا تشوق اعتدالا