دون السفائن والدُّجَى قد خَيَّمَا
هجم الهجوعُ على الجيوش مُنَوِّمَا
فتمتعوا بهنيئه لكنَّما
أتريذُ يأرَق بالهواجس مفعَما
٢
كقرين هيرا إن أقام مهيِّئًا
بردًا وسيلًا في البلاد عرمرمَا
٣
أو رام يستر ثلجُه وجه الثرى
أو تَفْغَرُ الحربُ المهدِّمَةُ الفَمَا
٤
في الجو تقصِفُ وامضاتُ بروقِه
كفؤادِ أَتْرِيذٍ يهيج تَضَرُّمَا
لمعسكر الطروادِ يُلْفِتُ تارة
فيرى مقابِسَهُمْ بذيَّاك الحما
وعجيجَهم وصدى ترسُّلِهم على الـ
ـشَّبَّابِ والقصب الرخيم ترنُّما
فيعود مذعورًا وطورًا ينثني
نحو السفائن ثم يُحْجِمُ مرغَمَا
وشعوره بأصولِها وفروعِها
يجتثُّ مبتهلًا لزفس تظلُّما
ويُصَعِّدُ الزفراتِ من لُبِّ الحشا
متبصِّرًا فيما عسى أن يُلْهَمَا
فبدا له أنَّ الصواب بملتقى
نسطورَ عَلَّ لديه رأيًا أقوَمَا
ولعله بحجاه يدرِك منفَذًا
يُوقَى به الإغريقُ شرًّا أعظَمَا
فاشتد منتصبًا وأدرع موثِقًا
خِفَّيْهِ في رِجْلَيْهِ وَثْقًا مُحْكَمًا
وعليه ألقى جلد قَسْوَرَةٍ إلى
عَقِبَيْهِ يسترُه وقَلَّ اللَّهْذَمَا
٥
وقضى مَنِيلَا ليلَه أرِقًا علَى
قلق يفكِّرُ ساهدًا متألِّمَا
يخشى على القومِ الأُلَى خاضوا العُبَا
بَ لأجله وأَتَوْا يُرِيقُونَ الدِّما
فعلى عريض الظهرِ ألقى مسرعًا
بردًا بَهِيًّا جلدَ فهدٍ مُعْلِمَا
٦
وتَرِيكَةُ الفولاذ تعلو رأسه
وبصُلب راحته السنان مقوَّما
وعَدَا ليُوقِظَ سيدَ القوم الذي
كعظيم ربٍّ فيهم قد عُظِّمَا
٧
ألفاه في راس السفائن قائمًا
مستبشرًا لقدومه مستلئمَا
فبدا مَنِيلَا بالخطاب: «أخي لِمَا
ذا أنت مُدَّرِعٌ أتبغي سيِّدا
متجسِّسًا يأتي العُداة وخشيتي
أن لا ترى قَرمًا يُلَبِّي مفرَدا
ولئن وقعتَ عليه في قلب الدجى
فلذاك قلب لا يُرَاعُ من الرَّدَى»
فأجاب: «أنت بحاجة وكذا أنا
لمُصِيبِ رأيٍ نبتغيه مُنْجِدَا
أفلا ترى زَفسًا تغيَّر مؤثِرًا
قربان هَكْطُرَ فاجتباه مؤيِّدا
ما خلتُ ما بُلِّغْتُ قَرمًا غيرَه
أمثال هذا الويل أنزلَ في العدى
ما كان للأرباب يُنْسَبُ مَوْلِدًا
وأنالنا الويلاتِ تُذْكَرُ سرمَدَا
٨
فامض ادع آياسًا وإِيذُمِنًا كذا
كَ أنا إلى نسطورَ أذهب مُقْعِدَا
فعساه في الحراس يُنْفِذُ أمرَه
مذ فيهمُ قد كان أرفع سؤدُدا
وعليهم من قبلُ أمَّرنا ابنَه
والشهم مريونًا» فقال وقد عدا:
«أفبانتظارك أَلْبَثَنَّ لديهما
أم أُبْلِغَنَّ وأَرْجِعَنَّ مُخَوِّدَا»
٩
قال: «ابق ثَمَّةَ فالمعسكر سُبْلُهُ
شتى وأخشى أن نُضَلَّ بها الهدى
١٠
سِرْ صائحًا بالجيش يصحُ مناشدًا
كُلًّا أباه ومُنْتَمَاهُ مَحْتِدَا
عَظِّمْهُ لا متعظمًا واجهد فزَفـ
ـس منذ نشأتنا قضى أن نُجْهَدَا»
١١
فكذا أغاممنون حَضَّ شقيقَه
ولِخَيْمِ نسطورَ الحكيم تقدَّما
ألفاه قرب خيامه وسفينه
وَسِنًا على غض الفراش قد ارتمى
وتليه شِكَّتُهُ البهية خوذةٌ
والجوبُ والرمحانِ ثَمَّةَ قُوِّمَا
وكذاك لَأْمَتُهُ التي يجري بها
للحرب في صدر الفوارس مُقْدِمَا
شيخٌ وما أيامه بمُذِلَّةٍ
لقواه بل ظلَّ الكميَّ الْأَيْهَمَا
١٢
فَصَحَا يُمِيلُ الرأس متكئًا على
يده وأَترِيذًا دعَا مستفهما:
«من أنت من بين السفائن والحِمَا
والناسُ ناموا في الدجى قد أسأدا
١٣
أفرمت بعض الصحب أم حراسنا
لا تأتِني بالصمتِ قل لك ما بدا»
١٤
فأجاب: «يا نَسْطُورُ يا فخر الأرا
غِسِ ذا أغاممنون فاعرفْه اغتدى
زَفْسٌ يهيل عليَّ من دون الورى
جهدا مدى عُمُرِي يدومُ على المدى
ولقد جفا طرفي الهجوع وساقني
قَلَقِي فجئتُك قاصدًا مُسْتَنْجِدَا
أبدًا يؤرِّقني وبالُ رجالنا
والحرب قائمةٌ ومرجعهم غدا
فالنفس بي جاشت وقلبي خافقٌ
ومفاصلي ارتعدت وعزمي بُدِّدَا
أفلا أتيتَ وأنت مثلي ساهدٌ
تمضي إلى الحراس كي نَتَفَقَّدَا
١٥
فلعلهم في جُهدهم ونُعاسهم
تركوا خِفَارَتَهُمْ وباتوا رُقَّدَا
فمعسكر الأعداء ذاك ورُبَّمَا
في الليل أورى حربَه مُتَمَرِّدَا»
فأجاب نسطورٌ: «أيا مولى الورى
ما خلتُ زَفْسَ مرامَ هَكْطُرَ مُسْعِدَا
ولسوف يأخذه العناءُ إذ ارعوى
آخيلُ يُخمِد غيظَه المتوقِّدا
وَلْنَمْضِيَنَّ فإنني لك تابع
فنقيم هاتيك السراةَ الهُجَّدَا
ذا الرمح ذُومِيذًا وأُوذِيسًا وآ
ياسَ السريعَ ومِيجِسَ الْمُتَجَلِّدَا
ولنطلبنَّ الملكَ إيذُمِنًا وآ
ياسَ الكبيرَ ففي السفائِنِ أَبْعَدَا
وكذا مَنِيلاس الذي أجللته
ولئن تُغَظْ فسألتقيه مندِّدَا
ما كان أجدَرَهُ يليك محرِّضًا
أبطالنا متزَلِّفًا متودِّدَا
أفيهجعنَّ ويتركنَّ لك العَنا
والرُّزءُ برَّح والوَبالُ تَشَدَّدَا»
فأجاب أتريذٌ: «نعم يا شيخ كم
قبلًا سألتُك أن تليهِ مُفَنِّدَا
١٦
قد ينثني حينًا ويلبَثُ مُحْجِمًا
لا غفلةً وتقاعسًا وتعمدَا
لكنه أبدًا يُبارِي موقفي
حتى يكون بحسنِ مسراي اقتدى
وقد اغتدى قبلِي وقد أرسلتُه
بطلاب أقيالٍ أتيتَ معدِّدَا
١٧
أقبِلْ نُوَافِهِم لدى الحراسِ في الـ
أبواب حيث لهم ضربت الموعدا»
فأجاب نسطور: «وما مِنْ لائمٍ
يعصيه إن يأتِ الجنودَ مشدِّدا»
ثم انثنى للدِّرْعِ يلبَسُهَا وللـ
ـحِقَّيْنِ يوثق محكمًا بعُرَاهُمَا
ورداؤه بُرْدٌ من الصوف الكَثِيـ
ـفِ مبطن بِبَهِيِّ فِرْفِيرٍ سما
بعراه شد يقلُّ رمحًا ساطعًا
فولاذه ثم السفائن يمَّمَا
ومضى يصيح فكان أوَّلُ من دعا
أُوذِيسُ ذيَّاك الهمامَ الأحكَما
فإذا به والصوتُ يخرق لُبَّه
من باب خيمَتِهِ عدا متكلِّما:
«فعلام ما بين السفائن والحِمَا
هذا التجول والظلام تلبَّدا»
فأجاب نسطور: «مَهٍ وانظر لما
جيشَ الأراغسِ بالهلاك تهدَّدا
إِلْحَقْ بنا ندع السَّرَاةَ ونرتئي
أنكر أم تأوي الكتائب شردا»
فلخَيْمِهِ أوذيس بالعجل انثنى
وأتى بمِجْوَبِهِ وأدلج معْهما
لحِما ابن تِيذِيسٍ مضوْا فإذا به
بسلاحه تحت الفلا قد هوَّما
ووسادُهُ زُرْبِيَّةٌ ملفوفةٌ
وفراشه من جلد ثورٍ أسحَمَا
١٨
ورفاقه من حوله بهجوعهم
كُلٌّ تَوَسَّدَ تُرسَه متجشِّما
١٩
ورماحهم أعقابها تحت الثَّرى
وظُبَا أسنَّتِهَا تَأَلَّقُ في السما
٢٠
فإليه نسطور تدنَّى مُمْسِكًا
عقبيه ثم دعا يصيح تَهَكُّمَا:
«قم يا ابن تيذيسٍ أليلَك كله
تكرَى ومن لَغَبِ العِدى ارتفع الصدى
أفخِلْتَ جيشهم إزاء سفيننا
في السهل فوق هضابه قد أنجدا»
هب ابن تِيذِيسٍ وقال: «لَكَمْ أرى
يا شيخُ نفسك قد جهدتَ مُنَكِّدَا
أفما بأبناءِ الأخاءَةِ فتيةٌ
يَسْعَوْنَ في استنهاض قومِك رُوَّدَا
لكن أبيتَ سوى الجهاد ذريعةً
وعظيم بأسك للجهاد تعوَّدا»
فأجاب نسطورٌ: «أصبت فإنَّ لي
وُلدًا وغلمانًا تُلَبِّي المقصِدا
لكننا في موقف حَرِجٍ على
أمضى من المُوسى حياةً أو رَدَى
٢١
فاذهب وأنت فتًى وتكفيني العنا
أيقظ أياسَ ومِيجِسًا مسترفِدا»
فعليه ألقى جلدَ قسورة إلى
عقِبيه يستره وقَلَّ اللهذما
فمضى أتى بهما وجمعُهُمُ جرى
يمضي إلى حُرَّاسِهِم مستعلما
فبدا لهم زعماؤهم في يقظة
بسلاحهم كلٌّ حِماه قد حمى
مثل النواهس في الحظائر سُهَّدٌ
حول الخرافِ وسبعُ بَرٍّ هَمْهَمَا
٢٢
فالوحش منحدر من الشُّمِّ العلى
في غابه ودُجَى الظلام تَقَتَّمَا
والناس تقحَم والكلاب بصَيْحَةٍ
من حوله في الليل كي لا يَقْحَمَا
فالنوم يهجرهم كما هجر الأُلَى
خفروا الجنود بجنح ليل أظلما
٢٣
أبدًا بذاك السهلِ يحدق طرفهم
مصغين خوف عدوِّهم أن يَدْهَمَا
فاهتز نسطورٌ لرؤيتهم على
حذرٍ وقال مطيِّبًا متبسمًا:
«إيهٍ بَنِيَّ خفَرتم فتيقظوا
أو لا فنمسي للأعادي موردا»
واجتاز من ثَمَّ الحفيرَ وخلفَه
صيدُ السُّرَى حتى تَبِتَّ وتُبْرِمَا
وكذلك الشهم ابن نسطورٍ ومِرْ
يُونًا لذاك المنتدى استدعوهما
حلوا محلًّا لم تدنسه الدِّمَا
حيث التوى لليل هَكْطُرُ مُحجِما
٢٤
فهناك مجلسهم تألَّف وانبرى
نسطورُ يفتتح الحديثَ المفحِما:
«أَبِكُمْ فتًى صحبي بثَبتِ جنانه
عبءَ التجسسِ في العداة تقلَّدا
٢٥
فعسى يفاجئُ منهم فردًا نأى
أو عنهم يروي حديثًا أُورِدَا
ويرى أَعَزْمُهُمُ التثبتُ للوغى
قرب السفائن شدةً وتوقدَا
أم عودةٌ لديارِهم من بعدما
قد أعملوا فينا قنًا ومُهَنَّدا
وعساه يسمع ثمَّ يرجع ذاخرًا
في الأرض ذكرًا والسماءِ مخلدا
وكذاك نحبوه جَدًا لم يَحْوِهِ
أحدٌ ولم يظفر بذيَّاك الجَدا
من كل قيلٍ في السفائن نعجةٌ
سوداء ترضع خير جدي أسودا
ويكون في كل الولائم والمآ
دِبِ من ذوي القربى الأعزَّ المُفْتَدَى»
فالصمتُ طال بهم فصاح ذِيومِذٌ:
«قلبي يحدِّثني بأن أتجردا
فأنا أيا نسطور أخترق العِدى
فهم بمقربةٍ ولن أتردَّدا
لكن معي إن سار من أصحابنا
أحدٌ أَزِيدُ تشددًا وتجلدا
إذ حيث سارَ اثنان بعضُهما بَدَا
لا شك أدرك للمَرام وأرشدا
والفردُ لو نظر السدادَ فربما اعـ
ـتاص السدادُ على حجاهُ وعُقِّدَا»
٢٦
فلَحَاقَهُ الجمُّ الغفيرُ تَطَلَّبُوا
ذاك الأياسُ وذا الأياسُ كلاهما
وكذا ابن نسطورٍ ومِرْيُونُ الفتى
وكذا مَنِيلَا مَن لِأَتْراسَ انتمى
وأُذِيسُ ذيَّاك الهمام أخو النهى
من لاختراق سرى العداة تحدَّمَا
٢٧
كلٌّ يروم لِحَاقَهُ لكنَّمَا
أَتْرِيذُهُمْ حسمَ الجدالِ مُحَكَّمَا:
«لك يا ذيوميذُ الخيارُ فخذ إذن
مَنْ رُمْتَ أبسَلَهُمْ وأطولَهم يدَا
لكن حذارِ بأن تعافَ جديرَهم
عطفًا على من كان أكرمَ مولدَا»
٢٨
فبذاك أتريذٌ أشار ترفُّقًا
بأخيه قال: «لي الخيار إذا غدَا
أفلا أرى مولى أثينا أُوذِسًا
والعزمَ والرأيَ الرجيحَ مُسَدَّدَا
٢٩
وإذا بقلب النار كنتُ رفيقَه
فبحزمه نلقى لمخرَجِنَا مدى»
فأجاب أوذيسٌ: «مهٍ لا تَمْدَحَنْ
أو تَقْدَحَنَّ مُخَفِّضًا ومُصَعِّدَا
قد قمتَ ما بين الأغارِق خاطبًا
وجميعُهُم عرفوا الصحيحَ المسنَدَا
فالليلُ من أثلاثِهِ ثُلُثَيْنِ قَدْ
أفنى وأبقى منه ثلثًا أَوْحَدَا
والفجر دانٍ والظلامُ مُسَارِعٌ
والنجم مالَ فقُمْ فقد قصُر المدى»
٣٠
نهضا وبالعَدَدِ الثقيل تدججا
والشهم ثَرسِيمِيذُ قام إليهما
أعطى ذِيُومِيذًا حسامًا قاطعًا
حدَّاه مُذْ قد كان أعزلَ أقدما
ومِجَنَّهُ وتَرِيكَةً جلديةً
ملساءَ للفتيان كانت مَعْلَمَا
وأُذِيسَ مِرْيونٌ أعار سلاحَهُ
قوسًا وجُعْبَتَهُ وسيفًا مِخْذَمَا
٣١
وتريكة جلدية بلفائفٍ
من داخلٍ من فوق صوفٍ أنعَمَا
وأُدِيرَ من سِنِّ الخَرَانِيصِ البَهِيْ
صَفٌّ عليها خارجًا قد نُظِّمَا
قد كان عَفْطُولِيقُ في إِيليُّنٍ
من صرح آمنطورَ أحرزَ مَغْنَمَا
ولأَمْفِدَامَاسٍ بإِسْقَنْدَا حَبَا
فَبِهَا على مُولُوسَ ضيفًا أنعمَا
وأنالها مُولُوسُ مِرْيُونَ ابنَه
وكذاك مريونٌ لأوذِسَ سَلَّمَا
٣٢
فكذا بِرَوَّاعِ السلاح تقدَّما
وإذا بطير سار عن يمناهما
رَخَمٌ أثينَا سيَّرَتْهُ وفي الدجى
سَمِعَا وما رَأَيَا يصيح مُنَغِّمَا
فاهتز أوذيسٌ له مستبشرًا
ووعا وخيرَ الفألِ فيه توسَّمَا:
٣٣
«يا بنت رب الْجَوْبِ كم أوليتِني
عونًا جميع مسالكي قد مَهَّدَا
فالآن غوثَك مذ علمتِ مآربي
ولنا أتيحي العودَ عودًا أحمدَا
فنُجَشِّمَ الطروادَ قبل مآبِنا
مَضَضًا يذيقهم النكالَ مؤبَّدَا»
ثم انبرى ذَومِيذُ يدعو بعده:
«يا بنت زفس كذا اسمعي مني النِّدَا
ومعي فسيري مثلما في ثِيبَةٍ
رافقت قبلًا تِيذيُوسَ الأمجدَا
لما كتائبنا ثغورَ أسوفُسٍ
حَلَّتْ إلى أبناءِ قُدْمُسَ أُوفِدَا
٣٤
فقضى مآل رسالة سلميةٍ
ثم انثنى فَوَلِيتِهِ فَتَسَوَّدَا
وقضى العجاب بعوده فكما أثي
واليتِ لي كوني الرفيقَ المرشدا
ولقد نذرتُ ضحية بتبيعة
جبهاءَ ما رفعوا إليها المضمَدا
٣٥
ولقد نذرتُ كذاك نذرًا صادقًا
من فوق قرنيها أذُرُّ العَسْجَدَا»
دَعَوَا وسارا بعد بَثِّ دُعَاهُمَا
ولدى أثينا حلَّ صوت دُعَاهُمَا
وتقدما أسدين بين ظلائمٍ
وجماجمٍ وملاحم تلقاهما
أما الطراود فانبرى هَكْطُورُهُمْ
يدعو الأماثل خشيةً أن يهجعوا
حتى إذا التأموا بمجلسِه ارتأى
أمرًا فقال لهم وكلٌّ يسمع:
«من منكم إن يؤتَ خيرَ هديةٍ
عهدًا يعاهدني يُلَبِّي المطلَبَا
فينال أكرم سَلْهَبَيْنِ لدى العدى
وأعزَّ مركبةٍ يَجِلُّ بها الحبا
٣٦
ويفوز بالشرف الرفيع إذا مضى
يتجسَّسُ الأعداء في طلب النَّبَا
أهُمُ على ما عُوِّدُوا من يَقْظَةٍ
أم هَدَّ عزمهم النكالُ منكِّبًا
والعَيُّ أقعدهم وقد أنِفُوا السُّهَا
دَ مُعَوِّلِينَ على التملص مهربَا»
صَمَتُوا فقامَ فتًى دَعَوْا ذُولُون أُو
مِيذٍ فبرَّز بالنفائس يَطمعُ
فَيْجٌ توفَّر عنده بخزائنٍ
فولاذُه ونُضارُه الْمُتَجَمِّعُ
ووحيد والده لخمسِ شقائق
أعداهم جريًا ووجهًا أشنعُ
قال: «اصغَ هكطورٌ فإن بخاطري
جأشًا يحدثني بأن أتأهَّبَا
وأسيرَ للأسطول ليليَ راصدًا
حركاتِهِم متحسِّسًا مترقِّبا
فارفع عصاك إذن وأقسمْ مُثْقِلًا
أني أُثَابُ إذا عزمتُ مُأَوِّبَا
بجياد آخيلٍ ومركبةٍ بها
فولاذُه الصلبُ المُؤَلَّقُ رُكِّبَا
فأسير مخترقًا إلى لُبِّ الحِمَا
أعتانُ ثم لَأَبْلُغَنَّ المركَبا
٣٧
حيث الملوكُ لدى أَغَامَمْنُونَ قد
رأوُا الفرار أو التربصَ أرغَبا
ما كنت تعلم دَيْدُبَانًا جاهلا
حتى لِظَنِّكَ بي أكون مخيِّبًا»
٣٨
رفع العصا بيديه هَكْطُرُ مقسِمًا:
«إِسْتَشْهِدَنَّ عليَّ زفسَ المُرهِبا
لن يعلون سواك خيلَ أخيلَ بل
ستنالها مني حلالًا طيبَا»
٣٩
ما كان هكطورٌ ليُقسم صادقًا
لكنه ذولون شدد يُقْنِعُ
عجلًا مضى يأتي بقوس فارجٍ
وبفرو ذئبٍ أبيضٍ يتلفَّعُ
٤٠
وبمِغْفَرِ السنجابِ يستر رأسه
وسنانُ عامله المثقَّف يلمَعُ
لمواقف الأسطولِ سار وإنما
هيهاتِ من تلك الرسالةِ يرجع
حتى إذا بَرِحَ الحما والخيلَ والـ
ـفرسان جَدَّ مسيرَه يتسرَّع
فرآه أُوذِسُ قال: «يا ذُومِيذُ ذا
عين من الأعداء جاء مُحَجَّبَا
أترى أتى كي يَرْقُبَ الأسطول أو
من عُدَّةِ القتلى يَغُلَّ ويَسْلُبَا
دعه إذن حتى يمر أمامنا
فعليه نقبِضُ حيث يُحْرَجُ مذهبا
لكن إذا ما اجتازنا عدوًا ولم
ندركه بالرمح اقْتَفِيهِ مصوِّبَا
واقطع سبيل قفوله لرجاله
وإلى السفائن رُدَّهُ متعقبا»
فتواريا زحفًا على القتلى على
جَدَدِ الطريق وذاك جهلًا يهرع
حتى تناءى قيدَ ثَلْمٍ قاطعًا
مما تُثَلِّمُهُ البغالُ وتقطع
٤١
(إن البغال لِشَقِّ قلب الأرض في الـ
ـمحراث من بقر الزراعة أَنْفَعُ)
فتقفَّياه فحَلَّ وقع خطاهما
في سمعه فلوى الخُطَى يَسَّمَّعُ
أملًا بأن سعاة هَكْطُرَ وُجِّهَتْ
بلحاقه فأتت تَجِدُّ وتسرع
لكن على مرمى القنا عرَف العدى
فجرى وكلٌّ منهما يتتبع
كالخَيْطَلَيْنِ مُثَقَّفَيْنِ تَأَثُّرَا
في الغاب أرنبةً وخشفًا يرتع
٤٢
ذو الناب بالناب الحديد مُرَوِّعٌ
والخشف يثأجُ واثبًا يتروَّع
٤٣
فَصَلَاهُ عن جيش الطراودِ نائيًا
حتى على العُسَّاسِ أوشك يُدْفَعُ
دفعت فَلاسُ ذِيُومِذًا بعزيمة
كي لا يصول عليه قَرْمٌ أمنعُ
ويكون ذاك القرم أوَّلَ طاعن
وذِيُومِذٌ بالطعن تالٍ يتبع
هز القناة وقال: «قف أو لا فَخُذْ
تؤتيك أُنْبِئُكَ الحمامَ مُقَرَّبَا
فرمى يُصَرِّحُ فوق كاهِلِهِ بِهَا
عمدًا فغاصت في الثرى تترعرع
٤٤
فانهدَّ ممتقعًا وأُوْقِفَ هالعًا
مُصْطَكَّةٌ أسنانُه يَتَلَعْلَعُ
٤٥
وَثَبَا عليه ومن يديه أمسكا
هُ فقال يشهق باكيًا يَتَخَضَّعُ
«عفوًا وتُجْزَلُ فديتي ذهبًا وصُفْـ
ـرًا والحديد مُثَقَّفًا ومُصَلَّبَا
وأبى يُنِيلُكُمَا الغنى إمَّا درى
أني على الأسطول حيٌّ في الخِبَا»
فأجاب أوذيسٌ بحكم دهائه:
«فاسكن ولا تخش الردى مُتَهَيِّبَا
٤٦
قل صادقًا ما جئتَ ترقب مفردًا
والناس ناموا والظلامُ تَقَطَّبَا
أفجئتَ تسلُب أم بغى بك هَكْطُرٌ
عينًا لموقفنا أُسِيرَ ليَرْقُبَا
أم جئت من تلقاءِ نفسك خابطًا»
فأجاب يخفُق جازعًا يَتَهَلَّعُ:
«بل هكطرٌ أغرى وأورثني البلا
إعدادُه صِلَةً يَجِلُّ بها الحِبا
أفراسَ آخيلٍ ومركبةً بها
فولاذُه الصلبُ الْمُؤَلَّقُ رُكِّبَا
لأسير والليلُ ادْلَهَمَّ مسارعًا
لمواقف الأعداءِ في طلب النَّبا
أسفينَكم صُنْتُمْ كسابق عهدكم
أم هد عزمكم الوبالُ مُنَكِّبَا
والعي أقعدكم تعافون السُّهَا
د معوِّلِين على التملص مهربا»
فأجاب مبتسمًا أُذِيسُ: «نعم فقد
أُطْمِعْتَ في صِلَةٍ تعِزُّ تَطَلُّبَا
لكنما هيهات إِنْسِيٌّ على
تلك الجياد يُطيق أن يتغلبا
إلا أخيل وذلك ابن إلهة
فاصدُق وقل لي أين هَكْطُرُ كَوْكَبَا
وسلاحه وخيوله وعيونُه
ومعسكرُ الطرواد أين تَرَتَّبَا
أعلمت عزمهم التربُّصَ للوغى
قرب السفائنِ شدةً وتصلُّبا
أم عودةً لديارهم من بعدِ مَا
قد أعملوا فينا الحسام الأشهبا»
٤٧
فأجاب ذولونٌ: «سأصدقُك النبا
عن كل ما قد رُمْتَ تعلم مُعْرِبَا
هكطورُ عن لغب الوغى في عُزْلَةٍ
من نخبةِ الزعماء أَلَّفَ موكِبا
وهناك في شوراه أهلُ المنتدى
يقضون حول ضريح إيلُو المُجْتَبَى
لم ينظِموا حرسًا على جنباتهم
لكنَّ جيشهم الهجوعَ تجنَّبَا
وأقام من حول المقابس ساهدًا
متكاثفًا متيقِّظًا متألِّبا
لكنما الحلفاءُ ليس وراءهم
ولد وأزواجٌ تُرَامُ فَتُسْتَبَى
أَلْقَوْا على الطُّرْوَادِ عِبْءَ هُجُودِهِمْ
ولفيفُهُم عذبَ الهجوع استعذبا»
٤٨
فأجاب أوذيسٌ: «وهل هُمْ جملةً
أم كلُّ قومٍ في حماه تَكَتَّبَا»
فأجاب: «من بعد اقتراع قُيُولِهِمْ
في الجُرْفِ عسكر قاريًا قد طنَّبَا
وكذا رماة فِيُونيا وفَلَاسِجٍ
قَفْقُونَةٍ والكل يهجع مُتْعَبَا
وكذلك اللِّيلِيجُ ثم بِثِمْبَرَا
قد حل فَيْلَقَ لِيقِيَا فوق الربى
وكماة خيل مِيُونيا وفَرِيجِيا
وهناك عسكر مِيسِيَا آلُ الظُّبَى
٤٩
وعلام ذا التنقيبُ دونكما الهدى
إن تطلبا ثَمَّ الولوجَ وترغبا
فهنا الثَّراقَةُ جيشهم توًّا أتى
طَرَفَ الحِمَا حَلُّوا مكانًا أقرَبَا
ومليكهم رِيسُوسُ خِلْتُ خيولَه
كالثلج نُصْعًا والعواصف هُبَّبَا
وعجيب مركبةٍ تُنِيرُ بعَسْجَدٍ
حول اللُّجَيْنِ على سلاحٍ أعجبا
ما كان يجدُر صُنْعُهُ ونَضَارُهُ
بالإنسِ بل ويَزِينُ ربًّا أَهْيَبَا
فبِيَ اقصدا الأسطول إما شئتُما
أو لا وثاقي فاشدُدَاهُ واذهبا
وتحققا أصدقتُ فيما قلتُه
أم رمتُ عمدًا أن أروغ وأكذِبا»
فعدا ذيوميذٌ يحملق صارخًا
«لا تجعلنَّ لك التملص مأربَا
بك قد ظفرنا لا ترُم لك نجوةً
ولئن بذلت لنا البلاغَ الأصوبا
فإذا حييت مُسَرَّحًا أو مُفْتَدًى
فلسوف ترجع راقِبًا أو مُحْرِبَا
لكن إذا أُورِدْتَ في العَجَلِ الرَّدَى
بين الأخاءَةِ لن تَرُودَ وتضرِبا»
فأشار ذولونٌ لعارضه يَمَـ
ـسُّ بكفه متشفعًا يتضرع
لكنْ ذيوميذٌ على العنق انثنى
بحسامه الْعَضَلَيْنِ قطعًا يَقْطَعُ
٥٠
فالرأس أهوى للحضيض مصدَّعًا
مذ كان يهتف صارخًا يتصدَّع
وكلا ذيوميذٍ وأوذِسَ عامِدٌ
لتريكةٍ والقوسَ منه يَنْزَعُ
وكذاك جلدَ الذئب والرمحَ الطَّوِيـ
ـلَ وكلها أوذيسُ أمسك يرفع
نذرًا لآثينا يقدِّم هاتفًا:
«يا ربة اقْتَبِلِي السلاح مُخَضَّبَا
٥١
من كل آل الخلد أبناءِ العلى
فلأنتِ أول من نروم تقرُّبَا
وبِنَا إلى حيث الثَّرَاقَةِ عسكروا
بخيولهم سيري فلن نَتَحَسَّبَا»
وبجذع طرفاءٍ أناطَ مُكَثِّفًا
قصبًا وأوراقًا عليها تُجْمَعُ
سِمَةً بَغَى في جنح ذَيَّاكَ الدُّجَى
لهما فلا تخفى به وتُضَيَّعُ
وتقدَّما بين القواضب والدِّمَا
فإذا الثراقَةُ بالهجوع تمتَّعُوا
٥٢
وإزاءَهم فوق الحضيض سلاحُهُمْ
سطرًا ثلاثةَ أسطُر قد جمَّعُوا
وإزاءَ كلِّ فتًى جواداهُ وفي
قلب الكُماة مليكُهم متمنِّع
ووراء مركبةٍ تليهِ أُوثِقَتْ
أفراسُهُ الأنجابُ لا تتفزَّعُ
فهناك أُوذِسُ كان أوَّل باصرٍ
فإلى ذيوميذٍ أشار يُشَجِّعُ:
«هاك الكَمِيَّ وهاكَها أفراسَه
ذولونُ لم يَكُ مائنًا متكذِّبا
فالبأس بأسك صُلْ فأنت مُدَجَّجٌ
أو شأنُنَا ذا اليومَ أن نَتَنَكَّبَا
حُلَّ الجياد وإن تشأ فأَحُلُّها
واضرب بأعناق الرجال مقضِّبَا»
ويدَ ابنِ تِيذِيُسٍ أثينا شَدَّدَتْ
فانقضَّ أسبابَ الرقابِ يُقَطِّعُ
سَيْفٌ فَرَى ودَمٌ جَرَى صَبَغَ الثَّرَى
وَتَصَدُّعٌ وَتَوَجُّعٌ وَتَفَجُّعُ
كالليث فاجأ ثُلَّةً لم يرعَهَا
راعٍ فمزَّقها وما هو مُقْلِعُ
٥٣
ما زال يبطُش فاتكًا حتى فرى
بحسامه اثني عشر قَرمًا يَصْدَعُ
وأُذِيسُ ثَمَّةَ كلما قُتِلَ امرُؤٌ
عقبيه يَقْبِضُ والطريقَ يوسِّع
حرصًا على الخيل التي ما عُوِّدَتْ
عدوًا على القتلى فلا تَتَضَعْضَعُ
حتى إلى رِيسُوسَ ثالثِ عَشْرِهِمْ
بلغا فجندله ذِيُومِذُ يصرَع
أرداه وهو مُصَعِّدٌ زفراتِه
قَلِقٌ لِطَيْفٍ زارَه يتجزَّع
طيفًا بشكل ذِيُومِذٍ فالاسُ قد
بَعَثَتْ على رأسِ المليك يُوَقِّعُ
٥٤
وأُذِيسُ حلَّ الخيل يقرِنها بمِضْـ
ـمَدِهَا وجَدَّ بها يسير ويُقْلِعُ
وبقوسه يستاقها مذ فاته
سوطٌ بمركبة أُنِيطَ مُرَصَّعُ
حتى نأى فدعا ذِيُومِذَ صافرًا
لكن ذِيُومِذُ ظلَّ لا يتزعزع
٥٥
مترددًا أبجذعها يَجْتَرُّ مَرْ
كبةً سلاحُ رِسُوسَ فيها يسطَع
أم بين كلتا راحتيه يُقِلُّهَا
أم غُصَّةَ الموت الثَّرَاقِ يُجَرِّعُ
وإذا بفالاسٍ إليه دنت تقو
لُ: «ذِيُومِذٌ قد حان أن تتأوَّبا
فلرُبَّ رَبٍّ يوقِظ الطرواد في
عجلٍ فتُحْرَجَ للهزيمة مُرْعَبَا»
فوعى ذيومذُ صوتَها ثم اعتلى
عَجَلًا وأُوذِسُ بالحَنِيَّةِ يقرع
٥٦
فإلى الحمى طارا ورَبُّ النور فِيـ
ـبُسُ راقِبٌ حركاتِهَا متطلِّع
لم تَخْفَهُ فَالَاسُ ذُومِيذًا تَلِي
فانقضَّ محتدمًا وراح يُفَزِّعُ
وإفُوقُنًا من آلِ رِيسُوسٍ ومُرْ
شِدَ قومه في الحال نبَّه يُجْزِعُ
٥٧
فرأى يَهُبُّ تذعُّرًا ما قد جرى
فدعا رسوسَ رفيقَه يتوجَّع
الناسُ تخبِطُ بالدماءِ أمامَه
والخيلُ مربطها لديه بَلْقَعُ
فتهافت الطُّرْوَادُ بين ضَجِيجِهِمْ
مُتَذَعِّرِينَ لِما رأوه وأُسْمِعُوا
واستعظموا قِحَةً بها هَجَمَ العِدَى
فسَطَوْا وللأُسطول ليلًا أزمعوا
وذِيُومِذٌ وأُذِيسُ لمَّا بُلِّغَا الـ
أسلابَ حيث اسْتُبْقِيَتْ تُسْتَوْدَعُ
وَثَبَ ابن تِيذِيسٍ تَنَاوَلَهَا وفي
عَجَلٍ إلى أوذيسَ أقبلَ يدفع
ثم اعتلى والخيلَ ساط فطُيِّرَتْ
للقوم يحملها الطريق المَهْيَعُ
٥٨
وبهم بدا نسطور أَوَّلَ سامعٍ
قال «اسمعُوا يا صحبِ حدسي ما نَبا
٥٩
قد دَبَّ في أذني وقلبي مُنْبِئِي
خَبَبٌ بِكَبْكَبَةِ الجياد مُدَبْدِبَا
٦٠
فعسى ذيوميذٌ وأوذسُ أقبلا
ومن العدى خيرَ الجياد استصحبا
أخشى التألُّب في العداة عليهما
فعساهما ببليةٍ لم يُنْكَبَا»
ما كاد نسطورٌ يُتِمُّ كلامه
حتى من البطلين هَلَّ المطلع
فترجَّلا والكل جاء مُسَلِّمًا
بيمينه وصدى المديح يُرَجِّعُ
٦١
فبدا بهم نسطور أول سائل
والكل مُصْغٍ للنبا متوقِّع:
«يا فخرَ آخايَ المبجَّل أوذِسًا
هذي الجيادُ فقل أكانت مكسَبَا
أم رَبُّ خلد ساقها صلةً أرى
كالشمسِ تلهَبُ بالشعاع تلهُّبا
فلقد هَرِمْتُ وخُضْتُ كل كريهة
وأبيتُ عمري عزلةً وتحجُّبا
لكنني لم أُلْفِ عمري مثلَها
فلرُبَّ رَبٍّ مُجْتَبٍ لكما حبَا
فكلاكما للرَّبِّ زفسَ وبنتِه
فالاسَ كان مقرَّبًا ومحبَّبَا»
فأجابه أوذيسُ: «يا نسطورُ يا
شرف الأخاءةِ والحكيمَ الأنجبا
فالرب والأربابُ آل كرامةٍ
لو شاء أتحفنا جيادًا أطيبَا
لكنَّ هذي الخيل إثراقيةٌ
جاءت حديثًا فانظرَنْ وتَعَجَّبَا
فذِيُومِذُ المقدام أردى قَيْلَهُمْ
وإزاءَه اثني عشْر قَرمًا خَضَّبَا
وكذا بثالثِ عشرهم فُزْنَا وكَا
ن إلى السفائن قادمًا متقرِّبا
عينٌ أُسِيرَ لهَكْطُرٍ ورفاقه
مستطلعًا أخبارنا متطلِبا»
واجتاز بالخيلِ الحفيرَ بغبطةٍ
وكذا الجميع على المسرَّة أجمعوا
صحبوه حتى خيمةٍ لذيومِذٍ
والخيلَ فيها في المرابطِ أودعوا
وهناك في الحب الشَّهِيِّ جيادُه
بمذاودٍ نُصِبَتْ لديها رُتَّعُ
ومضى أُذِيسُ بمنتهى أشراعه
أسلابَ ذولونَ الخضيبةَ يشرَع
٦٢
نذرا يُعِدُّ بها وكلٌّ منهما
في البحر خاض مسارعًا يستنقِع
ساقيه والفخذين يغسِلُ دالِكًا
عنُقًا بها عرقٌ يسيل ويَهْمَعُ
حتى إذا ما اليمُّ رطَّب جسمَه
للمِسْبَحِ المصقولِ بادر ينزَع
مستأنفًا غُسْلًا به متطيِّبًا
زيتًا به الجسم المرطَّب يمرع
٦٣
ثم اغتدى لطعامه وهناك ضا
في الدَّنِّ بالخمر الشهيَّة مُتْرَعُ
منها يريق بأكؤسٍ مملوءَةٍ
نذرًا لآثينا بها يتشفَّعُ