لما بدت غزالة الصباح
تنهض من مرقدها الفياح
وغادرت طيثون ذا الوجه الوضي
حتى على الجنة والناس تضي
٢
فانتصبت منتصف الأسطول في
مركب أوذيس الكبير المشرف
لتبلغ الفزعة كل العسكر
حتى أخيل وأياس الأكبر
فدمدمت تدوي دوي الرعد
وشددتهم للقا المشتد
فآثروا الحرب وثقل المحن
على المآب لعزيز الوطن
فقام أتريذ بهم وصاحا
بالقوم كي يُقوِّموا السلاحا
وشكَّ في فولاذه الأغر
يلبس خفيه ببادي الأمر
وحول ساقيه بقدتين
أوثق حالا بعرى اللجين
ولبس الدرع البهية التي
أهديها من قبل سير الحملة
من ملك قبريس كنير النَّاءِي
مذ نبأ الإقلاع للطرواد
على السفين شاع في البلاد
من أبدع السطور فيها اثنا عشر
من النضار شائقات للنظر
ومن نحاس أبيض عشرون مع
عشرة أسحم فولاذ سطع
وفي كلا الجنبين حتى العنق
ثلاث حيات من الوشي النقي
ثم على كاهله أتريذ قد
ألقى حسامًا بشعاعه اتقد
كلباه والحزام من أبهى الذهب
وقل تُرْسًا شائقًا بهيا
يستر كل جسمه قويا
عليه دارت حلقات لامعه
عشر من الصفر البهي ساطعه
في وسطها حرباء فولاذ أغر
يبدو بها الغرغون رواع النظر
وحوله الهول ورسم الرِّعدة
يلتف في ثعبان روع أزرق
مثلث الرأس وحيد العنق
من ثم للمغفر أتريذ عمد
يلبسه من بعد هاتيك العدد
مربع الرأس بعرف أملس
من شعر خيل هاج فوق القونس
١٠
والرعد إجلالا له وشرفا
بأمر آثينا وهيرا قصفا
فأمرت فرسانه السُّيَّاسا
تنظم قرب الخندق الأفراسا
واندفعوا ماشين بالسلاح
بين صياح طرة الصباح
فانتظم الأبطال قرب الخندق
تجري وراءهم عجال الفيلق
أما بنو الطرواد فوق الهضب
فانتظموا من حول هكطور الأبي
وحول فوليذامس المعصوم
وآنياس المجتبى العظيم
وحول فوليب وآكاماس
فتى حكى الأرباب آل الباس
والقيم المحمود آغنورا
ثلاثة من ولد أنطينورا
وهكطر في صدرهم يدور
في يده مِجَنَّه الكبير
يخوض في ساقتهم فيأمر
فيختفي ثم بصدر يصدر
ككوكب الهول الذي يستتر
في الغيم حينًا ثم حينًا يظهر
فعند ذاك اشتبك الجيشان
وثار نقع الضرب والطعان
فكلهم مثل الذئاب اندفعوا
ولم يكن من للفرار ينزع
مذ نظموا بزرعهم صفين
في طرفيه متقابلين
ولم يكن يشهد تلك الملحمه
بالبشر إلا الفتنة المهدمه
وفي الألمب سائر الأرباب
بشائق القصور باحتجاب
ولومهم لزفس طرا باد
لميله لنصرة الطرواد
لكن زفس ليس بالمبالي
يعتز في علياه باعتزال
يحيط بالطرواد والأسطول
والحرب والقاتل والمقتول
من البزوغ لارتفاع المشرق
جند تردى وسهام تلتقي
وآن ما الحطاب يضوى تعبا
في غابه وظمأ وسغبا
تألب الإغريق باشتداد
وخرقوا كتائب الطرواد
في صدرهم يجري أغاممنون
تسير في يمينه المنون
جندل أبيانور راعي الأمم
فتبعه السائق ويلوس الكمي
من فوق مركبته وثبًا وثب
يلقى أغاممنون مشتد الغضب
لكنما أتريذ في الجبين
طعنه برمحه المتين
فخرق المغفر والعظم سحق
وبدد الدماغ والهامة دق
عراهما فلبثا ميتين
لاستر فوق ناصع الصدرين
ثم انثنى يسطو على إسوسا
من ولد فريام وأنطفوسا
قد ركبا مركبة فذاكا
ساق وهذا ولي العراكا
كليهما قِدْمًا أخيل دهما
بطور إيذا يرعيان الغنما
بيانع الخيزور أوثقهما
ونال فدية وأطلقهما
والآن أتريذ إسوسًا قتلا
بطعنة في ثديه فجندلا
وأنطفوس بحسامه قطع
أذنه قطعًا فللأرض وقع
فشائق الشكة منهما سلب
يذكر من أمرهما ماضي العجب
يسحقها برائع الأنياب في
كناسها سحقًا بلا تكلف
والأم تلك الظبية المرتجفه
لا حيلة لها برفد الخِشَفَهْ
مرتاعةً ملتاعةً تبغى المفر
في الغاب تجري بين ملتف الشجر
تلهث عَيًّا وتسيل عرقًا
هالعةً من هول ذاك الملتقى
كذاك في الطرواد لم يكن أحد
لولدي فريام يبذل المدد
ولَّوا لدى الأراغس الفرارا
وخلفهم أتريذ بأسًا ثارا
فيسندرا وإيفلوخًا دهما
على مطا مركبة قد هزما
من ولد أنطيماخس من منعا
هيلانةً لزوجها أن ترجعا
إذ كان فاريس رشاه ووهب
مالا وفيرا من متاع وذهب
١٩
فعندما لديهما مثل الأسد
لاح الجياد جمحت تحت العدد
وارتجفت أيديهما فوقفت
أعنةٌ بها سناء سطعت
فسجدا من فوق ذاك المجلس
وصرخا بذلة الملتمس:
«العفو والفداء فالتبر الأغر
والصفر والحديد طُرًّا مدخر
فأنطماخ يجزل الهدايا
إن نبق حيين على الخلايا»
٢٠
وبكيا تذللا وصغرا
فلقيا منه الجواب المرا:
«أليس أنطماخ والدكما
بمجلس الطرواد يومًا حكما
بقتل أوذيس ومينيلا وقد
جاءا رسولين وبالكيد اتقد
ستلقيان الآن شر غدره»
وطاعنًا فيسندرًا بصدره
جندله من فرق عرش العجله
فإيفلوخ بخفيف العجله
رام انهزامًا وإلى الأرض وثب
لكن أغاممنون بالسيف انتصب
بضربة عليه بالعزم اندفع
ورأسه مع الذراعين قطع
دفعه للأرض مثل الخشبهْ
وراح يجري بعظيم الكبكبهْ
تتبعه كتائب الأجناد
حيث تكثفت سُرى الأعادي
وتحت وقع الخيل نقع ثارا
في السهل للجو ذرا الغبارا
وثم أتريذ يحض الجندا
مقتضبًا مقتفيًا مشتدا
تثيرها الريح وفي كل مهب
تلهم كل ما أمامها انتصب
أمامه الطرواد ولوا جزعا
وسيفه الرءوس قطعًا قطعا
وجامحات الخيل بالعجال
تضرب في السهل بلا رجال
تندب ما ألمَّ بالفرسان
تحت عجاج الضرب والطعان
أشهى هم الآن إلى العقبان
منه إلى حلائل النسوان
وزفس هكطور عن النقع حجب
وعن ضجيج القوم في ذاك اللجب
وعن مدى النبال والنجيع
وعن تلاحم بهم فظيع
وظل أتريذ على أعقابهم
مشددًا يضرب في رقابهم
فدفعوا للتين ثم اجتازوا
في وسط السهل وفيه انحازوا
٢٣
لقبر إيلو ذلك الدردنسي
يبغون إليون بحر النفس
وإثرهم أتريذ دومًا جاري
ملطخًا بالدم والغبار
يصيح حتى أبلغ الفرسانا
أبواب إسكية ثم الزانا
فوقفوا يبغون جمع الشمل
وصحبهم تبعثروا في السهل
مثل العجول ذعرت فرارا
والليث في الليل لقد أغارا
فأيها أصابه سحقه
محطمًا بنابه عنقه
يمتص لا مكتفيًا دماءه
يزرد لا مشتفيًا أحشاءه
كذا أغاممنون أصمى وسفك
بساقة العدى بمن لاقى فتك
ولوا ومشتدا عليهم حملا
بالرمح يردي بطلا فبطلا
ما بين مصروع من العجال
أهوى وَمُسْلَنْقٍ على الرمال
وعندما قارب إدراك البلد
وسوره الشاهق في ذاك اللدد
من قبة السماء كالبرق انحدر
زفس وفي إيذا بعلياه استقر
صاح بذات أجنح النضار
بيده عمود برق وار
قال: «فطيري إيرس الرشيقهْ
وأبلغي هكطورًا الحقيقهْ
فطالما أتريذ في صدر السرى
يبطش فيهم فاتكًا مدمرا
فليعتزل وليلق عبء الصد
على سواه من سراة الجند
لكن إذا بطعنة فاهقة
أصيب أو برمية خارقة
وراح يعلو سدة العجال
هكطور أُوليَ نصرة القتال
لأولينه اشتداد البأس
يكسحهم حتى غروب الشمس
لموقف الأسطول يسفك الدما
حتى يرى قدس الدجى قد خيما»
هبت هبوب الريح من إيذا إلى
إليون هكطور توافي عجلا
ألفته في مركبةٍ منتصبا
قالت: «أيا هكطور خذ مني النبا
يا عد زفس زفس بالرسالة
أنفذني فاستمع المقالهْ
فطالما أتريذ في صدر السرى
يبطش فيكم فاتكًا مدمرا
فاعتزلن وألق عبء الصد
على سواك من سراة الجند
لكن إذا بطعنةٍ فاهقة
أصيب أو برميةٍ خارقة
وراح يعلو سدة العجال
هكطور تُؤتى الفوز في القتال
ليؤتينك اشتداد البأس
تكسحهم حتى غروب الشمس
لموقف الأسطول تسفك الدما
حتى ترى قدس الدجى قد خيما»
غابت وهكطور إلى الأرض وثب
يهز أطراف القنا بادي الغضب
يرمح في كل السرى مستنهضا
مدججًا مشددًا محرضا
فانقلبوا لساحة الهيجاء
مقابلين زمر الأعداء
واعتصب الإغريق واصطفوا فرق
واشتدت الحرب وأتريذ انطلق
مبرزًا عن سائر الشجعان
مروعًا في ذلك الميدان
ولي فقلن يا بنات الشعر
من جاء يلقاه ببدء الأمر:
ذاك ابن أنطينور الطويل
أفيدماس الباسل النبيل
سبط لِكِيْسيْسَ أبي ثيانو
من شاع ذكرًا حسنها الفتان
لديه في إثراقة الغنيم
والخصب طفلا شب في النعيم
لكنه غادرها على الأثر
مذ شاع عن حرب الأراغس الخبر
أتى لفرقوت بثنتي عشره
سفينةً ينزل فيها عسكره
من ثم إليون أتاها برا
فذا الذي أتريذ رام كبرا
تقابلا حتى دنا التلاقي
فزجه أتريذ بالمزراق
فصرح الزج وفي الحال انثنى
أصاب تحت الدرع بالحزام
فدفع العامل باحتدام
وظل لا يفلته من يده
معتمدًا على قوى عضده
في عروة اللجين بالوسط استوى
وكالرصاص اللدن في الحال التوى
فعند ذا أتريذ كالليث وثب
وذلك الرامح بالرمح اجتذب
واجتره منه وبالسيف قطع
عنقه فغائر الطرف وقع
يهجع مصروعًا هجوع الأبد
بذبه عن قومه والبلد
وأويحه عن عرسه الفتية
في البعد قد أميت شر ميتة
نأى وما إن كاد وهو ناءي
يبلو شعار الحب والوفاء
لها الصلات الغر قد كان ادخر
مبتدئًا ب مئة من البعر
وبحماه العنز والغنيم
لم يحصها عد ولا تقويم
خيرها منها بألف رأس
والآن أتريذ الشديد البأس
جندله مجردًا من شكته
يرجع فيها لسرايا حملته
فالخطب لاح لأخيه الأكبر
قاوون الفتاك والشهم السري
فذاب بثا وأسًا عليه
وأسود نور الشمس في عينيه
فانساب لا يراه أتريذ حذا
صفحته والرمح فيه أنفذا
فخرق الزج الحديد الحد
مؤخر الساعد تحت الزند
وصاح يدعو صحبه إليه
مجتذبًا أخاه من رجليه
وفوقه قد أسبل المجنا
يدفع ضربًا ويقيه طعنا
فارتاع أتريذ ولكن ما ارتدع
ثم على قاوون بالعزم اندفع
طعنه بالعامل الرَّوَّاع
طعنة مقدام طويل الباع
على أخيه خر ميتًا فضرب
عنقه بالسيف والرأس اقتضب
وهكذا فالأخوان انحدرا
لدار آذيس بحكم قدرا
وظل أتريذ الوغى يبارى
بالسيف والعامل والحجار
يخوض ما بين الأعادي صائلا
ودمه السخين يجري سائلا
حتى إذا ما ذلك السيل انقطع
ويبس الجرح تولاه الوجع
واخترقت قواه آلام ولا
آلام سهم خارق قد أرسلا
ترمي به بنات هيرا الظلم
ألالثيات التي لا ترحم
بشدة البث اعتلى ملتاعا
وقال للتبع «ابتغ الأشراعا»
وصاح بالصوت الجهور العالي:
«يا صحب يا قيول يا أبطالي
عليكم الآن بإبعاد العدى
عن موقف الأسطول والفوز بدا
فطارت الخيل بسوط السائق
تجري وأتريذ بقلب خافق
صدورهن قد كسين زبدا
ونقع وقعهن للجو اغتدى
ومذ رأى هكطور أتريذ التوى
فصوته كالرعد بالقوم دوى:
٢٨
«يا آل دردانوس والطروادا
ويا بني ليقية الأمجادا
إيه فأنتم قادة الهيجاء
وسادة الإيقاع والإبلاء
أبسل من في القوم طرا غربا
وزفس لي نصرًا مبينًا وهبا
شدوا على الإغريق بالعجال
وادخروا مجدًا بلا زوال»
فهاجت النفوس بالجحافل
هياجها في أنفس الخياطل
وهكذا هكطور عد آرس
أثار طروادًا على الأراغس
٣٠
وهو بصدر جيشه يثور
بشدة البأس بهم يسير
كأنه الإعصار من فوق اندفق
وفي عباب البحر قلب اليم شق
فيا ترى من أولا وآخرا
أباد مذ زفس تولى ناصرا
أولهم كان الفتى آسيس
فعفطنوس وكذا أوفيتس
فابن قليطيس زلفس أورس
وآغلاوس وأوفلطيس
وهيفنويس وإيسمن السري
وكلهم من زعماء العسكر
لكنما قتلاه بين الجند
فتلك لا تحصى بحصر العد
هب بهم ولا هبوب العاصفه
تثيرها أنواء ريح قاصفه
فتدفع الدبور غيما ركما
نوطوس في السحاب لما هجما
٣١
فتفلق اليم وتنشر الزبد
كما رءوس القوم هكطور حصد
فاشتد وقع الخطب والأمر انجلى
وكادت الإغريق تضوى فشلا
لئن يفز أعداؤنا بالسفن
وأخزية العار وثقل المحن
هي فكرَّنَّ معي: «قال وما
يهولني العدو مهما ازدحما
لكننا هيهات أن نؤتى الظفر
فإنما الطرواد زفس قد نصر»
كر وثمبريس في الثدي رمى
فخر للأرض وأوذس هجما
وتبعه مليون أيضًا قتلا
وغادراهما على تلك الفلا
لا يشهدان الكر والنزالا
وانثنيا من بعد ذا وصالا
نظير خرنوصين كاسرين
على كلاب الصيد مرتدين
فاعملا بين الأعادي الأسلا
واهتزت الإغريق طرا جذلا
ثمة عنق فارسين ضربا
واستلبا مركبةً قد ركبا
من ولد ميروفوس من فرقوت
أبسل من في القوم من رتوت
٣٣
قد عصيا أباهما العرافا
واتبعا إلى الوغى الأحلافا
ساقهما داعي الردى فأقبلا
على ذيوميذ الفتى فجندلا
أخمد أنفاسهما وراحا
من بعد ذا يستلب السلاحا
وأوذس جندل هوفيداما
وهيفريخًا يصطلي احتداما
وزفس في إيذة بالمرصاد
فوازن القوات في الأعادي
فاصطدم الأبطال من كل الفرق
وزمر العدى ذيوميذ اخترق
وغسطروف بن فيون جرحا
برمحه في حُقِّه فانطرحا
قد خاض مغترًّا سرى الطلائع
برجله يخوض في المعامع
والخيل والسائق في الساقة قد
ظلت وعنه انقطعت عرى المدد
هناك هكطور رأى وانصدعا
وصاح في الأبطال ثم اندفعا
واندفعت من خلقه كل السرى
حتى ذيوميذ الهمام ذعرا
قال: «أرى هكطور رواع الملا
يا أوذس فورًا علينا أقبلا
قف ندفعنه» وبالعزم وقف
مسددًا ونحو رأسه قذف
ففوق رأس البيضة الرمح وقع
لكنما الفولاذ فولاذًا دفع
والقونس المثلث الأطراف
عن رأسه رد السنان الجافي
ذلك من فيبوس فضل أعظم
فهو بذا المغفر قدمًا منعم
وارتد هكطور وبالجمع اختلط
وفوق ركبتيه للأرض سقط
ليده مستندًا حيث التوى
وأظلمت عيناه منهد القوى
وريثما هب ذيوميذ وشب
يطلب رمحه وفي الأرض نشب
أفاق هكطور وبالفور اعتلى
وساق بين الجمع يأبى الأجلا
فصاح ذوميذ وبالقناة
جرى: «أأيضًا فزت بالنجاة
يا كلب كاد عاملي يصميكا
لو لم يبادر فيبس يقيكا
لستَ تؤمُّ الحرب عفوًا أبدا
إلا به مسترفدًا مستنجدا
لكنني سوف ألقيك الردى
إن تؤتني الأرباب يومًا مددا
قد فاتك الفوت فرح والآنا
سأبتغي سواك أيًّا كانا»
ولاستلاب ابن فيون عكفا
فجرد اللأمة ثم انعطفا
مقتلعًا مغفره ثم المجن
إذا بإسكندر خلسة كمن
فَأَتْكَأَ القوس على العمود
في قبر إيلو الشيخ فخر الصيد
وأرسل السهم فشق القدما
وغاص في الأرض بسيال الدما
وزوج هيلانة من حيث ولج
في ذلك الكمين في الحال خرج
مقهقهًا مبتهجًا مفتخرا:
«لم أخطئ المرمى وسهمي صدرا
يا حبذا لو غاص في أحشاكا
ليأمن الطرواد من ملقاكا
أنت الذي كلهم منك ارتعد
كرِعدة الماعز من بطش الأسد»
٣٤
أما ذيوميذ فجاش وانثنى
قال: «وما غرك يا وجه الخنا
سددت مغترًّا بذي القوس ألا
ما جئتني وجهًا لوجه مقبلا
حتى ترى يا أخسأ النُبَّال
أنك لا تعد في الرجال
وأنها لن تدفعن عنك الأسا
وإنما حاملها زير نسا
أنا لك السر بإدراك القدم
مني وهل يذعر ذا أهل الهمم
ما ضر سهم خاسئٍ رعديد
يهلع كالأوغاد أو كالغيد
وأين أنت من مرامي أسلي
ينفذن مذ يصدرن سهم الأجل
أزواج من خر منهم أيامى
وولدهم في بؤسهم يتامى
ودمهم يسرب والأجساد
يبيدها في أرضها الفساد
وحولهم طير الفلا تحوم
من بعد أزواج بهم تهيم»
وانقض أوذيس يقيه فجلس
يخرج ذاك السهم من حيث انحبس
فاشتدت الآلام فيه فاعتلى
وقال للسائق: «عد بي عجلا»
فبات أوذيس كذا منفردا
ليس له من يبتغيه عضدا
مذ شمل الرعب قلوب الأرغس
فنفسه ناجى بحر النفس:
«ويلاه ما الحيلة إن أنهزم
فالعار كل العار بين الأمم
وإن تربصت وزفس الأعظم
بدد قومي فمصيري أشأم
لا كنت يا هاجس دعني هل ترى
غير الجبان النكس ولَّى مدبرا
وليس للباسل أن يبالي
أصاب أم أصيب في النزال»
وبينما يجول ذا بفكره
مكتئبًا مفكرًا بأمره
كفتية بزمرة الكلاب
تقنص خرنوصًا ببطن الغاب
فيبرز الوحش ويصلي غضبا
ويشحذ الناب ويبدو مرعبا
يصر بالأسنان والقناص قد
داروا عليه وهو بالغيظ اتقد
فما هم يخشون منه الدركا
وهو بمن أصاب منهم فتكا
وهكذا أوذيس بالرمح وثب
وذيفيت بين كتفيه ضرب
تُمَّ ثوون وأنوم قتلا
فجاءه خرسيذم مشتعلا
فهب من مركبةٍ يبغيه
وأوذس في الحال يلتقيه
رماه تحت الترس في سرته
فخر مصروعًا على راحته
ثم انثنى وابن هفاس طعنا
خربس يلقيه صريعًا مثخنا
فانقض صوقوس أخوه الأيهم
وصاح يدوي: «يا أذيس القيم
يا زبدة الإقدام والدهاء
فاليوم تبلي أيما إبلاء
إما حمام ولدي هفاس
والسلب والفخار بين الناس
هذا وإما من قناتي الردى»
ثم أتاه طاعنًا مسددا
فنافذ السنان في الترس مرق
واللحم تحت الدرع بالخصر اخترق
لكن أبت فالاس بالخفاء
نفوذه لداخل الأحشاء
ولم يفت أوذيس أن الجرحا
ما كان قتالا لذا تنحى
وصاح في صوقوس يا هذا الشقي
شر بلى مني سوف تلتقي
ألجأتني حينًا إلى ترك اللقا
لكن بك الحتف البهيم أحذقا
وبصقيل عاملي إن تقتل
لآذس النفس تدم والفخر لي»
٣٦
فارتاع صوقوس وقد رام الهرب
موليًا لكن أوذيس وثب
ورمحه ما بين كتفيه ولج
ومن شعاب الصدر في الحال خرج
فخر في صلصلة الحديد
وأوذس مرتفع الهديد:
«صوقوس ما أنجتك هبات المفر
فالموت أعدى منك جريًا وأشر
ويحك لم يتح لوالديكا
أن يغمضا يوم الرَّدي عينيكا
خلوت للطير فظفر ينشب
والأجنح الغضة ضربًا تضرب
٣٧
لكنني إن مت فالإغريق
غصَّ بهم في مأتمي الطريق»
واجْتَرَّ من مجنه والشاكلهْ
سنان صوقوس بتلك الغائلهْ
فجرت الدماء واشتد الألم
وحوله جيش العدى طرا هجم
فلاشتداد الخطب عاد القهقرى
وصاح يدوي صوته حتى السرى
دعا ثلاثًا يطلب الغياثا
وعى منيلا صوته ثلاثًا
مال إلى رفيقه أياس
قال: «أيا أياس رب الباس
صوت أذيس أذني حالا طرق
كأنما أخرج ما بين الفرق
وشددت أزمتها عليه
هي نبادر عجلا إليه
أخاف مهما صال يضوى مفردا
فنرث الأحزان عنه سرمدا»
وسار أولا منيلا وتلا
أياس كالأرباب أبناء العلى
٣٨
فألفيا أوذيس والطرواد قد
تَكَأْكَأُوا عليه عَدًّا وَعُدَدْ
كأنهم من حوله ثعالب
على الجبال إيلا تراقب
في الإيل القناص سهمًا أنشبا
لكنه ما نال منه الأربا
فغاب عن مرآه والثعالي
من حوله تجري على التوالي
تروم فتكًا وهو لا يرام
يجري ولا يلويه الازدحام
فطالما تجري به قوائمه
لا تلتوي لجرحه عَزَائمُهْ
لكن إذا ما الدم في الجرح بَرَدْ
وعن خفيف لجري بالعَيِّ قَعَدْ
فازت به في الطود فوق الغاب
إذا بليثٍ فاتكٍ قضاب
يذعرها ذعرًا فتلوي هربا
وهو به يخلو منالا طيبًا
كذا أذيس وهو ما بين العدى
عن نفسه يدفع بالرمح الردى
بادر آياس بذياك المجن
كالبرج يحميه وقد كان وهن
واجتره من بين تلك القتله
وتبعه أدنى إليه العجله
وصال آياس ودروقل قتل
نَغْلٌ لفريام وفندوقوس فل
ثم لسندرًا وفيراس رمى
كذاك فيلرت يفجر الدما
كالسيل من شم الجبال اندفقا
تمطره أنواء زفس غدقا
يفيض للسهل زُعابًا يندفع
والأرز والملول عنفًا يقتلع
ولعباب البحر يدفع الزبد
كما أياس اشتد فيهم واتقد
طغا بذاك السهل كالزعاب
يبتت ظهر الركب والركاب
وهكطر في ثغر إسكامندر
يصول في صدر الجناح الأيسر
يقضب الأعناق وسط الفيلق
ولا يرى نكال هذي الفِرق
وقد علا لديه صوت اللغب
حول إذومن ونسطور الأبي
وهو بمركبته محتدم
كتائب الفتيان حطمًا يحطم
لكنما جيشهما ما برحا
يدفع حتى ماخوون جرحا
قد كان كالليث يصول وإذا
في كتفه اليمين سهم أنفذا
مثلث الأطراف للإسكندر
زوج هلانة الجميل الشعر
فقوم أرغوس أولو الإقدام
خافوا انقلاب موقف الصدام
فيفتك العدى بذياك البطل
فصاح إيذومين بادي الوجل:
«نسطور يا ذا المجد والجلال
هي فهبن على العجال
وسر وسوقن إلى الأسطول
بماخوون الماجد النبيل
هذا النطاسي الذي يستخرج
سهمًا بكرات الصدام يولج
وساط والجياد كالطير سعت
تتوق للرجوع من حيث أتت
وقبريون تبع هكطور عرف
منقلب الطرواد في ذاك الطرف
أبصرهم من فوق عرش العجله
إزاء هكطور لذا أوعز له:
«نحن هنا في طرف المعسكر
نفتك فتك الباسل المدمر
وثم آياس المنايا نشرا
والخيل والفرسان ذعرًا ذَعَرا
نعم فذا مجنه الكبير
من حول كتفيه أرى يدور
فقم نسق لمأذق الهيجاء
حيث علت عجاجة الأعداء
هناك حيث اصطدم الشجعان
تلاحم المشاة والفرسان»
وشدد السوط على الجياد
فاندفعت لساحة الجلاد
تخبط بالقتلى وباليلامق
على نجيع من خطاها دافق
حتى جناحا سدة المركبة
وقوسها من تحت تلك السدة
وهكطر للفتك يصلى نارا
فغار ما بين العدى وثارا
يطعن فيهم قاتلا مجندلا
حتى سراياهم جميعًا بلبلا
وظل كرات الوغى يجاري
بالسيف والعامل والحجار
وهو على ذيالك البأس أبى
لقاء آياس لذا تنكبا
لكن زفس في المقام الأرفع
روع آياس بهول المصرع
فدهشًا أطرق والجوب على
كاهله ألقى وعاد وجلا
بطرفه جيش العدى يباري
يخطو وينثني كوحش ضاري
وخطوة فخطوة يلوي القدم
كأنه الضيغم في الليل هجم
والناس والكلاب في الأسحار
تحرس حول عُنَّةِ الأبقار
٤٤
تسهر كل الليل كي لا يرتعا
ينقض مدفوعًا بفرط السغب
لكن يفوته نوال الأرب
يصده وبل من النبال
ولهب المقابس المنهال
حتى إذا ما الفجر لاح أحجما
مكتئبًا مرتعدًا محتدما
وهكذا أياس ملتاعًا نأى
عن ساحة القتالِ والعَودَ ارتأى
لموقف السفائن الحدباء
يخشى عليها كَرَّةَ الأعداء
يمشي الهوينا مثل جأب دخلا
زرعًا من الحنطة يبغى أُكُلا
٤٦
فتنهض الصبية بالعصي
تسحق فوق متنه القوي
لكنه ما كان كي يكترثا
بلَغَب الصبية مهما عبثا
يلبث في تلك المراعي يرتع
وينثني مذ يكتفي ويشبع
وهكذا الطرواد والأحلاف
من حول آياس بعزم طافوا
وهو يصدهم بجوب أكبر
أُلبس سبعة جلود بقر
يحجم حينًا ثم حينًا يهجم
ببأسه المعتاد ثم يهزم
وصدهم في كل ذاك الزمن
صدًّا ذريعًا عن بلوغ السفن
يحجز مشتدًّا على الأعادي
بين الأخائيِّين والطرواد
وصيب النيازك القتالهْ
عليه من أيدي العدى منهاله
فبعضها عن شدة العزم حذف
يغل غلا وعلى الترس يقف
وبعضها عنه منالا قصرا
مرتكزًا يغوص في قلب الثرى
٤٧
ولم يكد يراه أوريفيل
حتى انبرى لرفده يصول
أتاه لا يعبأ بالسهام
تنهال فوقه كوبل هام
وأرسل المزراق من حيث انطلق
وآفمون القرم في العنف اخترق
كبده مزق ثم راحا
يسلبه الشكة والسلاحا
فانتهز الفرصة فاريس وقد
أشغل أوريفيل في تلك العدد
في حقه أنفذ سهمًا فانكسر
نضيه والدم بالجرح انفجر
٤٨
لصحبه التوى ببراح الألم
يأبى الردى وصاح يُنهِض الهمم:
«يا نخبة الأبطال جند الباس
قفوا ادفعوا الحمام عن أياس
وحوله تألبوا فخشيتي
يصميه وبل من سهام صبت»
ومذ لذلك النداء انصدعوا
حول أريفيل الجريح اجتمعوا
ودون أيد جلن بالعوامل
يلامق أُلْصِقن بالكواهل
٤٩
وانضم آياس إليهم وانقلب
واشتد وقع الحرب والطعن انتشب
يشهد ما قد حل بالأبطال
من قومه من محن القتال
أبصر نسطور الحكيم انطلقا
على الجياد السابحات عرقا
مع ماخوون ينهب الطريقا
فعرف السائق والرفيقا
كآرس من بابه صاح: «وما
رمت ابن فيلا من ندائي للحما»
قال أخيل: «يا أود الخلق لي
قد بلغ الإغريق أقصى الفشل
على دني ركبتي صغرا
سينحنون سائلين عذرا
والآن نسطورا قصدن مسرعا
واسأله مع أي جريح رجعا
قد مرت الجياد من أمامي
طائرة لمضرب الخيام»
ولم يكد يتم حتى كرا
فطرقل يعدو ويلبي الأمرا
ونسطر وماخوون وصلا
خيمة نسطر بها ترجلا
وتابع الشيخ أريميدون حل
جياده وذهبا بلا مهل
ينشفان العرق السيالا
على نسيم البحر ثم مالا
لخيمة الشيخ وفيها جلسا
وهيكميذا بنت أرسينوسا
(تلك الربحلة البديعة الشعر
لنسطر كانت نصيبًا مدخر
أهديها جزاء رأي أصوبا
لما أخيل تيندوس خربا)
قامت لإعداد الشراب عامدهْ
لديهما تنصب أبهى مائدهْ
جميلة مصقولة القوائم
زرقاءها تنبذ لوم اللائم
ومزجت فيها على الفور البصل
وخالص الدقيق مع صافي العسل
ووضعت إزاءها كوبًا أغر
كان لدى نسطور من قبل السفر
وهو على قائمتين انتصبا
وبمسامير النضار التهبا
وفوق كل من عراه الأربع
طير حمام من نضار ألمع
وذلك الكوب إذا ما يطفح
هيهات غير نسطر يزحزح
وراحت الصبية السبيهْ
بحسنها كالربة السنيهْ
تصب فيه خمر إفرمنا على
ماء وفوقه تفت عجلا
وفوقه ذرت دقيقًا صافي
ثم دعتهما للارتشاف
فشربا وارتويا وجلسا
وبأطاريف الحديث أَنِسا
إذا بفطرقل كرب ظهرا
في الباب فالشيخ رأى وابتدرا
وقام عن سدته الوقادهْ
بيده يأخذ حكم العادهْ
ثم دعاه للجلوس فأبى
وقال: «يا مُريد زفس الأنجبا
عفوًا فلست بملبي الأمر
فشأن آخيل نظيري تدري
قد يصطلي عفوًا بسورة الغضب
ويتهم البريء عن غير سببْ
سيرني أسأل منك الخبرا
بأي مجروح أتيت مدبرا
سأقفلن راجعًا ذا الحينا
مذ قد عرفت الشهم ماخوونا»
فقال نسطور: «وأين يلقى
أخيل بالإغريق هذا الرفقا
أما رأى أن فناهم باد
واشتملوا بحلة الحداد
وخير من فيهم ففي الأشراع
بين جريح وطريح ناعي
فذا أبو البأس ذيوميذ البطل
ألمه السهم وبالرغم قفلْ
وذاك أوذيس وأتريذ خرقْ
جسمهما العامل والدم اندفقْ
وهاك أوريفيل بالعنف انكسرْ
بفخذه نبل به الجرح انفجرْ
وها هنا ترى الكمي الباسلا
به جريحًا جئت توًّا قافلا
أمتقاعسًا يظل حتى؟
يبتتنا سيف الأعادي بتا
وتلهب النيران بالأسطول
تبيدها بالجند والقيول
وا أسفا الشباب وَلَّى ومضى
والبأس والإقدام عني أعرضا
وفاتني الإبلاء والإيقاع
كما استطالت قبل مني الباع
٥٧
يوم الإليون على صوارنا
سطوا فأججنا لظى أوارنا
صلنا عليهم واغتنمنا البقرا
فجاءنا إيتومن مستعرا
ابن هفيروخ الذي قد كانا
يحكم في أليذة السكانا
فنال مني طعنة نال الردى
بها وولى القوم طرا شردا
وخلت الأنعام في السهل لنا
خمسون سربًا ماعزًا مسمنا
ومثلها من أحسن الأبقور
ومثلها من أسمن الخنزير
ومثل ذا الغنيم سقنا في الغلس
ومئة أيضًا وخمسين فرسْ
شقراء طرا ترضع الأمْهارا
سقنا لفيلوس نؤُم الدارا
كنت فتى واهتز نيلا طربا
أبي لعودي غانمًا مكتسبا
وصاحت الدعاة في من طلبا
من ذمة الأعداء مالا سلبا
فاحتشدوا واقتسموا القليلا
وذاك نذر من كثير نيلا
حيث الإفيون على قلتنا
صالوا بفيلوس على جملتنا
وقبل ذا بأحؤل قد صالا
هرقل فينا يذبح الأبطالا
ومن بنى نيلا وكانوا اثني عشرْ
سواي لم يبق لديه ابن ذكرْ
فزادنا العدو غدرًا واعتسفْ
وبأساليب اللدَّادات قذفْ
وفي اقتسام الكسب نيلا أفرزا
قطيع أبقارٍ له وأحرزا
سرب شياه برعاتها التي
أبقى له ترعى ثلاث مئة
فذمة الأعداء كانت مثقلهْ
له بدين رام أن يحصلهْ
إذ كان قد أرسل للسباق
أربعةً من أكرم العِتَاق
لكن مولى الناس أفغياسا
معتسفًا قد حبس الأفراسا
كذلك المركبة الغراء
والسائق المستاء فَذًّا جاء
لذاك نيلا اغتم والوفر ادخر
ووزع الباقي بعدل وأمر
بأن نضحي لبني الأرباب
شكرًا على أطايب الأسلاب
وثالث الأيام فاجانا العدى
بخيلهم لا يحصرون عددا
والملينان قائدا الفرسان
غران للطعان جاهلان
وفي ثغور ألفيا في طرف
فيلوس قامت فوق تل مشرف
بلدة إثريون حاصروها
يبغون بالعنوة أن يفنوها
وفي الدياجي انحدرت أثينا
وهم بذاك السهل يضربونا
ونبهتنا للوبال المحدق
فهم بالهمة كل الفيلق
وخالني نيلا صبيًّا غِرًّا
وخاف أن أكر فيمن كرَّا
فخيلي الجياد أخفى وحظر
عَليَّ أن أجري على ذاك الأثر
فراجلا بعونها سرت ولي
كان لدى الفرسان أسمى منزل
٥٩
سرنا إلى حيث لدى آرينسا
يصبُّ نهر قد دعوا مينيسا
للفجر ظلت ترقب الخيالهْ
تعقبها كتائب الرجالهْ
ثم تكتبنا وعند الظهر
طرًّا نزلنا فوق قُدسِ الثغر
من ثم أعددنا الضحايا الغرا
لزفس نستمد منه النصرا
وألثس التهر له أذكينا
عجلا كذا بآخر ضحينا
لفوسذ وعجلة تبيعهْ
لربة الحكمة والشفيعهْ
ثم تناولنا الطعام ورقد
كل مدججًا على ذاك الجدد
وحالما براح من خبائها
للأرض أرسلت سَنا ضيائها
٦٠
بزفس لذنا وأثينا ومضى
للحرب جيشنا على ذاك الفضا
أما الإِفيِّون فحول البلد
تألبوا بِعَدَدٍ وعُددِ
فتحًا يرومون ولكن نظروا
شدة آريس بنا وذعروا
فأول الفرسان مطعونًا وقعْ
بنصل رمحي عندما نحوي اندفعْ
(مليوس وهو صهر أفغياس
وبعل آغاميذة الإيناس
من كنه نبت الأرض طرًّا سبرت
وللعقاقير جميعًا خبرت)
جندلته فخر من مركبته
وواثبًا علوت في منصتهْ
وصلت صدرا لجيش والأعداء
وَلَّوْا وفيهم علت الضوضاء
راعهم أن زعيم العجل
وأبسل الأبطال بالحتف بُلي
وفيهم هَبَبْتُ كالإعصار
أذبح كل سارح وسار
وفوق خمسين من العجال
بمئة من أمنع الأبطال
فتكت طاعنًا وأوليت الردى
ومنهم اغتنمت تلك العُدَدا
وكدت أولي ولدي أكتورا
وملينًا بعاملي الثبورا
لكنما جدهما فوسيذ في
مكثف الضباب فيهما خفي
ولم نزل نكسأهم في السهل
ونصر زفس فوقنا يستعلي
نذبحهم ونسلب السلاحا
والخيل فينا تنهب البطاحا
حتى وطئنا أرض بفراسا النعم
وصخر أولينيس ًًًذلك الأشم
وعند تل آلس أثينا
بدت لعود عاجل تدعونا
عدنا ولكن بعد ما بمخفقي
حتفًا لقي آخر جندي بقي
وفي مآبنا الأخائيونا
شكرًا وحمدًا كلهم يسدونا
لزفس في الأرباب أبناء العلى
وللفتى نسطور ما بين الملا
فذاك أني كان يوم المحن
إن لم يكن كالحلم ماضي الزمن
٦١
لكن أخيل ليس بالشفيق
وسوف يبكي نكبة الإغريق
فاذكر منتيوس وما قال لكا
في إفثيا الفيحاء مذ أرسلكا
ألم أكن وأوذس في القصر
نسمع ما تسمعه من أمر
يوم ذهبنا نحشد العمالا
بين الأخائيين والأبطالا
ودار فيلا كنت مع أبيكا
فيها وآخيل الفتى يليكا
والشيخ فيلا في فناء الدار
مؤجج فيها لهيب النار
يحرق أفخاذًا من الثيران
لزفس يسترضيه بالقربان
وفوقها يريق من كأس الذهب
مدامة سوداء من صافي العنب
وأنتم اللحوم تقطعونا
من مدخل الباب نظرتمونا
فقام آخيل وفي أيدينا
أمسك راحبًا بنا يدعونا
وإذ قضينا من شرابٍ ضافي
وخير زاد حق للأضياف
إليكما وجهت قولي علنا
فرمتما اللحاق في الحال بنا
فقال فيلا لأخيل: «يا بني
بَرِّز على الأقران يوم الطعن»
«ثم منتيوس تلا يقول:
«رفيقك الباسل ذا أخيل
«فاقك بأسًا نسبًا وقدرا
وزدته عمرًا وزدت خُبرًا
«فانصحه خيرًا وله كن مرشدا
يطع لما تريه من سبل الهدى»
٦٢
فذاك أمر الشيخ لكني أرى
أنك قد نسيت أمرًا أَمَرا
بلغ أخيل قبل إدراك الدرك
قولي عساه مصغيًا يذعن لك
فَرُبَّ رَبٍّ مال للترفق
والخير في نصح الرفيق المشفق
فبك فليبعث مع المرامدهْ
عسى بكم لنا تتم الفائدهْ
والبس سلاحه عسى الطرواد
يروعهم لذلك الجلاد
إن نظروه فيك والإغريق
يبدو لهم للراحة الطريق
جيشك إذ مل من القعود
يبطش في جيش العدى المجهود
بذا تقي السفين والخيم وعن
عاتقنا تدرأ أثقال المحن»
٦٤
لذاك فطرقل أسًا تفطرا
وكر يبتغي أخيل مخبرا
وإذ لأشراع أذيس عرضا
حيث أقام القوم ديوان القضا
حيث أحلوا مجلس الأعيان
ونصبوا مذابح القربان
بدا أريفيل لديه عارجا
من ساحة الحرب جريحًا عارجا
٦٥
يرشح من جبينه سيل عرقْ
والسهم باد عضل الحق اخترقْ
والدم أسودا سخينًا يجري
لكنه معتصم بالصبر
فرق فطرقل لذاك المنظر
وقال ملتاعًا لهول المخبر:
عن داركم نائين والأصحاب
لتذهبوا مطاعم الكلاب
قل لي أريفيل: أفي الإغريق
بقية لِعِبرِ ذا المضيق؟
أم ثقلت وطأة هكطور فلا
مرد للخزي الوبيل فشلا»
قال: «فبل قد قضي الأمر ولا
مناص وانظر تلق خير النبلا
بين جريح وطريح غادي
وقوة الطرواد في ازدياد
هي أغثني واصحبني للخيم
وأخرج السهم يزل عني الألم
والجرح فاغسله بماء فاتر
واسكب عليه بلسم القناطر
سر حفظت عن أخيل وهو عن
أستاذه خيرون في ماضي الزمن
أما طبيبانا فَفُوْذَا ليْرُ
ما بين دُرَّاع العدى محصور
وماخوون ذاك بادي العطب
في حاجة أضحى إلى التطبب»
فقال فطرقل: «سرى الوبال
ويلاه ما الحيلة والمآل
فها أنا أمضي إلى أخيل
أبلغ قول نسطر النبيل
لكن أراني عنك غير ناء
وأنت تحت الأزمة اللأواء»
ومن ذراعيه بلطف حملهْ
ولخيامه سليمًا أوصلهْ
ومذ لدى الأتباع في القرب ظهر
مدوا له الفراش من جلد البقر
ألقاه فطرقل عليه وقطع
بالسيف نصل السهم من حيث وقع
وغسل الجرح وَعِرْقًا مُرَّا
بيده فَتَّ وحالا ذَرَّا
فالتأم الجرح وأوقف الدم
وأورفيل زال عنه الألم