إلى الثغر هكطور زفس دفع
وأنصاره والكفاح صدع
وغادرهم في لظى ناره
وحوَّل وقَّاد أبصاره
لإثراقةٍ أرض خير الجياد
وميسة مهد قروم الجلاد
ونحو الأبيين رهط الكمال
وعن حصن إليون صد ومال
وما كان يخطر في باله
بأن بني الخلد من آله
يثور بهم أحد ويقوم
لنصرة أي فريق يروم
ولكن مزعزع ركن الثرى
فسيذ جميع البلا أبصرا
لقد كان شق عباب البحار
وأقبل يرقب حر الأوار
وَامَّ سمثراق أُمَّ الشجر
لأشمخ طود بها واستقر
فلاحت له كل إيذا وأبصر
سفين البحار وإليون والبر
وأحدق مستعجبًا وهو عابس
وشق عليه نكال الأراغس
فهبَّ من القمة الوعرهْ
بنفس على زفس مستعرهْ
وتحت خطاه ارتجاج شديدْ
له الشم والغاب طرا تميدْ
٢
ثلاثًا خطا في الذرى الشاسعهْ
هنالك شيدت صروح النضار
له خالدات بقعر البخار
فشد لشائق مركبتهْ
جيادًا تطير بمرحلتهْ
حوافرها ذُكْرَةٌ تلمع
وعسجد أعرافها يسطع
وحل بإبريز شكته
وسوط النضار بسدته
فراحت بقلب العباب تلجْ
لها اليم مبتهجًا ينفرجْ
وخلق البحار وقد شعرا
بوطأة مولاه إذ عبرا
من القعر حيتانه تثب
لمرآه يأخذها الطرب
فطارت بجذع بها اتصلا
وما سيم فولاذه بللا
سراعًا بها خيلها رامحات
لتبلغه السفن الراسيات
وفي اللج ما بين تينيذس
وذات الجلاميد أمبرس
توسط من تحت ذاك الطريق
على البحر في القعر كهف عميق
هنالك أوقفها ثم حلا
ومد لها علف الخلد حلا
فألفى الطراود قد هرعوا
على إثر هكطور واندفعوا
بصوت جهير وقلب يفور
كنار تثور ونوء يدور
يرومون أخذ الأساطيل قهرا
وذبح الأخاءة ثمة طرا
ولكن فوسيذ من قبضا
على الأرض من فوره اعترضا
من اليم أم الأراغس رفقا
فماثل كلخاس شكلا ونطقا
ونحو الأياسين مال بحدهْ
فزادهما شدةً فوق شدهْ:
«أياس أياس ألا فاحملا
فحملكما فيه درء البلا
ألا فاذكرا شأو بأسكما
نعم وانبذا الرعب خلفكما
فلست بخاش ذراع العدى
وإن كثفوا حولنا العددا
فهم حيثما عبروا السور جهرا
يصدهم قومنا الغر قهرا
ولكنما خشيتي ها هنا
وهكطور كالنار ثار بنا
يفاخر أن كان من نسل زفس
فرب إلاه يقوم ببأس
ويوليكما العزم في ملتقاه
وضم القيول لكف أذاه
يغادر أسطولكم فشلا
وإن كان أغراه مولى العلى»
٦
ومن ثم مسهما بعصاه
وأولاهما قوة من قواه
شديد ذراع وثبت قدمْ
وخفة جسم وكل الهممْ
وحالا توارى بسرعة صقر
على الفور ينقض من صلد صخر
ويرمح طي الجناح الخفيف
إلى الواد في إثر طير ضعيف
ففيه أحس أياس الصغير
ونبَّه يدعو أياس الكبير:
٧
«من الخلد لا شك ربٌّ نهضْ
وماثل عرافنا لغرضْ
لنوري الأوار ونحمي السفينا
فما هو كلخاس فاعلم يقينا
تبينت وهو يسير خطاه
وأمر يسير بيان الإلاه
فنفسي ماجت لسفك الدم
وهاجت يدي وعدت قدمي»
فقال: «نعم، وأنا الآن أُلْفِي
برمحي تهتز للفتك كفِّي
ورجلي بي شدة تثب
وروحي للنقع تضطرب
تحرقني لبراز يجل
مع القرم هكطور من لا يكل»
فذاك حديثهما طربا
وفوسيذ قلبهما ألهبا
وراح لساقة جيش الأراغسْ
يشدد كل فتى متقاعسْ
فقامت مفاصلهم تنتعشْ
وكانت على عيِّها ترتعشْ
إزاء الأساطيل يضوون غما
وبالسور جيش العدو ألما
يرون ويذرون دمعًا سخينا
وبالحتف قد أصبحوا موقنينا
ففوسيذ بينهم اندفقا
يحثهم فِرَقًا فِرَقا
وبادر يدعو قروم الرجال
كليطس طفقير ربِّ النبال
وفينيل ذيفير فخر الكماة
وثاوس مريون هول العداة
كذا أنطلوخ وبكتهم
بقول أثار عزيمتهم:
«ألا أي عار أرى أي عار
أفتيتنا يا حماة الذمار
ظننت بكم إن ثبتم جهادا
وقاية أسطولكم أن يقادا
وإلا فإن تجبنوا في الكفاحْ
ففجر انتصار الطرواد لاحْ
أتبصر عيني عجابًا خطيرا
تيقنت رباه أن لن يصيرا
علينا الطراود منتصرهْ
وهم قبل إيَّلَة فررهْ
تتيه بعجز بغاباتها
ولا عزم يدفع آفاتها
إلى أن تروح بسوق النصيب
طعام ابن آوى وفهد وذيب
أهم هم ولم يك مَنْ منهم
إلينا ولو لحظة يقحم
أهم هم وقد غادروا البلدا
وساموا عمارتنا النكدا
وذاك لان المليك عثرْ
فغيظ الجنود وسيموا الضجرْ
فحول سفائنهم يذبحونا
وللذود عنهن لا ينهضونا
وهب أن أتريذ كان امتطى
بإغضاب آخيل متن الخطا
هلمو بنا نتلافى العرضْ
فعقل أخي الفضل يأبى المرضْ
وليس جديرًا بصيد الرجال
مغادرة الكر يوم النزال
ولا أعذل النكس إن قعدا
ولست بعاذركم أبدا
تقاعسكم سيزيد البلا
ألا فاذكروا العار بين الملا
ألا تنظرون الصدام الشديدا
وهكطور ذاك العميد العنيدا
صفوفًا تشوق انتظامًا أريسا
وفالاس يوم تثير الوطيسا
تربص صيد جماهيرهمْ
لصد العداة وهكطورهمْ
نصال القنا لنصال القنا
وفوق المجنِّ المجنُّ انحنى
وَبِالْمِغْفَرِ الْمِغْفَرُ اتصلا
وقد لاصق البطل البطلا
برصهم الخوذ اللامعات
تلاقت تموج بها العذبات
ومن دون صلد أناملهمْ
تلاقي اهتزاز عواملهمْ
فهبوا بهنَّ بثبت جنان
تضرم نارًا لحر الطعان
وهب الطراود والتصقوا
وفي الصدر هكطور مندفق
كجلمود صخر قد انتزعا
من الشم سيل به اندفعا
وقد كاد هكطور يسفك سفكا
على الخيم والفلك للبحر فتكا
ولما بتلك الصفوف اصطدمْ
على رغمه ثبطته القدمْ
وجيش الأخاءة هم إليه
يهيل القنا والسيوف عليه
فصدوه وانكفأ القهقرى
يصيح ويدعو قيول السرى:
«طراودتي وبني ليقيا
ويا آل دردانس الأصفيا
قفوا فالعدو قريبًا يدينْ
وإن رُصَّ رَصَّ الحصار المتين
١١
لئن كان خير بني الخلد طُرَّا
نعم بعل هيرا المعظم قدرا
١٢
هو الدافعي لنكال العدى
فإن لهم بسناني الردى»
فهاجوا لذا النطق نفسًا وَلُبَّا
وبرز ذيفوب يختال عجبا
بجنته مستجيش القوى كرْ
يحث الخطى وبها يتسترْ
فلقاه مريون صلد سنانهْ
فمد المجن اتقاء طعانهْ
فمن نصله الرمح عنفًا تكسرْ
ومريون بين ذويه تقهقرْ
مغيظًا لرمح قد انصدعا
ونجوى العدو المبين معا
وللفلك والخيم حالا سعى
يروم قناة بها استودعا
وقوم أخاي بكرتهم
يعج الفضاء بصيحتهم
وطفقير أول من ظهرا
بإمبريوس الفتى ظفرا
(هو ابن لمنطور حاوي الجياد
بفيذية كان قبل الجهاد
فعند انتشاب الوغى قفلا
لإليون حيث كما بطلا
وحل لفريام ضيفًا كريما
على حرمةٍ كبنيه مقيما
فأرداه طفقير بالأذن
وجر القناة ولم ينثن»
فخر كدردارة نبتت
على رأس طودٍ به ثبتت
يميل بها النصل حين برى
بغض الغصون لوجه الثرى
كذلك إمبريوس التوى
بصلصلة الدِّرع واهي القوى
وطفقير همَّ يروم السلب
ولكن هكطور حالًا وثب
وأقبل يرميه بالعامل
وطفقير ما كان بالغافل
تنحى فراح السنان يطير
لصدر الفتى أمفماخ المقير
«فتًى أقطياط أبوه وكانا
لأقطور ينسب نسلا وشانا»
١٤
فخر يصلُّ وهكطور كرَّا
ليسلب خوذته حيث خرَّا
ولكن آياس عامله
أُطِير عليه يعاجله
فلم يبلغ الرمح جسمًا تردَّى
حديدًا يصد العوامل صدا
ولكن بمتن المجن وقع
وهكطور بالعنف رغمًا دفع
فظل القتيلان حيث هما
وقوم أخاي خلوا بهما
ففي أمفماخ منست الموقر
وإستيخيس قفلا المعسكر
وإمبريوس إلا ياسان سارا
به يقدحان احتداما شرارا
كليثين من تحت ناب الكلاب
قد انتزعا سخلة وسط غاب
لغض الغياض قد احتملاها
وما بين فكيهما أعلياها
كذا بين أيديهما رفعا
وشائق شكته انتزعا
وظل ابن ويلوس يشتد حقدا
لقتل الفتى أمفماخ المفدَّى
فهامة إمبريوس اقتضب
رحا ورماها شديد الغضب
فدارت ولا كرة حيث مرت
وتلقاء هكطور في الترب قرت
١٥
فهب إلى الفلك والخيم يجري
يهيج النفوس لوقع أمر
فأبصر إيذومنًا قفلا
إلى الحرب من بعد ما اعتزلا
يعالج حينًا فتًى طرحا
ببطن شظيته جرحا
فمن بعد أن حملوه إلى
خيامهم عجلًا عجلا
تلقاه فوسيذ يعدو بباس
بشكل ابن أنذرمون ثواس
ثواس الذي كان ملكًا كبيرا
وساد الإتول أميرًا خطيرا
على كالدونة أم الجبال
كذلك فلورونةٍ بالجلال
فقال: «أإيذومنٌ أين ما
لفيف الأخاءة قد زعما
ببأسٍ يقدُّ الطرواد قدَّا
وعيدٌ أراه قد انهدَّ هدَّا»
أجاب: «ولست أرى أن يلام
بنا أحد لاعتزال الصدام
كررنا جميعًا وما من أحد
عن الحرب جبنًا وذلًا قعد
فلا شك زفس القدير استطابا
نكالًا وعارًا لنا واغترابا
ثواس وأنت الفتى الباسل
بنصحك يسترشد الخامل
فلا تألون برشدك جهدا
وحض الفوارس فردًا ففردا»
فقال: «أإيذومنٌ من بغى
قعودًا عن الكر في ذا الوغى
عسى أن يعز عليه المآب
ويبقى هنا مضغة للكلاب
فشك وهي اتلنى مسرعا
عسى الفوز في أن نكر معا
فأعجز ما في الرجال لدى
تكافلهم يحرزون القوى
وزد أننا بقروم الرجال
إذا اشتدَّت الحرب لسنا نبالي»
ولما انتهى راح وجهتهُ
وإيذومنٌ أمَّ خيمته
فألقى زهيَّ السلاح عليه
وهبَّ برمحين بين يديه
كصاعقةٍ زفس من عنده
على الأرض يدفع من زنده
يطير لها في الألمب شرر
فينبئ بالشؤم بين البشر
شعاع حكته على صدره
صفائحه الغُر في كرِّه
فأبصر تابعه الشهم أضحى
لدى الخيم يطلب من ثَمَّ رمحا
فصاح: «ابن مولوس مريون حبي
أعز الفوارس من كل صحبي
علام برحت الصدام الأصم
أصابك سهمٌ وزاد الألم
أم الآن تحمل لي خبرا
ألست تراني مستعرا
أبيت التخلف بين خيامي
ويدفعني عاملي وحسامي»
فقال: «أتيت نعم عاجلا
أرى في خيامك لي عاملا
فإن قناتي قد انقعرت
على ترس ذيفوب وانكسرت»
فقال: «هنا خيمتي ادخل تنقى
قناةً وإن شئت عشرين تلقى
صفوفًا بها علقت ساطعات
بأكنافها من سلاح العداة
ففيها تروس وفيها رماح
وبيض ولامٌ بزاهي الصفاح»
٢٠
أجاب: «وفي خيمتي وبفلكي
سلاحٌ كثيرٌ ذخرت بفتكي
ولكنه والعدو استطال
عسير المنال لبعد المجال
وإني مثلك افتخر
بأني بأسي أدَّكر
وأني يوم الطعان أرى
إذ التحم النقع صدر السرى
٢١
فغيرك إن أبل قد لا يراني
ولكن إيذومنًا قد بلاني»
علمت بأنا إذا ما أقمنا
كمينًا له صفوةَ البهم رمنا
هنالك حيث الجبان امتقع
ومن جوفه قلبهُ ينخلع
بمهجته هلعًا يحقق
ومن خشية الموت يصطفق
وتصطك أسنانه ويقف
فتقعده ركبٌ ترتجف
وأما الجَسُورُ فليس ليعبا
ولا يتغير لونًا وقلبا
يعال وقد رصد القوم صبرا
إلى الكر والبطش طعنًا ونحرا
هنالك من ذا الذي يجد
عليك سبيلًا فينتقد
فإما طعنت وإما ضربت
قريبًا إذن أو بعيدًا أصبت
ولكن دع البحث في صدد
نلام عليه ولا نجتدي
هلم ادخلنَّ عزيزًا مكينا
ومن خيمتي اقتل سنانًا متينا»
٢٥
لئن يرم ما مثله نابل
وإن كر فهو الفتى الباسل
فهم كفء هكطور مهما طغى
فلن يبلغن بهم ما بغى
ومهما يكن عزمه لن يهونا
عليه المنال فيوري السفينا
فلا نالها غير زفس إذا
رماها بمقباس نار الأذى
ولا بشرٌ من جميع البشر
يؤلمُهُ عاملٌ وحجرْ
ويغذي نتاج الثرى مستمرًّا
يطيق لآياس ذلًّا وقهرا
وليس بغير السباق يطال
ولو نفس آخيل بالعزم صال
فقم فنسير إذا لليسار
لنولي أو نحن نولى الفخار»
ومريون حالًا كرب القتال
تقدم يجري إلى حيث قال
ودون الطراود مذ ظهرا
يضرَّم إيذومنٌ شررا
وتابعُهُ بالسلاح المتين
تراموا بكبحهما مجمعين
هناك السرى اشتبكت والغبار
إزاء السفائن للجو ثار
وقد ستر السبل سحقٌ رفيع
فتنسفه لعباب الرقيع
كأن الرياح قد اصطدمت
بنوءٍ تفاقم فالتطمت
كذا اشتبكوا فوق تلك الفلا
وقارنت الأسل الأسلا
رماح تمزق صدر الرجال
وأفئدةٌ لهبت للنزال
ولمع الدروع وغر التروس
وزهر الترائك فوق الرءوس
وقد عانق الفيلق الفيلقا
بمنظره يبهر الحدقا
وليس سوى الفاتك الباسل
يسر لذا المشهد الهائل
ولكنه لم يشأ أن يبيدا
بإليون قوم الأخاء بعيدا
بل اختار إجلال ثيتيس قدرا
كذاك أخيل ابنها الشهم جهرا
وفوسيذ سرًّا من البحر هبَّا
ليحيي الأراغس نفسًا وقلبا
يؤلمه أن زفس جنف
عليهم ونحو العداة انحرف
هما ابنا أبٍ واحدٍ ليس إلا
وثم التكافؤ فرعًا وأصلا
لذلك فوسيذ ما جسرا
بجيش الأراغس أن يظهرا
فجاب يخوض الصفوف خفيًّا
يماثل بين الكماة كميًّا
وأورى الإلاهان نار نكال
له بسطا حبل حربٍ سجال
بأطرافه كلهم وقعوا
فقطعهم وهو لا يقطع
هنالك إيذومنُ سخطا
وإن كان بالشيب قد وخطا
لقلب العداة بثبت القدم
دعا قومُه حنقًا وهجم
وهدَّ عزائمهم مذ قتل
بكرته أثريون البطل
فتًى من قبيسة قد أقبلا
حديثًا ونيل العلى أمَّلا
بكسندرا ربَّة الحسن هام
فخاطب فريام في ذا المرام
وما ساق مهرًا لها بل وعد
بقهر العدو وحفظ البلد
ومذ وعد الشيخ أبهى بناته
يزوجه انقض فوق عداته
مضى شامخًا بعزيمته
فلم يقه صلب جنَّتِهِ
وغار السنان بمهجته
فخر يصل بشكته
فناداه إيذومنُ يفتخر:
«أيا أثريون لئن تنتصر
فتتبع خبرك بالخبر
علمتك خير بني البشر
فإن كان فريام أبدى العهود
فنحن نبرُّ كذا بالوعود
على دك إليون إن نلنا
فعهدك نوثقه علنا
ونجعل عرسك أجمل بنت
لأتريذ من أرغليذة تأتي
هلم إلى الفلك نبدي القرار
فأحماؤنا لن يشابوا بعار
٣٠
ومن ثم وافاه مجتذبًا
بساقٍ فزاد العدى لغبا
وآسيُّسٌ راجلًا أقبلا
لينقمَ وانقضَّ مشتعلا
ومِنْ خلفه الخيل يحرسها
فتى قد علاه تنفسها
فهمَّ وإيذومنٌ سبقا
بزج بحلقومه مرقا
فمال أمام الجياد يصرُّ
بأسنانه للحضيض يخرُّ
كأرزة طودٍ وحورتهِ
وملُّولةٍ فوق قنَّتهِ
تميل بفأسٍ لها شحذوا
لصنع السفائن تتخذ
وسائقه ظل مضطربا
وحاز فلم ينهزم هربا
ورمح ابن نسطور وافى يميذ
بأحشائه فوق درع الحديد
فأهوى إلى الأرض يشهق شهقا
وأفراسه أنطلوخ تلقَّى
وسار بها للحمى مغنما
وذيفوب إيذومنًا يمَّما
لآسيسٍ هبَّ يطلب ثارا
مشى وعليه السنان أطارا
وإيذومنُ مذ رآه تقدَّم
وزجَّ فتحت المجن تلملم
«مجنٌّ يغشيه جلد البقر
وفولاذه ساطعٌ للنظر
له مقبضان متينٌ كبير
يحفُّ القتير به مستدير»
فلامس بطن السنان المجنَّا
وطار ومن وقعه التُّرس رنَّا
وغلَّ وما طاش إذ صدرا
إلى ابن هفاسس إفسينرا
فأنفذ يصميه بالكبد
وذيفوب يشهد عن بعد
فراح بخيلة مفتخر
يصيح بنعرة منتصر:
«نعم دم آسيس ما انهدر
وإن أم آذيس هول البشر
سيأمن ضمن المقام العميق
لأني أتبعته برفيق»
فساء الأراغس ذاك النعير
وأورى حشا أنطلوخ السعير
على بثه راح والصبر عيلا
يقي بالمجن الخليل القتيلا
٣١
وآلسطرٌ ومكستُ أسيرا
به للسفائن يعلي الزفيرا
وإيذومنٌ ظل في حزمه
يكر بعزمٍ على عزمه
فإمَّا ليردي كميًّا ببأسه
وإما ليفدي ذويه بنفسه
أصاب سليلًا لزفس الأغر
بألقاثٍ بن إسيت اشتهر
لأنخيس قد كان صهرًا صفيًّا
على بنته البكر هيفوذميا
فتاةٌ بصرحهما أبواها
بمنزل قلبهما أنزلاها
وما كان بين لدات الزمان
لها مثلٌ في العذارى الحسان
وفاقت بوشي وعقلٍ وحسنِ
كما فاق ذاك بضربٍ وطعن
فزفَّتْ إليه ولكنَّما
أبى الربُّ فوسيذ أن يسلما
فحل قواه وغشى البصر
فضاق المفر وحال المكر
وظل بغير حراكٍ مقيم
كركنٍ مكينٍ وجذعٍ عظيم
بدرعٍ مرارًا وفته الردى
فلم تقه الآن طعن العدى
فمزقها الزج مذ رشقا
وفي الصدر من دونها مرقا
فصلت وخر وكيف المناص
وفي قلبه العامل اللدن غاص
وعود السنان إلى الكعب ماد
بعنف اشتداد وجيب الفؤاد
٣٢
وما زال يهتز حتى تلاشى
وإيذومنٌ صاح يشتدُّ جاشا:
«أذيفوب ها قد فرى ساعدي
ثلاثة صيدٍ لقا واحدِ
علام التشدق أقبل هنا
فتعلم أي ابن زفس أنا
ألم يأتك العلم عن نسبي
وأن ذقليون كان أبي
وأهل إقريط مينوس جدي
بزفس أبيه رقى طود مجد
وأن بإقريط باعي شديده
لملكي دانت شعوب عديده
أتيت أريك هنا وأباك
وكل الطراود سبل الهلاك»
فنازع ذيفوب في أمره
مرامان ردَّد في فكره
أيبرز فذًا إلى ملتقاه
أم الرأي أن يلتجي لسواه
فعوَّل في شدة المعمعة
يلوذ بأنياس يأتي معه
يؤلمُهُ أن فريام أزرى
به وبإقدامه لم يبرَّا
فوافاه قال: «إذن فهلمَّا
أأنياس صدر الطراود علما
٣٤
فإن كنت ترعى حقوق النسب
فذا صهرك الآن بادي العطب
فكم بك في سالف الزمن
وقد كنت طفلًا قديمًا عني
وألقاث إيذومنٌ أدركا
فقم ذُبَّ عنه فقد هلكا»
فهاج بأنياس لبُّ الحشا
ونحو العدو الألد مشى
وإيذومن مستجيشًا مكث
ولم يرتعد كالغلام الحدث
أقام كخرنوص برٍ خبرْ
قواهُ فقام بطودٍ أغرْ
بمنفرجٍ في البراح تربَّص
ليرقب من جاءه يتقنص
فيلهب عينًا ويعقفُ ظهرا
ويشحذ نابًا ويكمن شرَّا
ويذخر بطشًا بعيد المنال
لذبح الكلاب وكبح الرجال
٣٥
كذلك إيذومنٌ وقفا
لأنياس مذ حنقًا زحفا
ونادى الرفاق بصوتٍ جهير
كذيفيز مريون ذاك الجسور
وآفارسٍ عسقلاف البطل
كذا أنطلوخ وصاح: «العجل
هلموا رفاقي فليس لديَّا
معينٌ وأنياس خفَّ إليَّا
هو القرم يبلي بجمٍّ غفيرِ
وما زال غض الشباب النضيرِ
خشيت ولم أخش لو كان تربى
وذا العزم عزمي وذا القلب قلبي
فلا شكَّ كان النزال سجال
فإمَّا يعالُ وإمَّا أعال»
فحرَّكهم عاملٌ واحدُ
وهزمهم الجلل الوافدُ
فهبوا إليه بأصنافهم
وأجوابهم فوق أكتافهم
وأنياس صاح بمن لمحا
ينادي السراة بذاك الوحي
فهبَّ أغينور ذيفوب فارس
ومن خلفهم هبَّ كل القوامس
كما تبع الكبش سرب الشياه
تعاف المراعي لورد المياه
وأنياس بادي السرور رقب
كما هزَّ راعي الغنم الطرب
٣٦
ومن حول ألقاثٍ اصطدموا
صدام الكواسر وازدحموا
وفوق الصدور دروعٌ تصلُّ
بضربٍ يحلُّ وطعنٍ يفلُّ
وأفتكهم كان إيذومنا
وأنياس كل لكلٍ دنا
كآريس في بأسه اندفقا
وأنياس عامله سبقا
فأبصر إيذومنٌ واحتفز
وفي الأرض راسُ السنان ارتكز
وبالرمح إيذومنٌ رشقا
على وينماس فما زهقا
ففي الدرع غاص وشقَّ الحشا
فخر على الأرض مرتعشا
وإيذومنُ اجترَّ ذاك المثقف
وهمَّ يجرده فتوقفْ
فإن السهام عليه همت
وبالعي أعضاؤه وهنت
فلا قوةٌ لالتقاط الزِّجاج
ولكن فيه بقية حزم
بها يدفع الحتف عنه ويصمي
وذيفوب أبصره يتقهقر
وقد كان حقدًا عليه تسعر
٣٩
وزج فطاش السنان وطار
إلى عسقلاف ابن رب البدار
فحل بعاتقه فتلقى
براحته الأرض يخفق خفقا
ولم يدر آريس أن فتاه
بذا الملتقى فارقته الحياه
لقد كان فوق الألمب احتجب
تحيط به سحبٌ من ذهب
هنالك زفس بحكم القدر
على الخالدين القتال حظر
وحول القتيل الوغى صدعا
وذيفوب مغفرة انتزعا
ولكن كآريس مريون خف
على يده بالقناة قذف
فَمِنهُ التريكة في الحال فرَّت
وصلت على الأرض حيث استقرت
وهب إليه هبوب العقاب
ومن يده الرمح جر وآب
وفوليت بين يديه رفع
أخاه القتيل وفيه رجع
إلى حيث سائقه قد تخلَّفْ
بمركبةٍ دونها الخيل أوقف
فراحت لإليون فيه تطير
على ألمٍ ودمٍ وزفير
وسائرهم فوق ذاك الفجاج
يعجُّ بهم بالصدام العجاج
فآفارس بن قليطور راما
بأنياس فتكًا فألقى الحماما
فأنياس من فوره وثبا
برمحٍ بحلقومه نشبا
فمالت على الصدر هامته
وأهوى المجنُّ وخوذته
وأحدق فيه ظلام الرَّدى
فأخمد أنفاسه سرمدا
ورام ثوون فرارًا فأحدق
به أنطلوخ وكاهله شق
بطعنته ابتتَّ حبل الكتد
فمستلقيًا في التراب رقد
٤٠
يمدُّ ذراعيه مستنجدا
وقاتله ينزع العددا
وينظر حوليه في صخبه
فكرَّ الطراود في طلبه
وفوق المجن العريض البديع
ظباتٌ حدادٌ وقرعٌ ذريع
وما مسَّه من ظباهم ضرر
ففوسيذ واقيه كل الخطر
وما ارتاع فانصاع بل ظل فيهم
يجيل مثقفه ويليهم
يفكر إما يزج وإما
يشق الصفوف بسيفٍ أصمَّا
وأما أداماس آسيُّسا
فأدرك ما بالخفا هجسا
فزجَّ برمحٍ إليه يطير
فغاص بقلب المجن الكبير
وفوسيذ يأبى منيَّته
فأوقف في الترس طعنته
وعود القناة وفيه انصدع
فشطرٌ إلى الأرض منه وقع
وشطرُ بمتن المجن التصق
حكى وتدًا باللهيب احترق
وأما أداماس فانقلبا
إلى قومه يتقي العطبا
ولكن مريون مذ كان أعدى
له بالسنان الشحيذ تصدَّى
فأنفذ حيث أريس يهيل
على الإنس موتًا أليمًا وبيل
كثورٍ على جبلٍ ربطا
بعنفٍ على رغمه ضغطا
وما دام هذا الوجيب وطال
سوى لحظاتٍ قصارٍ قلالْ
فما انتزع الرمح حتى انسدل
على مقلتيه ظلام الأجل
وهيلينسٌ صدغ ذيفير فل
بسيفٍ بإثراقةٍ قد صقلْ
أطار تريكتهُ تتدحرج
إلى قومه بالدماء تضرَّج
بها من ذويه خلا نفر
وأظلم في عينه البصر
فشق فؤاد منيلا الأسى
وأقبلَ يطلبُ هيلينسا
فهيلينسٌ سهمه نشبا
بلأمة أتريذ ثم نبا
وحلَّقَ وانطاد ثُمَّ وقع
كما الحب بين المذاري اندفع
٤٣
وذو الزَّرع في بيدرٍ عاجلا
ذرى الحُمُّص اليبس والباقلي
فبين الرياح وجهد المذري
تدافُعُ حبٍ إلى الأرض يجري
ولكنَّ رمحَ منيلا استقر
بكفٍّ بها لا يزال الوترْ
فأُنْفِذ منها وفي القوس غاصا
فأمَّ ذويه يروم الخلاصا
فوافاهم النصل في يده
يقوضُ ركن تجلده
فأقبل فورًا أغينور يخرج
برقَّتِه النصل من حيث أولج
ومن صوف مقلاع تابعه حل
ضمادًا على ذلك الجرح أسبل
٤٤
وفيسندر انقض متقدا
وللحتف ساقته أيدي الرَّدى
لديك منيلا رماه القدر
لتعمل فيه حسام الظفر
كلا البطلين مشى ورشق
ولكن رمح منيلا زهق
وفيسندرٌ رمحه وقعا
على الترس لكنَّه ارتدعا
بفولاذه الصلب ما صدرا
ومن كعب نصلته انكسرا
ولكن فيسندرًا طربا
لما خال من نيله الأربا
فسلَّ منيلا حسامًا ترصَّع
قتير لجينٍ بهي وأسرع
بفولاذها بدعت عملا
وزيتون مقبضها صقلا
فما كان إلا أن اقتربا
وكل بشدته ضربا
فمن بيضة الخوذة الفأس حلَّتْ
على عذباتٍ بهنَّ تحلَّتْ
ولكن منيلًا بطعنته
أحلَّ السنان بجبهته
فأولج والعظم سحقًا سحق
ومن مقلتيه النجيع اندفق
وطيرتا بخضيب الدَّمِ
من الرأس حتى ثرى القدمِ
فقوس ظهرا وخرَّ صريعا
وقاتلُهُ الصَّدْرَ داس سريعا
وجرده من بهي السلاح
ومفتخرًا صاح أي صياح:
«ألا يا طراودةٌ يا لئام
ويا ظمئين لورد الصدام
ألا هكذا ستعافون قهرا
سفائننا اللَّاء يمخرن مخرا
علام إضافةُ عارٍ لعار
تحريتم يا كلاب الشنَّارِ
فهلا غنيتم عن الغدر نفسا
وهلَّا خشيتم إثارة زفسا
إلاه القرى من سيهدم هدما
دياركم إذ جنيتم ظلما
وزوجي لما رعتكم ضيوفا
فررتم بها والكنوز صنوفا
ألا ما اجتزأتم بما قد سبق
لتوروا السفين وتردوا الفرق
فلالا ومهما اضطرمتم غرورا
ستلقون تحت العجاج الثُّبورا
أيا زفس يا من بسامي النهى
على الإنس والجن طرًّا سما
بقدرتك استعصم المكره
فكيف تلي زمرًا غدره
جنوا وسيجنون طول الزَّمن
ولا يرتوون وغي وفتن
فرقص السرور وعذب المنام
وطيب الأغاني وكلُّ هيام
وكل سرورٍ وإن طمحا
له المرء فوق شرور الوحي
فلا بدَّ صاحبُهُ أن يملَّا
ولكن من العيث طروادة لا»
٤٦
ولما أتم مقالته
وجرد ذلك شكته
وأدلى بها لرفيق بطل
وعاد فبرز بين الأُول
فهرفليون بن فيليمن
بدا للقواضب لا ينثني
وراء أبيه لإليون قدما
أتى ليوافي القضاء الملمَّا
فبادر أتريذ في طعنته
فلم ينفذ الرمح في جنته
ونحو ذويه التوى ينظر
حواليه خوف العدى تغدر
فما كاد ينصاع حتى تلقَّى
مثقف مريون يخرق حُقَّا
بأيمن فخذيه بالعظم مرَّا
وشق مثانته واستمرَّا
فأقعى ووجه التراب تروَّى
دمًا وارتمى دودةً تتلوَّى
٤٧
فألفاه خلَّانه بالحضيض
بطرفٍ غضيض وروح تفيض
فحف به البفلغون ذووه
وبين أكفهم رفعوه
وألقوه من فوق مركبة
يهدهم فادح المحنة
لإليون ساروا أمامهم
أبوه مآقيه تنسجم
فإذ ذاك مقتله عظما
على نفس فاريس فاقتحما
لقد كان قبلا نزيلًا لديه
فشقَّ عظيم المصاب عليه
فزج وكان هناك فتى
بأوخينرٍ بينهم نُعتا
همامٌ بقورنشٍ ذو رياش
وأيقن بالحتف منذ استجاش
لأن أباه فليذ النبيل
مرارًا له قال قبل الرحيل:
«فإمَّا الحمام بداءٍ عضال
وإمَّا لدى الفلك يوم القتال»
٤٨
فلم يرض داءً يؤرقٌهُ
وعذلًا وحزنًا يحرقُهُ
فجاء وفاريس فيه فتك
بزجٍ تلجلج تحت الحنك
فأودى على لهب الغمرات
وهام على أوجهِ الظلمات
هنا كاللَّهيب السُّرى اقتتلوا
وهكطور مقتلهم يجهل
ولم يدر أن يسار السَّفين
عثت بذويه أيادي المنون
وكاد العدى يحرزون الظفر
وفوسيذ فيهم يهيج الزُّمر
وهكطور مازال حيث اندفع
بهم أوَّلًا والصفاق اقتلع
٥٠
هنالك حيث جرى حنقا
وفيلق دراعهم خرقا
وحيث سفين فروطسلاس
لقد قرنت بخلايا أياس
وقد جذبت لجدود البحار
تحاذي أداني ارتفاع الحصار
هناك الفوارس والخيل مالت
بجملتها للصدام فجالت
هنالك هكطور كالنار شبَّا
على فلكهم فتلقوه غضبى
وصدوه عنها وما ظفروا
بإجلائه فله صبروا
بصدرهم زعماؤهم
تخوض المنايا وتقتحم
هناك البيوتة جند أثينا
بصدر طلائعهم يصدرونا
منستس قائدهم وفداس
يليه وإستيخيس وبياس
إليهم قد انضم قرب الخلايا
بنو أفثس بلفيف السرايا
وميدون في قومهم آمر
وفوذرقس البطل القاهر
(فميدون كان فتًى رب باس
لويلوس من غير أُم أياس
بها هام ويلوس من غير حل
وميدون عن موطن الأهل أجلي
لفيلاقةٍ كان مذ قتلا
أخا عرس والده رحلا
فهاجت لذا إريفيس استعارا
فأخلى البلاد وعاف الديارا
وفوذرقس بن إفقلوس كانا
سليلًا لفيلاقسٍ عزَّ شانا)
ويصحبهم باسلو لقريا
ومبجيس قاد بني إيفيا
لإمرته كلهم ذعنا
وإدراقسٍ ولأمفينا
وأما الأياسان فاندفقا
معًا لحظةً قط ما افترقا
كثورين في مزرعٍ أسحمين
بنبرٍ لقد قرنا كفؤين
جرى محرث الأرض خلفهما
بعزمٍ تعادل بينهما
ولكن لدى ابن تلامون ثارت
عصابة بأسٍ حواليه دارت
لجنته تتناوب حملا
لتخفض من ثقلة العي حملا
٥٣
وأما رجال ابن ويلس فما
جروا خلفه عندما هجما
فما لبني لقريا مهج
بصدر الكتائب كي يلجوا
فليس لهم خوذٌ سابحات
على صلب فولاذها العذبات
وليس لهم جننٌ من صفاح
أديرت ولا أسلٌ ورماح
ولكنهم أقبلوا للقتال
بتلك القسي وتلك النبال
وتلك المخاذف تحكم جدلًا
من الصوف تمطر في الحرب وبلا
فظل مجيلو السلاح الكثير
يصدون أعداءهم بالصدور
وهم خلفهم جحفلًا ثانيا
يظل وبالهم هاميا
فربك وجه العدو الألد
وأوهى عزيمته والجلد
وكاد الطرواد ينكفئونا
إلى حصن إليون مكتئبينا
ولكن فوليدماس سبق
فصاح بهكطور بين الفرق:
عتوت فلا ترعوي لمقال
أأنت سبوقٌ بكل مجال
أمذ كنت هكطور تسمو بعزمك
زعمت بأنك فقت بعلمك
ألم تر آل الخلود العظام
ينيلون هذا فخار الصدام
ويؤتون ذلك صوتًا رقيقا
وقيثارةً ثم رقصًا أنيقا
وذيَّاك زفس الحكيم يزين
يثاقب فكرٍ وعقلٍ رزين
فذيَّاك ذيَّاك خابرُ تقسه
وواقي الذمار ونافع جنسه
٥٥
إذن خذ مقالي رأيًا صوابا
فحولك ثار القتال التهابا
فأصحابنا منذ عبر الحصار
هم بين معتزل لا يباري
ونزرٍ لجيش العدى صدرا
وحول السفائن قد ذعرا
فعدوا عقدن من الصيد محضر
لنبحث فيما به نتدبَّر
أبا لفلك فتكًا بزحفٍ وكرْ
لعلَّ إلاهًا بنيل الظفر
أم العود عنهن منقلبينا
ونحن بأرواحنا سالمونا
فإني أخشى إيثار الأعادي
لنكبة أمس بحر الجلاد
هنا قرب فلكهم رجل
من الفتك لا يرتوي بطل
وظني لا يلبثن طويلا
فيبرز للحرب سخطًا وبيلا»
٥٦
تلقَّاه هكطور رأيًا مصيبا
«هنا أوقفنَّ خيار الجنود
إلى أن أكرَّ أنا وأعود
أثير بقومي نار الكفاح
وأرشدهم لسبيل الصلاح»
وهب بخوذته يستطير
كطودٍ من الثلج راح يسير
٥٨
وخاض يصيح بصوتٍ جفا
صفوف الطراود والحلفا
فكلٌ أصاخ لوقع الندا
ومن حول فوليدماس عدا
وهكطور بين الطلائع هام
يسائل عن هيلنوس الهمام
وعن آدماس بن آسيُّسا
وآسيُّسٍ نجل هرطافسا
وذيفوب لكن أتيح القضا
فبعضٌ جريحٌ وبعضٌ قضى
فمن بطلٍ بطعان الأراغس
قتيلٍ أمام السفائن راكس
ومن باسلٍ لم تغله المنون
جريحٍ بأكناف تلك الحصون
فأبصر فاريسًا المجتبى
يسار الجناحين ملتهبا
يكر ويدفعهم للقتال
فعاجله بأمر مقال:
«ألا يا شقيًّا بديع الجمال
وعشَّاق خدَّاعَ غيد الدَّلال
ألا أين ذيفوب هيلينس
كذا أثريون الفتى الأكيس
كذا آدماس بن آسيُّسا
وآسيُّسٌ نجل هرطاقسا
أشماء إليون تم المصاب
بك اليوم حتمًا يحوق الخراب»
فقال كربٍ يفيض جمالا:
«أخي أالبريء اتهمت محالا
أفي مثل ذا اليوم بأسي أنسى
وأمي ما ولدتني نكسا
فمذ سرت بالقوم قرب العماره
فنحن هنا بطعانٍ وغاره
فمن رمت من دون هيلينسا
وذيفوب عنهم ورثنا الأسى
وذان جريحان قد رغما
وزفس من الحتف صانهما
بنا الآن سر حيث شئت فإنَّا
لك التابعون قراعًا وطعنا
وحقك لن نبرحن الرهانا
نكر إلى أن تكلَّ قوانا
فمهما عتا القرم لن يجدا
سبيلًا إلى البطش إن جهدا»
٥٩
لذا لان هكطور ثم زحف
وفاريس حيث اصطكاك الحجف
وحيث الفتى قبريون ضرب
وفلقيس ثار وأرثيس هب
وفوليدماس وفلميس كرَّا
وفولفتٌ ذو الجلال استقرَّا
ونجلا هفتيون قد ثبتا
مروس وعسقانيوس الفتى
وزفس إلى الحرب حثهما
وجمع السرى واحدًا هجما
كأن من الجو نوءًا شديد
به زفس يقذف طيَّ الرَّعيدْ
يعيث ببرٍّ ويهوي لبحر
ويدوي بصعقة هولٍ ويجري
فذاك اندفاع لفيف السُّرى
على أثر الصيد مستبشرا
صفوفٌ تدفع دُهم صفوف
تألق فولاذها للحُتُوف
وهكطورهم عدُّ آريس في
زعامتهم باهر الشرف
مشى بمجنٍ جلود البقر
كسته وفولاذه قد بهرْ
ومن حول صدغيه خوذته
تهيجُ فتسطعُ جبهتُهُ
دنا جائلًا يسبر القوم سبرا
يرى هل يذلهم اليوم قهرا
فما راعهم هولُهُ وتقدَّم
أياس يحث الخطى وتكلم:
«هلم إلي وألق الوساوس
علام كذا رمت ذعر الأراغس
بلونا القتال بثبت الخطى
ولكنَّما صوت زفس سطا
توهمت أن تنهب الفلك نهبا
وفينا أكف تقيهنَّ ذبَّا
وتسبق مفتتحاتٍ حماكم
ومغتنماتٍ جزيل غناكم
ولم يبق ظني إلَّا اليسير
أهكطور حتى فرارا تطير
تلوذ بزفس وكل إله
ليجري خيلك جري البزاه
فتلقيك خوف العدو المفاجي
بإليون تحت غمام العجاج»
وما كاد يفرغ حتى تراءى
بقلب الفضا طائرٌ يتناءى
هو النسر من فوق هامته
يبشر خيرًا بحومته
فضج الأراغس للفأل بشرا
لما أنسوا فيه من خير بُشرى
ولكنَّ هكطور حالًا أجاب:
«أثرثارة زاغ غثَّ الخطاب
٦٢
هرفت أياس بما قلته
وقد خاب ما أنت أمَّلْتَهْ
ألا ليت لي أن أقول بنفسي
بأني من ولد هيرا وزفس
ويا ليت لي باعتزازي يقينا
كعزة آفلُّنٍ وأثينا
كما أنني موقنٌ ببوار
لفيف الأخاءة في ذا النهار
فإما اغتررت وعرَّضت نفسك
لرمحي تؤتى على الرغم بؤسك
يمزق جلدك ماضي سناني
فتلقى لدى الفلك ميت الهوان
وفي شحمك الغض واللحم ترتع
نواهس إليون والطير تشبع»
ومن ثم هم وفيهم تصدر
وفي إثره زعماء المعسكر
بهم خلفه ارتفع الصخب
ومن خلفهم جحفلٌ لجب
وجيش الأخاءة بأسًا تدرَّع
بموقفه ظَلَّ لا يتزعزع
تربَّص يلقى عُلوج العدى
بنقعٍ لقلب الفضا صعدا
وعج الخميسين شقَّ الفضا
إلى حيث في الجو زفس أضا