ما اشتمل الفجر بثوب الجساد
يرمقه معبودها والعباد
حتى انبرت دون الخلايا ثتيس
فأبصرت آخيل فوق الثرى
معانقًا فطرقل واري الفؤاد
•••
يشهق بالعبرة هامي الجفون
وحوله أصحابه يندبون
وسطهم حلت بتلك الشجون
ويده اجترَّت وقالت: «ألا
مهما طما الخطب وطمَّ البلا
دع ثم فطرقل على الترب إذ
في قدر الأرباب بالغيب باد
•••
بني قم وارفل أتاك السلاح
من لدن هيفستٍ زهي الصفاح
٣
ما قط إنسيٌّ به قبل لاح»
من ثم ألقته لديه فصل
وهدَّ قلب المرمدون الوجل
٤
لم يستطيعوا رمق أنواره
بل عنه صدوا جملة بارتعاد
•••
لكنما آخيل مذ أحدقا
فيه حشاه غلُّه مزَّقا
وطرفه نارًا ذكت ألقا
مستبشرًا قلبه في يديه
ينظر بالبشر مليًّا إليه
وقال يا أماه ليست سوى
تحفة ربٍّ جاد فيما أجاد
•••
هيهات إنسيٌّ كذا يبتدع
وها أنا من ساعتي أدَّرع
لكن فؤادي جملةً ينخلع
لهاجسي بالشلو إنَّ الذباب
وينشر الدود به عابثًا
فيعتري جسم الحبيب الفساد»
٦
•••
قالت: «دع الفكرة إني أزيل
عنه جراثيم الذباب الوبيل
تلك التي تنهش لحم القتيل
حتى ولو عامًا هنا الجسم ظل
ما خلت ذا التشويه إلَّا اضمحل
فناد للشورى كبار السرى
وصاف أتريذ وألق العناد
•••
وشك وألبس ثوب بأسٍ منيع»
وألهبته بالزماع الذريع
ثم انثنت تلفت نحو الصريع
في منخريه أفرغت عنبرا
وسلسبيلًا صافيًا أحمرا
ليسلم الجسم وفورًا جرى
آخيل فوق الجرف يذكوا تقاد
٧
•••
وصاح صوتًا بالسرايا قصف
فكلهم لسبي مجيبًا وزف
حتى الذي بالفلك دومًا وقف
ومن على السكان ظل المقيم
ومن على الأرزاق كان الزعيم
طرًّا إلى الشُّورى سعوا مذ بدا
•••
ثمة ما عتم أن عرجا
يعرج أوذيس إمام الحجا
كذا ذيوميذ الفتى المرتجى
توكأ على كعوب الرماح
بشدة الضيم وهول الجراح
تصدَّرا في الناد ثم انبرى
بعدهما أتريذ ربُّ القياد
•••
أثقله جرح كوون الهمام
يوم علا النقع بحر الصدام
وما إن انضموا وتم النظام
حتى بهم آخيل فورًا نهض
وصاح: «يا أتريذ بئس الغرض
ما كان أولى السلم ما بيننا
مذ ثارت الأحقاد توري الزناد
•••
يا حبَّذا لو يوم كدت العداه
بقهر لرنيسا وسبي الفتاه
من أرطميسٍ فخر صيد الرماه
أدركها في الفلك سهم الردى
لما بنا جلت خطوب العدى
وعضت الترب صناديدنا
ونالت الطرواد منا المراد
•••
أقعدني الغلُّ ببون بعيد
تلك إذا عقبى الخصام الشديد
يذكرها الإغريق دهرًا مديد
قد فدح الأمر فدع ما ذهب
ولنغض ولنخمد سعير الغضب
فلست بالحافظ حقدًا مضى
فقم إذن أضرم أوار الجهاد
•••
واحمل على الأعداء حتى أرى
أتطلب الأسطول تلك السرى
لكنني أدري ومثلي دري
أن الذي منهم هزيمًا نجا
من عاملي يأنس حيث التجا»
٩
فضجَّت الإغريق بشرًا له
إذ غادر الأضغان توًّا وعاد
•••
فقام أتريذ ولم يمتثل
في الوسط بل من عرشه يرتجل:
«يا صحب أتباع أريس المذل
يا دانويُّون اصمتوا للختام
فليس باللائق قطع الكلام
فكلُّ نادٍ قد علا ضجةً
لا مستفيدٌ فيه ممن أفاد
•••
آخيل لبيت إلى ما انتدب
فاصغوا فكم لمتم بمرِّ الكلام
ولم أكن أهلًا لذاك الملام
ما الذنب ذنبي حين حرمانه
فتاته إذ قد حرمت الرشاد
•••
بل ذنب زفس ذا وذنب القدر
والظلمة الدهماء ذات العبر
فهم هم أعموا عليَّ البصر
وما ترى قد كان في طاقتي
لما استباحت فتنةٌ باحتي
فتاة زفس تلك غدَّارةٌ
تقود من شاءت وليست تقاد
١١
•••
تجري وفوق الترب ليست تدوس
لكنها تهشم شُمَّ الرءوس
وتبتلي الناس بدهم البئوس
وزفس قوَّام الدني والعلى
أدركه منها عميم البلا
مذ بهرقل ألقمينا أتى الـ
ـمخاض في ثيبة ذات العماد
•••
إذ قال معتزًّا بدار البقاء:
«أرباب يا ربَّات سمعًا لما
نفسي تناجيني بأن يعلما
«رأس المواليد إليثيَّهٌ
ترئس هذا اليوم أسمى ولاد
١٣
•••
«في الإنس من ذريتي أيهم
بالبأس فيهم سائدًا يحكم»
قالت له هيرا الدَّها تكتم:
«كذبت لن تنفذ هذا المقال
أو لا فأيمانك أغلظ ثقال
«بأن من تلقيه إنسيةٌ
ذا اليوم منك الإنس بالبأس ساد»
•••
فأغلظ الأيمان زفسٌ وما
أدرك مغزاها فيا بئسما
فاندفعت هيرا كسيلٍ طما
تجري وتدري أن في أرغا
عرس ستينيل فتى فرسسا
حبلى شهورًا قد خلت وهي في
أوائل السَّابع دون ازدياد
•••
فولدتها الطفل من قبل حين
واستوقفت في ألقمينا الجنين
وزفس جاءت بالبلاغ اليقين:
«يا قاذف البرق اسمعني فقد
إفرستسٌ يدعى وحق له
أن يحكم الإغريق أنَّى أراد»
•••
فنفسه جاشت على قهرها
وفتنةً أمسك من شعرها
آلى بأن تُنْفَى مدى دهرها
من مجلس الأولمب والأصفياء
ومن رقيع بالدراري أضاء
وللثرى ألقى بها قاذفًا
من بعدما بالكف عنفا أماد
١٥
•••
وكم تلظَّى زفس لما احتكم
إفرستسٌ ثم فتاه حكم
يسومه الأمر بجافي العظم
كذاك لما للخلايا اندفق
هكطور يصمي بين تلك الفرق
ما كان لي طاقةُ ردٍّ لها
لكنما لي الآن حسن ارتداد
١٦
•••
أضلني زفس وعقلي انحرف
لكن لك اليوم تهال الطرف
فكر إن تزحف فكلٌ زحف
وكل ما أمس أذيسٌ وعد
لا زال طرًّا لك عندي معد
فإن تشأ فالبث يسيرًا ترى
وإن تعل صبرًا لقرع الصعاد
•••
فليحضرن الآن تلك الغرر
قومي من الفلك وعينًا تقر»
١٧
فقال: «يا أتريذ مولى البشر
أنت وليُّ الأمر والمرجع
إن شئت فامنح أو تشأ فامنع
١٨
لكنما ذا الحين حين الوغى
فلا نضع باللَّغو وقت الجلاد
•••
مكرُّنا تدرون ما أنجزا
كروا تروا آخيلكم برزا
بعاملٍ يفري ولن يعجزا
كروا وكل منكم فليصل
مبارزًا منهم كميًّا عتل»
١٩
فقال محتجًّا على قوله
أوذيس ذو الحكمة رب السداد:
•••
«آخيل يا عد سراة الخلود
مهما تحدَّمت فخل الجنود
لا تدفعن الجيش دون الحدود
وهم صيامٌ فإذا النقع ثار
واصطدم الجيشان تحت الغبار
وهاجت الأرباب كل السرى
يطول لا ريبة أمر الطراد
•••
فمر إذن يؤتى بزاد وراح
فذاك يولي البأس يوم الكفاح
فمن إلى المغرب منذ الصباح
يقوى على الإبلاء فوق السغب
ينهكه العَيُّ على رغمه
وهو بلا قُوتٍ ضئيلٌ وصاد
٢١
•••
لكنَّه إمَّا اكتفى وارتوى
نهاره قاتل جمَّ القوى
بقلبِ بأسٍ لم ينله الطَّوى
ولا يبالي باصطدام الطغام
من غرَّة الكرة حتى الختام
فوزع الجند على فلكهم
ومر إذن يؤتى براحٍ وزاد
٢٢
•••
وليحضرن أتريذ للمجلس
ما لك من ذخرٍ حوى أنفس
في مشهد القوم به تانس
وواقفًا بالجند فليحلف
أن بريسا قط لم يعرف
من ثم في خيمته فليقم
مأدبةً تضمن صافي التواد
•••
ويحسم الأمر فترضى إذا
تطيب نفسًا وتعاف الأذى
وأنت يا أتريذ من بعد ذا
أنصف فمن قوَّام قومٍ أهان
لا بدع إن يسترضه كل آن»
فقال أتريذ: «أيا أوذسٌ
أدَّيت بالحكمة كل المفاد
•••
أجل يميني صادقًا أحلف
أمام ربٍ كنهها يعرف
ولست بالحانث لكن قفوا
وأنت يا آخيل مهما استطار
في لبك الذاكي شرار الأوار
مه ريثما تبدو الهدايا هنا
فنبرم العقد لعهد الوداد
•••
وأنت يا أوذيس بالأمر سر
من نخبة الفتيان وفدًا أسر
للفلك يأتونا بذخرٍ ذخر
رتٌ لزفسٍ ولشمس العلى
واستقدموا كل السبابا الخراد»
٢٤
•••
فقال: «يا أتريذ هذا المجال
نخوضه بعد اصطدام الرجال
في هدنةٍ تبدو عقيب القتال
إذ تسكن الغلة في مهجتي
أما ترى صيد سرى الحملة
صرعى فرى الحديد أجسادها
مذ زفس هكطورٌ به القوم كاد
•••
للكر لا زادٌ قبيل القفول
نؤجل الأدبة حتى المغيب
من بعد أن ننقم عمن أصيب
فالقوت والمشرب لن يدخلا
فمي وما إن خضت تلك الوهاد
•••
كيف وفي الخيمة إلفي يرى
مخضَّبًا بحد نصل فرى
من حوله الصحب بدمعٍ جرى
قد حوَّلوا رجليه للمدخل
آه فلن يحلو ذا اليوم لي
٢٦
إلَّا انفجار النقع والبطش والـ
إبلاء بين الزفرات الشداد»
•••
فقال أوذيس: «ابن فيلا أجل
قد فقتني بأسًا وفقت الملل
لكن لي فضل رشاد أجل
حنكني العمر وطول اختبار
فانظر إلى قولي بعين اعتبار
تضوى القوى أيان تمضي القنا
في الهام كالسنبل وقت الحصاد
•••
ولا يهون الأمر حتى يميل
ميزانه زفس لأمر جليل
فليس للإغريق ندب القتيل
بالصوم إذ في كل يومٍ تخر
قتلاهم أنَّى إذن نستقر
ندفن قتلانا ونبكي أسًى
يومًا ولا نضوي ونألوا اجتهاد
•••
ومن يعيشوا بعد ذاك القراع
عليهم أن لا يظلوا جياع
ليدركوا قهر العدى بالزَّماع
فذاك رأيي لا تطيعوا سواه
من ظلَّ بين الفلك وافى بلاه
نكر طرًا كرَّ عزمِ على
أعدائنا روَّاض جرد الجياد»
•••
وما انتهى أوذيس حتى اندفع
في ولد نسطورٍ إمام الورع
ثواس ميجيس ومريون مع
ليقومذٍ يصحبهم ميلنيف
فسارعوا طرًّا بسير خفيف
خيم أغاممنون أموا إلى
أوذيس ينقادون أيَّ انقياد
•••
عادوا بما أتريذ فيها اذخر
مناضدٌ سبعٌ تشوق النظر
يكنفها عشرون طسًّا أغر
ومن بنات السبي سبع حسان
قد أبلغتهن بريسا الثمان
طرًّا تثقفن بصنع النسا
كذلك اثنا عشر رأسًا جواد
•••
أمامهم أوذيس في عشرة
شواقل من ذهبٍ عُدَّت
سائرهم في سائر التحفة
ساروا وألقوها أمام الحضور
فقام أتريذ المليك الوقور
وثلثبيوس هناك انبرى
إليه والخرنوص في الحال قاد
•••
من ثم أتريذ انتضى مديةً
إزاء غمد السيف ملويةً
أدى فروضًا صان مرعيَّة
ناصية الخرنوص مذ قص مَد
يديه من زفس يروم المدد
وسائر الإغريق أصغوا له
يعتقدون الخير خير اعتقاد
•••
ثم تلا ينظر نحو العلى:
«بزفس إني مقسمٌ أوَّلا
أجل آل الخلد بين الملا
بالأرض والشمس كذا أقسم
وببنات النار من تعلم
حقائق الأمر وتحت الثرى
بكيدها الحالف زورا يكاد
•••
أن بريسا لبثت باحترام
ما قط مستها يدي في الخيام
لا لفراش أو لأمر يرام
وإن أمن فلألق كل الخطوب
شأن الذي يقسم وهو الكذوب»
وعنق ذاك الرت رميًا رمى
فورًا بنصل ساطع الحد حاد
•••
وتلثبيوس تلقى الذبيح
يطرحه في قعر بحر فسيح
في اليم للأسماك قوتًا أبيح
٢٧
فصاح بين الجمع آخيل: «كم
يا زفس فوق الخلق هلت النقم
لو لم تشأ نكبة أبطالنا
ما سامني أتريذ قطُّ احتداد
•••
كلَّا ولا حمقًا فتاتي استباح
لكن مضى الماضي وآن الرواح
هبوا إلى زادكم بارتياح
ثم على أعدائنا نحمل
طرًّا» كذاك انصراف المحفل
وارفضت الجند وكل مضى
يجري إلى أسطوله باشتداد
•••
وقوم آخيل حثيثي القدم
ساروا بذياك الحبا للخيم
وأجلسوا الغيد وبعض الحشم
ساقوا جياد الخيل بين الجموع
فاندفعت تذري بريسا الدموع
مذ أبصرت فطرقل قد مزقت
أعضاءه صم الحدود الحداد
•••
أهوت عليه بالبكا والعويل
تلطم ذياك المحيا الجميل
وصدرها البض وجيدا أميل
كأنها الزهرة في المشهد
جللها فرعٌ هوى عسجدي
صاحت: «أيا فطرقل ويلاه يا
خلَّ فتاة لازمتها النآد
٢٨
•••
ألم أغادرك قبيل الذهاب
حيًّا فألقيتك عند المآب
ميتًا فكم يتلو مصابي مصاب
أبي وأمي أنكحاني فتى
قد أبصرته مقلتي ميتا
دون الحصون اخترمته القنا
مكافحًا يحسن عنَّا الذياد
•••
وإخوتي لمَّا استطار الغبار
ثلاثةً بادوا بذاك النهار
وعاث آخيل بتلك الديار
بلدة مينيس العظيم اكتسح
وفي التحام الحرب بعلْي ذبح
ولم تبح لي آه فطرقل أن
أهمي عليه عبرات الحداد
•••
عللتني أن أخيلًا يسير
لإفثيا بي فوق فتك تطير
يولم للأفراح حتى أصير
عرسًا له يا معدن اللطف آه
عليك أهمي الدمع طول الحياة»
٢٩
وانفجرت أجفانها وانبرت
كل السبايا حولها باحتشاد
•••
وحول آخيل سراة الملل
ساعون في استرضائه أن ينال
شيئًا من القوت فبالبث قال:
«أستحلف الأحباب أن يرعووا
ولا يسوموا ما أقول انتقاد
•••
لا قوت لا شرب فقتل الحبيب
أجج في قلبي أوار اللهيب
أصوم حتى الشمس عنا تغيب
وليس يؤذيني طول انتظار»
وصرف القوم وظل الكبار
أتريذ أتريذ أذيسٌ ونسـ
ـطور إذومين فنكس الجواد
٣١
•••
ظلوا وراموا سلوةً تجمل
يلهوا بها وا بُعد ما أملوا
سلوانه أن الوغى تثقل
وطأتها فكَّرَ في نفسه
وأن مغتمًّا على بؤسه
وصاح: «واويبك يا ذا الذي
قد كنت لي إلفًا وثيق العهاد
•••
كم قبل في خيمي بذلت الهمم
في أدبةٍ تقيم يوم النقم
٣٢
مذ طلب الجيش العدى واقتحم
وأنت ذا الآن طعين طريح
كلَّا فنفسي الزاد لا تستبيح
ما عشت لن ينتابني حادثٌ
يبدو كما ذا الحادث اليوم باد
•••
كلا ولو يومًا أتاني النبا
أن أبي في إفثيا قد خبا
ذاك الذي بالدمع دومًا صبا
لابن نأي عنه بدار اغتراب
فيها يثير الحرب تحت الحزاب
وذاك من آثار هيلانة
أس الرزايا والعوادي الغواد
•••
كلَّا ولو أنبتت فرعي الوحيد
نفطولم رب الجمال الفريد
إن لم يمت للآن أضحى فقيد
أملت لكن خاب كل الأمل
أني بإليون أوافي الأجل
أودي بعيدًا عن حمى أرغس
وأنت يا فطرقل حيٌّ تزاد
•••
إسكيرسًا أملت أن تطلبا
حيث ترى نفطولمًا قد ربا
أمَّلت من ثمة أن تذهبا
لإفثيا في فلكك الأسحم
ليده تدلي بما ينتمي
لي من عقار أو سبايا ومن
منازل شاقت وكل العتاد
•••
فإن فيلا الهمَّ لا شك مات
أو إنه في جرف اللحد بات
يشفق دومًا أن توافي الثقات
هزتهم الذكرى لأوطانهم
وكلهم بفائض الدمع جاد
•••
فرقَّ زفس لهم وانثنى
نحو أثينا رفقه معلنا:
«لم يا ابنتي ألقيت عبء العنا
بالشهم آخيل ألم أُلْفِهِ
في خيمه يبكي على إِلْفِهِ
كلهم لاهون في زادهم
وهو عن الخمرة والزاد صاد
•••
هبي اسكبي العنبر والكوثرا
في صدره الضَّامر كي يصبرا»
فانبعثت من شم تلك الذرى
كنسر بحر في عظيم الجناح
يدوي بساحات الرقيع الفساح
قد هاجها زفس وفي نفسها
ودٌ لآخيل فلا تستزاد
•••
فأفرغت في صدره كوثرا
وعنبر الخلد لكي يصبرا
والجيش يستلئم مستبشرا
عادت إلى صرح أبيها الرَّفيع
ومن خلال الفلك هب الجميع
فانتشروا كالثلج في شمألٍ
ترمي به فامتدَّ أيَّ امتداد
•••
ترائكٌ تسطع من فوق هام
من دونها زان العوالي ولام
فطفقت تبسم تلك البطاح
يشق فيها الجو لمع السلاح
وارتجت الأرض لوقع الخطى
وصبر آخيل اعتراه النفاد
•••
أسنانه صرَّت صريرًا وطار
من لحظ عينيه أوار الشرار
ولبة للبطش بالقوم ثار
وسطهم هبَّ إلى شكَّته
من فضل هيفست ومن صنعته
فزرَّ خفيه لساقيه في
عرى لجينٍ شائقاتٍ جداد
•••
ثم كسا الصدر بدرع تنير
وبين كتفيه الحسام الخطير
من فضةٍ قد دق فيه القتير
والجوب ذاك الجوب أنَّى ارتفع
كالبدر بدر التم نورًا سطع
في قبة الجو مضى لامعًا
ينير أطراف الرقيع البعاد
•••
كأنه والنوء عنفًا قصف
حتى إلى اليم بفلكٍ قذف
وعن مجال الأمن فيه انحرف
لهيب نارٍ في محل اعتزال
يبصره الملاح فوق الجبال
وبعد هذا خوذة قد غدت
ككوكبٍ في أفق الجو غاد
•••
قونسها الواري عليه أدار
هيفست تزهو عذبات النضار
ثمت في الشكة آخيل دار
يخبرها هل وافقت جسمه
أو أزعجت في ثقلها عزمه
إذا بها مثل الجناحين قد
خفت بها يرتاد كل ارتياد
•••
وسل من غمدٍ سنانا صقيل
يثقل كل البهم إلا أخيل
أهداه خيرون لفيلا الجليل
قناته قد كان قبل انتقى
من رعن فليون ليوم اللقا
٣٥
مرَّانةٌ شماء أهوالها
عادت على الأبطال أدهى معاد
٣٦
•••
وأفطميذ الخيل في الحال شد
وألقميذ ببهي العدد
فألجمت والصرع لما استند
للعرش أفطميذ في الكبكبه
في سوطه هبَّ إلى المركبه
تلاه آخيل كشمس الضحى
عدته تزهو وتجلو السواد
•••
بصوتيه الهدَّار بالجرد صاح:
«يا نسل فوذرغة نسل الفلاح
زنث أباليس بجنح النجاح
بي للحمى عودا إذا ما ارتويت
لا تتركاني إن أمت ثم ميت
نظير فطرقل» فزنث انحنى
يطرق بالمضمد تحت القلاد
٣٧
•••
قال وهيرا خوَّلته المقال
وللثرى أعرافه بانسدال:
«أجل أخيل اليوم شرَّ النزال
نقيك لكن المنايا إليك
دنت ولم نجن بهذا عليك
•••
فإن يكن فطرقل قد جردا
فلا لعجز من كلينا بدا
ليطونةٌ تلك فتاها اعتدى
٣٩
رماه في صدر السرى إذ أغار
يولي ابن فريام شعار الفخار
فالريح إن نسبق فإن الرَّدى
في الغيب محتومٌ فلا يستعاد
•••
لا بدَّ أن يصميك تحت النصال
ربٌّ وقرمٌ بقوى الرَّب صال»
٤٠
وصوته أخفت بنات الوبال
فما بحرفٍ بعد هذا نطق
فقال آخيل بملء الحنق:
«لم بالرَّدى يا زنث أنبأتني
فمنك ذا المنطق لا يستجاد
•••
فلست بالجاهل حكمًا مضى
عليَّ بالموت غريبًا قضى
فلا أبالي لا ولن أعرضا
حتى أرى الطرواد سيموا الجزع
وثقلة العي عليه تقع»
وحث في صدر السرى جرده
بهدَّة تدوي بتلك النجاد