فللمجلي غادة حسناء
تفاخرت بوشيها النساء
ومعها دسيعةٌ ذات عرى
قياسها اثنان وعشرون جرى
وللمصلِّي حجرةٌ ما ذللت
في عامها السادس بغلًا حملت
وللمسلي مرجلٌ قشيب
ما تحته بعد علا اللَّهيب
أربعةً يملا بالمكيال
وشاقلان ذهبًا للتَّالي
وصلة المرتاح كوبٌ مزدوج
من ذهبٍ في النار قطُّ لم يلج
٣٠
وصاح يغري طالبي الرهان:
«أتريذ يا أرغوس آل الشَّان
هذي ترون تحف الفرسان
فلو تخاطرنا لميتٍ ثاني
أحرزت حتمًا خطر الرهان
فما جيادي من نتاجٍ فاني
ولا لها كفؤٌ بذا المكان
بها حبا في غابر الزَّمان
فوسيذ فيلا فبها حباني
لذاك لا حاجةَ للبرهان
حتى بها هذا العنا أعاني
قد ند آه قابض العنان
ذاك الذي قد كان بالإحسان
يغسل بالماء بلا تواني
أعرافها وأكثر الأحيان
بالزيت يطليها بجهد العاني
فهي هنا بدمعها الهتَّان
قد أسبلت بفائض الأحزان
فوق الثرى نواصي التيجان
فأنتم يا نخبة الفتيان
فمن يثق منكم بهذا الآن
بعجلٍ محكمة المباني
وخيله يبرز إلى الميدان»
وما انتهى حتى انبرى السوَّاق
إفميل أذميت الفتى السباق
روَّاض جرد الخيل هب الأولا
ثم ذيوميذ أخو الباس تلا
بخيل طرواد التي كان اغتنم
في الحرب من أنياس بالنصل الأصم
ثم ابن أتراس منيلا الأشقر
بفرسي رهانه يبتدر
فوذرغسٍ حصانه الثَّمين
وإيثيا حجر أغاممنون
تلك التي بمضمد العجال
تشتاق خوض شاسع المجال
كان ابن أنخيس إخيفول حبا
بها أغاممنون لمَّا انتدبا
للحرب تحت معقل الطرواد
قبلًا ليعفي من عنا الجهاد
وفي ربى سكيونةٍ قريرا
يظلَّ معتدًّا غنًى وفيرا
٣٢
وأنطلوخ رابعًا هب إلى
جياده القب وشدَّ واعتلى
٣٣
خيل عتاقٌ جمة الأعراف
من فيلسٍ كريمة الأوصاف
إزاءه والده الجليل
نسطور قام نحوه يميل
«بنيَّ قد ودَّك زفس وارتضى
وفوسذ وثقفا منذ الصبا
وعلماك الجري بالجرد فلا
حاجة أن أزيدك العلم أنا
نبغت في استقبال نصبٍ يبتغى
لكنما خيلك يعروها البطا
٣٥
أخشى بها ينالك اليوم البلا
وسائر الجياد أعدى في المدى
لكنك السَّابق في سبل الهدى
أقدم إذن بحزم ميقاد الحجى
ولا تقف بنيَّ عن نيل الجزا
فإنما الحطَّاب نال المرتجى
بالحذق والصنعة ليس بالقوى
كذلك الربان بالحذق سرى
بفلكه في البحر في وجه الهوى
والفارس الفارس بالحذق رمى
فمن يثق بخيله ضلَّ وما
تراه للسبيل في الجري اهتدى
وراح في البراح يجري وغدا
لا يستطيع كبحها ولو بغى
لكنما الحاذق حتى لو على
خيلٍ تراءت دون سبَّاق السرى
فالنصب نصب عينه دومًا يرى
حتَّى لديه ينثني إلى الورا
لا يغفل العنان كيفما انثنى
يديره بثبت كفٍّ وكذا
يرقب من أمامه قسرًا غدا
وها أنا أريك حدَّ المنتهى
فالنصب هاك ليس في طي الخفا
باعًا عن الحضيض فانظره نتا
جذعٌ ولم يعبث به دهرٌ خلا
من شامخ الملول أو أرز الفلا
يعضده صخران أبيضا الصفا
حيث طريق السهل ضاق والتوى
وحوله المضمار بالعدل استوى
لعله قبرٌ به قيلٌ ثوى
أو علمًا كان قديمًا مثلما
قد رامه آخيل ذا اليوم لنا
فإن تدنيت فسط وانحز إلى
يسراك في الكرسي وصِح صوتًا دوى
والفرس اليمين سق فإن جرى
أطلق عنانه بذيَّاك الفضا
وباليسار مل إلى النصب هنا
حتى تخال القطب والنصب سوى
٣٦
وحاذر الصدمة بالصخر إذا
دنوت كيلا يعتري الخيل الأذى
أو يسحق النير فيشمت العدى
وأنت بين القوم يغشاك الحيا
بنيَّ كن ثبتًا فإن نلت المنى
وجزته ولم يضعضعك العيا
لا سائقٌ جاراك حتَّى لو عدا
وراك أريون الجواد المجتبى
جواد أدرست ومن نسل العلى
أو خيل لومذونٍ التي حوى
بهذه الأصقاع تنهب الثرى»
كذاك نسطور ابنه مذ أرشدا
عاد إلى مجلسه وقعدا
وهبَّ خامسًا إلى السباق
مريون في جياده العتاق
ثم اعتلوا وطرحوا الأزلاما
يجيلها آخيل استقساما
فسهم أنطيلوخ أوَّلًا ظهر
فسهم إفميل فأتريذ الأغر
وبعده مريون والأخير
أبسلهم ذيومذ الشهير
فانتظموا صفًّا وآخيل اعترض
يريهم في السهل بارز الغرض
٣٧
وأنفذ المحنك النبيلا
فينكس روَّاض خيول فيلا
ليرقب الفرسان في المضمار
وينثني بصادق الأخبار
فرفعوا سياطهم وحثحثوا
جيادهم طرًّا معًا وانبعثوا
فاندفعت تضرب في السهول
نائية عن موقف الأسطول
تحت الصدور ثائر الغبار
كالغيم أو عجاجة الإعصار
أعرافها تطير في الهواء
وخلفها العجال كالأنواء
حينا ترى بالأرض رامحات
وتارةً في الجو سابحات
وراءها الفرسان فوق السدد
تحقق قلبًا لبلوغ الأمد
صاحوا فراحت بهم تغير
بعثيرٍ فوقهم يطير
وعندما انتهت وعادت تجري
منقلباتٍ نحو ثغر البحر
هناك ثارت همة الفتيان
فأطلقوا أَزِمَّة العنان
بجرد طرواد فزفَّت عقبه
كأنها راقيةٌ للمركبه
تنفخ في عاتق إفميل النفس
حرًّا كأنه بظهره قبس
طارت وهامها على هامته
ألقت تباريه على غارته
حتى بها أوشك أن يجتازا
ذيومذٌ أو مثله يمتازا
لكن فيبوسًا بسخطه سطا
والسوط من يديه حالًا أسقطا
٣٩
فخيله ونت وتلك انطلقت
وملء عينيه الدموع اندفعت
ولم تفت فالاس تلك الحيلة
فابتدرت تدرأ شرَّ الغيله
ثم انبرت حانقةً وسحقت
مضمد إفميل وعنه انطلقت
فسقط المضمد والخيل جرت
جامحةً وفي البراح نفرت
ونفس إفميل على التراب
أهوى من الكرسي للدولاب
يسيل من فيه ومنخريه
نجيعه كذاك من يديه
وانفضخت جبهته حين وقع
وفاضت العبرة والصوت انقطع
ومن أمامه ذيوميذ اندفق
وسائر الخيل مبرزًا سبق
تفرغ آثينا القوى بالجرد
حتى تنيله أعالي المجد
تلا منيلا ففتى نسطورا
مطهميه سائقًا مغيرا
يصيح: «هلَّا تفرغان كلَّما
عدوا لمثل الحين ذا أعطيتما
سبق ذيوميذ نعم لن أزعما
ففرساه اليوم طارت بهما
فالاس تعلي مجده لكنمَّا
وراء أتريذ استفزَّا الهمما
شأنكما السبق فلم أبطأتما
لأقسمنَّ وأبرَّن قسما
عن سابقات الخيل إن قصَّرتما
وغير أطراف الجزا لم تغنما
لا خلتما نسطور يعني بكما
بل بظبي أنصله أهلكتما
إيه إذن فانبعثا وعندما
تبلغ ذيَّاك المضيق المظلما
نعمل فيه حيلةً فنقحما
لمَّا أضلَّه السبيل الأقوما»
٤٢
فجزعا لهول ذاك الزجر
واندفعا حينًا ببطن البر
فأنطلوخ أبصر المضيقا
حيث السيول هدَّت الطريقا
وانحدرت جوارف الأمطار
بهوَةٍ تنذر بالأخطار
بنفسه من ثم أتريذ انحدر
منفردًا يخشى لقا الخيل الأخر
فأنطلوخ من على الكرسي انحرف
وغادر المنهج يبغيه وخف
فصاح أتريذ بملء الجزع:
«أأنطلوخ لم أرك لا تعي
جيادك اكبح للطريق الأوسع
فسوف تجتاز بذاك المهيعِ
٤٣
فإن تزاحمني كلانا نقع»
فلم يصخ وساط ثم اندفعا
بخيله كأنه ما سمعا
فاجتاز مرمى كرةٍ قد قذفا
بها فتى بأسٍ عليها اأتلفا
فارتدعت خيل منيلا القهقري
ولم يسق خشية خطبٍ اكبرا
خشية أن تصطدم العجال
فتسقط العجال والرجال
وهكذا في طلب الفخار
تعفر الأوجه بالغبار
وصاح أتريذ بغل الكدر:
«أأنطلوخ بين كل البشر
ما قط حاكاك شقيٌ مفتري
ندَّ عن الإغريق صدق المخبر
وهم يخالونك بالعقل حري
فلن تفوزن مهٍ بالظفر
أو تقسم الآن أمام الزمر»
وفرسيه ساط ثم صاح: «لا
يورثكما الغم حذار المللا
دونكما مذ كيان أثقلا
سنًّا وسوف يجهدان عجلا»
٤٤
فجزعا لصوته وثارا
وأنطلوخ أدركا تكرارا
وظلت الصيد بتلك الحلقه
ترقب تلك الضمر المندفقه
تنهب قلب السهل والعجاج
للجو من وقع الخطى وهَّاج
وكان عنهم لليفاع انعطفا
قيل إكريت ومنه أشرفا
فأبصر الخيل وهم لم يبصروا
وسمع الصوت الذي يزدجر
فعرف الفارس عن بعد الأمد
والأشقر السابق في تلك الجدد
في وجهه الغرَّة لاحت كالقمر
فقام ثم صاح يصدق الخبر:
«يا صحب يا عصابة الأقيال
ألكم بدا الذي بدا لي
أرى جيادًا برزت حيالي
وفارسًا غير الذي في البال
فالسَّابقات أصبحت توالي
لا شكَّ ألفت قدرًا ذا بال
رأيتها والنصب بادٍ عال
جازته والآن بلا انفصال
اسرح الطرف على الأطلال
كأنني أسعى إلى المحال
لا شك عند العود والإقبال
طار العنان من يد الخيال
أو جمحت فيه ولم تبال
وقضَّت النير وبالإجفال
ولَّتْ فألقته على الرمال
قوموا اجتلوا حقائق الأحوال
فلم أكن ظني بالمغالي
وخلتني أبصر في الأوالي
قيل الإتول الشائع الأفضال
روَّاض متن الجرد ذا الأهوال
ذيومذ القرم أخا المعالي»
هنا ابن ويلوس له تصدَّى
وصاح فيه حانقًا محتدَّا:
«أإيذمين لم تكن بالمنصف
هرفت ألفيك بما لم تعرف
فتلك تلك الخيل شم المعطف
تنتهب السهل وما الأمر خفي
ما كنت بالغض الشباب الترف
بل شاب أنظارك عيب الضعف
والهذر عودت بقول المرجف
أفقت أهل الحكم في ذا الموقف
حتى تشدَّقت بهذا الصلف
فخيل إفميل نعم لم تختف
بل لم تزل في الصَّدر لم تنحرف
يدير صرعها بلا تكلف»
فقال إيذومين يصلى حنقا:
«أياس تسمو قحةً وحمقا
ومنطقًا بكل خبثٍ ذلقا
وفي سوى ذاك عجزت مطلقا
فقم وخاطرني فأيُّ صدقا
يحرز قدرا أو إناءً نمقا
حتَّى إذا أتريذ عدلا نطقا
هناك تدري خاسرًا ومنفقا
أيَّ جوادٍ في الرهان سبقا»
فهبَّ آياس على الأقدام
يثور للجواب باحتدام
وكادت الفتنة تذكو ضرما
لكنَّ آخيل تصدَّى لهما
فقال: «إيذومين آياس كفى
لا كان من مثلكما هذا الجفا
سواكما لو حلَّ هذا الموقفا
عنفتماه فاجلسا وانعطفا
أقبلت الخيل انظراها تعرفا
ثم ذيوميذ هناك لاحا
منتهبًا بخيله البطاحا
تسبح في الهواء والسوط على
أكتافها والنقع للجو علا
وراءها مركبة المغار
تسطع بالنحاس والنضار
طارت فأضحى أثر الدولاب
يوشك أن يخفى على التراب
حتى إذا بينهم حل انتصب
ثم عن الكرسي للأرض وثب
ومن صدورها إلى الأرض اندفق
كذاك من أعرافها رشح العرق
والسوط للمضمد ألقى وابتدر
من فوره إستينلٌ إلى الخطر
فالبكر والدَّسيعة المكتسبه
إذا بأنطلوخ للقوم بدا
قبل منيلا خدعةً لا مطردا
لكنه ما ند عنه وسبق
إلَّا كما الجواد بالنير التصق
(إذا لدى مركبة القيل اندفع
وذيله حول المحالات ارتفع)
٤٧
قد كان مرمى كرةٍ عنه ابتعد
لكن مضى بإيثيا يجري وجد
ولو مجالهم يسيرًا طالا
لأحرز السبق وفخرًا نالا
ثم على مرمى مثقفٍ أتى
حوذيُّ إيذومين مريون الفتى
فليس ذا سلاهبٍ كرام
وليس بالمضمار ذا إلمام
وآخر الحلبة مقطوع الصله
لاح ابن أذميت يجر العجله
وخيله يسوق في مجنته
فرق آخيل لدى رؤيته
وصاح ناهضًا: «أرى الجديرا
بالسبق أضحى ها هنا الأخيرا
فلنجعل الثاني ذا الأميرا»
٤٩
فاستصوبوا وكاد يعطي الحجرا
لو لم يعارض أنطلوخ جهرا
وصاح: «يا آخيل إني أنقم
منك إذا اعتديت فيما تحكم
تحرمني حقي وأنت تزعم
إفميل فيه الخيل وهو الأيهم
قد أصبحت عن السباق تحجم
فلو سراة الخلد عونًا منهم
رام لما كان أخيرًا يقدم
فإن به تعنى وأنت الأكرم
ففي خيامك المنال الأقوم
من ذهبٍ ومن نحاسٍ يركم
والغيد والخيل بها والنعم
أما له إن شئت فيها مغنم
من صلتي أوفى نعم وأعظم
عاجله بالبر إذن فتعلم
كل السرى أنك أنت المنعم
لكنني في مغنمي لا أرغم
ومن يعارضني به فالحكم
ما بيننا الصم بها نستعصم»
فهش آخيل له منتصبا
إذ كان إلف وده منذ الصبا
وقال: «مذ قد رمت أن أنيلا
من منزلي جائزةً إفميلا
فالآن يعطى الجوشن الثقيلا
ذاك الذي طرحته قتيلا
حلقه صفر زها جميلا
وهو جزاء خلته جليلا»
ثم إلى أفطومذ أشارا
فهبَّ من ساعته وسارا
وأحضر الدرع وإفميل حبا
بها ففاض جذلًا وطربا
لكن منيلا قام واري اللهب
على ابن نسطور وبادي الغضب
من كف فيج صولجانًا قبضا
يأمر بالصمت السرى مذ نهضا
٥١
وصاح: «أنطلوخ يا ذا العقلِ
لم اجترحت اليوم شرَّ الفعل
وسمت شاني الخذل شر الخذل
أحرجت خيلي وبخيلٍ خطل
جزت سراحيبي الكرام الأصل
فيا سراة القوم آل الفضل
هيُّوا افصلوا ما بيننا بالعدل
كي لا يقال بعد هذا الفصل:
«غدرًا منيلا قد غدا يستعلي
وأحرز الحجر بفضل النبل
«والبأس لا بالجري فوق السهل»
ولا إخالني رهين العذل
إذ إنني بالحق حكمي أملي
قم أنطلوخ وفق عرف الأهل
وقف هنا قرب الجياد مثلي
والسوط ذا السوط الذي من قبل
سقت به اقبض بيدٍ وخل
يدًا على الخيل أمام الكل
واخلف بهدَّام الورى الأجل
أنك لم تغدر ولم تحتل لي»
فقال: «صبرًا يا منيلا صبرا
جاوزتني سنًّا وفقت قدرا
فنزق الشباب تدري خيرا
يدفع فورًا ويضلُّ الفكرا
جهل الصبا هذا وأنت أدرى
فالطيش فيه علةٌ لا تبرا
أنت إذن بالعفو كنت الأحرى
فدونك الحجر فخذها جهرا
وإن تشأ زدت صلاتٍ أخرى
فذاك خيرٌ لي يا ابن أترا
من أن تسومني قِلًى وهجرا
وعند آل الخلد أجني وزرا»
٥٣
وقادها بيده يلقيها
إليه فاعتز بها بديها
ومثلما السنبل (والطلُّ فرش
حبابه في مائد الزرع) انتعش
٥٤
كذاك يا أتريذ لُبُّك انشرح
وغلة الغم على الفور اطَّرح
وقال: «أنطلوخ عفت الغضبا
والآن لي الإذعان والغيظ خبا
قد كنت دومًا ذا حجًى مهذبا
لكنما بالعقل قد عاث الصبا
لا تخدعن بعد قيلًا أنجبا
منك فلا سواك فورًا أذهبا
غِلِّي وقد شاهدت فيما ذهبا
كم نَصبًا عانيتم ونَصبا
أنت وثرسيميذ ذاك المجتبى
والشيخ نسطور وكنت السَّببا
٥٥
عذرك قد قبلته مستصوبا
والحجر لي خذها حلالًا طيبا
ليشهد الإغريق في هذي الربى
أن جناني العسف والكبر أبى»
ثم إلى رفيقه نومونا
ألقى بها فاقتادها مأمونا
لذاك بالمرجل أتريذ ذهب
وخصَّ مريون بشاقلي ذهب
إذ كان تاليًا أتى على أمد
وصلة المرتاح لم ينل أحد
٥٦
لذاك بالكوب آخيل راحا
يهدي إلى نسطور ثم صاحا:
«خذ أيها الشيخ فهذا الذخر لك
ذكرًا لفطرقل الذي آه هلك
ولن تراه بعد في هذي الدرك
إليك قد أهديته إذ أثقلك
عجزٌ فلن تكون ممن اشترك
لا بلكامٍ أو صراع أو سلك
في العدو والطعن بهذا المعترك»
٥٧
والكوب ألقاه له فطابا
نفسًا ومن ساعته أجابا:
«بني قد نطقت بالحق نعم
قد وهت الكفُّ وخارت القدم
آه فيا ليت شبابي ما انصرم
ودام لي إقدام غابر القدم
لما الإفيون ببفراس النعم
سعوا إلى دفن عمار نقا الحكم
وولده قد أجزلوا والحشد تم
جوائز الألعاب حتى تقتسم
فلم يكن في كل هاتيك الأمم
منهم ومن فيلوس أرباب الشيم
كذا من الإيتول من معي انتظم
فإقلطوميذ بن إينفس اصطدم
معي لكامًا فانثنى واري الألم
ثم الفلوروني أنقاص هجم
نحوي صراعًا فانثنى بادي الندم
ثم إفكلوس الفتى من اتسم
بعدوه قصَّر عني واعتصم
ثم بزج الرمح فيلاس الأشم
وفولذورًا جزت مأثور العظم
لكنني بسبق العجال لم
أفز وإن كان له القدر الأهم
فولدا أكتور أدركا العلم
قبلي يغنمان خير مغتنم
والفوز للكثرة بالفضل حكم
والتوأمان انبريا فذا اقتحم
ذلك شأني كان من قبل الهرم
والآن للفتيان إبراز الهمم
أتمم إذن مأتم إلفك الأحم
وها أنا أقبل بالبشر الأتم
ذخرك إذ أكرمت يا نعم الكرم
حرمة شيخٍ كان من أهل الحرم
فلتجزك الأرباب موفور النعم»