إلى الفلك لما ارفضَّ ذيَّالك الحشد
تفرق يبغي الزاد والوسن الجند
وظلَّ آخيل والكرى قاتل الأسى
بذكراه فطرقلًا يؤرقه السهد
ينوح على إقدامه وزماعه
وكل سجاياه لخاطره تبدو
ويذكر كم حربًا بها جُهدا معًا
وكم بعباب البحر نالهما الجهد
يكب فيستلقي يسيرًا فينثني
على صفحتيه والهواجس تشتدُّ
فينهض ملتاعًا تسح دموعُه
وفي الجرف يجري جري من فاته الرشد
فهام إلى أن أبلج الفجرُ ساطعًا
به يستضيء البحر والغور والنَّجد
لمركبه شدَّ الجياد وخلفه
لقد شدَّ هكطور على الترب يمتدُّ
على قبر فطرقلٍ ثلاثًا به جرى
وعاد ابتغاء النَّوم للخيم يرتدُّ
وغادر هكطورًا مكبًّا على الثرى
ولكن فيبوسًا به هاجه الوجد
فمدَّ عليه عسجدي مجنه
فلا مَسَّهُ ضرٌّ ولا مُزِّق الجلدُ
٢
فساءت بني العليا مهانته لذا
لدى هرمسٍ طرًّا بإنقاذه جدُّوا
٣
على أن آثينا وهيرا وفوسذًا
تصدوا ولكن ليس يجديهم الصد
(على قدس إليونٍ وفريام لبهم
وأقوامه ما زال يلهبه الحقد
ففاريس سام الرَّبَّتين مهانةً
بمرعاه قدمًا وهو غضُّ الصبا وغدُ
غدا قاضيًا بالفضل للرَّبة التي
أباحت له بئس المنى ومضت تغدو)
٤
ومذ لاح ثاني عشر فجرٍ مقاله
أفلون ألقى يستشيط ويحتدُّ:
«بني الخلد آل الجور كم ساق سخلةٍ
وثورٍ لكم هكطور من قبل أحرقا
فها هو ميتٌ ليس من تستفزُّه
لإنقاذه نفسٌ تجيش ترفقا
فترمقه زوجٌ وأمٌّ ووالد
وطفلٌ وشعبٌ هام وجدًا ليرمقا
يقومون بالفرض الأخير وحوله
تألق نيران الوقود تألقا
فآخيل آثرتم وآخيل ما أرى
به أثرًا للدين والعدل مطلقا
كليثٍ غشومٍ فاتكٍ متغشمرٍ
دهى السرب منقضًّا وعاث ومزَّقا
فما هو ذو رفقٍ وقد غادر التقى
نعم والحيا أس السعادة والشقا
فقد يفقد المرء ابنه وشقيقه
وخِلًّا فيبكي ناحبًا متحرقا
فيسلو وللأقدار حكمٌ إذا مضى
رأيناه قلب الخلق للصبر شوقا
٥
وهذا آخيل منذ قَتْلِ عدوه
يجرره حول الضريح معلقا
فما ذا ليجديه ومهما عتا فهل
بأمنٍ غدا من أن نغاظ ونحنقا
ونستاء من إفراطه بإساءةٍ
لجسمٍ فقيد الحس بالترب ألحقا»
فصاحت به هيرا: «ولو كفؤًا غدا
لآخيل هكطور مقالك صدقا
فذاك غذت إنسيةٌ بلبانها
وذا ربةٌ ربَّت وفي المجد أعرقا
بحجري قد أنشأتها وأبحتها
لفيلا الذي مرقاة وذكم رقى
حضرتم جميعًا للزفاف وليمة
بها كلكم حول الطعام تأنَّقا
وقد كنت بالقيثار في العرس عازفًا
أربَّ الخنى إلف الأولي نبذوا التقى»
٦
فعارضها زفسٌ وقال لها: «قفي
أهيرا وأبناء العلى لا تعنفي
فهكطور لن نرى كآخيل إنما
بإليون لا مرء كهكطور نصطفي
مدى عمره لم يسه عن قرباته
لنا وعن التبجيل لم يتوقَّف
٧
ولم يخل يومًا مذبحي من مدامةٍ
وشحمٍ وإيلامٍ بحسن تصرُّفِ
وما أنا باغٍ أن نواريه خفيةً
فما الأمر عن آخيل قط ليختفي
فثيتيس بالمرصاد في كل ساعةٍ
عليَّ بها أسترضها بتلطف
فيقبل من فريام آخيل فدية
ويدفع هكطورًا إليه ويكتفي»
فإيريس هبَّت كالرياح تغوص في
خضم عباب البحر يدوي لها الجدُّ
وما بين ساموس وإمبرسٍ مضت
إلى القعر حيث اليم في اللُّج مربدُّ
كما دون قرن الثَّور غاصت رصاصةٌ
لأسماكه فيها المنية تعتدُّ
٨
فثيتيس ألفت في غيابة كهفها
وحشد بنات الماء من حولها عقد
٩
تنوح على ابنٍ في بعيد اغترابه
من الموت في طرواد ليس له بد
فصاحت: «أثيتيس انهضي زفس ذو النهى
لقاءك يبغي فاستطيري إلى اللقا»
فقالت: «وماذا رام ذو الطَّول إنني
أنا أتحاشى مجلس الخلد والبقا
ولكن بنا سيري فمهما يهج أسًى
فؤادي ففي زفس الجلال تحقَّقا
ومهما يكن من نطقه ومقاله
بغير صوابٍ لن يفوه وينطقا»
وإيريس سارت وهي طارت وراءها
عليها نقابٌ حالك اللون مسودُ
أمامها انشقَّ العباب فهبَّتا
من الجرف للعلياء حيث ثوى الخلد
وحيث ميامين العلى منتداهم
به زفس رب المجد كلله المجد
لدى زفس فورًا أجلستها بعرشها
أثينا وهيرا أقبلت نحوها تعدو
وهشَّت تعزيها وألقت بكفتها
لها قدحًا يزهو بعسجده الوقد
ولمَّا قضت منه ارتشافًا وأرجعت
لهيرا فزفسٌ صاح يبلغ ما القصد:
«أثيتيسُ إني بالتياعك عالمٌ
وقد جئتني طوعًا فبغيتي اعرفي
سراةُ العلى شقَّ الشقاق لفيفها
لتسعة أيامٍ ولم تتألف
وهرمس حثثت أن يسير بخلسةٍ
بجثة هكطور الصريع فتشتفي
ومذ رمت أستصفيك ودًا وحرمةً
لآخيل أبغي فضل هذا التعطف
فطيري إليه بلغي غيظ قومنا
ومن فوقه غيظي وفرط تأسفي
فهكطورًا استبقى لدى الفلك حانقًا
ليرجعه خوف السخط إن يتخوَّف
وها أنا إيريسًا لفريام منقذٌ
ليمضي إلى الأسطول حق الفدا يفي
فيتحف آخيلا بما طاب قلبه
به من عتاد شائق ومزخرف»
فلبت وهبَّت من ذرى الطود تنثني
لخيم ابنها القته أكمده الكمد
وقد ذبح الأنصار إذ ذاك نعجةً
وداروا حواليه وزادهم مدُّوا
فخفَّت تحاذيه ومنها تزلفًا
تدور على أعطافه الكف والزند
وقالت: «إلى مَ القلب تقضم كأبةً
ولا زاد تبغي أو فراشًا منمقا
١٠
ولا بأس أن تلهو آخيل بغادةٍ
فسهم المنايا موشكٌ أن يفوقا
١١
بُنَيَّ وزفس اختصَّني برسالة
فحقدك أرباب السيادة أقلقا
فغيظوا وزفس اشتدَّ يلهب غيظه
لحفظك هكطورًا لدى الفلك موثقا
به ادفع وخذ عنه الفكاك بديله»
فقال: «قضى زفسٌ ولا ريب مشفقًا
ليات إذن من يبذل المال فديةً
فيرجع فيه شائقًا ومشوقا»
١٢
فهذا حديث الأم في الفلك وابنها
وزفس دعا إيريس قال لها: «ادلفي
١٣
بلاغي من شم الأولمب به اذهبي
وفريام في إليون بالأمر كلفي
ليذهب إلى الأسطول هكطور يفتدي
وآخيل يسترضي وبالغرِّ يتحفِ
ولا يمض معه غير فيجٍ معمر
لسوق بغال المركب الآن مسعف
ويرجع فيها قافلًا بابنه الذي
قد اجتاح آخيل بحد المثقَّف
ولا يضطرب خوفًا ولا يرهب الرَّدى
فقاتل أرغوصٍ نسير فيقتفي
فذاك دليلٌ معه يذهب آمنًا
وآخيل لن يغتاله متعسفًا
ويحميه ممن رامه بتعسف
فلا هو ذو جهلٍ ولا ذو حماقةٍ
ولا نابذ التقوى بشر التعجرف
١٥
فإيريس مثل الريح فريام يمَّمت
فألفته وسط الدَّار من حوله الولد
ولم تلف غير النوح بلت ثيابهم
دموعهم والعزم بالحزن منهد
وفريام مما قد حثا متمرغًا
وفي صرحه كنَّاته وبناته
ينحن لبهم بعدهم عظم البعد
١٧
تدنَّت إليه وهو منتفض أسًى
برعدته مما به برَّح الفقد
وقالت برفق: «يا ابن دردانسٍ فلا
تخف فبأنباء الأسى لم أكلف
ولكن بخير العلم زفس أسارني
نعم وهو أسمى مشفقٍ لك منصف
يقول امض للأسطول هكطورًا افتدى
وآخيل فاسترضى وبالغر أتحف
١٨
ولا معك يمضي غير فيجٍ معمرٍ
لسوق بغال المركب الآن مسعفِ
١٩
فيرجع فيها قافلًا بابنك الذي
قد اجتاح آخيل بحد المثقف
ولا تضطرب خوفًا ولا ترهب الرَّدى
فقاتل أرغوصٍ يسير فتقتفي
فذاك دليلٌ معه تذهب آمنًا
لمنزل آخيل بآمن موقف
فآخيل لن يؤذيك منه تعسفٌ
ويمنع حتمًا عنك كل تعسف
فلا هو ذو جهلٍ ولا ذو حماقةٍ
ولا نابذ التقوى بشر التعجرف
ولكنَّه يرعى ولا ريب حرمةً
لمن جاءه في ذلَّةِ المتزلف»
طارت وفريام لساعته أمر
أبناءه لتعدَّ مركبة السفر
ولها تشدَّ بغالها وتعلِّق الـ
ـزنبيل ثم لحجرة النوم انحدر
هي غرفةٌ عطريةٌ جدرانها
شماء بالأرز ازدهى بنيانها
قد كان ثم أعدَّ كل نفيسةٍ
وثمينةٍ يشتاق رؤيتها البصر
إيقاب نادى قال: «من شم العلى
زفسٌ إليَّ إلاهةً قد أرسلا
لأسير للأسطول وابني أفتدي
وآخيل أتحف ما يشاء من الغرر
فإذن بفكرك لي سريعًا صرحي
أما أنا فلذاك غاية مطمحي
والقلب يدفعني إلى فلك العدى
وجيوشهم» قالت ومدمعها انهمر:
«ويلاه أين حجى عرفت به لدى
طروادةٍ حتى وفي قوم العدى
أتسير وحدك للسفين إلى فتًى
لك كم فتًى بطلٍ همامٍ قد قهر
لا شك قلبك كالحديد ألا ترى
آخيل غدَّارًا عتا وتجبَّرا
فلئن رآك أتيت لا رفقٌ ولا
عطفٌ لديه وخلته فورًا غدر
فلنندبن بصرحنا في معزل
فسوى الهوان له القضا لم يغزل
٢٠
وله الهلاك أتيح منذ ولدته
في البعد عنا لا تبلله العبر
وفريسةً للغضف ويلا يغتدي
بحما عتيٍّ ظالمٍ متمرد
من لي بذا السفاك أقضم كبده
قضمًا فلا أبقي عليه ولا أذر
٢١
إن يقض هكطور فلا نكسًا قضى
لكن لكل كريهة متعرضا
في الذود عن طروادةٍ ونسائها
ما انتابه جزعٌ ولا عرف المفر»
٢٢
فأجابها بجلال ربٍّ عُظِّما:
«خلي الملام فقد نويت مصمما
لن تصرفي عزمي فلا تقفي إذن
كوقوف طير الشؤم في هذا المقر
لو جاءني بالأمر عراف هنا
أو كاهنٌ أو عائفٌ متكهنا
لرغبت عنه وقلت ذلك كاذبٌ
وصرفت فورًا عن مقالته النظر
لكن تلك إلاهة أبصرتها
وسمعتها وبذا اليقين أطعتها
ولقد رضيت بأن يوافيني الردى
بين العدى إن كان ذا حكم القدر
فلئن أضم ابني الحبيب وغلتي
أشفي ليفتك بي آخيل بذلتي»
ثم الخزائن قام يفتح مخرجًا
من كل منضود بهنَّ اثني عشر
من بردها ونقابها وشعارها
وكذاك من زربيها ودثارها
وأعدَّ من ذهبٍ شواقل عشرة
وكذا جفانًا أربعًا كان ادَّخر
ومنصتين كذلك الكأس التي
إثراقةٌ قدمًا إليه أهدت
وبها حبته وافدًا برسالةٍ
فأضافها لفكاك هكطور الأبر
وتكأكأ الطرواد في أبوابه
فمضى يعنفهم بمر خطابه:
«عني أيا قوم الهوان افرنقعوا
أفلم يبرح في مقامكم الكدر
أو ما لكم من تندبون بدوركم
حتى تزيدوني أسًى بزفيركم
أوليس حسبي أن يلظيني أسًى
زفس وأبسل فتيتي هكطور خر
ولسوف تلفون إلا ذي كل الأذى
إذ بتم مذ مات أسهل مأخذا
لا أبصرت عيناي دك معاقلي
من لي بزجي قبل ذلك في سقر»
واستاقهم بالصَّولجان فأدبروا
من وجهه وبنيه أقبل يزجر
٢٣
هيلينسًا فاريس هيفوثوسًا
فمون ذيفوبًا أغاثون الأغر
أنطيفنًا فوليت سفَّاك الدما
وكذاك تاسعهم ذيوس الأيهما
٢٤
ألقى أوامره عليهم ساخطًا
حنقًا وكلهم بحدته انتهر:
«عجلًا أولد السوء يا رهط الفشل
يا ليتكم طرًّا فدا ذاك البطل
ويلاه واعظم الشقاء فكم فتى
لي كان في إليون قرمٍ ذي خطر
لم يبق لي أحدٌ فلا لهفاه لا
مسطور ذاك القرن قرن بني العلى
٢٥
وأبو الفوارس إطرويل ومنيتي
هكطور من ربَّا غدًا بين البشر
قد كان أشبه بابن ربٍ معرق
منه بمولودٍ لإنسيٍّ شقي
طرًّا أبادهم الوغى مستبقيًا
لي زمرة وأقبحها بين الزمر
رنَّامةً رقَّاصةً كذَّابةً
وبني البلاد سوامها سلَّابة
٢٦
أفلا شددتم مركبي ونضدتم
هذا المتاع لكي أسير على الأثر»
جزع البنون لزجره وتألبوا
ولشد مركبة البغال تأهبوا
طيَّارةٌ صنعت حديثًا وازدهت
فبسطحها الزنبيل في الحال استقر
والنير نير البقس كان على الوتد
محقوقفٌ في ظهره حلق العدد
فأتوا به وكذاك بالسير الذي
فيه وتسعة أذرع طولًا قدر
بالنير رأس الجذع حالًا أدخلوا
والسير حوليه ثلاثًا حوَّلوا
من تحت ذاك الجذع أحكم عقده
من ثم كلهم إلى الصَّرح ابتدر
٢٧
منه استقلوا يشحنون المركبه
بفكاك هكطور لآخيل هبه
قرنوا لها بغلين من ميسيةٍ
فريام نال هديةً وبها افتخر
من بعد ذا عمدوا إلى فرسين في
فبنفسه مع فيجه في صرجه
في الحال شدهما ولم يرع الكبر
٢٩
وأتته إيقاب يحزقها النصب
بشهي صرف الراح في كأس الذهب
وقفت أمام الخيل تندبه إلى
صب المدامة قبل أن يلج الخطر
قالت: «إليك الكأس خذها واسكب
زلفى وحسن العود من زفس اطلب
من زفس من إليون يرمق طرفه
من طود إيذا حيث في علياه قر
تمضي على رغمي فسله يرسل
لك طيره الميمون ذا الطول العلي
فإذا أتاك إلى يمينك سانحًا
ورأيته جئت العداة بلا حذر
٣٠
لكنما إن ظلَّ زفسٌ معرضا
وبذي الرسالة منه لم يبد الرضا
لا أغرينَّك أن تسير لفلكهم
مهما رغبت ولب مهجتك استعر»
فأجابها: «لن أعصينك يا امرأة
بسط الأكف لزفس نعم التوطئه
فلعله عطفًا يرق» وأمره
فورًا لجاريةٍ بخدمته صدر
فدنت بإبريقٍ وطسٍّ تذهب
ماء الطهور على يديه تسكب
والكأس من بعد الوضوء أراقها
فوق الحضيض لزفس دفَّاع الضرر
وإلى السماء أقام ينظر واقفًا
في وسط تلك الدار يصرخ هاتفًا:
«اأبا العوالم زفس من إيذا علا
يا من لأمر جلاله الكل ائتمر
سَكِّنْ آخيل فلي يرق وأرسل
لي طيرك الميمون ذا الطول العلي
فإذا أتاني عن يميني سانحًا
ورأيته جئت العداة بلا حذر»
فدعاءه زفس استجاب وأرسلا
في الحال أصدق كل أطيار الفلا
نسرًا زفيفًا كاسرًا ذا قتمةٍ
بالأسمر الفتاك في العرف اشتهر
جنحاه قد نشرا كصفقي حجرة
شماء في صرح الغنا مبنية
فتنسم الطرواد خير ظهوره
لما يمينًا فوق إليون ظهر
فهناك فريامٌ لساعته على
كرسيه بحميل بشراه اعتلى
واستاقها فمضت تغير بداره
ورتاجها من وقع ذاك الجري صر
٣١
وأمامه حثّ البغال وأسرعا
إيذوس معتليًا محالًا أربعا
٣٢
جريًا بإليونٍ وكل ذويه في الـ
آثار تندب ندب من ميتًا قبر
حتى إذا اجتازا بأسواق البلد
للسهل جدَّا لا يحوطهما أحد
وإلى ديارهم انثنى الأبناء والـ
أصهار مع كل الجماهير الأخر
لما رأى زفس والشيخان قد ولجا
في السهل رقَّ لفريامٍ وهاج شجا
نادى ابنه هرمس المحبوب قال: «لكم
أحببت بين بني الإنسان أن تلجا
وإن تشأ تستجبهم فاصحبنَّ إذن
فريام فهو إلى الأسطول قد خرجا
لا يعلمنَّ به بين الملا أحدٌ
حتى إذا جاء آخيلا فلا حرجا»
لبَّاه قاتل أرغوصٍ وفي عجلٍ
خفيه أوثق في رجليه مبتهجا
(خفان من عنبر صيغا ومن ذهب
في البحر والبر مثل الريح قد درجا)
٣٣
والصولجان الذي يلقي السبات على
من شاء أو يوقظ الوسنان إن خلجا
٣٤
به مضى مثل لمح الطرف ينزل في
تلك السهول بجرف البحر مدلجا
وراح يحكي أميرًا جدَّ نحوهما
عذاره خط في شرخ الصبا بلجا
٣٥
وقبر إيلوس لمَّا جاوزا وقفا
وقد أغار على الغبراء جيش دجى
همَّا بأن يوردا للنهر خيلهما
مع البغال فهبَّ الفيج منزعجا
رأى الإله فنادى: «يا ابن دردنس
تروَّ وانظر وقفنا موقفًا حرجا
أرى امرأً جاءنا بالحتف هل هربًا
نلوي الجياد وفورًا نطلب الفرجا
أو فوق ركبته نحني ومرحمةً
نرجو عساه لنا أن يستجيب رجا»
فارتاع فريام خوفًا واقشعرَّ أسًى
وقد غدا مزبئر الشعر ملتعجا
لكن دنا هرمس يهوي على يده
يلقي السؤال بلين القول ممتزجا:
«علام يا أبتا والناس قد وسنت
بذي البغال وهذي الخيل ترتحل
٣٦
هنا الأخاءة هلَّا خفت شرهم
وكلهم لك بالعدوان مشتعل
ما بالك الآن لو وافاك أيهم
بذا الرياش وستر الليل منسدل
ما كنت غضَّ ضبابٍ والرفيق أرى
شيخًا فما لك في دفع الأذى قبل
فلا تخف ضرري بل فالق بي عضدًا
لك انبرى وأباه فيك يمتثل»
٣٧
فقال فريام يعلوه الجلال: «أجل
بني غير مقال الحق لم تقل
لكن أرى بعض آل الخلد قد بسطوا
عليَّ كفهم في الموقف الجلل
إليَّ أسروا بسيَّار نظيرك ذي
قد وحسن وعقل نادر المثل
أهلًا وطوبى لأهلٍ أنت فرعهم»
فقال: «يا شيخ خير القول ترتجل
فأطلعني طلع الأمر أين ترى
يساق في الليل هذا الحليُّ والحلل
أتطلبنَّ بقاصي الدَّار مؤتمنًا
لهنَّ أم كلَّ إليون عرا الوجل
فرمتم هجرها لما نأى وقضى
هول الأخاءة هكطور ابنك البطل»
فقال: «من أنت من أي الأرومة يا
من ذكر حتف ابني المنتاب يبسط لي»
أجاب: «يا شيخ هل ذاك امتحانك لي
إذ جئت خبري عن هكطور أمتثل
٣٨
فكم بصرت به للفلك مكتسئًا
جيش الأخاء وسيف الحتف يمتشل
٣٩
وكم رأينا وأكبرنا ومانعنا
آخيل غيظًا على أتريذ نقتتل
في قوم أعوانه وافيت منتظمًا
بفلكه وإلى المرميد أتصل
أبي فلقطور من أهل اليسار غدا
شيخًا حكاك بنوه سبعةً كملوا
فعنده ستةٌ ظلوا وسابعهم
أنا حملت مع الإغريق مذ حملوا
لما اقترعنا فسهمي دون أسهمهم
بدا فأمر آخيل جئت أمتثل
والآن أنفذني للسهل مرتقبًا
فقد عرا القوم من كف الوغى الملل
سيحملون على إليون من غدهم
والصيد عن ردعهم ضاقت بها الحيل»
فقال فريام: «إما كنت منتسبًا
إلى ابن آياك فاصدقني بلا مهل
أجسم هكطور آخيل رمى قطعًا
للغضف أم قرب تلك الفلك لم يزل»
٤٠
فقال: «لا منسرٌ لا ناب عاث به
لكنَّ جثته للخيم قد حملوا
في القرب من فلك آخيل لقد بزغ اثـ
ـنا عشر فجرًا عليه وهو معتقل
فلا عراه فسادٌ أو تخلله
دود تخلل بهمًا في الوغى قتلوا
وكلما طر فجرٌ حول صاحبه
آخيل طاف به بالعنف يجتذل
٤١
لتعجبنَّ إذا أبصرته ترفًا
لا تقع دنسه والجرح مندمل
كم طعنةٍ فهقت فيه قد اندملت
كأن آل العلى تلك الدِّما غسلوا
لا شك ودوه حتى بعد مصرعه
عن ذلك البطل القهار ما غفلوا»
فطاب قلبًا وصاح الشيخ: «وا ولدا
يا حبذا البر للأرباب من عمل
لم ينس ما عاش أرباب الألمب ولا
هم أغفلوه ولو بعد انقضا الأجل
فهذه الكأس خذ مني وكن عضدي
بعون آل العلى في هذه السبل
حتى لخيمة آخيل تبلغني»
فقال هرمس: «ليست شيمتي النحل
مهما أكن حدثًا ما أنت تطمعني
بنائلٍ عن آخيل خفيةً تصل
أخشاه والنَّفس تأبى أن تمدَّ يدي
لسلبه إن عقبى ذلك الفشل
٤٢
لأصحبنك حتى لو بغيت إلى
بلاد أرغوس ذات الشأن تنتقل
وليس برًا وبحرًا ما ظللت على
عهدي تمسك من كف العدى الأسل»
وهب هرمس للكرسي واستلم الـ
ـعنان والسوط ثم استاق منتهجا
وهِمَّة الخيل أورى والبغال وبالـ
ـحفير حالًا لأسوار الحمى اتَّلَجا
٤٣
ألفى العيون أعدَّت زادها فعلى
أجفانهم صب تهجاعًا بها اندمجا
٤٤
وراح يفتح أرتاج الحصار بلا
عنا ويدفع أزلاجًا بها زلجا
٤٥
وبالهدايا وفريامٍ ومركبه
أم الخيام وفي بطن الحمى زلجا
٤٦
حتى إلى الخيمة الشما التي رفع الـ
ـمرميد لابن أياكٍ ملكهم عرجا
من أسؤق السر وشيدت تحت أغمية
من المروج بها البردي قد مرجا
وحولها الدار شيدت تحت أعمدةٍ
والباب مزلاج سروٍ واحدٌ رتجا
٤٧
ثلاثة منهم بالعنف تدفعه
لكنما دفعه آخيل ما زعجا
بوجه فريام خفَّ الرب يفتحه
وبالهدايا إلى ذاك الفنا ولجا
وصاح من بعد ذا لما ترجل: «يا
ذا الشيخ هرمس من والاك لا رجل
أبي نصيرًا إليك اليوم أنفذني
وها أنا الآن ماضٍ عنك أنفصل
لن أظهرنَّ لآخيل فما لبني الـ
ـعلى جهارًا ولاء الإنس تبتذل
وأنت رح وانطرح من فوق ركبته
وسله رفقًا عسى يصغي لما تسلُ
وباسم فيلا وثيتيسٍ ونفطلمٍ
ناشده يرنُ لدمعٍ منك ينهمل
٤٨
•••
فعدا الشيخ راجلًا وأنابا
إيذيوسًا فظل عند العجال
عانيًا في جيادها والبغال
ومضى يقصد ابن فيلا فألفا
ه تنحَّى وعنه أنأى الصحابا
•••
ما لديه غير الفتى أفطميذ
وكذا فرع آرس ألقميذ
كان عن زاده ورشف النبيذ
قام والزاد لا يزال لديه
وهما قائمان بين يديه
كلهم ما رأوه فانسل وانصـ
ـب على ركبتي آخيل انصبابا
•••
ويديه اللتين كم من فتى جل
من بنيه أبادتا قبل قبَّل
دهشوا عندما على الفور أقبل
دهشة القوم من وفود غريب
ساقه فادح القضاء المريب
قاتلًا من بلاده فرَّ يلجا
لديار امرئٍ تعلَّى جنابا
٥٠
•••
فأجالوا الأبصار باستعجاب
وهو ألقى خطابه باكتئاب:
«يا ابن فيلا مقرَّب الأرباب
اذكر اذكر بشيبتي والدًا لك
درك العجز آه مثلي أدرك
ربَّ جارٍ أصابه ببلاءٍ
وهو لا عون صدَّ عنه المصابا
•••
إنما للسرور يلقى سبيلا
ذاك إن أبلغوه حيًّا آخيلا
فيرجي له معادًا جميلا
ليراه من بعد طول اغتراب
وأنا آه ألتظي بالتهاب
كم فتًى باسلٍ بإليون لي كا
ن فطرًّا بادوا وأضحوا ترابا
•••
عندما جاءت الأخاءة بحرا
حسبوا لي خمسين عدًّا وحصرا
من نساءٍ شتَّى وتسعة عشرا
عصبةً إخوةً أشقاء كانوا
جلهم بالجهاد للحتف دانوا
واحدٌ ظل منهم بذيادٍ
عن سرانا يقي البلاد الخرابا
•••
ذاك هكطور من قتلت أخيرا
وهو يحمي ذماره والعشيرا
ذاك ما ساقني هنا مستجيرا
فأممت الأسطول في ذا السبيل
ولقد جئت بالفكاك الجزيل
فسراة العلى آخيل اتقي وار
فق بحالي واذكر أباك اهتيابا
•••
لا جدير في الخلق بالرفق مثلي
لا ولا في الورى امرؤٌ ذُلَّ ذُلِّي
هذه الكف أس بؤسي وخذلي
وبها ابني أضحى قتيلًا جديلا
فبذا الشيخ هاج مدمع آخيـ
ـل لذكرى أبيه فيلا اكتئابا
•••
فبرفقٍ أنآه عنه وأجرى
عبراتٍ سحت على الفور حرَّى
فكلا القيمين ناح لذكرى
ذا لهكطور ساجدًا لآخيلا
وآخيل فطرقل يبكي وفيلا
لبثا ينحبان ثمة حتَّى
لهما اهتزت السقوف انتحابا
•••
وآخيل لما روى بنحيبه
غلَّه قام مغضيًا عن كروبه
أنهض الشيخ رافقًا بمشيبه
وله وجه الخطاب فقالا:
«إي نعم سامك القضاء وبالا
كيف قل لم تخف فجئت إلى الفلـ
ـك وحيدًا لمن بنيك انتابا
•••
لك قلبٌ مثل الحديد الصليب
فانهض اجلس ولنبق طي القلوب
غصص النفس لاشتداد الخطوب
ليس يجدي بكاؤنا والنحيب
فالرزايا لكل مرءٍ نصيب
ليس يخلو سوى بني الخلد من هـ
ـمٍّ ولكن لنا أعدُّوا العذابا
•••
فبأعتاب زفس قارورتان
ذي لخيرٍ وذي لشرِّ الهوان
فيهما كل قسمة الإنسان
فالذي منهما مزيجًا أنالا
زفس يلقي خيرًا ويلقي وبالا
والذي لا ينال إلَّا من الشَّـ
ـرِّ فتنتابه الخطوب انتيابا
•••
بطواه يطوي البلاد كليلا
تائهًا في عرض الفلاة ذليلا
من بني الخلد والورى مخذولا
٥٢
فلفيلا الأرباب خير الهبات
أجزلوا مذ بدا لهذي الحياة
فاق جاهًا وثروةً وعلى المر
ميد أضحى قيلًا مطاعًا مجابا
•••
ولئن كان فانيًا وابن فان
أنكحوه إلاهةً ذات شان
وعلى ذا منوه بالأشجان
بحماه لم يعط قط بنينا
بعده في بلاده يحكمونا
فرعه واحدٌ سيقضي قريبًا
غير مجدٍ مشيبه حين شابا
•••
كيف أجدي وقد شططت ديارا
وبإليون قمت والهول دارا
لك أهمي وآلك الأكدارا
وكذا أنت فد روى الراوونا
لك يا شيخ طالعًا ميمونا
كنت ذا دولةٍ ومالٍ وأبنا
ءٍ بشرخ الصبا سموا أنجابا
•••
سدت جم القوى رفيع المنار
إنما منذ ذا القتال الوبيل
لا ترى غير قاتلٍ وقتيل
فاعتصم بالعزاء لا تجعل الضيـ
ـم أسًى فيه تقطع الأحقابا
•••
رب خطب إليك من بعد يسعى»
٥٥
قال يحكي فريام آل الخلود:
«يا ابن فيلا لا تدعني للقعود
إن هكطور في خيامك لا قبـ
ـر يواريه في التراب احتجابا
•••
أعطنيه حتى بعيني أراه
وجزيل النفائس اقبل فداه
فبها قد أتيت أبغي شلاه
منك يا من حيا قد استبقاني
انظر النور ساطعًا بالأمان
فبها اهنا عساك ترجع للأو
طان من بعد ما نأيت اغترابا»
•••
عند هذا آخيل أحدق شزرا
قال: «يا شيخ لا تغظني قسرا
لك هكطور سوف يعطى فصبرا
بنت شيخ البحار أمي أتتني
من لدى زفس أمره بلَّغتني
وأنا عالمٌ بأن إلاهًا
بك حتَّى الأسطول جاء فغابا
•••
أي مرء ولو بشرخ الشباب
يخرق الجيش قاصدًا أبوابي
عن عيون العيون طيَّ الحجاب
أو أزلاجنا له يتهيا
دفعها اصمت إن شئت تلبث حيا
لا تهجني فزفس أعصي ولا أر
عى ذليلًا همَّا وشيخًا مصابا»
٥٦
•••
جزع الشيخ للوعيد مطيعا
وآخيل كالليث هبَّ سريعا
غادر الخيم آمرًا متبوعا
معه من رفاقه تبعان
بعد فطرقل أقرب الفتيان
أفطميذٌ وألقميذ أخو العز
م جميعًا عدوا وجازوا البابا
•••
ذلك الفيج أدخلوا وأحلُّوا
مجلسًا والبغال والخيل حلُّوا
ومن المركب الرياش استقلوا
غير بردين شائقين جمالا
وشعارٍ مزخرفٍ يتلالا
رام آخيل أن يكفَّن هكطو
ر بها عندما يتيح المآبا
•••
والجواري لغسل هكطور نادى
ولتطييبه هناك بعادا
خشيةً أن يرى الأب ابنًا أبادا
فيثور الأوار ضمن فؤاده
وآخيل يشتد داعي اشتداده
وبه يعمل الظبي لا يبالي
أنهى زفس أم أنيل العقابا
•••
وآخيل ألقاه خلف الدار
فوق نعشٍ وذان باستعجال
رفعاه لظهر كبرى العجال
عند هذا بكى آخيل وفطرقـ
ـل دعا قال: «لا تسمني عتابا
•••
لا تغظ إن بلج آذيس ينمى
لك أني أعدت هكطور رغما
فأبوه أدَّى الفكاك الأتما
وأنا منه سهمك المعتادا
سوف أبقي» وللصريفة عادا
٥٨
حلَّ في عرشه البهي لدى الحا
ئط يلقي ألفاظ نطقٍ عذابا:
•••
«لك يا شيخ قد أعيد فتاكا
وهو في نعشه فنل مبتغاكا
فإذا الفجر بكرةً وافاكا
فمليًّا تراه عند المعاد
إنما الآن حان وقت الزَّاد
فنيوبا لم تسه عن زادها في
صرحها مذ أصابها ما أصابا
٥٩
•••
ولدها اثنا عشرٌ بريع الخياة
فتيةٌ ستةٌ وستُّ بنات
فتكتْ أرطميس بالغادات
وبقوس اللجين فيبوس أردى
وأباد الفتيان غيظًا وحقدا
ذاك إذ فاخرت نيوبا لطونا الـ
ـحسن يومًا بضنوها إعجابا
٦٠
•••
فلها اثنا عشر وتلك اثنان
إنما قد أفناهم هذان
أنهرًا تسعةً بموت الهوان
لبثوا لا قبر فزفس جهارا
مسخ الناس حولهم أحجارا
وسراة الخلود عاشر يومٍ
دفنوهم والأم تجرع صابا
•••
شعرت بالطَّوى بجهد البكاء
نالها من لدى سراة السماء
بعد أن أصبحت بسيفيل صخرا
بجبالٍ شمٍّ يروِّعن ذعرا
حيث مثوى الحور اللواتي على جر
ف أخلُّوسٍ لها الرَّقص طابا
•••
وكذا نحن زادنا نأتيه
وابنك القرم باكرًا تبكيه
عندما للبلاد ترجع فيه
فهناك الدموع ما شئت تهمر»
ثم شاةً بيضاء أقبل ينحر
وذووه من بعد أن سلخوها
أربوها وسفَّدوا الآرابا
٦٢
•••
واشتووها بلاهب النيران
ثم مدوا الشواء فوق الخوان
والفتى أفطميذ للضيفان
وزع الخبز بالقفاع امتثالا
وآخيل اللحوم قسم حالا
والأيادي مدت إلى الزاد حتى
أنفوا الزاد جملةً والشرابا
•••
وابن دردانسٍ آخيل تأمَّل
يعظم القد والجمال المكمَّل
٦٣
ومحيَّا الأرباب إن هو أقبل
وآخيل فريام أعظم قدرا
لوقارٍ ومنطقٍ زان فكرا
لبثا برهة وكلٌّ بكلٍّ
محدق مكبر له استعجابا
•••
ثم فريام قال: «آخيل دعنا
بلذيذ الهجوع ذا الحين نهنا
فأنا لم أغمض لعيني جفنا
مذ قضى هالكًا بساعدك ابني
بل ببثي ما زلت أشقى بحزني
أتلوَّى على الدمال بصحن الـ
ـدار أصلى لظى الأسى اللهابا
•••
إن أذق زادك الذي لي تهيأ
أو تراني رشفت كأس الحميَّا
فإلى الآن لم أذق قط شيئًا»
فآخيل في الحال أصدر جهرا
للحواشي واللسبيات أمرا
أن يعدوا في الباب فرشًا ويلقوا
لحف البرفير الحسان قشابا
•••
ويمدوا فوق الفراش الزرابي
فالجواري جرين للأعتاب
معهن المصباح للباب رحن
وفراشين في المجاز طرحن
ولفريام قال إذ ذاك آخيـ
ـل يريه مخافةً وارتيابا:
•••
«أيها الشيخ خارجًا نم قريرا
خشيةً أن تلقى بخيمي أميرا
قادمًا في الدجى هنا مستشيرا
فهنا في أبحاثنا نستفيد
ذاك عرف جرى عليه الصيد
فإذا ما رأوك في الليل أتريـ
ـذ درى والأمور باتت صعابا
٦٥
•••
ولعل المليك يرجي الفكاكا
فقل الآن لي صريحًا مناكا
٦٦
كم نهارًا تبغي لدفن فتاكا
قل فنفسي أصدُّ عن أهوائي
وأرد السرى عن الإبلاء»
فعلى ذا فريام وهو يحاكي
بوقارٍ ربًّا مهيبًا أجابا:
•••
«إن تبح أن حفلة الدفن تجرى
تلك آخيل منَّةٌ منك تترى
قد حصرنا تدري بإليون حصرا
والمدى شاسعٌ لقطع الوفود
بالرَّواسي والرعب هد جنودي
ولنا للبكاء تسعة أيَّا
مٍ بها نذرف الدموع انسكابا
•••
ثم يومٌ للدفن والإيلام
ثم يومٌ للرَّمس والإتمام
وإذا ما اقتضت دواعي الخصام
نتهيا للحرب إن نأت فجرا
بعد هذي الأيام ثاني عشرا»
قال: «ما شئت فليكن وبهذا الـ
ـحين نلوي عند الحروب الحرابا»
•••
ثمَّ يمنى فريام أمسك عهدا
خشيةً أن يسومه الرعب جهدا
عند هذا فريام والفيج قاما
وبظل الرواق بالأمن ناما
وآخيل في عزلةٍ بحماه
وبريسا طيب الهجوع استطابا
•••
وجميع الأرباب والناس طرًّا
هجعوا والظلام أسبل سترا
إنما ظل هرمسٌ لا يكرى
فاكرًا في فريام كيف يبين
عن حمى القوم لا تراه العيون
فعلى رأسه استقرَّ ونادا
هُ: «أيا شيخ هل أمنت الطلابا
•••
نمت بين العدى بأمن آخيل
ولقد جدت بالعطاء الجزيل
لافتكاك ابنك الكريم النبيل
إن تلاقي هنا أغاممنونا
والسرى كدت ولدك الباقينا
عنك يعطونه ثلاثة أضعا
ف الذي قد أديت مالًا لبابا»
٦٨
•••
قام فريام ينهض الفيج رعبا
ولشد العجال هرمس هبَّا
وبها جدَّ ينهب السهل نهبا
لا يراهم من ذلك الجيش رائي
فأتوا آمنين مجرى الماء
فوق جرفٍ فيه تدفَّق زنث الـ
ـمنتمي نشأةً لزفس انتسابا
•••
لأعالي الأولمب هرمس راحا
وبدا برقع الجساد صباحا
فهنا الشيخان استباحا النواحا
ثم حثَّا الجياد نحو البلاد
وبغالًا قلَّت جديل الجلاد
جريا لا يراهما بعد مرء
أو فتاةٌ في الأهل حيث اجتابا
•••
بهما ما درى بذاك المجال
غير كسندرا فتاة الدلال
من تجلَّت كعفرذيت الجمال
أشرفت من فرغام فوق الوهاد
فأباها رأت وذاك المنادي
وأخاها رأت على نعشه فيـ
ـه اذلعبَّت بغالهُ إِذْلِعْبَابا
٦٩
•••
ولولت والدموع ملء المآقي
ثم جدَّت تصيح في الأسواق:
«يا رفيقات يا خيار الرفاق
إن تكونوا حييتم هكطورا
وهو حيٌّ بعوده منصورا
وجذلتم بملتقاه جميعًا
فانهضوا رحبوا به ترحابا»
•••
أكبروا الخطب والأسى والوبالا
وإلى الباب بادروا استقبالا
كلهم كلهم نسا ورجالا
وأمام الجميع زوجٌ حليله
أعظمت خطبه وأم جليله
بعويلٍ وقطع شعرٍ وندبٍ
جاءتا النعش تلمسان النطابا
٧٠
•••
وحواليهما الجموع تبوح
بأساها وبالنحيب تصيح
أوشكوا كلَّ يومهم أن ينوحوا
بين تلك الأبواب من حول نعشه
إنما الشيخ صاح من فوق عرشه:
«افتحوا لي السبيل للصَّرح من ثـ
ـمَّ اسكبوا الدمع فوقه تسكابا»
•••
فله وسعوا الطريق فجدَّا
وأتى القصر خلفه القوم حشدا
وضعوا الميت فوق نعشٍ أعدَّا
وأقاموا حوليه نَدَّابينا
بشجي الأنغام توري الشجونا
٧١
ينشدون الرثاء بين نساء
وفق ذاك النشيد نُحْنَ كئابا
•••
وانبرت أوَّلًا فعمَّ العويل
أنذروماخ والدموع تسيل
فعلى رأسه ترامت تقول:
«مُتَّ بعلاه بالشباب النضير
وأنا أيِّمٌ بهذي القصور
وهنا الطفل طفلنا ونتاج الـ
ـحزن لن يدركنَّ آه الشبابا
•••
قبل ذاك الزَّمان خلت الديارا
أصبحت قفرةً وباتت دمارا
إن تمت لا سواك يحمي الذمارا
وجميع البنين والأطفال
والعذارى والمحصنات الخوالي
سوف يمسين في الخلايا سبايا
وأنا بينهنَّ وا أوصابا
•••
وكذا أنت يا بنيَّ ستمسي
حيث أمسي تعنو بذلٍّ وبؤسِ
لفتًى ظالمٍ عتا ذي بأس
أو عدوٍّ سيم الوبال الثقيلا
يتوخَّى لك الحمام الوبيلا
بك يلقي من فوق برج فيشفي
غلة كادت النفوس الغضابا
•••
بابن هكطور يشتفي في انتقام
لأب أو أخ رمى أو غلام
فهمامًا قد كان أيَّ همام
ولكم باسلٍ بجيش الأعادي
كدم الأرض دونه في الجهاد
٧٢
فلهذا بكته طرواد طرًّا
وعليه الفؤاد بالبث ذابا
•••
جلَّ عن واجب التأسّي أساكا
ولقد هدَّ والديك رداكا
إنما لي فوق الجميع شجاكا
٧٣
آه لو فهت لي ببعض الكلام
تبسط الكفَّ لي أوان الحمام
لتذكرته نهاري وليلي
ودموعي تنصب عمري انصبابا»
•••
ثم غصَّت بفائض الزفرات
والعذارى يجُدن بالعبرات
ثم صاحت إيقاب: «وا حسراتي
وا أعزَّ البنين وا هكطورا
كم رعتك الأرباب حيًّا قريرا
وهي من بعد فاجعات المنايا
بك تعني تجلة وثوابا
•••
بأقاصي البحار في إمبروس
أو بساموس أو ربى لمنوس
باع من فتيتي آخيل البئوس
كل من في يديه أضحى أسيرا
إنما أنت مذ رماك مغيرا
بك ما زال طائفًا حول رمس
لخليلٍ أنفذت فيه الذبابا
٧٤
•••
كل هذا لم يحي ذاك الخليلا
وأمامي أراك رطبًا جميلا
مثلما لو ذا الحين رحت قتيلا
مثل من فيبسٌ أباد بسهم
دقَّ عن صولج الحنية يرمي»
٧٥
وعلا النوح ثم هيلانةٌ ثا
لثةً ولولت تزيح النقابا:
•••
يا أحمَّ الأصهار إلف الوداد
أعلق الأهل كلهم بفؤادي
لم أر مذ عشرين عامًا بلادي
منذ فاريس مجتبى الخالدينا
ساقني قادمًا إلى إليونا
ليتني قبل أن أفارق شعبي
وبني أسرتي انشعبت انشعابا
٧٦
•••
شأنك الرفق بي لقد كان دوما
قطُّ ما سمتني المهانة يوما
وإذا كادني سبابًا ولوما
أيُّ صهرٍ أو زوجه أو شقيقه
أو حماتي إيقاب تلك الشفيقه
(غير فريام من بدا كأب لي)
كنت رفقًا عني تزيح السبابا
•••
سوف أبكيك سوف أبكي شقائي
ليس لي راحمٌ وإلف ولاء
قد قلاني الجميع فوق بلائي»
٧٧
وبكت والجموع ناحت جميعا
ثم فريام صاح فيهم سريعا:
«يا سراة الطرواد قوموا فسيروا
واجمعوا وافر الوقود احتطابا
•••
لا تخافوا من الأخاءة غدرا
فآخيل لي قال أن لن يكرَّا
قبل فجرٍ يلوح ثاني عشرا»
أسرعوا جملةً لشد البغال
وقوي الثيران حول العجال
ثم ساروا بهنَّ فورًا وجدُّوا
وإلى السور أقبلوا أسرابا
•••
أنهرًا تسعةً بجمع الضرام
لبثوا ثمَّ عاشر الأيام
رفعوا الميت والعيون هوام
فرق ذاك الوقود ثم النارا
أضرموها به تؤجُّ أوارا
ولهم حين لاح ورد بنان الـ
ـفجر من حوله أقاموا عصابا
•••
حيث هبت لواهب النيران
أخمدوها بصرف خمر الدنان
ولفيف الإخوان والخلان
جمعوا كلَّ أعظم الميت جمعا
بكئيب الفؤاد يذرون دمعا
أودعوها من ثمَّ حقَّ لجينٍ
وكسوة برفيرهم جلبابا
•••
أنزلوها في حفرةٍ حفروها
وبجلمود صخرهم طمروها
ثم شادوا الضريح إذ دفنوها
وحواليه أوقفوا الأرصادا
من سراة السرى قرومًا شدادا
خشيةً من عدوهم أن يفاجي
بغتةً حين غفلةٍ واحتسابا
•••
وإذ القبر أكملوا وأتموا
صرح ذاك المليك فريام أموا
حيث حوليه للعزاء انضموا
ولهم هيَّأ المليك طعاما
كان في مأتم الفقيد ختاما
ذاك ما كان من مناحة هكطو
ر الذي روَّض الجياد الصلابا
٧٨