قد أقام الأرباب من حول زَفسٍ
مجلسًا في ذاك البلاط المُذَهَّب
بكُئُوس النُّضار دارت عليهم
هيبيا والسّلاف بالدُّور يُسْكب
١
فبإليون أحدقوا من علاهم
وبمرِّ الكلام زفس تَعَتَّب
قال مُذْ رام أن يُحدِّم هيرا:
«ذا منيلا بربَّتين تحجَّب
تلك هيرا الأرْغيَّة احْتَضَنَتهُ
وبمرآه سُرَّتا من بعيدٍ
إنما عفرذيت فاريس تصحب
تدرأ الموت عنه بالبشر والآ
ن وقتهُ الرَّدى وقد كاد يَنْشَب
إنما النَّصر لابن أتْرا يقينًا
فهلموا نقضي بما يترتَّب:
أنُسيل الدِّماء والحرب نوري
أم نرى حقنها على الصلح أقرب
فإذا السِّلم رُمْتُم ظل فريا
م بإليون في ذويه مُهيَّبْ
وبهيلانةٍ يسيرُ منيلا
فيسود السَّلام والدَّمُ يُحْجَب»
تَسَعَّرتا وقد دَنَتا مقاما
فهمهمتا وقد بغتا انتقاما
فآثينا اشمأزت من أبيها
وكاد يبزُّها الحنق اهتضاما
٣
على حَسَرَاتها كَظَمَت وهيرا
أبت صبرًا وأغْلَظَت الكلاما
٤
تقول ولم تُطِق إخماد نارٍ
تؤجج جوفها الغالي اضطراما:
«بغيت علي يا ابن قرون هلَّا
بغيت تبيد آمالي انصراما
وتحبط بُغْيَتِي وتُخِيب جهدي
وخيلي أوهنت جسدًا وهاما
على فريام قد سُقْتَ السَّرايا
تجرع آله الموت الزُّؤاما
فنجهم وما الأرباب طُرًّا
براضيةٍ (وإن صمتوا احتراما)
فقال وقد غلا حَنَقًا: «وماذا
يسومك يا ظلومهم احتداما
عليك فما جنوا حَتَّى ترومي
دماءهم اعتسافًا واعتزاما
ألا لو حصنهم أعليت يومًا
وهضت اللَّحم تَفْرِينَ العظاما
ولم تُبْقي لملَّتهم رُسُومًا
لبلغ حقدك الحد التَّماما
إليك زِمامهم ما شِئت فاقضي
لئلا يورث المنع اختصاما
ولكن عِي مقالي واسمعيه:
إذا ما رمت أنفذت المراما
وإن ما شئت إيقاعًا بقومٍ
وددت فلا تَسُومِيني احْتِكاما
٥
وهبتك ما سألت بطيب نفسٍ
وإن أك قد تكلَّفتُ الحراما
فتحت الشمس والزهر الدَّراري
مدائنُ جمةٌ حوت الأناما
ففوق مذابحي أبدًا أقاموا
ذبائحهم مشربةً مداما
وظل دخانها للجوِّ يعلو
وبالعدل استباحوها اقتساما»
فقالت: «إن لي مدنًا ثلاثًا
عَلِقت بِهن قلبًا مُسْتَهاما
وهُنَّ عَلمتَ إسْبَرْطا وأرغسْ
ومِيْكينا التي زَهِت انتظاما
فإن ما شئت دمِّرهُنَّ إِنِّي
أبيت لهُنَّ عونًا والتِزَاما
٧
وليس بنافِعي صدِّي لعلمي
بأنك قد تملَّكت الزِّماما
ولكنِّي حَكَيتك بانتسابي
لِذاكَ فَضَلْت أرْبابًا كِراما
وَقَدْ عظِّمت بَيْنَ بني قُرُونٍ
وإن كانوا جميعُهُمُ عِظاما
٨
فإني بنتُ ذاك وعرس زفسٍ
مليك الكون فارع لي الذِّماما
٩
فعَمَّا أبْتَغِي حِينًا تَجَاوز
وعمَّا تبتغي أرضى دَوَاما
يَرُومُ بَنُو الخُلود بِنَا اقتداءً
فَمُر تَنْقَضَّ آثينا اقتحاما
تعيث بعهدة الجيشين لكن
لينقض آل طرواد السَّلاما»
١٠
لان زفسٌ لِقَوْلِها ثُمَّ قالا
لأثينا: «هيي أجيبي السُّؤالا
لِيَقُمْ قائم الشِّقاق ويَحْنَثْ
جيش طروادةٍ بما قد آلى»
١١
فَهْيَ والحرب قصدها ومُنَاها
لبت الأمر تبتغيه امتثالا
خَرَقتْ مُهْجَةَ الرَّقيع إليهم
كشهابٍ في الجَوِّ أجَّ اشتعالا
لِسَفينٍ أو جم جيشٍ يريه
زفس شؤمًا مقرَّبًا أو فالا
بشرارٍ مُنثَّرٍ بأوارٍ
يخمدُ الرَّوْع أو يَهيج الوَبالا
وجلوا جازعين مذ أبصروها
وبهم هاجس الظُّنُون تعالى:
«أبسيل الدماء زفس مشيرٌ
أم لربط الإخاء بالوفق مالا»
وهي في هيئة ابن أنطينُرٍ لو
ذُوْق حَلَّت تحكيه شكلًا وحالا
وتوارت في جيش طروادة في
طَلَب الشَّهْم فندروس انْتِحالا
فَرَأَتْهُ بقومه من رُبَى إيـ
ـسيف من قُلّدوا التُّروس الثقالا
١٢
فَتَدَانَّت إليه قالت: «ألا اسمع
يا ابن ليقاون العظيم المقالا
حَقِّق الظَّنَّ وابْتَدِر لمنيلا
وارمه تكسبنَّ فَخْرًا ومالا
ومقامًا عند الطَّراود يعلو
وامتنانًا لن يعرفنَّ الزَّوالا
سيَّما عند ذلك الملك فاريـ
ـس إذا ما قتلت أتْرِيذ حالا
ثم ناهيك بالذي هو يحبو
ك هباتٍ تثقِّلُ الأحْمَالا
١٣
فَتَوَكَّل أَرَاك وادع أفلو
ليقيامن بالعزم هالَ النِّبالا
١٤
والضَّحايا الأبكار فَانْذُر ذبيحًا
تنتقيها نقيَّةً أحْمَالا
١٥
ذاك في زيليا بقصْرِك لمَّا
بانتصارٍ تغدو لها ترحالا»
خَدَعَتْه فاغْتَرَّ واجْتَرَّ جهلا
هائل القوس من جفيرٍ تَدَلَّى
١٦
كان بين الجبال يَقْنِصُ قَبْلا
فلديه تيسٌ من الصَّخْر ولَّى
فرماه بصدره مفتلَّا
طول قَرْنَيْه بالغًا كان قَدْرا
من قياس الأَشْبَارِ سَتَّة عشرا
منهما عند صانعٍ ذاع ذكرا
أكمل القوس آلهً ليس تبرا
طَرَفَيْها بِخَالِصِ التِّبر حَلَّي
١٧
فأتاها موقعًا باعتناء
وعلى الأرض مدَّها باتكاء
وذَوُوه بمَنْعةٍ واتِّقاءِ
خَشْيَةً أن تُبْلي سُرَى الأَعداء
ومنيلا ما نال جَرْحًا وقَتْلا
ثُمَّ من واسِعِ الكنانة أخْرَجْ
سَهْمَ بُؤسٍ مقذَّذًا يَتَرَجْرَج
١٨
فَوْقَ مَتْنِ الْأوتار بالفُوق أَوْلَج
وانْثَنى يَنْذُرُ الذَّبِيح المُدَبَّج
١٩
مُذْ يُوَافي بِلادَه مُحْتَلَّا
ثُمَّ فَرْضَ المريش بِالْعُنف أَمْسَكْ
وإلى صدره السَّريَّة أضْنَكْ
٢٠
قُوِّست قَوْسه ولم تَتَفَكَّك
فَرَمى رُنِّنت وفي السَّهم نَيْزَك
٢١
في فسيح الفضاء قد غلَّ غَلَّا
يا منيلا طوباك أهْلُ الخُلُود
دَفَعُوا عَنْك كُلَّ بُؤْسٍ شَدِيدِ
فأثينا وقتك سَهْمَ الحديد
مثلما الأم وابْنُها في هُجُود
عنه جَمْعَ الذُّباب تَدْفَعُ مهلا
هي بالنَّفْس وَجَّهَتْهُ فَمَالا
لِعُرى عَسْجَد الحَمائل حالا
٢٢
حيث ثقل النُّضَار كالدِّرع حالا
إنما السَّهْمُ قطع الأوصالا
فَلَّها والجًا وفي الدِّرع حلَّا
وجرى نافذًا لجوف حزام
قد وقاه من غابر الأيَّام
شقَّه خارقًا إلى الآدام
ولج الجلد وهو بالجرح هامي
بدم أسودٍ تعكَّر شكلا
ضرَّج الفَخْذَ ثُمَّت الساق خَضَّب
وبَهِي الرِّجلين لونًا مُحَبَّب
مثلما برفيرٌ على العاج يسكب
غيد قريا وإيميونة تَرْغب
فيه صبغًا للخيل حَلْيًا يُدَلَّى
٢٣
فيه قَدْ زِنَّ مَنْزلًا بادِّخارِ
لم يَنَلْه إلَّا عَزيز المنار
فهو فخر الفرسان آل الفخار
ومنال الملوك يوم الطواري
ليس يرجوه بينهم من ذلَّا
فأغاممنون دنا وتحقَّق
ذلك الجُرْح كاد بالنَّفْس يَشْرَقْ
ومنيلا ببادئ الأمر أشفق
فرأى النصل مائلًا كاد يزلق
فَتَروَّى مستبشرًا مُهْتَلَّا
ضَجَّ قوم الإغريق يطلب حقًّا
وأخوه استشاط غيظًا وَرِقَّا
يده ممسكًا أفاض وألقى:
«يا شقيق الفؤاد قل أَلِتَلْقَى
حَتْفَك اليوم رُمْتَ ذا الوَفْقَ شُغْلا
٢٤
وَرَضِيت النِّزال فيهِ تُنَادي
وَحْدَك الآنَ في بَنِي طُرْوادِ
قد رموا عن تجبُّرٍ وعناد
وبنكثٍ داسوا سداد العهاد
إنما النَّكث سوف يُمْطِر خَذلا
وَفْقُنا والأيْمَان والخَمُر حاشا
ودماءُ الكباش أنْ تَتَلاشى
٢٥
فإذا زَفْسُ غَضَّ طرفًا وما شا
يوقع اليوم سوف يَنْهَضُ جَاشَا
ويسيل الدِّماءَ مِنْهُمُ وَبْلا
٢٦
سوف يَلْقَوْن عَنْهُ شَرَّ العِقَابِ
ويلقون منه قَطْعَ الرِّقاب
وبَنُوهم وأهلُهُم بانتِحابِ
تَجْرَعُ المَوْتَ في شديد العَذاب
فعلى ذا عقلي وقلبي دلَّا
وكَأنِّي بزفس غِيظَ وأَنَّا
ثُمَّ هاجَ البَلا ورَجَّ المجنَّا
٢٧
هُوَ للنَّاس حُرمة العهد سَنَّا
خرقوها فسوف ينقم عنَّا
وبإليون يهبط الويل ثقلا
وإذا ما لَقِيْت مَوْتًا عَجُولا
ولأرغوس أغتدي مخذولا
تَتَلظَّى نفسي شجى يا منيلا
إذ جنود الإغريق والصَّبْرُ عيلا
وطنًا عزَّ يذكُرُون وأَهْلا
لا يُجِلُّون منك عَظْمًا دَفينا
ظَلَّ مُلْقًى لدى حما إِليُونا
وبهيلانة العدى خالونا
فلنا الخَيْبَةُ العَظِيمة هُونا
ولهم نَاطِقُ الشَّماتَةِ عَذْلا
ويقولون عند قبرك لُؤْما
آغاممنون هكذا انحَطَّ عزما
ظل في النَّحر كيده الدَّهر حتما
قاد جيشًا عَرَمْرَمًا مُدْلَهما
فانْثَنَى مُفْعَمًا وبالًا وأجلى
عاد عن حربنا بفُلْك خوالي
لم ينل غيرَ خَيْبَةِ الآمالِ
وأخُوُه في التُّرب والعَظْمُ بالي
لُجَّةَ الأَرْضِ إِنْ يَكُنْ ذا مآلي
فابلعيني واخفي ادِّكاري أصلا»
فَمَنِيلا بِعَزَّة النَّفس سَكَّن
رَوْعَه قال: «فاحذر الجيش يُحزن
فِيَّ ذا السهم قَطُّ لم يتمكَّن
قد وقتني العُرى ودِرْعي المُبَطَّن
وحزَام الحَدِيد أوْقَفَ نَصْلا»
٢٨
قال: «علَّ المقال بالفأل صحَّا
ولْنَرُم آسيًا ليسبر جرحا
وليُخَفِّف ببلسم البُرْءِ بَرْحا
فعسانا نَلْقَى لِمَسْعَاه نُجْحا»
ثم نادى بِتَلثبيُّوس: رحلا
٢٩
لمخاوون أسقليب النِّطاسي
سرو وأحضرهُ مسرعًا خَيرَ آس
٣٠
لمنيلا المُقَدَّم النِّبراس
نال فَخْرًا ونحن قهرًا ونكلا»
سمع الفَيْجُ منه أمرًا وَلَبَّى
بين قوم الإغريق يَنْهَب نهبا
يتقصَّى مستطلعًا مُشْرئبًا
فرآه بالعزم يَشْتَدُّ قلبا
بين أصحابه مُجَلًّا معلَّى
فأتاه مُقَطَّع الأَنفاس
قال: ذا الطُّول لَبَّ يا خير آس
لمنيلا المُقدَّم النِّبراس
فترى جُرْح نابلٍ ذا باسِ
نال فخرًا ونحن قهرًا ونكلا»
رَقَّ قَلْبُ الطَّبيب حزنًا ولجَّا
يصحب الفيج بالفيالق فجّا
ألفياه كالرَّبِّ والجَمْعُ عَجَّا
حَوْلَه في أماثل الصِّيد ضجَّا
فَلَهم فرعُ أسقليب تَجَلَّى
٣٢
سحب السَّهم من رباط الحمائل
كسر النصل وهو بالرَّأس مائل
حَلَّها ثُمَّ حلَّ دِرْعَ الغَلائِلْ
وحِزَامًا دُون المَقَاتل حائِل
بُذِل الجَهْدُ فيه بالصُّنْع بذلا
سَبَرَ الجرح والدم امتصَّ جرًّا
وعليه شافي البَلاسم ذَرَّا
ذاك سِرُّ خيرون قبلُ أسرَّا
لأبيه فكان من ثَمَّ ذُخْرا
عَمَّ كُلَّ الأنام خَيْرًا وَفَضْلا
٣٣
قوم الأغارق قد لَهَوا بجرِيحهم
وعليهم زَحَفَت قوى الأعداء
٣٤
فَتَقَنَّعوا بِسِلاحهم وتقدَّموا
مستلئمين لساحة الهيجاء
أَفَلا رَأَيْتَ مَلِيكهُم قد هَبَّ لا
مُتقاعدًا بِتَقَاعُسِ الجُبَناءِ
٣٥
بل سار يبرح متن مركبةٍ زَهَت
بنحاسها لمواقع الإجراء
ألقى أزمَّة ضابحات جيادها
لأريمذونٍ نُخْبَةِ الأُمناء
٣٦
وإليه أوعز أن يظل بِقُرْبه
لِيَلِه حين مَشَقَّةٍ وعَياء
وَمَضَى عَلَى قَدَمَيْه ينفذ أَمْرَهُ
بِمَواقِفِ النُّبَلاء والأُمَراء
٣٧
بالحزم يُثْبِتُ عَزْمَ كُلِّ كَتِيْبةٍ
نهضت ببأسٍ ثابتٍ وَبَلَاءِ:
«يا أيُّها الإغريق لا تَتَردَّدُوا
بُرج النِّفاق عِمادُهُ تَتَهَدَّمُ
٣٨
أعْدَاؤنا نَقَضُوا العهاد خِيانةً
وعن الخيانة إن زفس لَيَنْقم
وَلَسَوف تَفترس الطُّيور لحومهم
وجميع أنقاض البلاد تُقَصَّم
ولسوف تحرز فُلْكُنا أزواجهم
وبنيهم وديارهم تَتَرَدَّم»
٣٩
ويَميل بالتَّعْنِيف مُحْتَدمًا على
من ذَلَّ تَحْتَ الأزمة اللَّأواء:
٤٠
«يا أيها الجند الأولي زعموا البلا
وتَذَلَّلوا بقوىً غدت تَتَفَصَّمُ
أفلا خجلتم مذ وجلتم رِعدةً
كالإيَّل الواهي يُرَاعُ ويرغم
وإذا تَمَلَّكه العياءُ بِجَرْيه
بالبَرِّ يلبث جازعًا يَتَهَضَّم
حَتَّى مَ يُقْعِدُكُم تَبَاطؤ كُمْ فَهَل
رَمْتُم لِفُلْكِكُمُ العِدى تَتَقدَّم
وعَلَيْكم تَنْقَضُّ في جُرُفٍ طَغا
ليُمدَّ من زفسٍ إليكم مِعْصَم»
خاض الصُّفُوف يَجُوب في دفَّاعها
لحمًا بني إقريطش النُّجَباء
ألقاهم بدروعهم وإذومنٌ
يشتد كالخِرْنَوص في البيداءِ
٤١
ساق الطَّليعة يَسْتَجِيش مُخلِّفًا
مريون عند السَّاقة الجَأْواء
٤٢
فاهْتَزَّ من طربٍ لشدَّة بأسه
وعليه قام يُفِيضُ خَيرَ ثَناءِ:
«حُيِّيتَ مِنْ بَطَلٍ أُجِلُّ معظِّمًا
يوم الوحي وبِكُلِّ ما يتجشَّمُ
وإذا الولائم أولمت وغَدَت على الـ
ـزُّعماء أقْداح التَّفاخر تقسم
فلسهمهم حدٌّ وسهمك طافحٌ
وكذاك سهمي لا يُحَدُّ ويحسمُ
تتناول الأقداح مهما شِئْتَها
حتى تَطِيب وأنت عَنْها تُجحِم
٤٣
زَحْفًا تَعَوَّدت الفَخَار سَجِيَّةً
أَبْدًا وأَنْتَ الفَائِزُ المتَحَكِّمُ»
فأجاب: «يا أتْرِيذُ سَوفَ أَبرُّ بالـ
ـعهد القديم وسابق الإِيماءِ
٤٤
وأنا ظَهِيرُك فادعونَّ إلى الوَغى
لِتَشُبَّ حَالًا سائِرُ النُّصَراءِ
آلى العُداةُ فأخْلَفوا فليجرعوا
مضضًا جزاء الخلف بالإيلاء»
جذلًا مضى أتريذ مُندفعًا على
هَبَّ النَّسِيم لسائرِ الزُّعَماءِ
أَلْفى الاياسين اللذين تَدَجَّجا
وهنا المُشاة كَغَيْمةٍ سَوْداء
دلفوا بجحفل فِتْيةٍ فتَّاكةٍ
بمناصلٍ وعواملٍ صَمَّاءِ
كَغَمَامةٍ قاريَّةٍ سَبَحَت على
وَجْهِ البحار بشدَّة الأنْوَاء
٤٥
فتلوح للرَّاعي فَيَخْفُقُ سائقًا
سِرْبَ الشِّياه لأكْهُفِ الظَّلماء
فارتاح أتريذ وقال مُخَاطبًا
لهما بحرِّ الهَول والأَرزاءِ:
«إيهٍ زعيمي رَهْطِ دُرَّاع الْحديـ
ـد فإنَّ مثلكما يكرُّ ويُقدمُ
حسبي بِنَفْسِكُمَا تُثِيرُ إلى الوَغى
هِمَمَ الجُنُود بهمةٍ تَتَجهم
لو آهِ زَفسُ وآله مَنُّوا وما
احْكَمْتُما كل الكتائب أحْكمُوا
لَتَهدَّمت إلْيُونُ تحت ذراعنا
عجلًا وشُمُّ عمادها تتحطَّم»
٤٦
ثُمَّ انْثَنَى لِسوَاهم فَبَدا له
بذويه نَسْطُرُ أفْصَحُ الخُطَباءِ
قَدْ قَام ينظم جَيْشَه مُسْتَنْهضًا
وهنا بياسٌ نُخْبَة الصُّلَحَاء
والملك هِيمُون خروميسٌ السـ
ـتر فيلغون وسائر النجداء
جعل الطَّليعة خيله وعجالهُ
ومُشَاتهُ في سَاقةٍ شَهْباء
والقَلْبَ أوْدَع كل نِكْسٍ واهنٍ
عاف اللِقاء لِيَلْتَجي للقاء
٤٧
وبدا يحثُّهم لكل كريهةٍ
والصبر في السَّراء والضرَّاء:
«لا تقحموا بعجالكُم وتَبَدَّدوا»
وحَذَار تغترُّون في بأسٍ لكم
ومهارةٍ في الحَثِّ والإِعْداءِ
بكتائب الأَعْداء تَنفَردُون أو
أن تنكصوا بجبانةٍ لِوَراء
فبذا يَهُون على العَدُوِّ نَكَالكم
وبذاك أعظم شدةٍ وعناءِ
وبأيَّكم كَبَتِ الجِيادُ وقد لَجَا
لِسِواه منكم مُقْبلًا لِنَجَاء
بالرُّمح فليلق العُدَاة فإِنَّمَا
هذا يقينًا أصْوَبُ الآراء
٤٩
أسلافنا هَدَمُوا كذا بدَهَائِهِم
أسوار كل مدينةٍ شَمَّاء»
طَرِبَ المَلِيك لِحَزْم نَسْطُور الذي
خبرت مخابره بِطُول بَقَاءِ
فإِليه مَالَ مُخَاطِبًا برعَايَة:
«يا شيخ صدرك بالبسالة مُفْعمُ
لا كان دَهرٌ منك جِسْمَك مُوهنٌ
وقِوَامَ عَزْمِكَ مُخْمصٌ ومُهَضِّمُ
يا لَيتَ سَاقَك مِثلُ قَلْبِك شدَّةً
ولئن هَرمْتَ وذَلَّ قرمٌ يهرمُ
مَنَحَتْك أرْباب العُلى بَأسَ الصِّبا
وأُولي الصِّبا طُول البَقا مَنَحَتْهُمُ»
٥٠
فأجاب نسطُرُ: «قد هَرِمت وحبَّذا
لو كُنْتُ بَعْدُ بشدَّة الأَعْضَاء
زمنًا أروثليون فيه مُجندلًا
ألقيت مُخْتضبًا ببحر دماء
٥١
لكنَّما لم تحب آلهة الورى
كُلَّ الْأَنَام بجُمْلَةِ الآلاء
فلئن مرحت شبيبتي بتشدُّدي
فَلَقَد هَرِمت وخُفِّضَتْ نُعَمَائي
أدع الطِّعان وشأنه لأولي القُوَى
وأولو القوى واعُون صَوْتَ نِدائي»
وأتى الاثينيين قوم منستسٍ
ذي السبق بالإعداء والإجراء
ويليهم بُهْمُ الكفاليِّين مَن
دَانوا لأُوْذس أحْكَمِ الحكُمَاء
فإذا هُمَا لم يسمعا لَجَبَ الوَحي
والجاش زعزع سائر الأنحاءِ
وتَرَبَّصًا حتَّى على الأعدا يَكُرُّ
سواهما بسرية خَرْساء
فَسَعى يُؤَنِّب عاتبًا بملامةٍ
واستنكر المسعى بالاستبطاء:
٥٢
«لم يا ابن فيتيس ونيت وأنت يا
قَلْبَ الدَّهاء أَراكَ لا تَتَقَدَّم
٥٣
فَلِمَ التَّخَلُّف رِعْدَةً لِسواكُما
والقوم خِرْصان العَوامل قوَّموا
قد كنت آمُلُ في الصُّدور أراكما
بِسُرَاكُما وأراكم أعْجَزْتُمُ
٥٤
أفلم تكونا والولائم اوْلِمَت
للصيد أول من يعزُّ ويكرم
فهناك ترتميان باللَّحم الشُّو
يِّ وضافيات الكأس حين تُقَدَّم
وهنا يَسُرُّكما بأنَّ كَتَائبًا
عَشَرًا أمامَكُما تكُرُّ وتهجُمُ
فعلامَ عن قرعِ القنا أُقْعِدتما
ومَوَاقفُ الأَعْداءِ ضَرَّجها الدَّمُ»
فأجاب أوذس مُغْضَبًا: «أفلا ترى
رجمًا عَلَي حكمت بالإبطاء
فلسوف تنظُرُ إن وَدَدْت قِتَالَنا
بطلائع العُظَمَاء والنبلاء
وترى أبا تلماخ في صدر العدى
وهنا أراك خبطت بالخُيلاء»
فأجابه متبسَّمًا مُذ خَالَهُ
قد غِيْظَ بالحُسْنَى والاسْتِرْضَاءِ:
٥٥
«مَهْلًا أيا ابن لَيرتَ لَسْتُ مُنَدِّدًا
فَلَقَد بَلَوْتُك حِكْمةً تَسْتَعْصم
وقد اسْتَوَينا بُغْيَةً وَشَعَائرًا
جُلَّى فَدُونَك ذُرْوَةً تَتَسَنَّمُ
وتَعَدَّ عمَّا اشْتَدَّ من عتبي عسى
بالرِّيْح يذهب بائدًا يَتَخَرَّمُ
ولئن تسُؤك من المقال صلابةٌ
فَلَسَوْف أَرْتُقُ ما فَتَقْتُ وأَلْئِمُ»
٥٦
واستأنف السَّيْرَ السَّريع مطوفًا
لذيومذٍ ذي العزَّة الأَبَّاءِ
ألفاه مُنْتَصبًا بظهر عِجَاله
في عُزْلَةٍ عن مَوْقف الإبلاء
وبقربه إستينلٌ فَلَحَاهما
لومًا لذا الإجحام والإِغضاء:
«أسفًا خَليْفَة تيذيوس أراك من
دُون الفَوارس جازعًا تَتَلَملَمُ
هلَّا اقْتَفَيْت أباك في عَزْمٍ به
قد كان قَبْلَ أولي العزائم يَعْزمُ
لم أَلْقَه لكِن رَوَيْت لمن رأى
عنه فِعالًا بالفخار تُعظَّم
ولقد أتى ميكينيا وفُلينكٌ
ذو البأس ضيفًا للجحافل يَنْظم
لحصار ثِيْبَة يَجْمَع الأجْنَاد في
حُلَفَائه والْجَيْشُ ثُمَّ عَرَمْرَمُ
رَغِبا بِنَجْدتهم فما بخلوا بها
لَكِنَّ زَفْس على الخِلَاف مُصمّمُ
فأراهُمُ للشُّؤم مِنْهُ إِشَارَةً
وَلوى الْعَزِيمةَ عن مرامٍ أبرموا
نَكَصًا وَلَمَّا بُلِّغا آسُوْفِسًا
والخَيْزُرَانُ بضفَّتيْه مُخَيِّم
فبدا لدى الإغريق أمر مُهَمَّةٍ
فَبِتِيذيُس خَيرًا رأوا وتوسَّمُوا
بعثوه سار فَجَاءَ أبْنا قَدْمسٍ
في صرح إتيكلٍ ومُدَّ المطعم
ما راعَهُ أنْ كان مُنْفَرِدًا لدى
قَوْمِ العِدى وبدا ببأسٍ يُفْحمُ
باراهم واحتاز أعظم نُصرةٍ
وله بآثينا النَّصِير الأَعْظَمُ
فَتَحَدَّموا غَيْظًا عليه وأكمنوا
خمسين أَخْمَسَ بالحديد اسْتَلأموا
وبِرأْسهم ذو العَزْم لِيْفُوفُنْطُسٌ
وميون ذُو الطَّول الشَّديد الأَيْهَمُ
أفْناهُمُ عن بَكْرَة الآباء لا
ناجٍ نجا إلَّا ميونٌ منهم
أبقاه إذعانًا لأرباب العُلى
فلذاك تيذيسٌ وهذا الإبنمُ
ما كان مِثْلَ أَبيه إبَّان الوَغى
وأبُوهُ لم يك مِثْلَه يَتَعَظَّمُ»
٥٧
فَوَعَى ذيوميذُ الْمَلَامة صَامِتًا
رَعْيًا لِحُرْمة سَيِّد الرُّؤَساءِ
لكنَّما إستينلٌ لم يرعها
وأجاب مُبْتَدرًا بلا استحياء:
٥٨
«هلَّا صَدَقَت بِما نَطَقْتَ وإنَّنا
قومٌ أشدُّ قُوىً من الآباءِ
ولقد فَتَحْنَا ثِيْبَةً بفيالِقٍ
شُمِّ النُّفُوس قَلِيلَةِ الْإحْصَاء
وَلَقَدْ وثقنا بالمقامات العُلى
ومنالُ زَفْسٍ صادِقُ الأَنْبَاءِ
آباؤُنا هَلَكوا بِسُوءِ سَرِيرةٍ
أقصر فما الآباء كالأبناء»
٥٩
حنقًا ذيوميذٌ أتاه معنِّفًا:
«إجلس حليف الصَّمْتِ والإصغاءِ
ما كنت ذا جهلٍ لأَحْنَقَ إِنْ مَضَى
أَتْرِيذُ ينهضُ همَّة العُمداءِ
إِنْ نَالنَا النَّصر العظيم فَمَجْدُهُ
هو فائق الأوْصاف والأَسماء
وإذا ذَلَلنا بانكسار جُنُودنا
فَعَلَيْه أَعْظَمُ لَزْبةٍ دَهْمَاء
٦٠
فلنعتصم بالبأس ولنُقْدِم إذا
مُجنِّبين غَوَايَةَ الأهواء»
ثم انْبَرَى من فوق مَرْكبةٍ لهُ
للأرض بالإقدامِ والغُلَواء
فَعَلا لصَلْصَلَة السِّلاح بِصَدْرِهِ
صوتٌ يُهَيِّج حَوْبَةَ الحَوْبَاءِ
٦١
تدفَّقت الأجناد أيَّ تدفُّق
إلى الحرب تَجْرِي فَيْلَقًا إثْر فيلقِ
كثائر أمواج البحار تَهيْجُها
من الريح أنواءٌ بغير ترفق
يدفِّعُ بَعْضًا فَوْق لُجِّها
إلى حيث فوق الجُرْفِ بالعُنفِ تَلْتَقي
٦٢
فَتَنْقَضُّ أعلى الصَّخر عن زَبَدٍ غَثا
تَغَرْغَرَ عن قصف الهدير المُصفقِّ
بهم أولياء الأمر يسمع أمرهم
وهم لا هوى نفسٍ ولا صوت منطقِ
تخالهم بُكْمًا لأوَّل وهلةٍ
وقد نظموا نَظم الخبير المُحَقّق
وفوق الصُّدور الطَّامِحات تألَّقت
صوارمهم والسُّمر أيَّ تألُّق
٦٣
ولكنَّما الأعداء قام ضَجِيجُهُم
كَسِرب شياهٍ بالحظائر قُلَّقِ
إذا ما اسْتُدرَّت والكباشُ ثَغَت لها
لَهُنَّ رَنَتْ تَثْغُو بأنَّة مُشْفِقِ
٦٤
فأوْزَاعُهُم مِنْ كُلِّ فجٍّ تألَّفُوا
بِعِدَّة لُسنٍ واختلاف تَخَلُّق
تشوقُهُم طَوْرًا أثينا إلى الوغى
وطورًا إله الحرب أدهى مشوِّق
ومن حَوْله هولٌ ورِعْدَةُ فتنةٌ
شقيقتُه إلف الشِّقَاق المفَرِّق
٦٥
نعم هِيَ إِنْ تَنْشَأ هُزالٌ وإن نمت
إلى قُبَّة الزَّرْقاءِ بالجوِّ تَرْتَقِي
٦٦
بمُجْتَمَع القَوْمَيْن طافت مُجَدَّةً
مُمَزِّق جَمع الشَّمل كل مُمَزَّق
ولمَّا تدانوا والنُّفوس سَواخِطٌ
تَحَرَّقَت الأجْنَادُ أيَّ تَحَرُّق
طعانٌ تلاقت في صُدُورٍ تدجَّجت
وكرٌّ يُوَاري يلمقًا فوق يلمقِ
٦٧
وزفرة مقتولٍ وَنَعْرةُ قاتلٍ
بسيل دماءٍ بالأسِنَّة مُهْرَقِ
٦٨
يُلاطِمُهُم داعي الكفاح مُشَدِّدًا
كشؤبوبِ ماءٍ بالسَّحائب رَيِّق
بِسَيلين من شمِّ الجبال تَحَدُّرًا
يفيض بِسَفْحٍ عن مجاريه ضَيِّقِ
زُعابٌ طغا يَبْدُو بِهائلِ مَنْظَرٍ
لراعٍ لدى قاصي الشَّوَامخِ مُحْدِقِ
عجَّ العجاج وكان أول طاعنٍ
أنطيلخٌ بطلائع الطُّرواد
٦٩
طعن ابن ثالسياس إيخُوفُوْلسًا
في خوذةٍ سُبكتْ لصدِّ صِعادِ
٧٠
نَفَذَ السِّنان بفوده لِدِماغِه
فانْغَضَّ طَرْفاهُ بِغَيْر رَشَادِ
٧١
في ساحة الهيجاء كالطَّود ارتمى
واجترَّه من أخْمَصيه لِخَلوةٍ
يَبْغي استلابَ سِلاحهِ الوقَّادِ
ما نال إلَّا خَيْبَةً وبِدَارُهُ
في الحين عاد عليه شرَّ مَعَاد
فالتُّرس مال بميله عن خصمه
وهناك آغينُور بالمِرْصاد
فانقضَّ يَطْعَنُهُ بأسمَرَ عاسلٍ
فلواه مَطْرُوحًا كَلِيل فُؤَاد
فاشْتَدَّ مُعْتَرَك الجُيُوش مُغِيرَة
كالذئب أفرادٌ على أفرادِ
فسطا أياس على ابن أنثيمينٍ
«يفعٌ ترعرع فانبرى لطِرَاد
نسبًا لسمويسٍ دُعي سِمويْسسًا
مذ فاز في شاطيه بالميلاد
زمنًا أتى من طود إيذا أهْلُهُ
ليروا قطاعهم بذَاكَ الوادي»
٧٣
ما نال أهْلُوْه جزاء عنائهم
وقَضَى الحياة قصِيرَةَ الآماد
بقنا ابن تيلَامُون قُوِّض عَيْشُهُ
لما علا بالقوم وقع جلاد
خرق السنان لمنكبيه صدره
كدم الحضيض مذبَّل الأوراد
ملقى حكى صفصافةً ممشوقةً
والرَّأس غضٌ يانع الأفناد
ربيت على عذب المياه فَقُطّعت
آصالها بقواطع الحدَّاد
منها يروم عجال مَرْكبةٍ زَهَت
فتجفُّ مُلْقاةً على الأجْدَاد
٧٤
فرمى ابن فريام الفتى أنطيفسٌ
فَنَبَت وَلَكِن أُنْفِذَت في لُوْقسٍ
ذي البأس صاحب أوذس الشَّدَّادِ
قد كان يحتمل القتيل لسلبه
فمضت بحالبه كوري زنادِ
سقط القتيلُ إلى الحضيض ولوقسٌ
وَرَد الرَّدى من جملةِ الوُرَّاد
فانقض بالزَّرد المؤلق أوذسٌ
لطلاب ثأر أليفه وذِياد
قصد الطَّلائع دانيًا متشوِّفًا
وأطار صعدتهُ على الأجناد
فتبعثروا لكنها سُلْكى مَضَت
لذميكوونٍ بالحُتُوف تُنَادي
٧٦
نغلٌ لِفِريامٍ أتى من آبذس
يجري إليه على سراع جياد
وَخَضَت بصُدغيه فراح مُجَنْدلًا
بصَلاصِلٍ تَحْتَ السِّلاح شدادِ
نَكَصَ الطَّراود للوراء تقهقرًا
وكذاك هَكْطُرُ عُمْدَة الأمجادِ
وتقدَّم الإغريق بين هلاهلٍ
وسعوا بجمع مشتَّت الأجْساد
من فوق فرغامٍ أفلُّونٌ رأى
فدعاهم لتصلبٍ وِعناد:
«يا قوم إليون الكرام تقدَّموا
فَلَقَد دعا داعي الرَّدى البدَّادِ
لا تستذلُّوا فالعدى ليسوا من الـ
ـفُولاذ والجُلْمُودِ يومَ جِلادِ
ليكلَّ وقع نصالكم وقنيّكم
وأخيلُ ليس بجُمْلَة الأعداد
ما زال بين الفُلك مُحتدمًا على
ما نالهُ من شدَّة الأضداد»
٧٧
وبجحفل الإغريق آثينا انبرت
بين الصفوف بعزمها المُعتاد
٧٨
راحت تَهِيْج نُفُوسهم وتُثِيرُها
وتَحُثُّ ذا الإمساك والتَّرْداد
وإذا بِصَخْرٍ من يدي فِيرُوُّسٍ
مولى الثِّرَاقةِ بالأغارق غادي
فأصاب رِجل ذيُوْرُسٍ بشظيَّةٍ
سحقت فَمَدَّ يَدَيْه لاسْتِنْجَاد
للأرض أُلْقِيَ يَسْتَغِيْثُ بقَومِهِ
لكنَّ فِيرُوُّس تَقَدَّم عادِي
أحشاءه بالرمح شق فمزقت
وعلى الرمال بدت لدى الأنداد
فَعَدا تواس على العدو بطعنةٍ
يبغي انتقامًا واري الأحقاد
ولجت بأعلى ثديه في صدره
وقفت على رئةٍ بنصلٍ بادي
نال المراد بسلب نورِ حياتِهِ
وبكسب سلبٍ لم يفز بمراد
فذووه من وسموا بعقص غدائرٍ
طَلَبوه مندفعين للأنْدَادِ
فَنَشَاطُهُ وثَبَاتُهُ ما أغنيا
أن عاد منثنيًا بغير تهادي
فكذا ثوى النِّدَّان مَولَى إيفيا
وثِراقةٍ قَتْلًا بذاك النَّادي
وَعَلَيها تَنْهال من قَوْمَيْهما
أجساد قتلى باشتباك أعادي
لو كان بين صفوفهم راءٍ يرى
ويَجُول بين مواقفِ الأشْهَادِ
وَوَقَتْه فالاس الحتوف وقد مضى
متوشحًا من حفظها بِبِجاد
لرأى الحراب نوافذًا وخوارقًا
ورأى السهام غَوَادِيًا وصَوَادي
والهَوْلُ شُدِّدَ والتَّفَنُّن مُحْكَمٌ
لا تَعْتَرِيه لومة النُّقَّاد
وكسا أديم الأرض تيار الدِّما
وَعَدِيدُ قَتْلَاهُم بلا تَعْدَادِ
٨٠