فمن سمويس إلى زنثس
قراع السيوف ومد القسي
أشد الثراقة بأسًا شديد
وجبار هول وقرم عنيد
لواه أياس بطعنته
فغارت بقلب تريكته
وشقت إلى المخ عظم الجبين
فجندل ميتًا غضيض الجفون
تلاه ابن نثراكسيل الأغر
نزيل أرسبا الغني الأبر
ففي مضرب السبل كان يطوف
يغيث العباد ويقري الضيوف
أعان ولم يجده ما أعانا
ولم يك من عنه يلقى الطعانا
٥
بسيف ابن تيذيس صرعا
وخادمه كلسيوس معا
وخر أفلط كذاك ذريس
بعامل فريال صدر الخميس
فراح وأبقاهما بالزفير
على أسفوس وفيذس يغير
حفيدي حليف العلى لومدونا
وفرعين من بكره بقليونا
نشا خفية بقليون بحجر
فتاة أَحَبَّ أبوه بسر
فدان لبربارة قلبه
وعن توأمين انجلى حبه
فبأسهما ابن مكست أبادا
ونال سلاحهما مستفادا
وفوليفتيس رمى أستيالا
وأوذيس بالرمح مال وصالا
جرى يطعن الفرقسي فذيت
وطفقير آريتوون يميت
وأصمى ابن نسطور أنطيلخس
بنافذ عاسله ابلرس
وأتريذ مولى الموالي قتل
إلاتوس قرم فداسا البطل
وفيلاق ولى يروم الفرارا
فنال بطعن لطوس البوارا
وميلنثيوس رمى أورفيل
وأذرست حيًّا دهاه منيل
فجيش الطراود والفتك دار
يهم قد تراموا بباب الديار
وأذرست شبت تغير الخيول
به جامحات بتلك السهول
بغصن من الأثل والكبكبه
تباريه أنشبت المركبه
فسحق مضمدها والجياد
أغارت وقد أفلتت للبلاد
فأدركه وهو يجري منيل
برمح طويل وسيف صقيل
على ركبتيه ترامى ذليلا
وقال: «ألا فاعف وارض بديلا
فإن كنوز أبي بادخار
حديدًا وصفرًا وصافي نضار
فإن تعف عني فأُقتاد حيا
لفلكك يولك كنزًا مهيا»
فرق وكاد إلى صحبه
يشير إلى الفلك تمضي به
إذا بأخيه يشق الصفوفا
ليوليه عذلا ولومًا عنيفًا:
«تعست منيلا وأنت تلام
علام رحمت أولاء اللئام
بأي خنًى لم يسيئوا إليكا
وأي أسى لم يهيلوا عليكا
أجل فليبيدوا ويفن الجميع
فتاهم وشيخهم والرضيع
ولا ينج ناج وتبل الجسوم
ولا يعل قبر وتمح الرسوم»
٨
أصاخ منيلا له وارعوى
وأذرست صد بكل القوى
وفي خصره آغممنون ألقى
سنانًا يشقق أحشاه شقًّا
وداس على صدره واسجره
ونسطور صاح يشدد أمره:
«أيا دانويون آل الطراد
موالي أريس رقيب الجلاد
فمنكم لا يتخلف كمي
على السلب والكسب كي يرتمي
فيقفل للفلك فيما ادخر
فيلهو وذا اليوم يوم الظفر
أبيدوا الرجال بدار النزال
فيخلو المجال وَثَمَّ المنال»
٩
فهاجت بهم نفثات الحميه
وماجت تجيش النفوس الأبيه
وكاد الطراود والعزم خارا
يولون نحو الديار فرارا
ولولا أخو هكطر هيلنوس
أجلِّ العوارف يثني الرءوس
١٠
لَوَلَّوا ولكن أتى هكطرا
وأنياس يبغيهما منذرا:
«ألا مذ تحملتما الفادحات
ومذ كنتما رأس كل الكماة
قفا استوقفا الجند عند الحصون
لئلا تولي اتقاء المنون
وطوفا بهم بحفيف القدم
أثيرا القوى واستحثا الهمم
مخافة أن يدفعوا بالأسى
مولين حتى حجور النسا
فإما التجلد منا بدا
أمنا شماتة لُدِّ العدى
ونحن إذا الجاش بالجيش ثارا
لبثنا نذود ونحمي الذِّمارا
فلا نجوة من دواعي الضروره
وإن بلغ العي منا أخيره
وإن نهض العزم بين الجميع
أهكطور فاجري سريعًا سريع
إلى أمنا طر وقل تذهب
جميع النبيلات تصطحب
وتمضي إلى قمة القلعة
لهيكل فالاس بالسرعة
وتفتح في الحال أبوابه
وتدخل بالذل أعتابه
وتحمل أبهى نقاب لديها
ليسبل فيه على ركبتيها
وتنذر عند اندفاع البليه
تقود اثنتي عشرة للضحيه
وحنت لدمع النسا والبنين
ومنت علينا بحرز أمين
وصدت ذيوميذ روع البلاد
نذير البلا واندكاك العماد
١٣
نعم هو ظني أشد العدى
وأطولهم صولة ويدا
ولست أحاشي كذاك أخيلا
وإن كان لِلرَّبَّةِ ابنًا جليلا
فهاك تراه تَحَدَّمَ نارا
وَأَذْكى الأُوَارفَلَيْسَ يُجَارى»
فما كاد يكمل قولا وقع
لمهجة هكطور حتى اندفع
وهب يغير من العجله
وعدته ترسل الصلصله
يهز القنا وبخوض الصفوف
يهيج النفوس لقرع الحتوف
فهاج الطراود بأسًا وماجوا
وتحت خطاهم عَجَّ العجاج
فَصُدَّ الأغارق قتلا وزحفا
وكفوا عن الطعن والضرب كفا
وخالوا وقد بلغ البأس حده
بني الخلد قد رفدوهم بنجده
وهكطور والقرع يعلو صديده
بهم صاح كالرعد يدوي هديده:
«أقوم الطراود جند البئوس
ونجادهم مستجيشي النفوس
فها أنا أقصد أبراجنا
لألقى الشيوخ وأزواجنا
لكي ينهضوا وبنذر الضحيه
يُآلوا ادراءً لهذي البليه
ولما انتهى راح تَوًّا يسير
على قدميه وكاد يطير
فشق غلوكس صف الرجال
كذاك ذيوميذ يبغي القتال
١٦
وعند التلاقي وقد بلغا
خلال الجيوش مرامي الوغى
ذيوميذ بادره بالسؤال:
«فمن أنت قل يا أشد الرجال
فإنك ما لحت لي قط قبلا
وسمر العوامل تفتل فلا
وإني إِخالُكَ فُقْتَ الجميعا
لأنك لم تخش فتكي الذريعا
فويل أب لم يهبني ابنه
فلا شك يهلكه حزنه
فإن كنت من قوم آل الخلود
فقل وأصدقني حتى أعود
فليكرغ قاوم آل السما
فما قام قائمه بعد ما
تقفى مراضع رب الخمور
على طود نيسا خلال الصخور
فروعهن بسوط الفنا
فأسقطن من يدهن القنا
وريع ذيونيس منه وغاصا
إلى لجة البحر يبغي الخلاصا
١٧
فضمته ثيتس إلى صدرها
تخوله الأمن في بحرها
وليكرغ من ثم كل إله
يعيش بدار النعيم قلاه
أنا لست أبغي لقاء الأولى
أنيلوا الصفا في الديار العلى
١٩
فإن كنت تغذي نتاج التراب
فأقبل وذق من ذراعي العذاب»
فقال: «علام اقتصصت الخبر
ونحن كأوراق هذي الشجر
فبعضًا يبيد الهواء وبعض
على منبت بائد النبت غض
ففي كل عام نبات أبيدا
به الغاب تنمي ربيعًا جديدا
ولكن إذا شئت مني الحسب
فإني ممن سما وانتسب
فإيفيريا بلد من بلاد
بأطراف أرغوس أرض الجياد
بها كان سيسيف أدهى الأنام
سليل أيولا عزيز المقام
وكان غُلُوْكُسْ له ابنًا كما
لهذا بَلِيرُوْفُنٌ قد نما
ففاق بليروفن بالجمال
وممتدح البأس كل الرجال
وقد كان فيض زفس انتصارا
لإفريط فاحتل تلك الديارا
٢١
ودانت له كل تلك الأمم
كذاك بليروفن ذو العِظم
ولكن إفريط أضمر شرًّا
له إذ رآه ترفع قدرا
فبادر يطرده مستبدا
وزوجة إفريط رامته وَجْدا
وعن نفسه راودته فأعرض
عفافًا وللعرض لم يتعرض
له أضمرت أنتيا كل شر
وقالت لإفريط تهمي العبر:
«فموتن أوفليمت من أراد
بأهلك سوأ سحيق الفؤاد»
تحدم إفريط لكن خشي
نذيرًا خفيًّا ولم يبطش
فسار وآل العلى حرس
عليه لحيث جرى زنثس
تلقاه بالبشر مولى البلاد
وأكرم مثواه ضيفًا وزاد
ولما انجلى عاشر العشره
بوردي أنمله النضره
بدا ملك ليقية بالخطاب
فألقى الرسول إليه الكتاب
مروعة من بنات الخلود
على قمم الشم قسرًا تسود
لها رأس ليث على ذيل أفعى
على جسم تيس من المعز يرعى
ومن فمها نفثات الأوار
تقاذف نارًا تثير الشرار
ولكن بآل العلى وثقا
وكل وجود لها محقا
وثنى بقتل رجال البئوس
عظامِ السليمة شمِّ الرءوس
٢٦
وثلث يفتك والمرهبات
أمازونة الهول حتفًا أمات
٢٧
وما كاد يفرغ حتى أقيم
له في الطريق كمين عظيم
فأفناه طرًّا ولم يذر
له ذلك اليوم من أثر
فريع المليك وكف الأذيه
وأيقن عزوته علويه
وأعلاه مستبقيًا بالجلال
وأنكحه ابنته باحتفال
وشاطره الحكم والشعب رام
يقيم لديهم عزيز المقام
لذا أقطعوه هبات غزيره
جنانًا حسانًا وأرضًا وفيره
وقد ولد ابنين إيسندرا
كذا هفلوخ الرفيع الذرى
ولوذمية المجتباة ومن
بها هام زفس شجًا واقترن
فراح يهيم على آلس
بعيدًا عن الناس والمؤنس
٢٩
فحُطَّ لدى ساكني الخلد قدرا
وساموه بعد الترفع قهرا
فإيسندرا آرس قتلا
بحرب السليمة روع الملا
ولو ذمية أرطميس قلتها
ولم تعد من بعد أن جندلتها
٣٠
فقد حثني أن أخوض المجالا
وألقى بصدر الجيش الرجالا
وأعلى منار جدودي الأولَى
أُنيلُوا الفخار وشادوا العلى
فهم دوخوا كل قرن عتا
بليقية وبإيفيريا
فذا نسب فيه يعتز مثلي
وهذا إذا شئت أصلي وفصلي»
٣٢
فكف ذيوميذ مستبشرا
وأركز عاسله في الثرى
وقال: «إذن لك حق الإخاء
عليَّ وإني حليف الولاء
أتدري لأُونفس جدِّي قديما
بَلِيرُوفُنٌ كان ضيفًا كريما
وعشرين يومًا له خلت
أقام على الرحب والسعة
وقد أحكما للوفاق الوثاق
قبيل حلول أوان الفراق
فجدي أهداه أبهى نجاد
توشت ببرفيرها المستفاد
وجدك كأس نضار أغر
إلى الآن في منزلي تدَّخر
وإني أبي تيذيس ما رأيت
ولكنني عنه هذا رويت
فقد كنت في المهد لما الأخاءه
بثيبة بادت ومنها الإساءه
فإنا ترانا حليفي وداد
وما بيننا لا يحل الجلاد
فأنت بأرغوس ضيفي الجليل
وفي ليقيا لك إني نزيل
كفاني ما في العدى من رجال
أصول عليها فتلقى الوبال
سواء بنو الخلد ساقت لباسي
أو اجتحتها مستطيلا بنفسي
وأنت كفاك بقرع البلا
رجال تروم لها مقتلا
وخذ للوفاق سلاحي دليلا
وهات سلاحك عنه بديلا
لِيُعْلَمَ أَنَّا نُرَاعي العهود
وحرمة آبائنا والجدود»
هناك ترجل كل فريق
وبعد التصافح عهد وثيق
سار هكطور حثيثًا وأتى
باب إسكية والزان ظليل
•••
فتلقته نساء وبنات
منه علمًا تتقصى سائلات
وبعول وأخلا فأمر
أن يبادرن على ذاك الأثر
ويصلين لأرباب البشر
علها تدفع عنهن الأذى
ولزاهي قصر فريام مضى
هو صرح شيد بالنحت الجميل
فوق أبواب رواق مستطيل
ضمنه صف بديع المنظر
غُرف قد بنيت بالمرمر
كلها خمسون ملس الحجر
لبني فريام شيدت مضجعا
وثوت أزواجهم فيها معا
ويحاذيهن صف رفعا
فيه بالإيناس والرغد ثوى
مع كل ابنة الصهر الحليل
٣٦
•••
لبنات الملك شيد اثنا عشر
منزلا طرا بمصقول الحجر
ثم هكطور إلى الدار ارتقى
حيث بالأم على الفور التقى
عجلا تمضي إلى لاووذقا
أجمل الغادات في ذاك الفنا
فعليه أقبلت توًّا تميل
•••
أمسكته بيد وهي تقول:
وعلام الآن غادرت السهول
٣٨
وإلينا عدتَ تبدو بقفول
آه ما أدهى الأغاريق الأُولَى
دهمونا بمعدات الْبِلَى
إنما أعلم تبغي عجلا
ترتقي من قمة البرج الذرى
حيث تدعو زفس للخطب الجليل
•••
فاسترح حينًا وبالراح أعود
لتزكِّيها لأرباب الخلود
ثم تُسقَى فهي ريحان الكبود
تنهض العزم وتفني التعبا
بقواك العيُّ أَدرِي ذهبا
٣٩
بذياد عن رفاق نجبا»
قال: «يا أماه تنحط القوى
بارتشافي الآن شهد السلسبيل
٤٠
وكذاك النذر حتمًا حرِّما
بيد دنسها سفك الدما
أيجيز النذر لي زفس كما
أنا مخضوب وغشاني الغبار
فبدار الآن في الحال بدار
٤١
واقصدي هيكل فالاس المزار
فهي الملجا لها النصر انتمى
واصحبي الغادات والطيب الثقيل
•••
واحملي أغلى وأعلى برقع
لك في القصر العظيم الأرفع
وعلى ركبتها فيه ضعي
وانذري أن ترجعي مبتدره
بالضحايا الغر ثنتي عشره
من تباع بكر مدَّخره
إن تشأ أن تدرأ اليوم الأذى
وعثار الولد والأهل تقيل
ورأت تدفع عن قدس البلاد
فرع تيذيوس رواع العباد
فاذهبي أنت ولوذي بالنقى
وأنا فاريس أدعو للقا
عله يسمع نصحًا صدقا
آه لو تدفعه الأرض إلى
جوفها أُشفِي من النفس الغليل
•••
آفة أوجده زفس لنا
علة حتى يزيد الشجنا
أنا إن يهلك يزل عني العنا»
٤٣
لبت السؤل وصاحت بالجوار
لينادين نبيلات الديار
وأتت غرفتها حيث استطار
عابق الطيب ومنشور الشذى
فوق أزر زانها الوشي الجميل
•••
نسجتها غيدُ صيدا نقبا
والفتى فاريس منها جلبا
فانتقت مقنعة قد وضعت
فوقها مثل الدراري سطعت
وفرت ألوانها واتسعت
ومضت إيقاب في جل النسا
تقصد المعبد في البرج الأثيل
•••
وثيانو بنت كيسيس الصفي
زوج أنطينور الفارس في
عجل قامت إلى الباب الخفي
فرفعن اليد بالولولة
نحو فالاس وسلمن الردا
لثيانو ربة الخد الأسيل
•••
فلها ألقت به فوق الركب
ودعت طالبة درء النوب:
«يا ذمار الدار يأكل الأرب
اسحقي رمح ذيوميذ الألد
واصرعيه عند أبواب البلد
فنضحي لك إن تحمِ الولد
ونسانا من تباع تنتقي
باثنتي عشرة بالشكر الجزيل»
٤٦
•••
هكذا كان الدعا لكن أبي
لرجاهن استماع الطلب
إنما هكطور لم ينقلب
بل سعى يجري إلى الإسكندر
حيث وافاه بقصر أزهر
شاده قرب المقام الأكبر
حيث فريام وهكطور ثوى
في أعالي قمة البرج الطويل
•••
شاده أمهر أرباب الحرف
برواق عرصات وغرف
فإليه فيه هكطور ازدلف
بقناة حدها القاري انتشر
بلغت طولا ذراعًا وعشر
وعليها فَتْخَةُ التبر الأغر
٤٧
فلديه ثم فاريس بدا
يصقل الشكة والدرع الصقيل
عنده هيلانة بين الإماء
تنفذ الأمر بحذق واعتناء
قال هكطور: «أيا أُسَّ البلاء
بئس ما أفرغت من هذا الغضب
والأعادي بلغت منا الأرب
ثارت الحرب وأولتنا الحرب
أنت لو خلت فتى عنها التوى
سمته التعنيف بالسيف السليل
كر أو لا فأعادينا الثفال
تضرم الحصن وتجتاح الرجال»
٤٨
قال والأرباب حاكى بالجمال:
«بملامي قد أصبت الغرضا
فاتخذ قولي صدقًا فُرضا
أنا لم أحنق بل اخترت الرضا
إن أكن غادرت كرات الوغى
فلكي أصلى لظى قلبي العليل
•••
زوجي الآن أَلَانَتْ لي المقال
تبتغي عودي إلى دار النزال
صدقت ظني والحرب سجال
فانتظرني الآن أشكك في السلاح
أو تقدمني إذا شئت الرواح
صامتًا هكطور ذا القول وعى
وندا هيلانة شهدًا يسيل:
•••
«آه هكطور أخي كل الشرور
والرزايا الدهم من أجلي تثور
آه لو كانت رحى الريح تدور
يوم ميلادي وتيار الأوار
للجبال الشم بي كالطير طار
أو رمى بي فوق أمواج البحار
قبل أن أخذل من دون الملا
وأعاني ثقلة الخزي الوبيل
٥٠
إن هذا قدر الأرباب في
حكمها لكنها لم تنصف
كان أولى أن تراعي شرفي
فيكون الآن لي بعل أشد
كاشف العار وَدَرَّاءُ الشدد
إن فاريس هوى النفس اعتمد
سوف يلقى شر أعمال جنى
وأرى الإصلاح أمرًا مستحيل
•••
فاسترح حينًا فأنواع العنا
شملتك الآن من شرِّي أنا
وشجا فاريس زاد الشجنا
هكذا زفس علينا قدرا
لنظل الدهر هُزْأً للورى»
قال: «يا هيلانة لست أرى
لي عن الجري إلى القوم غنى
ما لهم عني إذا غبت بديل
•••
حرضي زوجك أن يلحق بي
وأنا أمضي لقصري الأرحب
لأري فيه أعز النسب
زوجتي حينًا وطفلي المرضعا
لست أدري هل قضي أن أرجعا
أو يد الإغريق تفري الأضلعا»
•••
خاب ما أمل إذ لم يجد
زوجه الحسناء بيضاء اليد
فهي مع جارية والولد
ذهبت ترقب بالبرج الأثر
تصعد الأنفاس عن هامي العبر
داس بالأعتاب واقتص الخبر:
٥٢
«أين يا هذي النسا قلن لنا
أنذروماخ مضت أي قبيل
هل إلى بعض بيوت الأخوات
أو نساء الإخوة المستعصمات
أو إلى الهيكل تلقي الدعوات
مع بنات الحي تبغي المددا
حيث يستمددن بالدمع اليدا
من أثينا خوف كرات العدى»
قلن: «لم تذهب إلى الأهل ولا
ذهبت قلب أثينا تستميل
قد بغيت الحق والحق يقال
فهي في السور ببلبال وبال
علمت في قومنا حل الوبال
فرأيناها جرت نحو الحصون
جري من داهمه مس الجنون
تصحب المرضع والطفل الحنون»
فانثنى هكطور من حيث مضى
وعلى الفور جرى والصبر عيل
٥٣
بين أسواق بمرصوف البنا
أسرع السير وللباب دنا
فهنا زوجته ذات الغنا
بنت إيتيون الشهم الأبر
(من بإيففلاقيا ذات الشجر
قبل في ثيبا تعلَّى واستقر
والكليكيين بالعدل رعى)
أقبلت تصرخ بالقلب الذليل
معها المرضع والطفل الرضيع
ساطعًا بالحسن كالنجم البديع
أستيا ناسًا يسميه الجميع
٥٤
إذ أبوه ذاد عنهم أجمعا
إنما هكطور والبر رعى
فإليه باسمًا سِرًّا رنا
وانبرت زوجته الدمع تهيل:
•••
«يا شقي البخت ذا البأس الوخيم
سوف يلقيك بلجات الجحيم
ولي الإرمال والطفل يتيم
سوف تلقاك جماهير عداك
وتلقيك مضاضات الهلاك
فلمن أبقى إذا مت سواك
آه لو أُلْقَى إلى جوف الثرى
قبل أن تلقى على الأرض قتيل
•••
إن تموتن الأسى يخلد لي
وعنا النفس ودمع المقل
لا أب أسلوبه لا أم لي
فأبى آخيل ذو البطش قتل
عندما ثيبا الكليكيين حل
٥٦
إنما الأرباب أولته الوجل
فارعوى منقلبًا عما توى
ولحر السلب لم يبغ سبيل
•••
أحرق الجثة في شكتها
ثم واراها إلى تربتها
حوله غيد الجبال الشامخات
نسل رب الترس سَحَّاقِ الرُّفَات
٥٨
قَدْ غَرَسْنَ الدُّلْبَ حُبًّا بالممات
إخوتي سبعة أبطال كذا
دفعةً بادوا وما لي من خليل
•••
ذلك القرم دهاهم في الحقول
بين أسراب شياهٍ وعجول
وانثنى من بعد ذا الخطب يصول
ولأمي الأمر بالحكم خلا
فتقفاها لتعميم البلا
ساقها للأسر في ما أرسلا
أجزلت فديتها لكنما
أرطميس اتبعت شر آخيل
•••
أنت بعلي أنت كل الأرب
أنت كل الأهل لي إذ أنت حي
آه فارحم وانعطف رفقًا علي
آه فارفق بي وبالطفل لدي
(أنا لا أطمع أن تأبى الوَحَى
وعن الهيجاء جبنًا تستقيل
إنما أرغب أن تحمي الذمار
وتقي نفسك من شر البوار)
فَهُنَا السور تداعى للدمار
فبغاه كل ذي عزم وباس
كذيوميذ وأتريذ أياس
وثلاثًا كاد يندكُّ الأساس
لست أدري هل أتوه عن هوى
أولهم قد كان في الوحي دليل
•••
قرب تين البر فوق البرج قر
وتحفظ فيه من شر أمر
فلك النجو (وللجيش الظفر)
ولي السلوى وللطفل الرجا»
٦٠
قال: «ما يشجيك يوليني الشجا
إنما الموقف أضحى حرجا
نزل الروع وبي العزم أبى
أن يكون الروع في القلب نزيل
•••
بين أقوامي وربات السدول
٦١
لست أرضى العار إن تعل النصول
أو عن الهيجاء يثنيني الخمول
وأنا دومًا بصدر الفيلق
شأن فريام وشأني أتقي
وأقي قومي بحدِّ المحقق
آه لكن فؤادي والحجى
ينبئاني أن صمصامي كليل
•••
سوف تندك بإليون القلاع
وتوافينا الملمات الفظاع
كل هذا منه قلبي لا يراع
لا إذا أمي في الترب ثوت
أو أبي من دمه السمر ارتوت
أو رميم الإخوة الأرض احتوت
لا إذا الطرواد بادوا وإذا
خرق الزرقاء للجو العويل
بيد أن الخطب كل الخطب آه
أن تكوني في سبيات العداه
تذرفين الدمع عن مر الحياه
تستقين الماء كالعبد الأسير
من مسيس أو ينابيع هفير
تنسجين القطن والقلب كسير
كل بؤس كل رزء وعنا
كله إن حل ذا الرزء قليل
كله لا شيء إن صح الصحيح
ولديهم كنت والدمع يسيح
والذي يلقاك بي هزأً يصيح:
«تلكم زوجة هكطور الشديد
خير ما في القوم من قرم عنيد
كم له قرع بذراع الحديد»
«تل صدر الجيش تلًّا وهُنا
فتصيحين وتصلين السعير
تستجيرين ولكن من يجير
إن يكن هكطور في الترب قرير
فلك الرق وأنواع العذاب
يا لحود الأرض واريني التراب
قبل أن يدهمني هذا المصاب
وأنلني أيها الخطب البلا
قبلما زوجي للسبي تُنيل»
٦٣
•••
ثم مد اليد للطفل فصد
جازعًا لما رأى تلك العدد
من نواص سابحات وزرد
وبصدر المرضع الطفل ارتمى
فلديه أبواه بَسمَا
وبرفق عنه هكطور رمى
ذلك المغفر والطفل بدا
بيديه بين تقبيل يجيل
ودعا يسأل أسياد الأنام:
«أنت يا زفس وأربابًا عظام
عونكم أسأله في ذا الغلام
فليكن مثلي هَصَّار الأسود
وهو في إليون بالبأس يسود
وإذا من موقف الحرب يعود
فليقل فوق أبيه قد سما
سل سيف الفوز يا نعم السليل
•••
وليجندل كل جبار أبي
فائزًا منه بحر السلب
تتلقاه بيادي الطرب
وهي ضمته لصدر عطرا
بسمت باكية وهو رنا
مشفقًا ينظر للطرف البليل
•••
ثم ناداها وقد رام العجل
«لا يشق الأمر لا يعن الوجل
ليس موت قبل إدراك الأجل
٦٥
كل صنديد ورعديد جبان
مذ تبدى بوجود للعيان
ليس ينجو من تقادير الزمان
ولكل عمل فامضي كفى
واطلبي أعمال ربات السديل
•••
فلك النسج وفتل المغزل
ولنا إعمال سمر الذُّبَّلِ
٦٦
وأنا الإيقاعُ بالأبطال لي»
لبس المغفر حالا ووثب
ومضت تلفت من حيث ذهب
تذرف العبرة والقلب التهب
دخلت للصرح يوليها الشجا
زفرات أشجنت كل الدخيل
•••
فعلا بين جواريها النحيب
حين أبصرن بها ذاك اللهيب
عمَّت الأحزان في القصر الرحيب
لم يؤملن له حسن المعاد
لم يقل بعد أبادته العدى
إنما نحن كما لو كان قيل
٦٨
مضى وبعالي الصرح فاريس جانح
إلى الحرب منه تستطير الجوانح
٦٩
بعدة فولاذ تألق نورها
جرى وهو بين الطرق كالبرق رامح
ويضرب في قلب المفاوز طافحًا
إلى حيث قلب الأرض بالسيل طافح
يروِّض فيه إثر ما اعتاد نفسه
ويطرب أن تبدو لديه الضحاضح
ويشمخ مختالا بشائق حسنه
يطير وأعراف النواصي سوابح
وتجري به من نفسها خطواتُه
إلى حيث غصت بالحجور المسارح
٧١
كذا كان فاريس وقد جد مسرعًا
عليه كنور الشمس تزهو الصفائح
فأدرك هكطورًا عن الأهل قد نأى
تحث خطاه للكفاح القرائح
فقال: «أخي إني أراني مبطئًا
فعزمي مرجوح وعزمك راجح»
فقال: «أيا فاريس ما كان منصف
ليبخسك القدر الذي أنت رابح
فأنت أخو البأس الشديد وإنما
بوجدك قد تثنيك عنه الجوارح
ويلتاح قلبي إن لحتك جنودنا
وأنت مدار الخطب والخطب فادح
٧٢
فَهَيِّ فليس الآن للبحث موضع
سنبسطه إن لم تبدنا المذابح
وإن شاء زفس أن يقيض نصرة
ويدفع أقوامًا شدادًا نكافح
سترفع أقداح المسرة والتُّقى
وتذكي لأرباب الأنام الذبائح»