بصدريهما النفس تلهب جمرا
لكيد الأغارق طعنًا ونحرا
وجيشهما والحشا يلهب
للقياهما هزه الطرب
كنوتية شقت اليم شقا
بملس المجاذيف والأمر شقا
٢
وخارت قواها ومن فضل رب
لها هبت الريح خير مهب
ففازوا بما أملوا ثم ثاروا
بإثرهما واستطار الغبار
وآيون بالعنق تحت الترائك
بمزراق هكطور ألفى المهالك
وإيفينس بن ذكسيس عمد
إلى خيله والأوار اتقد
فقيل بني ليقيا زجه
وغيب في كتفه زجه
فعن خيله للحضيض التوى
غضيض العيون فقيد القوى
فجند الأغارق حلت عراهم
وفالاس فوق الألمب تراهم
إلى قدس إليون حثت خطاها
وفيبوس من فرغموس اقتفاها
لقد كان يرقبها ويريد
لقوم الطراود نصرًا مجيد
«علام من الأفق يا بنت زفس
هبطت بغيظ وحدة نفس
أرفدا لقوم الأغارق حالا
بحرب إلى الآن تجري سجالا
لخطب طراودنا لم ترقي
فسمعًا فدونك أصلح حق:
«بنا اليوم هيي نكف القتال
ومن بعد ندفعهم للنزال
إلى أن نشاهد يومًا أخيرا
لإليون مذ رمتما أن تبورا»
٦
فقالت: «نعم إنما ذا مرامي
فقل كيف تأمل كف الصدام»
أجاب: «فهكطور نحو البَراز
فلا شك بالغيظ يحتدمونا
ومن جندهم بطلا يدفعونا»
ولما استتما المقال فحالا
تقدم نحو أخيه وقالا:
«أهكطور مَنْ زفسَ بالعقلِ حاكى
ألا ما استمعت مطيعًا أخاكا
فقومك أَجلِس وقوم العدى
وبين الفريقين قم مفردا
وسل يرسلوا لبراز مهول
إليك فتى من أشد القيول
فَسُرَّ الفتى وجرى قابضا
من الوسط اللهذم الوامضا
١٠
وسكن جيش الطراود قربه
كذا آغممنون أَجْلَسَ صحبه
١١
وسر الإلاهان مما تجلى
وشكل عقابين في الحال حلا
وكان الجنود بتلك السهول
جلوسًا صفوفًا كثافًا تهول
عليها الترائك فوق التروس
وسمر العوامل تنمي البئوس
كيمٍّ عليه النسيمُ انتشر
فأرجفَ واربدَّ يوهي النظر
١٣
وهكطور نحو البراح اتجه
وصاح: «أجند الطراود مه
ويا قوم آخاي سمعًا فإني
أفيض لكم ما يجول بظني
أرى بيننا زفس قاض العهادا
وللكلِّ هيَّا الرزايا الشدادا
إلى أن تدكوا قلاع الحصون
أو الحتف تلقوا تجاه السفين
فبينكم خير جند الأغارق
فهل بطل لبرازي تائق
فيخرج بالبأس منتدبا
يصادم هكطورًا المجتبى
وإني أبرم معه العهود
وزفس على ذاك خير الشهود
فإن يُعْمِلَنَّ بي اللهذما
يفر بسلاحي له مغنما
إلى الفلك يمضي به رغدا
ويلقي إلى صحبتي الجسدا
وإن نال مني مر الحمام
وأولاني النصر رب السهام
وأدفع جثته غير خائن
إلى قومه الشُّعرِ فوق السفائن
ففي جرف بحر هلاذا الفسيح
يوارونه في مشيد الضريح
وإما بمستقبل الزمن
تمر الأنام على السفن
يقال هنا قبر قرم عنيد
بعامل هكطور قدمًا أبيد
فيخلد مجدي ويعلو منارا»
فظل الأغارق طُرًّا حيارى
١٦
سكوتًا فلا للِّقا تَجْسُر
فقام منيلا يؤجج نارا
حشاه وصاح يفيض احتقارا:
١٨
فوا عارنا إذ بأبطالنا لم
يكن مَنْ إلى هكطر يتقدم
وليس لكم من فؤاد وشان
وها أنني بارز للطعان
وما النصر إلا لآل العلى
فَيؤْتَونَه منةً وولا»
وشك يجيل السلاح الجميلا
ولكن أبيت الردى يا منيلا
لقد كاد يصميك هكطور لو لم
تثبطك صيد الجموع وترحم
ومولى الموالي أخوك الأبر
بيمناك أمسك ثم انتهر:
«مقرب زفس منيلا أرى
هذوت وجئت إذن منكرا
فمهما بك النفس هاجتك فارهب
فتى من سواك ترى يتهيب
ونفس آخيل الذي لا سبيلا
إلى أن تقاس به وتصولا
لقد كان يجزعه أن يسابق
لملقاه يوم اصطكاك اليلامق
٢١
فَهيِّ اجلسن وألق العدد
فيغري الأغارق قرمًا أشد
وإن يكف في الحرب وقعًا أليمًا
فيخرج من ذا البراز سليما
فلا شك بالأنس يلوي الركب
وإن كان ليس يهاب النوب»
٢٢
فدان منيلا لنصح أخيه
وكف وطابت نفوس ذويه
وشكته جردوا وانتصب
على الفور نسطور ثم خطب:
٢٣
«ألا أي رزء فوا حربا
بلاد الأخاءة قد نكبا
ألا كم يغص خطيب المرامد
حكيمهم الهِمُّ فيلا المجاهد
٢٤
إذا ما درى أن هكطور أخمد
بئوس الأغارق جبنًا وأقعد
إلا قبل كم كان بادي الطرب
بمغناه يقتص مني النسب
فأنمي له أصل كل الأغارق
ونسبتهم من قديم ولاحق
ألا لو رآكم على ما أرى
لمدَّ يدًا لموالي الورى
أيا زفس يا آثنا يا أفلو
ألا ما أعدتم شبابي فأبلو
٢٦
كيوم بأسوار فِيَّا فظيع
وحول سُرى يردنوس السريع
٢٧
لدى نهر قيلادن الحرب ثارت
وأبطال أجناد فيلا أغارت
تصادمها بشديد الكفاح
صناديد أرقاديا بالرماح
وإيرثليون زعيم العدى
شديدًا لدينا كرب بدا
عليه سلاح المليك المجيد
إريثوس ذي الصولجان الحديدي
إريثوس من كان يلقى الجموعا
به لا يجيل القنا والفروعا
لدى معبر حرج بالقناه
رماه وفطيسه ما وقاه
فخر وقاتله سلبا
سلاحًا له آرس وهبا
فأعطاه إيرثليون الهمام
فكان به ينبري للصدام
ويدعو ولا بطل يفدُ
وكل الصناديد ترتعد
فأقدمت تدفعني النفس وحدي
وإن كنت إذ ذاك أحدث جندي
فأولت أثينا ذراعي انتصارا
وجندلت أعلى كَميٍّ منارا
فَخَرَّ لدى قدمي بالحضيض
عُتُلًّا غليظًا طويلا عريض
فلو كنت أواه غض الشباب
لأدرك هكطور مني العجاب
وأبسل ما بكم من رجال
أراهم أبوا وَقْعَ هذا النزال»
فلما استتم الحديث المهينا
لديه انبرى تسعة يبرزونا
فأولهم أول القوم سؤدد
زعيمهم آغممنون عربد
تلاه ذيوميذ روع الرجال
كذاك الأياسان هول القتال
فهب إذومن ثم فتاه
مريون عد إله الكماه
فأوريفل فثواس فأوذس
فصدهم الشيخ بالبشر يُؤْنِس:
٣٠
«عليكم إذن بالقداح تُجَال
فَمَنْ قِدْحَهَ فاز خاض المجال
٣١
يسر الأغارق إن أقدما
ويجذل نفسًا إذا سَلِمَا»
فكل فَتًى قِدْحَهُ ضَرَبا
بخوذة أتريذ منتصبا
وجيشهم كله رفعا
لآل الخلود أكفَّ الدعا:
«أيا زفس إما أياس وإما
ذيوميذ أو لا فأتريذ حتما»
ونسطور تلك الأقاديح رج
فسهم أياس لديه خرج
وتلك أماني الجنود جميعا
فطاف به الفيج يجري سريعا
يمينًا جرى يقصد الصيد قصدا
لهم يبرز القدح فردًا ففردا
فلم يك مَنْ بالنصيب اعترف
هناك إزاء أياس وقف
فلما تناوله ثم أحدق
برسم به كان من قبل نَمَّقْ
٣٢
تهلل مستبشرًا ورماه
إلى قدميه ونادى الكُمَاهْ:
«أُصَيْحَابُ ذا السهم سهمي فَسُرَّا
فؤادي وإني آمل نصرا
أنا عدتي أبتغي مسرعا
وأنتم لزفس أفيضوا الدعا
سكوتًا لئلا لطرواد يُنْمَى
وإن شئتم عَلَنًا فَنِعِمَّا
فلسنا لنخشى جِلادَ الأعادي
ولا بأس لا مكر يَلْوِي فؤادِي
وكل الأغارق قامت تصيح
وتشخص نحو الفضاء الفسيح:
«أيا أبتا زفس رب المعالي
أليف الكمال عظيم الجلال
على طود إِيذا أيا من تجلى
أنل نصرك اليوم آياسَ فضلا
وأما لهكطور تأبى الشَّنَارا
فدع يَسْتَوِ البطلان اقتدارا»
٣٤
وإذ كان جيشهم يتضرع
فآياس حُصنُ الأخاءة أدرع
وَشَكَّ بِزاهي السلاح الصَّقِيلِ
وَأَقْبَلَ جَبَّارَ رَوعٍ ثَقِيلِ
يجيل القناة لحر الوطيس
ويَبْسمُ عن ثغر وجه عبوس
يَسِيرُ كربِّ القتال العَسوف
لوقع خطاه ارتجاج مَخُوف
كآريس يمشي على قوم إنس
إلى الويل سيقوا بفتنة زفس
ففاضت قلوب الأغارق سُرًّا
وخار فؤاد الطرواد طُرًّا
ونفس حشا هكطر خفقا
ومن هول ذا الملتقى قَلِقا
ولكن تربص حتى الجِلاد
ولم يلو مذ كان أول باد
فأقبل آياس في كبره
بترس كبرج على صدره
على سبعة من جلود البقر
غشاءٌ من الصُّفر يوهي النظر
ولما إليه دنا وقفا
وصاح بهكطور: «أقبل كفى
فسوف ترى ما بفرد لفردِ
يجيش الأخاءة من فتك أُسْدِ
وإن كان آخيل قلبُ الأسد
وخَرَّاقُ قلب العدو الألد
على أغممنون قد حقدا
وَعَنَّا لدى فلكه انفردا
ففينا للقياك جم غفير
فأقبل إليَّ وأور السعير»
أجاب: «أيا من لزفس انتماه
ويا ابن تلامون قَيْلِ السراه
مه لا تخل بي رعونة ولد
وَعَجْزَ نساء جَزِعْنَ لصدِّ
ألفتُ القتالَ وذبح الرجال
على قَدمي وفوق العِجالِ
يساري بِالتُّرْسِ مثلُ يميني
ورقصي في الحرب يعلي شئوني
٣٦
ولم يك شأني غدرًا أراكا
بل الحرب صدرًا لصدرٍ فَهَاكَا»
وهَزَّ المثَقَّفَ يطعن طعنا
مِجَنَّ أَياسَ فَغارَ وَرَنَّا
فشقق فولاذه والجلود
لسابعها فاستقر يَمِيدُ
فأرسل آياس رمحًا شديدا
على جوب هكطور يفري الحديدا
فبالترس للدرع للثوب أَوْلِج
وقد كاد شق الكمي يضرِّج
ولكن هكطور أهوى وحَاد
وإلا لغَالَتهُ أُخْتُ النَّآد
٣٧
وكلهما اجتذب اللهذما
وحملق ينظر محتدما
كليث يمزِّق لحم الرجال
وخرنوص برٍّ بعيد المنال
فطعنةُ هكطور لم تَنْجُبِ
ولكن لواها قفا المِجْوَبِ
فقر أياس وما انقلبا
وبالرُّمحِ من فوره وثبا
فأُنْفِذَ بالترس مُرتعِدا
إلى العُنق يجري دمًا أسودا
وهكطور عن حزمه ما انثنى
ولكن لوجه الحضيض انحنى
تناول أسودَ صخرٍ أصم
غليظًا به مستشيطًا هجم
وعن كفِّ بأس أصاب مِجَنَّه
فَرُنِّنَ فولاذه أيَّ رَنَّه
وصيخود صخر أشد رفع
أياس فذبذبه ودفع
بعزم رحاه بقدر الرحى
على ترس هكطور فانطرحا
ومن صلب ركبته الدمُ سالا
فأنهضه الرب فِيبُسُ حالا
٣٨
فجرد كلٌّ حسامَ الهوانِ
وكادا على القرب يشتبكان
٣٩
ولكن رسولا العلى والبشر
أُسِيرا يكُفَّان شرًّا أمر
حكيم الأخاءة تَلْثِبْيُسُ
وفضل الطراود إِيْذِيُسُ
فبينهما أسبلا الصولجانا
وثانيهما صاح يلقي الأمانا:
٤٠
«كفى يا بني فكلكما
لدى راكِم الغيم قَدْرًا سَما
وكلكما باسل وأُذِيع
فخاركما بلسان الجميع
ولكنما الليل جاء بستره
فحسبكما اليوم طوعًا لأمره»
٤١
أجاب أياس: «فهذا يقال
لهكطور فهو مُشيرُ القتال
فإن يطعنك أُطِعْكَ امتثالا»
فقال ابن فريام هكطور حالا:
«أجل إن ربا أياس اجتباكا
ومجدًا وبأسًا وفضلا حباكا
وقد فقت بالطعن كل الأغارق
فدعنا مجال الكفاح نفارق
فسوف نصول ولن نَجْبُنَا
ليقضي ربٌّ قضى بيننا
ويولي من شاء عز الظَّفر
فذا الليل خيم فوق البشر
وشأن الأنام احترام الظلام
فيرجع كلٌّ عزيزَ المقامِ
فَرُح يبتهج بك قومك طرا
لدى الفلك والصحب تجذل فخرا
وتطربُ طروادةُ بمآبي
رجال الوغى وذوات النقاب
فيدخلن بي هرَّعًا داعيات
معابد آل الخلود الثقات
وهيِّ نبادل قبيل القفول
نفيس الهدايا وكل يقول:
وأعطى أياس حسامًا صقيل
عليه قتير لجين جميل
وعمدًا وزاهي نجاد ونالا
حزامًا بفرفيره قد تلالا
٤٣
وكلٌّ تجاه ذويه انقلب
وبين الطراود فاض الطرب
رأوا أن هكطور بعد الإياس
سليمًا نجا من ذراع أياس
به نحو إليون ساروا وسارا
أياس إلى القوم يزهو افتخارا
فضحى لهم بسديس لزفس
وهم سلخوه بِبِشْرٍ وأُنْسِ
٤٥
ومن حوله اجتمعوا يقطعونا
وفوق سفافيدهم ينظمونا
ويلقون في جاحم وهجا
إلى أن جميع الشوا نضجا
فأخرج منه ومُدَّ الطعام
وكل حوى سهمه بالتمام
ولما أزالوا الظما والسغب
بهم نسطر بالسداد خطب
فذاك الذي قبل أعلى المنارا
فبالحلم والحكم فيهم أشارا:
«أأتريذ يا زعماء القبيل
بأقوامنا الشعر كم من قتيل
نجيعهم سال في إسكمندر
وأرواحهم للجحيم تحدَّر
ونجمع كل قتيل فتك
به في تصادمنا المشتبك
ونحرقهم قرب فلك السراة
ونجمع منهم عظام الرفات
فتحمل ذكرًا لأبنائنا
إذا ما قفلنا لأرجائنا
ونبني ضريحًا لهم يقصد
على السهل حيث علا الموقد
٤٩
لديه نُشَيِّدُ سورًا رفيعا
يقي جيشنا والجنود جميعا
ونحكم أبوابه لتجول
بهن متى ما تشاء الخيول
ومن حوله خندق يمنع
جيوش الطراود إن يُدْفَعوا»
٥٠
فكلهم صرحوا برضاهم
وأبناء طروادة بحماهم
بشماء إليون قد جمهروا
بأبواب فِرْيامَ واأْتَمَرُوا
فهاجوا وماجوا بلغط عظيم
فصاح بهم أنطنور الحكيم:
٥١
«أطروادة يا بني دردنوس
ويا حلفاء وكل الرءوس
إليكم حديثًا يخالج صدري
فهيوا بنا نُجْرِ أصوب فكر
فنرجع هيلانة الأَرْغُسِيَّهْ
بأموالها خوف شر البَلِيَّهْ
فإنا بأيماننا لم نَبَرَّا
وإن نمتنع أخش شَرًّا أَمَرَّا»
«أجل أنطنور شططت بما
يشق عَليَّ بأن أعلما
لقد كان أجدر أن تنبذا
حديثًا ورأيًا يماثل ذا
وإلا فإن كنت رمت السدادا
فآل العلى سلبوك الرشادا
ولكن أموالها وأزيد
عليها فإني سريعًا أعيد»
فقام بهم ببهي الجلال
أخو الفضل فريام يبدي المقال:
«أطروادة يا بني دردنوس
ويا حلفائي وكل الرءوس
إليكم حديثًا يخالج صدري
ألا فانهضوا للعشا طوع أمري
فذا حينه وأقيموا الحرس
يطوفوا بكم لانقضاء الغَلَس
ويذهب قبل بروز الغزاله
إلى الفلك إيذيس بالرساله
إلى الأَتْرِذَيْنِ بهَذا الكلام
مقالة فاريس أس الخصام
ويسألهم هدنة نبتغيها
لنحرق قتلى المعامع فيها
٥٤
وبعد نصول ولن نجبنا
ليقضي ربٌّ قضى بيننا
ويؤتي من شاء عز الظفر»
أصاخوا ارتياحًا لأَمْرٍ أَمَرْ
٥٥
عشوا بالسلاح وبعد الشفق
لفلك العدى إيذيوس انطلق
إذا بهم ضمنهم مجلس
لدى الفلك أتريذهم يرأس
فصاح يقول بصوت ثقيل:
«أأتريذ يا زعماء القبيل
بإمرة فريام والمؤتمر
أتيت إليكم لأنمي الخبر
مقالة فاريس أس الشقاق
عسى أن تروق فيلقى الوفاق
فإن الكنوز التي سلبا
ويا ليته قبل ذا نكبا
ومما حواه حلالا يزيد
عليها بهن سريعًا يجود
ولكن زوج النبيل منيلا
فعنها على رغمنا لن يحولا
ويسألكم هدنة نبتغيها
لنحرق موتى المعامع فيها
وبعد نصول ولن نجبنا
ليقضي ربٌّ قضى بيننا
ويؤتي من شاء عزَّ الظفر»
فطرا سكوتًا وعوا ذا الخبر
فنابي الكنوز وإن عُدَّتِ
وهيلانة ولئن رُدَّتِ
لقد أزف النصر والطفل يعلم
على هامهم عن قليل ستهدم»
فلم يك إلا من استحسنا
وأتريذ تصويبه أعلنا:
«سمعت إذن إيذيوس الخطاب
فهذا الجواب وعين الصواب
ولكنني سامح بزمان
لتحرق موتى الوغى بأمان
بحرمتهم فليقم كل عسكر
ويسترضهم بلهيب تُسَعَّر
٥٧
وإيذيس لحماه رجع
وقد غص بالنبلا المجتمع
يعالون طرا للقياه صبرا
فبلغ ما كان أمرًا فأمرا
فهبوا وبعض لجمع الشعل
وبعض بقتلى الرجال اشتغل
كذاك الأراغس قرب السفين
جروا جريهم باجتهاد مكين
ولما من اليم فوق البحار
بدت تتجلى عروس النهار
وتبرز صاعدة للسماء
وفوق الفدافد تلقي السناء
تلاقى الجميع بذاك المجال
يكادون لا يفرقون الرجال
جسوم لقد شوهتها الجراح
ورهج العجاج بدار الكفاح
فبالماء في مهل غسلوها
وبالدمع في عَجَلٍ حملوها
٥٩
ولكن فريام حَظْرًا حَظَرْ
على قومه أن يهيلوا العبر
سكوتًا ولب الفؤاد التهب
أسى جمعوها لكُدْس الحطب
ومذ فنيت بأجيج اللهيب
لإليون عادوا بقلب كئيب
كذاك الأغارق بين الوجوم
مضوا يجمعون جميع الجسوم
ولما عليها قضى الحرق
تجاه سفينهم انطلقوا
وفي بُهْرَة الليل قبل السَّحر
أسيرت من الخيم خيرُ الزمر
ومن فوق موقدهم للجثث
جميعًا على السهل شادوا جدث
يليه حفير عميق وسيع
على صفحتيه وشيع منيع
وأما بنو الخلد آل الظفر
فقد بهتوا لاقتدار البشر
٦١
فمن حول زفس لقد رقبوا
فقام بهم فوسذ يصخب:
«مِن الناس مَن بعد يا زفسُ يرفع
لآل العلى مُقْلتيه ويَضْرع
٦٢
ألم تر قوم أخاي الأُولى
بنوا قرب سفنهم معقلا
ومن حوله خندقوا مغفلينا
لقوم الخلود الضحايا المئينا
نعم ذكر هذا الصنيع البديع
إلى حيث فاض السَّنا سيذيع
ويغفل سور بمصر يجل
للوميذ شِدتُ أنا وأفلو»
ولكن زفس وقد أنفا
أجاب: «أربَّ البحار كفى
أيا من يزعزع قلب الثرى
شططت بما جئته مخبرا
ليأبى الذي عنك جهدًا يُقصِّر
منالا وطَولا بذا الفكر يفكر
ومجدك سوف يعم الفلق
ويمتد ما امتد نور الشفق
فمهلا لئن عاد بالسفن
لفيف الأراغس للوطن
فمعقلهم دُكَّ دكًّا فيُلقى
إلى لجه البحر يمحق محقا
وفي الساحل اركم رمالا تقر
عليه تبد عينه والأثر»
كذا اأتمروا في القيام الأجل
وقبل المغيب أتم العمل
وقد نحر القوم تحت الخيام
عجولهم يبسطون الطعام
وكان ابن إيسون راعي الأمم
وإيفيسفيلا فتاة النعم
أخو الملك أفنوس من لمنس
أتت فُلْكُهُ لِبني أرغُسِ
من الخمر صِرفًا بها ألف عين
هدية ود إلى الأترذين
فجيش الأغارق عينًا بعين
شرى الخمر من ذينك السيدين
وبعض شرى بجلود البقر
وبعضهم بعجول ذخر
وبعضهم بالسبايا شرى
وليلتهم قضيت بالقرى
لهم في الخيام الطعام يعد
كذاك لطروادة في البلد
ولكن زفس وقد غيظ حقدا
بهم زعزع الليل برقًا ورعدا
فهدَّهم الرُّعب والكُلُّ قام
يريق على الأرض كأس المدام
ويخشى ارتشاف عصير العنب
إلى أن يزكي لزفس القرب
ولما انتهوا جملة قصدوا
مضاجعهم حيثما رقدوا