كسا الفجر وجه الأرض ثوبًا مُزَعْفَرَا
وزفس أبو الأهوال في أرفع الذرى
١
على قمة الأولِمب تُصْغِي مهابة
لمنطقه الأرباب أَلَّفَ مَحْضَرَا
فقال: «ليعلم كل رب وربة
بما اليوم في صدري فؤاديَ أضمرا
فلا يَنْبِذَنَّ الأمر عاصٍ بلِ اذْعَنُوا
لِأُنْفِذَ ما أبرمتُ أمرًا مُقَدَّرَا
•••
لنصرة أَيِّ القوم من يَجْرِ منكمُ
يَئُوبَنَّ منكوبًا يُخَضِّبُهُ الدَّمُ
وإلا فمن شُمِّ الأُلِمْبِ براحتي
إلى الظلمات الدُّهْمِ يُلْقَى وَيُرْجَمُ
٢
إلى حيث أبوابُ الحديد قد استوت
على عتب الفولاذ والْقَعْرُ مظلم
إلى هُوَّةٍ بين الجحيم وبينَها
مجال كأقصى الجو عن أسفل الثرى
•••
فتدرون كم بالطَّوْلِ أسمو وأَشْرُفُ
وإن شئتمُ فَابْلُوا الحقيقة تعرفوا
وأَرْخُوا من الزَّرْقَا سلاسلَ عَسْجَدٍ
وكلكمُ في منتهاها تَأَلَّفُوا
فلن تبلغوا من زَفْسَ وهْوَ وليكم
منالًا وإن تُعْنَوْا وإن تتكلفوا
ولكنني أيَّانَ شئتُ جَرَرْتُهَا
ومن دونكم أَجْتَرُّ أرضًا وأبحُرا
٣
ومن حول أُولِمْبِي الرفيع أديرها
يُعَلَّقُ فيها الكون وهو أسيرها
فيعلم كل الجن والإنس مبلغي
من الطَّوْلِ والأكوان أني أميرها»
٤
أصاخوا سُكوتًا حرمةً وتهيُّبًا
فقالت أثينا يستفيض زفيرها:
«أجل أبتا يا قَيِّمَ القوم جملةً
قواك علمنا لن تدين وتُقْهَرا
•••
ولكننا نرثي لحال الأغارِقِ
يبيدهمُ المقدور تحت الْيَلَامِقِ
٥
أطعنا فلا نأتي النزال وإنما
نمُدهمُ بالرأي خوف البوائق
٦
وإلا فهذا السخط يجتث أصلهم»
فبشَّ لها يرنو مثيرُ الصواعق
وقال: «لئن راعتْك مني صرامة
فعنك جميل الرفق لست لِأَذْخَرا»
٧
•••
ولاحت تَزِينُ الخيل من تحت مضمدِ
حوافرُ فولاذ وأعراف عسجد
بمركبة غرَّاءَ ناط صروعها
وفي حلة الإبريز حل بِسُؤْدُدِ
٨
وفي يده سوط النضار يسوقها
من القبة الزرقاء للأرض تغتدي
فبُلِّغَ إيذا جَمَّةَ السَّيْحِ مَنْهَلًا
وأُمَّ الضواري واستقرَّ بغرغرا
٩
•••
هناك لدى غابٍ أُجِلَّتْ وهيكل
له فاح نشرًا أوقف الخيل يعتلي
ومُذْ حلها بين الضباب أحلَّها
وحل بكبر المجد أرفع منزل
يميل إلى الطُّرْوَادِ حينًا وتارة
إلى سفن الإغريق وهو بمعزل
ففي عَجَلٍ نال الأغارق زادهم
وفي الخيم هَبُّوا للسلاح تَحَضَّرَا
•••
كذاك أعاديهم وإن قل عَدُّهم
تَقَنَّعَ في إليون يبرز جندهم
يُحَرِّقُهُمْ داعي الضرورة لِلْوَغَى
لتحفظ أعراض وتسلم وُلْدُهُمْ
فَفُتِّحَتِ الأبواب واقتحموا الوغى
مشاة وفرسانًا يُرَوِّعُ وَفْدُهُمْ
ولما تَدَانَوْا والنفوس سَوَاخِطٌ
تدفَّقت الأجناد تَصْلَى تَسَعُّرَا
١٠
•••
طِعانٌ تلاقت في صدور تدجَّجَت
وقرع به سود اليلامق ضُرِّجَتْ
وزفرة مقتول ونَعْرَةُ قاتل
وسيل دماء فوق أرض ترجرجت
فزال ضحى الأقداس والنقع فائِرٌ
بحرب على القومين نارًا تأجَّجَتْ
١١
وعند انتصاف الشمس في كبد السما
لقِسْطَاسِهِ التِّبْرِيِّ قام مُحَرِّرَا
١٢
•••
وألقى به قِدْحَيْنِ للموت والشقا
لكل من القومين سهمًا مُحَقَّقَا
فسهم بني الإغريق مال إلى الثرى
وسهم بني الطرواد للجو حَلَّقَا
١٣
فأرعد من أطواد إِيذَا هَدِيدُهُ
وما بين دُرَّاعِ الأغارق أبرَقا
فَهَدَّتْهُمُ من شدة الهول رِعْدَةٌ
وأجدرهم بالبطش ولَّى وأدبرا
١٤
•••
فَإِيذُومِنٌ عاد وأَتْرِيذُ هارب
وفر أياسا البأسِ والجيشُ لَاجِبُ
ولكنَّ نسطورًا تثبَّط مُحْرَجًا
بصرع جوادٍ ساق وهو يُرَاقِبُ
بمقتل بادِي العُرْفِ في أُمِّ رأسه
إلى الْمُخِّ فيه نَبْلُ فَارِيسَ نَاشِبُ
فشب وأهوى خابطًا متمرِّغًا
وشَبَّتْ جميع الخيل منه تَذَعُّرا
•••
فبالسيف نسطورٌ عدا يقطع الْقِدَدْ
وهكطور تحت العَجِّ في خيله وَفَدْ
وقد كاد سيف الحتف بالشيخ يرتوي
ولكن ذِيُومِيذٌ لنُصرته عمدْ
١٥
رأى فبأعلى الصوت صاح بأُوْذِسِ:
«إلى أين يا ذا المكر جبنًا أَرى تُرَدْ
ألم تخشَ أن الطعن يُصْمِيكَ مُدْبِرًا
فولَّيْتَ بين القوم تبغي تَسَتُّرَا
•••
فذا شَيْخُنَا قِفْ عنه ذا القَرْمَ ندفعُ»
فجَدَّ يسوق الخيل لِلْفُلْكِ لا يعي
١٦
وأما ذِيُومِيذٌ وإن ظل مفردًا
فَخَفَّ لصدر الجيش عن جأشِ أَرْوَعِ
ولما أتى نسطورُ كَفَّ حَثِيثَهُ
وقال: «أجل يا شيخُ بأسك قد نُعِي
يصول عليك الْمُرْدُ في حَوْمَةِ الْوَغَى
ولستَ على بأس الشباب لتصبرا
•••
فَتِبْعُكَ ذو عجز وخيلك قَصَّرَتْ
فللصحب أَوْدِعْهَا فمركبتي جرت
١٧
وَهَيِّ اخْتَبِرْ جُرْدًا بِأُطْرُوسَ ثُقِّفَتْ
سراعًا إذا كرَّت وإن هي أدبرت
ببأسي من إيناس من قبلُ نِلتها
بها حسبنا جريٌ بحرب تسعَّرت
١٨
فيعلم هَكْطُورٌ بأن مُهَنَّدِي
بيُمناي للفتك الذريع تضوَّرا»
١٩
•••
فأذعن نَسْطُورٌ وأَسْتِينِلٌ قفلْ
وأَفْرُمِذُونٌ بالجياد على العجل
٢٠
وقُرْبَ ذِيُومِيذٍ مضى الشيخ يعتلي
يسوط وأطرافَ الْأَعِنَّةِ قد سَدَلْ
ولَمَّا لدى هكطورَ في الحال بُلِّغَا
أطار ذيوميذُ السنان فعنه زَلْ
وأُنْفِذَ في ثديِ ابن ثِيبَسَ أَنْيُفٍ
فخرَّ على وجه الحضيض مُكَوَّرَا
•••
فأرمض هكطورٌ ببَثٍّ يُبَرِّحُ
على تِبْعِهِ والخيل شبَّت تُطَمِّحُ
٢١
وغادره يبغي غلامًا يسوقها
فبادره أَرْخَفْطُلِيمُسُ يَسْرَحُ
وكادت سُرَى الطرواد تجري هزيمةً
لِإِلْيُونَ كالخرفان والخطب يُفدح
ولكن زَفْسًا وهو شاهد وَهْنِهِمْ
أمام ذيوميذ الصواعقَ أمطرا
•••
فدمدم يَدْوِي الرعدُ والبرقُ أومضا
بنار من الكِبريت تلهَب في الفضا
ففي نيرها الخيل اقشعرَّت تهيُّبًا
وأفلت نسطور العنانَ مُمَعَّضَا
وصاح: «فرارًا يا ذِيُومِيُّذٌ ألا
ترى نصر زفس عنك ذا اليوم مُعْرِضَا
لهكطورَ أولاه ومن ذا يَصُدُّهُ
سيخلو لنا يومٌ يشاءُ فنُنْصَرَا»
•••
فقال: «تَحَرَّيْتَ الحقيقة إنما
فؤادي ونفسي بالعذاب تضرما
لَأَجْدَرُ بي أن تَفْتَحَ الأرضُ جوفَها
فتبلعَني من أن أَذِلَّ وأُهْزَمَا
٢٢
ويصرخ هكطورٌ لدى جند قومه
«ذِيُومِيُّذٌ في الفُلك من بأسيَ ارتمى»
فقال: «وأنَّى يا ابن تِيذِيُّسٍ ترى
يتاح له أن يستعزَّ مُعَيِّرَا
•••
يُكَذِّبُهُ قوم الدرادنة الأُلَى
بَلَوْكَ وأبناءُ الطراود والملا
٢٣
تُكَذِّبُ غاداتٌ تَأَيَّمْنَ بعدما
حملت على أزواجهنَّ مُجَنْدِلَا»
ورد رءوس الخيل منهزمًا به
وفوقهما وَبْلُ النبال تهيَّلَا
٢٤
وهكطور هَيَّاجُ الترائك مقبِل
بإثرهما يُنْمِي الفخار مظفَّرا:
•••
«ذِيُومِيذُ في الإغريق كم كنت ترفع
مقامًا ويزجي الزاد والكأس تُتْرَعُ
فسوف تُسَامُ الذُّلَّ بين جموعهم
لوهنٍ به كالغِيد قد بِتَّ تَهْلَعُ
خسئت فلن تعلو معاقلَنا ولا
عقائلَنا فوق السفائن تدفَعُ
فهيهات لن تستأثرنَّ وساعدي
سَيُولِيكَ من قبلُ الحمامَ الْمُسَطَّرَا»
•••
فردَّد تيارًا يهيج بباله
أيُغْفِلُهُ أم ينثني لنزاله
ثلاثًا على الأمرين ردَّد فكرَه
وزَفْسُ ثلاثًا راعدٌ بجباله
يشير إلى الطرواد بالنصر معلنًا
وهكطور يَدْوِي صوتُه برجاله:
«أيا أيها الطُّرْوَادُ يا قوم لِيقِيَا
ويا دردنيون النجيعُ تفجَّرا
•••
فكونوا رجالًا واستجِيشوا بشدة
فقد لاح لي زفسٌ يميل لنصرتي
يُخَوِّلُنِي نصرًا مبينًا وعزة
وإهلاك أقوام الأعادي الْمُلِمَّةِ
بَنَوْا مَعْقِلًا غَثًّا فيا لِضلالهم
بما زعموا فيه انثناءَ عزيمتي
فخيليَ تجتاز الحفيرَ مغيرة
ودونَكمُ مني البلاغَ المقرَّرا:
•••
«فإنْ أَدْنُ من فُلْكِ الأغارِق فاقذِفوا
عليها لهيب النار لا تتوقفوا
فتفنَى ويعلو للرقيع هصيصُها
ويُفنِيهم طُرًّا سِنانٌ ومرهَف»
وصاح بآذانِ الجياد يحثُّها:
«أيا زَنْثُ يا فُوذَرْغُسُ المتشوِّف
ويا إِيتِنٌ يا لَمْفُسُ الْكَرُّ كَرُّكُمْ
به إيه هذا اليوم قد رُمْتُ مُخْبَرَا
٢٥
•••
فكم رُضتُكْمْ جَهدي ابتغاء رضاكم
وكم أنذروماخٌ تمنَّت مُناكم
وكم بُرَّها كالشهد قد ذخرت لكم
تُراقُ عليها الخمر آنَ غِذاكم
٢٦
بذلك كم قبلي رعتْكُم وإن أكن
حليلًا لها غضًّا فحُثُّوا خطاكم
فيا حبذا كَرٌّ يُذِلُّ عُداتَنا
فنغنمَ تحت النقع مِجْوَبَ نَسْطُرَا
•••
من الذهب الإبريز ذا التُّرسُ كلُّه
وشهرته حتى السماءِ تُجِلُّهُ
ومن ثَمَّ عن كِتْفِي ذِيُومِيذَ لَأْمَةً
حباه بها هِيفَسْتُ وهي تُظِلُّهُ
٢٧
فإن نغتنم هذين لا شك يلتجئ
بليلتنا للفُلك جيش نُذِلُّهُ»
أمانيُّ هكطورٍ كما شاء بثَّها
وهيرا لذاك الخطب هاجت تَحَسُّرَا
•••
على عرشها اهتزَّت فقلقلتِ السما
وصاحت بفوسيذَ العظيم تَحَدُّمَا:
٢٨
«وهَلَّا أيا من زعزع الأرض بأسه
جزِعت لأرزاءِ الأراغس مُرْغَمَا
فكم لك أزكوا في أَلِيقَا وَإِيغَسٍ
قرابينهم يبغون قُرْبَكَ مَغْنَمَا
٢٩
فإن نَعْتَصِبْ في صحبهم من ذوي العلى
فلا ريبَ أَنَّا لن نُصَدَّ ونُدْحَرَا
•••
فَهَيِّ بنا نَنْقَضُّ في كَبِدِ العِدَى
ومن فوق إيذا زَفْسُ يُحْرَجُ مُفْرَدَا»
فقال لها والغيظُ مَيَزَّهُ: «لقدْ
شططتِ ومنِّي لا تنالين مقصدا
أَبَيْتُ لِقَا زفسٍ وإن تتألَّفُوا
جميعًا عليه فهو أعظم سُؤْدُدَا»
فذاك حديث في بني الخلد دائرٌ
وقد ثقُلت تشتد وطأةُ هكطُرا
•••
يصول كآريسٍ وزَفْسُ يديله
وجيشُ العدى يَصْطَكُّ بادٍ قُفُولُهُ
لدى الفلك حتى الحُصْنِ دون حفيرِه
تُساق انهزامًا رجله وخيوله
وقد كادت النيران تحرق فُلْكَهُ
فحثَّتْ أغاممنون هيرا دليله
فخاض صفوف الخيم والفلك رافعًا
بساعده بُردًا من الخزِّ أحمرا
٣٠
•••
توسطَ في الأسطول حتى إذا علا
خلية أُوذِيسٍ به تُحْدِقُ الملا
وأشراع آخيلٍ وآياسَ أُرْسِيَتْ
على طرفيه شدة وتبسُّلَا
٣١
علا صوته يَدْوِي: «أيا عصبةً وهت
جَنَانًا وإن أبدت بيانًا مُجَمَّلَا
ألا أين ذيَّاك التبجح قد غدا
وأين عرى عزمٍ أراه تفطَّرا
•••
فأُفٍّ لكم هلَّا ذكرتم مُقامَكم
بِلِمْنُوسَ والزادُ الشهيُّ أمامكم
٣٢
بلحم سمين ترتمون وأَكْؤُسٍ
تُديرون عجبًا راشفين مدامكم
على مئة ينقض أو مئتي فتى
فتاكم زعمتم مُنْتَضِينَ حسامَكم
وعن هَكْطُرٍ فَذًّا عجِزنا وخِلْتُهُ
سيُلهِب نارًا فُلْكَنَا متنمِّرا
•••
أيا زَفْسُ هل مثلي مليكٌ تذلَّلا
ومن سُدَّةِ المجد الأثيل تنزَّلا
٣٣
وحقِّك مُذْ أقلعتُ لا جئت مُقْلِعًا
على مركبي جمِّ الأرادم مُقْبِلَا
٣٤
شحومَ عُجُولِي قد دفعتُ وسُوقَها
لِتُحْرَقَ أنَّي شادَ قومك هيكلا
فمَهِّدْ لنا سبلَ النجاة هزيمة
ولا تُسَلِّمَنَّا للعدوِّ فيَغْدُرَا»
•••
فأرفقَ زفس راحمًا عبراتِه
وأومأ يؤتي الجيشَ بُشرى نجاته
وأرسل خير الطير نَسرًا مطوِّفًا
بمِخلبه ظبيٌّ بأسنى سِماته
وأسقطه في قرب هيكله الذي
لذي الوحي زَفْسٍ قدَّموا قُرُبَاتِهِ
٣٥
ومذ أبصر الإغريق ذلك قوَّموا
عزيمتَهم يبغون فتكًا مدمِّرا
•••
أمامهم طُرًّا ذيوميذُ أطلقا
أَعِنَّتَهُ يجتاز بالخيل خندقا
٣٦
يَؤُمُّ العدى صدرًا لصدر ورُمْحُهُ
بيمناه أحشا آغِلَاوُسَ مَزَّقَا
بعاتقه واراه يبدو لصدره
على حين رَدَّ الخيل يجتنب اللِّقَا
فخَرَّ صريعًا خابطًا بدمائه
بصلصلة يَرْبَدُّ لونًا ومنظرا
•••
فشُدُّوا القوى وَالْأَتْرِذَانِ تقدَّما
كذاك الأَياسانِ اللذان تحدَّما
وإِيذُمِنٌ مع تِبْعِهِ مِرْيُنَ الذي
حكى شدة آريس مستنزِفَ الدِّما
فأُورِيفُلوسُ بْنُ الفتى إيفِمٍ تلا
وتاسعهم طِفْقِيرُ والقوسَ أحكما
يواريه آياسٌ وراء مِجَنِّهِ
فيرفعه حينًا فحينًا ليبصرا
•••
فيُحدق في قرم من القوم دونه
ويرشُقُه رشقًا يُعِدُّ منونَه
٣٧
ويأتي أخاه مستظلًّا بتُرْسِهِ
كطفل لحجر الأم أبدى حنينه
٣٨
ويصدر فيهم سيدًا بعد سيد
فجندل أَرْسِيلُوخَ يفري وتينَه
فَأُرْمِينَسًا ثم الفتى أو فِلِسْتَسًا
وأتبعه أَخْرُومِيُوسَ وذِيتُرَا
•••
وألحق لِيقُوفُنْطُسًا وأَمُوفَنا
ومَيلَانِفًا تنتابهم غُصَصُ الفنا
فأُطْرِبَ أَتْرِيذٌ وقام تُجَاهَهُ
يُبَجِّلُهُ بين العساكر معلنًا:
«أيا ابن تِلَامُونَ الحبيب وغرة الـ
ـجنود أَسِلْ وَبْلَ النَّبال مُرَنِّنَا
عسى منك يُؤتَى الدَّانَوِيُّونَ نصرهم
ويعلو أبوك الهِمُّ شانًا ومَشْعَرا
•••
نشأت بمغناه عزيزًا مُسَوَّدَا
وإن كنت من نسل السبيَّةِ مولدا
٣٩
فزده سنا مجدٍ وإن بان بَوْنُهُ
ودونك من أَتْرِيذَ عهدًا مؤيَّدَا
لئن نلتُ من زفس وفالاسَ نصرة
فبعديَ قبل القوم تظفرُ بالجدَا
بِمَرْكَبَةٍ في خيلها أو مَنَصَّةٍ
مُثَلَّثَةٍ أو غادةٍ حسبما ترى»
٤٠
•••
فقال: «وهل داعٍ لإنهاض هِمَّتِي
وكُلِّيَ عزم ناهض للمُلِمَّةِ
سأفتك ما أوتيت فتكًا ولم تزل
طَرُوحِيَ تُصْمِي مذ هببتُ بشدتي
٤١
ثمانيةً أنفذتُ في فتية العدى
وعن كل سهم خَرَّ شهمُ سَرِيَّةِ
٤٢
ولكن هذا الكلب قد عاث طاغيًا
ونَبْلِيَ عنه لا يزال مقصرا»
٤٣
•••
وأحدق في هكطور يرمي مسدِّدا
سريته والقلب منه توقَّدا
٤٤
فأخطأه والسهمُ أُرْسِلَ صادرا
إلى صدر غُرْغِثْيُونَ ينفذ مبعِدا
(هو ابن لفريامٍ وقَسْطَانِرا التي
بها جاء قِدْمًا من أَسِيمَا مُصَعِّدَا
ورام بها زَوْجًا وفيها تَوَفَّرَتْ
محاسن ربَّات الخلود تَوَفُّرا)
•••
فرأس الفتى لمَّا بمحنته مُنِي
بمِغْفَرِهِ الْمَسْرُودِ أُثْقِلَ ينحني
كزهرة خشخاش بيانع روضةٍ
يُثَقِّلُهَا طَلُّ الربيع فتنثني
٤٥
فثَنَّى على هكطور طفقيرُ رميَه
فصرَّح تثني السهم كفُّ أَفُلُّن
٤٦
وأُنْفِذَ في أَرْخِفْطُلِيمَ بثَدْيِهِ
فأهوى غضيض الجفن منفصم العُرَى
٤٧
•••
فهكطور صُدَّتْ طامحاتُ خيولِه
وأُرْمِضَ ملتاعًا لقتل زميله
فغادره مُلْقًى على فرط بَثِّهِ
وأعرض عنه ساعيًا لبديله
فألفى أخاه قِبْرِيُونَ إزاءه
وألقى له صرع الأعنة واثبًا
إلى الأرض بالصوت المُرَوِّعِ مُجْهِرَا
•••
تناول جُلْمُودًا وأقبل مسرعًا
يروم به طفقيرَ قتلًا مُصَدِّعَا
وأخرج طفقيرٌ لَجِيفًا مقذَّذًا
وأوفقه في القوس للرَّمْيِ مُزْمِعَا
٤٩
وبالوتر اجترَّ المَرِيشَ لكتفه
إلى حيث عرقُ العُنق بالصدر أُودِعَا
٥٠
فأدركه الجلمودُ في المقتل الذي
بغى عنه أن يرمي السَّرِيَّةَ مُصْدِرَا
٥١
•••
فراحته شُلَّتْ وقد قُطِعَ الوتر
وأُجْثِيَ والقوس استطارت على الأثر
فبادر آياسٌ يقيه بتُرْسِهِ
وطفقيرُ بالأنفاس يشهق والزُّفَرْ
وبادر مِيكِسْتٌ وآلَسْتَرٌ معًا
يَقِلَّانِهِ للفُلك مضطربَ البصر
وزفس ارتضى طروادة فتأثروا
أعاديَهمْ حتى الحفيرِ تأثُّرَا
•••
وهكطورُ صدر الجيش يجري ويَلْغَبُ
ويَكْسَأُ في الأرداف من يتعقب
كَأَغْضَفِ هول قد تأثر ضيغمًا
تَذَعَّرَ أَوْخِرْنَوْصَ بر يُكَبْكِبُ
٥٢
فينشهه في صفحتيه وساقه
وينظر هل يلوي خُطَاهُ ويلجَب
فَوَلَّوْا لديه جائزين وشيعهم
وخندقَهم والسيف يَبْتَتُّ أظهرا
•••
وسائرهم دون السفين تربَّضُوا
يُثَبِّتُ بعضًا بعضهم ويُحَرِّضُ
ويدوي بهاتيك البقاع دعاؤُهم
وهكطور دون القوم بالخيل يعرض
ويقدح من عينيه نارًا كأنها
بمقلة غرغونٍ وآريسَ تومض
فهاج بِهِيرا هائج الغيظ والأسى
وصاحت بآثينا: أرى الخطب أسفرا
•••
أيا بنت زفسَ الدانويون في نكدْ
فهلَّا مددناهم وإن أبطأ المددْ
٥٣
بهم رامت الأقدار سوءًا وخلتُهم
يبيدهم قرم بشدته انفرد
أجل إنَّ هكطورًا عتا متنمِّرًا
عليهم وجاز الحدَّ واشتد واتَّقَدْ»
٥٤
فقالت أثينا: «كاد سيف العدى لدى
معسكره يُلقيه ميتًا مُعَفَّرَا
•••
ولكن أبي قد ساء فعلًا ومقصدًا
وقاومني غدرًا وأفرط واعتدى
وقد فاته كم قبلُ صنتُ حبيبه
هرقل ابنه في حكم إفرست مجهدا
يصعد أنفاسًا ويندُب ضارعًا
فيرسلني زفسٌ ملاذًا ومرشدًا
فلو أنَّنِي أُنِّبِئْتُ قبلُ مرامَه
لظل هرقل في الجحيم مُحَقَّرَا
•••
ولكنني أنقذته حين أرسلا
بهيبة إفرست كئيبًا مذلَّلا
لأبواب آذيسٍ ليقتاد كلبه
وليَّ المنايا من أريبَا مكبَّلا
٥٥
وذا زفس يجفوني وثيتيس يرتضي
تقبِّله من ركبتيه توسُّلَا
٥٦
وتلعب بين العارضين يمينها
لينصر آخيل العتي المُدَثِّرا
•••
ولا بد من يوم يناديني ابنتي
أثينا أَزَرْقَا المقلتين صَفِيَّتِي
ولكن بنا قُومي فخيلَكِ هَيِّئِي
لأحضر في مغناه للحرب شِكَّتِي
فأنظر هيَّاج الترائك هكطُرا
أيطرب إذ نبدو بصدر السرية
٥٧
لحوم بني طروادة وشحومُها
لطير الفلا والكلب بالسَّيفِ تُبْتَرَى»
٥٨
•••
وهيرةُ بيضاء الذراعين هَبَّتِ
إلى الخيل تكسوها نُضَارِيَّ عَدَّةِ
وألقت أثينا في بلاط وليها
نقابًا بديعًا شائقًا هي وَشَّتِ
بدرع أبيها اسْتَلْأَمَتْ وتَدَجَّجَتْ
بشِكَّتِهِ تُصلى أوار الحمية
بها ركبت في كفِّهَا عامل له
طويل ثقيل العود يحطم عسكرا
•••
وهيرا تسوط الخيل والخيل تسرَح
لأبواب دار الخلد في الجو تسبَحُ
فمن نفسها دارتْ على عتباتها
وأعلت صريفًا هائلًا وهي تُفْتَحُ
(تحف بها الساعاتُ وهي رقيبةٌ
على قبة الأفلاك لا تتزحزحُ
تُكَثِّفُ فيها الغيم والجو مظلمٌ
وتقشعه عنها فيبرز نَيِّرَا)
٥٩
•••
فجاوزتا الأبواب بالخيلِ مركبا
ومن طور إيذا زفسُ ينظر مغضبا
فصاح بإيريس: «اذهبنَّ لترجِعَا
ولا تأتياني فاللقاءُ تصعَّبا
وإلا فقد آليتُ والقول حازم
لأحطم بالنير الجياد مثرِّبا
وأرميهما من فوق عرش مبطن
بمركبة أذرو سحيقًا مُكَسَّرَا
•••
وصاعقتي تنقض يذكو التهابُهَا
وعشرة أعوام يدوم عذابُها
فتعلم آثينا نكالًا ينالها
بصدِّ أبيها مذ عراها ارتيابها
وإني على هيرا أقل تحدُّمًا
فقد ألفت صَدِّي وزال احتجابُها»
٦٠
فطارت إريسٌ كالرياح بأجنُحٍ
نُضَارِيَّةٍ نحو الْأُلِمْبِ تحدُّرا
٦١
•••
فألفتهما في صدر أبوابه العُلَى
وقالت: «إلى أين الحثيثُ تنصُّلا
علام تهيجان اضطرامًا وزفس لا
يتيح لنا بين الأغارق مدخلا
وإلا فقد آلى بحتمٍ مؤكَّدٍ
ليحطم بالنيرِ الجيادَ مُفَلِّلا
ويرميكما من فوق عرش مُذَهَّبٍ
بمركبة يذرو سحيقًا مُبَعْثَرَا
•••
وصاعقة التنكيل يذكو التهابُهَا
وعشرة أعوام يدوم عذابُها
فتعلمُ آثينا وأُوغِرَ صدرُها
لصدِّ أبيها كيف كان انقلابها
وهيرا عليها دون ذلك غيظُه
فقد ألفت كبرًا وزال احتجابها
وأنتِ أيا شر الكلاب وقاحة
أتلقين بالرمح الثقيل أبا الورى» …
٦٢
•••
ومذ بَلَّغَتْ إيريس عادت لحينها
وهيرا استكنَّت ثائراتُ ظنونِهَا
فقالت لآثينا: «أنا لست أرتضي
على زفس نعتو للملا وشجونُها
لتَحْيَ وتفني كيفما خُطَّ حظها
وما شاء زفس فهو مولى شؤونها»
٦٣
ورَدَّتْ رءوس الخيل والساعُ سرمدًا
بأبواب دار الخلد تلبث حُضَّرَا
٦٤
•••
فجَرَّدْنَهَا حالًا وأوثقنها لدى
مذاودها الملأى طعامًا مُخَلَّدَا
ومركبة الأقداس أَتْكَأْنَهَا إلى
حياطٍ زهت حسنًا يروق تَوَقُّدَا
وحلت تهيج الرَّبَّتَانِ كآبةً
بعرشي نُضَارٍ في بني الخلد مَقْعَدَا
وزفسُ إلى الأولمب في طور إيذةٍ
لمجتمع الأرباب في ركبه جرى
•••
فحل فُسَيْذُ الخيلَ يمضي بسرعةِ
بمركبة الجبَّار فوق منصةِ
وسترًا من الكَتَّانِ أسبل فوقها
وزفس اعتلى تخت النُّضَارِ بعِزَّةِ
وتحت خطاه ارتجَّ ذيالِكَ الفضا
وعن منتداه الرَّبَّتَانِ بعزلة
وُجُومًا وصَمْتًا تطرقان وإنما
بنور حجاه كُنْهُ فكرِهما درى
•••
فقال: «لم الشكوى وفرطُ التَّبَاعُدِ
ولم تُجْهَدا نفسًا بحرب الطَّرَاوِدِ
تَعَمَّدْتُمَا إهلاكهم ودمارَهم
ولكن طَوْلِي امتد واشتدَّ ساعدِي
فلا ينثني عزمي لكلِّ بني العلى
وقد خُرْتُمَا قبل اشتداد المشاهد
وإلا لسَحَّتْ راعدات صَوَاعِقِي
فصدَّتْكُمَا عن منزل الخلد أدهُرَا»
•••
فأصعدتا الأنفاسَ عن جمرة الشجا
تَرُومَانِ للطُّرْوَادِ محقًا مُرَوَّجًا
وأخفت أثينا ثائرَ الغيظ تلتظي
حزازة صدرٍ مستشيطٍ تَوَهَّجَا
ولكن هيرا تلك لم تقوَ ساعةً
على كظم غيظٍ في حشاها تلجلجا
فقالت: أبيتَ الوهنَ يا ابن قُرُونُسٍ
قُوَاكَ علمنا لن تدين وتَصْغُرَا
٦٥
•••
ولكننا نرثي لحال الأغارق
يبيدهم المقدور تحت المخافق
٦٦
أطعنا فلا نَاتِي الكفاحَ وإنما
نَمُدُّهُمُ بالرأي خوف البوائق
وإلا فهذا السخط يجتَثُّ أصلَهم»
فقال لها رب الغيوم الدَّوَافِقِ:
«إذا بزغ الفجر المنير رأيتِنِي
أُسِيلُ دَمَ الإغريق دونَكِ أنهُرَا
•••
وهكطور لا يَنْفَكُّ يرمي ويرتمي
إلى أن يَهُبَّ القرم آخيل فيهم
ومن حول فَطْرُقْلَ القتيلِ تلاحُمٌ
لدى الفلك بالقومين يَسْرَبُ بالدَّمِ
٦٧
بذا قضتِ الأيام يَنْفُذُ حكمُها
ولست أُبَالِي ما تَحَدَّمْتِ فاعلَمِي
وليس بعِبْئِي أن تَؤُمِّي مَغِيظَةً
وراء الثرى والبحر أعماقَ طَرْطَرَا
•••
هنالك لو تمضين حيث قُرُونُسُ
يقيم وبالإذلال يافِثُ يجلس
ولا الشمسُ في الآفاق تنشر نورَها
ولا نسمات الريح تُحْيِي وتُؤْنِسُ
٦٨
لما رابني مذ كنت شرَّ سليطة»
أصاخت لذاك القولِ لا تتنفس
وما لبثت أن حلَّتِ الشمسُ بحرَها
وذيلُ الدجى في الأرض بات مُجَرَّرَا
•••
فبرح بالطرواد مرأى غيابها
وأطربت الإغريقَ بُشْرَى احتجابها
وهكطورُ نحو النهر ساق جيوشه
بعيدًا عن الفلك العظام مضى بها
وأَلَّفَ فيهم مجلسًا حيث لا دِمَا
تُدَنِّسُ ذيَّاك الفَلا بانصبابها
تَرَجَّلَتِ الفرسان تُصْغِي لقوله
فقام خطيبًا آمرًا ومؤمِّرَا
•••
يميل على رمح يُعَادِلُ طُولُهُ
ذِرَاعًا وعشرًا عَزَّ شكلًا مثيلُه
تُطَوِّقُهُ من خالص التبر فَتْخَةٌ
بنصل نحاسي يهول صليلُه:
«ألا يا بني الطروادِ يا قوم دردنٍ
ويا حلفائي دونكم ما أقوله
حسبتُ بأني اليوم أدخل ظافرًا
بلادي وأُفْنِي القوم والْفُلْكَ مُظْهَرَا
٦٩
•••
ولكنَّ وفد الليل أسبل ستره
عليهم وأنجاهم فلا تعصِ أمره
فحُلُّوا جياد الكر يُزْجَى عليقُها
وهَيُّوا بنا للزاد ننظرُ أمره
ومن قدس إليونٍ عجول سمينةٌ
تُسَاقُ وخِرْفَانٌ تُوَفِّرُ ذخرَه
٧٠
وعودوا إلينا من منازلكم وقد
حَملتم مع الخبز الْمُدَامَ المكرَّرا
•••
وزيدوا وقود النار تعلو تأجُّجَا
إلى الجو للفجر المنير مدى الدُّجَى
لئلَّا يرى القوم الفرار غنيمة
فيبغون متنَ البحر في الليل مخرَجَا
فإن ركبوا صُبُّوا عليهم سهامكم
وسُمْرًا تُغَشِّيهِمْ خضابًا مُضَرِّجَا
بأوطانهم هم يلأمون جِرَاحَهُمْ
وغيرهم بالحرب لن يَتَهَوَّرَا
•••
ويا أصفيا زَفْسَ الْفُيُوجَ تعهدوا
بإليون حزمَ الْوُلْدِ والشيبَ شَدِّدُوا
وسوقوهم طُرًّا لظاهرها على
الحصون التي آل العلى قَبْلُ شَيَّدُوا
٧١
وكل النساء الجازعات يُقِمْنَ في
منازلهن النارُ للصبح تُوقَدُ
فليس بإليونٍ جنود وخشيتي
تفاجئها الأعداء في سِنَةِ الكرى
•••
فحسبكم ذا القول مني مُرْشِدًا
وإني بباقي الأمر أُنْبِئُكُمْ غدَا
سأدعو وزفسٌ لا مراء وآلُهُ
ينيلونني نصرًا فأظفر بالعدى
كلابٌ بَغَوْنَا فوق سود سفينهم
يسوقهم داعي المنايا تعمُّدَا
فأحيُوا الدُّجَى والفجرُ إن لاح نورُه
هَبَبْنَا وكَثَّفْنَا القنا والسَّنَوَّرَا
٧٢
•••
ترى أذيوميذٌ إلى السور سائقي
أم الحتفَ يَلقى من حدودِ مخافِقي
غدا سوف يبلو بأسه وكأنني
به لورود الحتف أوَّل سابق
يُجْنَدَلُ في صدر الرجال وحوله
صناديدُ خرَّتْ باصطدام الفيالق
فلا زارني شيبٌ يُلِمُّ بعارِضِي
ولا نظرت عيناي مَوْتًا مُؤَخَّرَا
٧٣
•••
ويا ليتني أوتيت علمًا بسُؤْدُدِي
كما قد وَثِقْتُ اليوم بالنَّصْرِ في غَدِ
وأعلُو كما تعلو أثينا بمجدِهَا
وأسمو سُمُوَّ الشمس في كل معهد»
٧٤
فلما انتهى شَقَّ الفضاء ضجيجُهم
لِمَا كان من وقع الحديث الْمُنَضَّدِ
وحَلُّوا وِثَاقَ الخيل يُسْبِحُهَا العيا
وشَدُّوا الْعُرَى قرب العِجَالِ تَحَذُّرَا
•••
وجاءت سمانُ الضأن في الحال والبقر
وخمرٌ وخبز في المنازل مُدَّخَرْ
وأَوْرَوْا وقودَ النار تُعْلِي دخانَها
إلى الجو ريحُ السهل تحت سنا القمر
ومن فوق هاتيك البطاح تألَّفَتْ
جُمُوعُهُمُ من حولها زُمَرًا زُمَرْ
جُلوسًا وشُكَّاكًا بصلد سلاحهم
مدى الليل يرجون السناءَ المبشِّرا
٧٥
•••
فبين السفين الراسيات وزَنْثُسِ
لوامع نيرانٍ بذاك الْمُعَرَّسِ
تُؤَجُّ لدى إليون في ألف مَقْبِسٍ
يؤججها خمسون في كل مقبس
٧٦
ودونهم بين العجال جيادهم
وقوف على ذاك القضيم المكدَّسِ
شعيرٌ نَقِيٌّ فوق أسمر حنطةٍ
بها مرحت حتى الصباح تفجَّرا
•••
كأن النجوم الغُرَّ والبدر ساطع
بقُبَّةِ أفلاك السماء لوامع
مُؤَلَّقَةٌ لا غيم يحجب نُورَهَا
ولا رَهَجٌ حالٍ ذَرَتْهُ الزوابع
فتَنْعَكِسُ الأنوار في كل سبسب
وغَوْرٍ ونجد والعيونُ هواجع
فيبتهج الراعي بأبهج منظر
(ويطمع لو ظلت تنير فينظرا)
٧٧
•••