الفصل الخامس عشر

وقف البارون سير إيفرارد دوميني، أحدثُ وأشهر المجنَّدين في مجتمع نورفولك الرياضي، بعد ظُهر أحد الأيام، بعد بضعة أشهر من عودته من ألمانيا، عند زاوية الغابة الطويلة التي امتدَّت من سلسلة التلال خلفها إلى حدائقِ مطبخ القصر تقريبًا. على مسافةٍ معقولة على يساره، انتشر أربعةُ قنَّاصين آخَرين. على أحد جانبيه وقف ميدلتون، متكئًا على عصا خشب الدردار الخاصة به، ويستمع إلى اقتراب مثيري الطرائد؛ في الجانب الآخر، كان سيمان في بدلته الرمادية الداكنة وقبَّعته السوداء المستديرة غير المناسبتَين للمكان. أما الحارس العجوز، الذي بدا أن الوقت قد شفاه من كلِّ مخاوفه، فأخذ يُثرثر برقةٍ وسعادة بالغة.

علَّق، وهو يُشاهد طائرَ دُرَّاج يسقط فوق رءوسهم: «يبدو أنه من الصواب أن يكون لدينا سيدٌ من آل دوميني في هذه الزاوية.» وأضاف قائلًا: «اعترضت عندما تخلَّى والدك، يا سيدي، عن هذه الزاوية يومًا ما للورد وندرمير، الذي كان يُطلق عليه أحدُ أفضل صائدي طيور الدُّرَّاج في إنجلترا، وعلى الرغم من أنها كانت تطير فوق رأسه مثل طيور الزُّرزور، لم يكن يحصل إلا على عدد قليل من الطيور المعاقة ليستعرضَهم لعمله الصباحي.»

علَّق دوميني، مكرِّرًا اكتشافَه الأخير: «إنها تأتي منحرفةً قليلًا من ناحية اليسار، أليس كذلك؟»

وافق الرجل العجوز: «نعم يا سيدي، ويبدو أنْ لا أحدَ سوى آل دوميني قد عرَف براعةَ التعامل معها بشكل صحيح. يقولون إن هذا الأمير الأجنبي جيد مع طيوره، لكنني لن أثقَ به في هذه الزاوية.»

تحرَّك الرجل العجوز مبتعدًا بضعَ خطوات إلى أرضٍ أعلى، لمشاهدةِ تقدُّم مثيري الطرائد في الغابة. التفت سيمان إلى رفيقه، وكان ثمة إعجابٌ حقيقي في نبرة صوته.

وأعلن: «صديقي، أنت معجزة. يبدو أنك طورتَ لمسة آل دوميني حتى في قتلِ طيور الدُّرَّاج.»

كان الرد السهل: «يجب أن تتذكَّر أنني أطلقتُ النار على طيورٍ أعلى في المجر.»

اعترف سيمان: «أنا لستُ رياضيًّا.» وأضاف قائلًا: «فأنا لا أفهم الرياضة. لكنني أعلم ما يلي: ثَمة رجل عجوز عاش على هذه الأرض منذ يوم ولادته، وراقبَك تُطلق النار، بوقار، ويجد طريقتَك حتى في حمْل البندقية مألوفة.»

أوضح دوميني: «انحراف الطيور هو مجردُ خرافة محليَّة. تنتهي الغابة عند المنحدر؛ لذا تبدو أنها تطير ناحيةَ اليسار أكثرَ مما هي عليه بالفعل.»

حدَّق سيمان بثباتٍ للحظة على طول جانب الغابة.

وقال: «سيادتها قادمة. يبدو أنها تُشارك الدوق في كراهيته لي، وهي سيدة رائعة جدًّا بحيث لا يُمكنها إخفاءُ مشاعرها. سأقول لك كلمةً واحدة فقط قبل أن أذهب. الأميرة إيدرستروم ستصل بعد ظهر اليوم.»

عبَس دوميني، ثم حذَّره صراخُ الحارس، فاستدار وقتل أرنبًا.

قال بنبرةِ تحدٍّ في صوته: «يا صديقي، لست متأكدًا من أنك أخبرتني بكلِّ ما تعرفه بخصوص زيارة الأميرة.»

استغرق سيمان في التفكير مدةً وجيزة من الوقت.

واعترف قائلًا: «أنت على حق، لم أفعل. إنه خطأ سأصلحه بعد وقتٍ قصير.»

وتجوَّل بعيدًا إلى مجموعة الأشجار التالية، حيث كان السيد مانجان يُظْهِر مستوًى مختلفًا تمامًا من الكفاءة. أقبلت الدوقة على دوميني بعد بِضع دقائق.

وقالت: «أخبرتُ هنري أنني يجب ألا أقف معه لحظةً أخرى.» وأضافت قائلةً: «لقد أطلق نحوَ أربعين طلقةً وجرح أرنبًا واحدًا.»

قال دوميني: «هنري ليس ثاقبَ النظر، على الرغم من أنني أعتقد أنكِ قاسيةٌ عليه قليلًا، أليس كذلك؟ رأيته يُسقط طائرًا جيدًا الآن. حتى الآن فيما يتعلَّق بالطيور، الأمر لا يستحقُّ حقًّا. فكلُّها ذاهبة إلى أعشاشها.»

كانت الدوقة ترتدي ملابسَ غايةً في الأناقة مصنوعةً من جلدٍ بني. ارتدَت قبعةً صغيرة وحذاءً سَميكًا فوقه وقاء. وكانت تبدو في حالةٍ جيدة للغاية لكنها منزعجة قليلًا.

قالت: «سمعتُ أن ستيفاني قادمة اليوم.»

أومأ دوميني برأسه، وبدا للحظةٍ أنه عازمٌ على مشاهدة طيران حمامة ظلَّت خارج النطاق بشكل مشوق.

وأقرَّ قائلًا: «ستأتي لتُمضي بضعة أيام.» وتابع قائلًا: «أخشى أنها ستشعر بملل شديد.»

سألته ابنةُ عمه بفضول: «متى أصبحت وَدودًا معها؟»

أجاب دوميني: «كانت أول مرة التقينا فيها في مطعم المشويات بفندق كارلتون، بعد أيام قليلة من وصولي إلى إنجلترا. ظنَّت بالخطأ أنني شخصٌ آخر، وانصرفنا بعد تبادل الاعتذارات المعتادة. والتقيتها في الليلة ذاتِها في كارلتون هاوس تيراس — فهي قريبة لعائلة تيرنيلوف — وتقابلنا صدفةً كثيرًا بعد ذلك، خلال المدة القصيرة التي قضيتها في المدينة.»

تمتمت الدوقة وهي تُفكِّر: «حسنًا.» وأردفت قائلةً: «هذه مفاجأة أخرى من المفاجآت الصغيرة التي يبدو أنك قد أعددتَها لنا جميعًا. كيف بحق السماء أصبحتَ ودودًا للغاية مع السفير الألماني؟»

ابتسم دوميني بتسامح.

وأجاب: «حقًّا، لا يوجد أيُّ شيء غير عادي في هذا الأمر، أليس كذلك؟ السيد سيمان، شريكي في واحدةٍ أو اثنتين من شركات التعدين، أخذني لزيارته. إنه مهتمٌّ جدًّا بشرق أفريقيا، سياسيًّا وبوصفه رجلًا رياضيًّا. بدا أن محادثاتنا تُثير اهتمامه وأدَّت إلى نوعٍ من الحميمية — التي يمكنني القول إنني فخور بها. فأنا أكنُّ فائق الاحترام والإعجاب للأمير.»

وافقت كارولين: «وأنا كذلك.» وتابعت قائلةً: «أظن أنه جذَّاب. يقول هنري إنه إما أن يكون أحمقَ أو محتالًا.»

أعلن دوميني بصبرٍ نافدٍ: «هنري يُعميه التحيز. لا يستطيع أن يتخيلَ ألمانيًّا يستمتع مع أي شخص آخر غير الشيطان.»

قالت متوسلةً، وهي تضع أصابعها للحظةٍ على كمِّ معطفه: «لا تتضايقْ يا عزيزي.» وأضافت قائلةً: «فأنا معجبة للغاية بالأمير. إنه بالتأكيد الألمانيُّ الوحيد الذي قابلته وشعرت أنه رجلٌ نبيل بالفطرة. الآن ما الذي يدعوك للابتسام؟»

التفتَ دوميني نحوها بوجهٍ جادٍّ تمامًا. وقال: «لستُ مدانًا بتلك التهمة.»

«رأيتك تبتسم.»

«كانت مجردَ فكرة غريبة. أنتِ بالأحرى تبحثين عن شيءٍ ما، أليس كذلك، كارولين؟»

صرَّحت: «أنا على حقٍّ بشكل عام.» وأضافت قائلةً: «فلنَعُد لموضوع ستيفاني.»

«ماذا بشأنه؟»

«هل تعرف مَن حسبَتْك في مطعم المشويات بكارلتون؟»

أجاب مراوغًا: «مَن؟»

واصلت كارولين بطريقة جافة: «لقد حسبتْك البارون ليوبولد فون راجاشتين. كان فون راجاشتين عشيقَها في المجر. تشاجر مع زوجها وقتلَه. غضب القيصر ونفاه إلى شرق أفريقيا.»

حمل دوميني عصا الرماية وسلَّم بندقيته إلى ميدلتون. كان مثيرو الطرائد منتشرين في الغابة.

قال: «نعم، أتذكَّر الآن. لقد خاطبتْني باسم ليوبولد.»

علَّقت رفيقته ببعض الفظاظة: «ما زلتُ لا أفهم لماذا كان من الضروري دعوتُها هنا. قد … تناديك ليوبولد مرةً أخرى!»

وعَدها دوميني قائلًا: «إن فعلَت ذلك، فلن أردَّ عليها.» وأردف قائلًا: «لكن بجدية، إنها ابنة عمِّ الأميرة تيرنيلوف، والمرأتان مخلصتان إحداهما للأخرى. الأميرة تكرهُ حفلات الصيد، لذلك ظننت أنه يمكنهما تسلية بعضهما بعضًا.»

«هراء! ستحتكرُك ستيفاني طوالَ الوقت! ذلك ما هي قادمة من أجله.»

سأل دوميني بقلقٍ زائف: «أنتِ لا تُشيرين إلى أنها تنوي بجدية أن تضعَني مكان شبيهي؟»

«أوه، لن أستغرب ذلك! وهي امرأة جذابة بصورة استثنائية. لديَّ العديد من الشكاوى، يا إيفرارد. فهناك ذلك الرجل القصير الرهيب الآخر، سيمان. أنت تعلم أن رؤيته تجعل هنري غاضبًا. أنا متأكدةٌ تمامًا من أنه لم يتوقَّع أبدًا الجلوسَ على الطاولة ذاتِها معه.»

أكَّد لها دوميني: «أنا آسفٌ حقًّا لذلك، لكن كما ترين فسيادته يهتمُّ به كثيرًا بسبب رابطة الصداقة هذه، التي يشغل سيمان منصبَ سكرتيرها، وقد طلب تحديدًا حضوره إلى هنا.»

اشتكت قائلةً: «حسنًا، يجب أن تعترف أن الوضع محرج بعض الشيء لهنري.» وأضافت قائلةً: «بجانب اللورد روبرتس، هنري هو عمليًّا زعيم حركة الخدمة الوطنية هنا؛ وهو يكره ألمانيا ولا يثق في أيِّ ألماني قابله، وفي حفلة منزلية صغيرة كهذه، نلتقي بالسفير الألماني والرجلِ الذي يعمل بجدٍّ لتسكين المشاعر التي يحاول هنري إثارتَها.»

اعترف دوميني بابتسامة: «يبدو الأمر مثيرًا للشفقة، لكن حتى هنري يحب تيرنيلوف، وفي النهاية من المشوق أن يلتقيَ المرء بخصومه في بعض الأحيان.»

أقرَّت كارولين: «بالطبع يحب تيرنيلوف، لكنه يكرهُ الأشياء التي يُمثلها. ومع ذلك، كنت سأغفر لك كل شيء لو لم تكن ستيفاني آتيةً. لقد بدأت تلك المرأة تزعجني حقًّا. يبدو أنها تشير دائمًا بإشاراتٍ غامضة إلى بعض عواطف الماضي المتعلقة بكما التي لا يمكن أن يكون لها أيُّ أساس على الإطلاق، باستثناء شبَهِك المفترض مع حبيبها المنفي. عجبًا، أنت لم تُقابلها أبدًا قبل ذلك اليوم في كارلتون!»

أكَّد دوميني: «لقد كانت غريبة تمامًا عني.»

أعلنَت كارولين بريبة: «إذن كلُّ ما يمكنني قوله أنك كنتَ سريعًا بشكل غير عادي إذا تمكنت من إنشاء ماضٍ في أقلَّ من ثلاثة أشهر! أعتبرُ مجيئها إلى هنا تصرفًا سافرًا للغاية، خاصة وأن هذا عمليًّا منزلُ رجل أعزب.»

كانا قد وصلا إلى مجموعة الأشجار التالية، وتوقَّفت المحادثة مؤقتًا. أُنهيَت رحلةُ بطة برية من بِركة في الغابة، وكان الجميع مشغولًا لبضع دقائق. راقب ميدلتون سيده باستحسان لا ينقطع.

وقال: «إنك تكادُ تُضاهي سيدي الكبير في براعته فيما يخص البط الذي يُحلِّق عاليًا، يا سير إيفرارد.» وتابع قائلًا: «صحيحٌ أن قلةً قليلة يمكنهم أن يُصيبوها عندما تأتي بالقرب من طيور الدُّرَّاج. لا يمكنهم تصديقُ سرعتها.»

سألت كارولين: «هل تعتقد أن السير إيفرارد يُطلق النار جيدًا كما كان يفعل قبل ذَهابه إلى أفريقيا؟»

لمس ميدلتون قبَّعته والتفتَ إلى سيمان، الذي كان يقف في الخلفية.

أجاب: «أفضل، نيافتكِ، كما كنتُ أقول لهذا الرجل النبيل هنا، في وقتٍ مبكر من هذا الصباح. إنه أكثرُ هدوءًا ويُصوِّب بشكلٍ مستوٍ أكثر. ومع ذلك، كنت سأعرف لمستَه على البندقية في أي مكان.»

كان ثَمة بريقُ إعجاب في عينَي سيمان. جاء مثيرو الطرائد من الغابة، وثرثرت مجموعةٌ صغيرة من القناصين معًا أثناء جمع الطرائد. بعد أن اختفى شحوبُ تيرنيلوف المعتاد بسبب الرياح المنعشة ومتعة الرياضة، أصبح ودودًا وثرثارًا أيضًا. كان لديه ضِياعٌ كبيرة خاصةٌ به في ساكسوني وكان يشرح للدوق طريقته في إطلاق النار. نظر ميدلتون إلى ساعته ذات الإطار.

وقال: «ثمة ساعةٌ أخرى من الضوء الجيد يا سيدي.» وتابع قائلًا: «هل ترغب في مطاردة طيور الحَجَل، أم ينبغي علينا الذَّهابُ عبر شجيرات المنزل؟»

علَّق تيرنيلوف باستحياء: «إذا كان بإمكاني تقديم اقتراح، فقد ذهبت معظمُ طيور الدُّرَّاج إلى تلك الغابة القاتمة المظهر عبر المستنقعات.»

سادت لحظة صمتٍ غريب نوعًا ما. استدار دوميني ونظر نحو الغابة المقصودة، كما لو كان مفتونًا بظُلمتِها وكثافتها المشئومة. كان ميدلتون قد أسقط بعض الطرائد التي كان يحملها ويُتمتم في نفسه.

قال دوميني بهدوء: «نحن نُطلق عليها الغابة السوداء، وأخشى أن طيور الدُّرَّاج التي ستذهب إلى هناك ستتَّخذها ملاذًا. ما رأيك يا ميدلتون؟»

أدار الرجل العجوز رأسه ببطءٍ ونظر إلى سيده. بطريقة أو بأخرى، بدا أن كل لون من ألوان وجهه البرونزي قد تلاشى. وامتلأت عيناه بهذا الرعب الغامض من الأمر الخارق للطبيعة الشائع بين الفلاحين في مختلِف المناطق. اهتز صوته. وعاد الخوف القديم مرةً أخرى.

قال متلعثمًا: «هل ستُرسل مثيري الطرائد إلى هناك، يا سيدي؟ لن يوافق أيٌّ منهم على الذهاب إلى هناك.»

استفسر الدوق: «هل نحن بصدد خرافةٍ محلية؟»

أجاب ميدلتون: «إنها ليست محليةً تمامًا، سُموَّك، كما سيخبرك سيدي بنفسه. أشكُّ في وجود مثير للطرائد في جميع أنحاء نورفولك سيوافق على عبور الغابة السوداء، حتى إذا دفعت له ذهبًا أحمرَ مقابل ذلك. تعالَوا، أيها الشباب.»

استدار إلى مُثيري الطرائد الذين كانوا يقفون على بُعد ياردات قليلة ينتظرون التعليمات. كان يوجد العشرات منهم، معظمهم من الرجال الأقوياء، وكانوا يرتدون بناطيل وسترات خشنة ويحملون عصيًا سميكة.

أعلن ميدلتون، مخاطبًا إياهم: «أحد السادة هنا يريد أن يعرف إن كنتم ستمضون عبر غابة دوميني السوداء مقابل جنيه ذهبي؟ شاهِدْ وجوههم، نيافتَك. والآن، ما رأيكم يا شباب؟»

لم يكن ثمة احتمالٌ لأيِّ خطأ. بدا أن الاقتراح ذاته قد تسبَّب في اختفاء سفعة الشمس الصِّحية من على خدودهم. أمسكوا عصيهم بارتباك. لمس أحدهم قبَّعته وتحدَّث إلى دوميني.

قال: «أنا واحد رأيته، يا سيدي، وسمعته.» وتابع قائلًا: «أفضِّل أن أتخلى عن مزرعتي عن الاقتراب من المكان.»

مرَّرَت كارولين ذراعها فجأة عبر ذراع دوميني. كانت ثمة نبرةُ استياء في صوتها.

صاحت: «هنري، أنت أحمق!» وأضافت قائلةً: «لقد كان خطئي، يا إيفرارد. أنا آسفة جدًّا. لقد نسيت للحظة واحدة فقط. كان يجب أن أوقف هنري في الحال. الرجل المسكين لا يتذكَّر.»

استجابت ذراعُ دوميني للحظة لضغط أصابعها. ثم التفت إلى مثيري الطرائد.

قال واعدًا: «حسنًا، لن يطلب منكم أحدٌ أن تذهبوا إلى الغابة السوداء. انطلِقوا إلى الجزء الخلفي من حشائش هَنْت، واقتلِعوها من جذورها ثم انتقلوا إلى الحديقة. سنضع سياجَ الحديقة. ما رأيك، يا ميدلتون؟»

لمس الحارس قبَّعته وانطلق بخِفَّة.

قال: «سأسير معهم بنفسي، يا سيدي.» وأردف قائلًا: «فالطيور تتوقَّف عند زاوية فولر. سأرى ما إذا كان يُمكنني أن أحاوطها. ستعرف أين تضع القناصين، يا سيدي.»

أومأ دوميني. سار جميعُ مثيري الطرائد بأقصى سرعة غير معتادة نحو وجهتهم. وكانت ظهورُهم نحو الغابة السوداء. جاء تيرنيلوف إلى مضيفه.

سأل: «هل كنتُ، دون قصدٍ، أخرقَ بشكل رهيب؟»

هزَّ دوميني رأسه.

وأجاب: «لقد سألتَ سؤالًا طبيعيًّا تمامًا، أيها الأمير.» وأردف قائلًا: «لا يوجد سبب يمنعك من معرفة الحقيقة. فبالقرب من هذه الغابة وقعت المأساة التي أبعدَتني عن إنجلترا سنوات عديدة.»

قال الأمير قائلًا: «أنا آسفٌ للغاية.»

قاطعه دوميني: «من المشاعر الزائفة تجنُّبُ التلميح إلى هذا الأمر. لقد هوجمتُ هناك ذاتَ ليلة من قبِل رجلٍ كان لديه سببٌ ما للإساءة إليَّ. تقاتلنا، ووصلت إلى البيت في حالةٍ مرعبة نوعًا ما. أرعبَت حالتي زوجتي لدرجةِ أنها أصبحت مريضةً منذ ذلك الحين. لكن ها هي ذي النقطة التي ولَّدتْ كلَّ هذه الخرافات، والتي جعلتني سنواتٍ عديدةً شخصًا مشتبهًا به. الرجل الذي قاتلتُه لم يُرَ منذ ذلك الحين.»

كان تيرنيلوف مفتونًا جدًّا بالقصة في الحال، ومرتبكًا من طريقة مضيفه في سردها للحفاظ على موقفه الدفاعي.

كرَّر: «لم يُرَ منذ ذلك الحين!»

تابع دوميني: «ذاكرتي فيما يتعلَّق بنهاية معركتنا غير مؤكدة.» وتابع قائلًا: «انطباعي أنني تركتُ المعتديَ فاقدًا للوعي على الأرض.»

«إذن فشبحه، كما أتخيَّل، هو الذي يسكن الغابة السوداء؟»

هزَّ دوميني نفسه كأنه يتخلَّص من فكرة سيئة.

أوضح أثناء سيرهما: «الغابة ذاتها، أيها الأمير، مكانٌ مؤذٍ. فهناك مستنقعات حتى في وسطها، حيث قد يغرق الرجل ولا يُسمع عنه مرةً أخرى. وتكثر هناك كل أنواع الحيوانات الضارة؛ فستجد في هذه الغابة كلَّ حشرة وطائر قذر. أظن أن خصائص المكان قد شجَّعت ظهورَ الخرافات المحلية التي يؤمن بها كل واحد من هؤلاء الرجال إيمانًا راسخًا.»

«إذن هم يؤمنون إيمانًا تامًّا بأن المكان مسكون؟»

تابع دوميني «الخرافة تذهب إلى أبعدَ من ذلك.» وتابع قائلًا: «يقول سكاننا المحليون إنه في مكانٍ ما في قلب الغابة، حيث أعتقد أنه لم يجرؤ أيُّ إنسان منذ سنوات عديدة على التغلغل، يعيش بالمعنى الروحيِّ شيطانٌ ما، لا يخرج إلا في الليل ويعوي تحت نوافذي.»

«هل شاهده أحدٌ من قبل؟»

أجاب دوميني: «واحد أو اثنان من القرويين؛ لا أحد آخر على ما أعتقد.»

بدا تيرنيلوف على وشك طرح المزيد من الأسئلة، لكن الدوق لمس ذراعه وجذبه إلى أحد الجوانب، كما لو كان يَلفتُ انتباهه إلى ضباب البحر الذي كان يتدحرج من المستنقعات.

همس: «أيها الأمير، تفاصيلُ تلك القصة تختلط بشكل معقَّد مع جنون الليدي دوميني. أنا متأكدٌ من أنك تفهم.»

بدا الأمير، الذي كان دبلوماسيًّا بكلِّ ما في الكلمة من معنًى، مصدومًا، على الرغم من أنَّ ابتسامةً خفية كانت لا تزال باقية على شفتَيه.

تمتم قائلًا: «إنني نادمٌ بشدة على زلتي.» وتابع: «سير إيفرارد، لقد وعدتني أن تُخبرني عن بعض الأيام التي قضيتها مع بندقيتك في جنوب أفريقيا. ألا يوجد طائر هناك يشبه طيور الحَجَل؟»

ابتسم دوميني.

وقال: «إذا كان بإمكانك قتلُ طيور الحَجَل التي سيرسلها ميدلتون في الدقائق العشر القادمة، فيمكنك إطلاقُ النار على أي شيء من النوع الذي يظهر في شرق أفريقيا، باستخدام مقلاع. إذا وقفتَ على بُعد خطوات قليلة هناك على اليسار، وهنري، وتيرنيلوف بجانب البوابة، وستيلويل فوق عند الزاوية اليسرى، ومانجان بجانبه، ثم إيدي، سأكون بالخلف نحو مجموعة أشجار البلوط. هل ستَمْشين معي، يا كارولين؟»

أخذَت ابنةُ عمه ذراعَه وهما يسيران مبتعدَين وضغطت عليها.

قالت: «إيفرارد، أهنئك.» وأضافت قائلةً: «لقد تحكَّمتَ في مشاعرك بالتأكيد. لقد فعلت شيئًا بسيطًا ورائعًا بروايتك للقصة كاملة. يا إلهي، لقد كنتَ شِبهَ واقعي. كان بإمكاني تخيلُ أنك تحكيها عن شخصٍ آخر.»

ابتسم مضيفُها بغموض.

وقال: «من الغريب أنك شعرتِ بهذا.» وأردف قائلًا: «هل تعلمين، عندما كنتُ أسرد القصة، كان لديَّ الشعور ذاتُه. هل تُمانعين في الانحناء قليلًا الآن؟ سأطلق الصافرة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤