الفصل التاسع عشر
أعلن فجرُ اليوم التالي عن قدومه بخطٍّ رفيعٍ أحمرَ يفصل بين كتل السحب الثلجية ذاتِ اللون الرمادي المائل للأسود التي كانت لا تزال معلقةً في الأسفل ناحية الشرق. كانت الريح قد توقفَت، وكان ثمة شيءٌ مخيف في الشفق الساكن عندما انطلق دوميني من المناطق الخلفية وشقَّ طريقه عبر الثلج الذي لم يطَأْه أحدٌ من قبل واستدار إلى جانب المنزل أسفلَ نافذة روزاموند. ظهر قليلٌ من التعجُّب على شفتَيه وهو يقف هناك. فقد كانت توجد آثارُ أقدام جديدة بدءًا من الممرات المدرجة، إلى أسفل الدَّرَج، ومباشرةً عبر الحديقة إلى زاوية الغابة السوداء. لم تكن الصرخةُ خيالًا. شخصٌ ما أو شيء ما قد مرَّ من الغابة السوداء وعاد مرةً أخرى إلى هذه البقعة في الليل.
كان دوميني منفعلًا بشكلٍ غريب جرَّاء اكتشافه، وفحص آثارَ الأقدام بلهفة، ثم تبعها إلى زاوية الغابة. كانت الآثار هنا وهناك وتسبَّبَت في حيرته. لم تكن مثلَ آثار أقدام إنسانٍ ولا أي حيوان معروف. عند حافة الغابة بدا أنها تختفي في قلب كتلة كبيرة من العُلَّيق، التي كان قد تطايرَ منها الثلج هنا وهناك. لم يكن يوجد ما يُشير إلى أي طريق؛ وحتى لو كان يوجد طريق فيما مضى، فإن إهمال السنوات قد طمسَه. فقد نمَت نباتات السَّرخس، والعلَّيق، والشجيرات، والأجَمات، وتدهور حالها، لتحلَّ محلَّها أشجارٌ متشابكة أكثرُ كثافةً وذات رائحة كريهة. كانت الرياح قد أسقطت العديدَ من الأشجار، على الرغم من أنها كانت لا تزال مثمِرة، وتُركت لتتعفَّن على الأرض. كان المكان صامتًا باستثناء القطرات البطيئة للثلج المتساقط من على أوراق الشجر الذابلة. خطا خطوةً أخرى حذرةً إلى الأمام ووجد نفسه يغرق ببطء. كان الطين الأسود يخرج عبر الثلج حيث وضع قدميه. وبالكاد تمكَّنَ من تفاديه سريعًا. وشقَّ طريقه بحذرٍ شديد، وشرع في التجوُّل على مهلٍ في الجزء الخارجي من الغابة.
تحقَّق هيجز، الحارس الصغير، بعد ساعة أو نحو ذلك، من رفِّ البنادق مرةً أخرى، ونقر على الصناديق الفارغة، واستدار نحو ميدلتون، الذي كان جالسًا على كرسي أمام المدفأة يُدخن غليونه.
وأعلن: «لا يمكنني العثور على بندقيةِ سيدي رقم اثنين، يا سيد ميدلتون.» وأردف: «إنها مفقودة.»
أمره الحارس العجوز وهو يُخرِج الغليون من فمه: «انظر مرةً أخرى يا فتى.» وأضاف قائلًا: «كان سيدي يُطلق النار بها أمس. انظر بين تلك البنادق المبعثَرة في الطرف البعيد من الرف. يجب أن تكون في مكانٍ ما هناك.»
أجاب الشابُّ بعناد: «حسنًا، ليست هناك.»
فُتِحَ باب الغرفة فجأةً، ودخل دوميني والبندقية المفقودة تحت ذراعه. نهض ميدلتون واقفًا في الحال وأنزل غليونه. أبقته المفاجأةُ صامتًا مؤقتًا.
أمره سيده: «أريدك أن تأتيَ معي للحظة.»
التقط الحارسُ قبَّعته وعصاه وتبِعه. قاده دوميني إلى حيث توقفَت الآثارُ على الحصى خارجَ نافذة روزاموند وأشار إلى الغابة السوداء.
سأل: «ما رأيك في تلك؟»
لم يتردَّد ميدلتون. وهزَّ رأسه بشدة.
«هل سمعت أيَّ شيء الليلةَ الماضية يا سيدي؟»
«كانت ثَمة صرخةٌ شيطانية تحت هذه النافذة.»
قال ميدلتون وهو يرتجفُ قليلًا: «تلك كانت روح روجر أنثانك بالتأكيد.» وأضاف قائلًا: «فعندما يخرج من تلك الغابة، يصرخ.»
أوضح سيدُه: «الأرواح لا تترك آثارًا كتلك وراءها.»
تفكَّر ميدلتون في الأمر.
وقال: «إنهم يقولون في هذه الأنحاء إن روحَ روجر أنثانك قد سيطرَ عليها نوعٌ من الحيوانات الضخمة، وأنه يأتي هنا بين الحين والآخر ليأكل.»
استفسرَ دوميني بصبر: «عن طريقِ مَن؟»
«عجبًا، عن طريق السيدة أنثانك.»
«السيدة أنثانك لم تكن في هذا المنزل لعدة أشهر. ومن اليوم الذي غادرت فيه حتى الليلة الماضية، بقدرِ ما أعلم، لم يُسمع أيُّ شيء عن هذا الشبح، أو الوحش، أو أيًّا كان.»
اعترف ميدلتون: «يبدو ذلك غريبًا بالتأكيد.»
تبِع دوميني بعينَيه مرة أخرى الآثارَ المتجهة نحو الغابة والخارجة منها.
وقال: «ميدلتون، لقد تعلمتُ شيئًا عن الأشباح. يبدو أنها لا تترك آثارًا فحسبُ، بل تحتاج إلى التغذية. ربما إذا كان الأمر كذلك، فستتأثَّر إذا أطلقنا عليها الرصاص.»
بدا الرجلُ العجوز للحظة متيبسًا ومرعوبًا.
قال وهو يشهق: «لن تُطلق عليه النار، يا سيدي؟»
أجاب دوميني: «كان يجب أن أفعل ذلك هذا الصباحَ إن سنحَت لي الفرصة.» وأضاف قائلًا: «عندما يكون الطقس أكثرَ جفافًا، سأشقُّ طريقي إلى تلك الغابة، يا ميدلتون، ومعي بندقية تحت ذراعي.»
كان الردُّ الرصين: «إذن مثلما أن الرب في الأعالي، لن تخرج أبدًا منها، يا سيدي!»
تمتم دوميني: «سنرى.» وأضاف قائلًا: «لقد تمكنتُ من اختراق بعض المناطق الغريبة في أفريقيا.»
أكَّد الرجل العجوز بإصرار: «لا يوجد مثلُ هذه الغابة في العالم، يا سيدي.» وأضاف قائلًا: «فجذورها فاسدةٌ من أولها لآخرها وأوراقها كلها سامة. الطيور تموت هناك على الأشجار. وتعجُّ بالزواحف والأشياء النجسة، بالإضافة إلى الفطريات الخضراء والأرجوانية، التي ترتفع عن الأرض بمقدار قدمَين، ويخرج منها سمٌّ تستنشقه مع كل نفَس. مَن يدخل تلك الغابة كمن يذهب إلى قبره بقدمَيه.»
قال دوميني بحزم: «ومع ذلك، خلال وقتٍ قصير جدًّا سأحلُّ لغز هذا الزائر الليلي.»
عادا إلى المنزل جنبًا إلى جنب. وقبل دخولهما بقليل، التفتَ دوميني إلى رفيقه.
قال: «ميدلتون، أنت تُحافظ على العادات القديمة الجيدة، على ما أظن، وتقضي نصف الساعة في مخزن «أسلحة آل دوميني» بين الحين والآخر، أليس كذلك؟»
أجاب الرجل العجوز: «تقريبًا كلَّ ليلة في حياتي، يا سيدي، من الساعة الثامنة وحتى التاسعة. فأنا رجل ذو عادات منتظمة، ويبدو لي صحيحًا أنه من خلال تأدية العمل على نحوٍ صحيح ومناسب، ينال المرء راحته.»
وافق دوميني على ذلك قائلًا: «هذا صحيحٌ يا رفيقي.» وأضاف قائلًا: «في المرة القادمة التي تكون فيها هناك، لا تنسَ أن تذكر أنني سأذهبُ للتحقُّق من هذه الغابة. أود أن ينتشر هذا الخبر، هل تفهم؟»
كان الرد المتشكِّك: «سيُربك هذا الأمرُ القومَ تمامًا، لكنني سأُخبرهم، يا سيدي. وسيكون ثمة القليل من الحديث بشأنه، يمكنني أن أعِدَك بذلك.»
سلَّم دوميني بندقيته، وذهب إلى غرفته، واستحمَّ وبدَّل ملابسه، ونزل لتناول الإفطار. ساد صمتٌ مفاجئ عند دخوله، وهو أمرٌ فهمه جيدًا. بدأ الجميعُ يتحدثون عن احتمالية صيد اليوم. وأعدَّ دوميني لنفسه مشروبًا من الخِزانة وجلس على الطاولة.
وقال: «آمُل أن ما حدث مؤخرًا من الأشباح لم يُزعج أحدًا.»
علَّق الوزير باهتمام: «يبدو أننا جميعًا سمعنا الشيءَ نفسَه، صرخة غريبة مروِّعة للغاية. لقد انضممتُ مؤخرًا إلى كل جمعية مرتبطة بالأشباح وأجد أن دراستها أمرٌ رائع.»
علَّق دوميني، وهو يُعد لنفسه القهوة: «إذا أردتَ التحقُّق من الأمر، يمكنك إخراجُ مسدس والتجوُّل معي في إحدى الليالي. فمنذ أن كنتُ طفلًا، قبل أن أذهب إلى إيتون، وحتى عندما غادرت إلى أفريقيا، كان لدينا سلسلةٌ من الأشباح حسَنة السلوك ومحترمة للغاية، كانت تُنسب للعائلة، وكنا إلى حدٍّ ما فَخورين بها. ولكن هذا الشبح الأخير خارجٌ تمامًا عن حدود السلوك المألوف.»
سأل السيد واتسون باهتمام: «هل له تاريخ؟»
أجاب دوميني: «لقد علمتُ أنه روح مدير مدرسةٍ عاش هنا ذاتَ يوم، ومن المفترض أنني مسئول عن رحيله عن العالم. مثلُ هذا الشبح لا يجلب فخرًا ولا راحةً للعائلة.»
تحدَّث مضيفهم بمثلِ هذا الغياب المطلق للعاطفة، لدرجةِ أن الجميع شعروا بترددٍ غريب في التخلي عن موضوعٍ مليءٍ بهذه الاحتمالات الرائعة. ومع ذلك، كان تيرنيلوف هو الوحيدَ الذي قدَّم اقتراحًا.
وقال: «يمكننا أن نذهب للصيد في الغابة.»
قال لهم دوميني: «لستُ متأكدًا من أن طبيعة الغابة ليست أكثرَ إثارةً للاهتمام من الشبح الذي من المفترض أنه يسكن فيها. هل تتذكَّر مدى رعبِ مثيري الطرائد بالأمس من مجردِ اقتراح دخولها؟ لقد اعتُبِرت دنسةً مدةَ أجيال. إنها بالتأكيد غير آمنةٍ للغاية. لقد ذقتُ الأمَرَّين حتى وصلتُ إلى حدودها هذا الصباح. هلا نقول العاشرة والنصف في غرفة الأسلحة؟»
تبِع سيمان مضيفه خارج الغرفة.
وقال: «صديقي، يجب ألا تسمحَ لهذه الظروف المحلية بأن تشغل نصيبًا كبيرًا من أفكارك. صحيحٌ أن هذه هي أيامُ استرخائك. ولكن ما زال لديك الأميرةُ لتُفكر بشأنها. ففي نهاية الأمر، نحن تحتَ رحمتها. همسة صغيرة في داوننج ستريت، وسنشهد كارثة!»
أمسك دوميني بذراع صديقه.
وردَّ قائلًا: «اسمع، يا سيمان، من السهل جدًّا قول إنه يجب أخذُ الأميرة في الاعتبار، لكن هل يمكنك أن تخبرني ما الذي يمكنني فعلُه أكثرَ من ذلك لجعلِها ترى الوضع؟ تتطلب الضرورةُ أنني يجب أن أكون في أفضل حال مع الليدي دوميني، وألا أظهر مع الأميرة بأيِّ شكل من الأشكال.»
قال سيمان بتفكُّر: «لستُ متأكدًا من أن الطريقة التي تتعامل بها مع الليدي دوميني تهمُّ كثيرًا أيَّ شخص. وفيما يتعلَّق بالأميرة، فهي شخصيةٌ مندفعة وعاطفية، لكنها أيضًا سيدة عظيمة ودبلوماسية. لا أرى أيَّ سبب يمنعُك من الزواج منها سرًّا في لندن، باسم إيفرارد دوميني، وتَكرار المراسم باسمك الحقيقي لاحقًا.»
كانا قد توقَّفا ليُشعلا سجائر، كانت معروضةً في عُلبة سيجار على طاولة مستديرة في القاعة. انتظر دوميني لحظةً قبل أن يُجيب.
وسأل: «هل أفْضَت إليك الأميرةُ بأن هذه رغبتها؟»
اعترف سيمان: «شيء من هذا القبيل.» وأضاف قائلًا: «لكنها تتمنَّى أن يأتيَ الاقتراح منك.»
«وبِمَ تنصحني؟»
نفخ سيمان سحابةً صغيرة من دخان السيجار.
واعترف قائلًا: «صديقي، أنا خائف قليلًا من الأميرة. لن أطرحَ عليك أي أسئلة بخصوص مشاعرك تجاهها. أعتبره أمرًا مسلَّمًا به أن من واجبك بوصفك رجلًا شريفًا أن تتقدَّم لطلب يدِها للزواج، عاجلًا أم آجلًا. ولا أرى أيَّ ضرر في استباق الأمور بضعة أشهر، إذا كان هذا يعني أنه يمكننا تهدئتها. سوف يُرتِّب تيرنيلوف ذلك في السفارة. إنه مخلِص لها، وسيُقوِّي ذلك مكانتك عنده.»
استدار دوميني بعيدًا نحو الدَّرج.
وقال بحزن: «سنناقش هذا مرةً أخرى قبل أن نغادر.»
سمحَت الخادمة على الفور بدخول دوميني غرفةَ جلوس زوجته. كانت روزاموند، مرتديةً روبًا صباحيًّا ساحرًا باللون الأزرق الفاتح المبطَّن بالفِرَاء الرمادي، قد انتهت لتوها من الإفطار. مدَّت يدَيها إليه بصيحة ترحيب خفيفة مبتهجة.
وصاحت: «كم من اللطف منك أن تأتي، يا إيفرارد!» وأضافت قائلةً: «كنتُ أتمنى أن أراك للحظة قبل أن تغادر.»
رفع أصابعها إلى شفتَيه وجلس بجانبها. بدَت مسرورةً للغاية بحضوره، وشعر بشكلٍ غريزي أنها لم تتأثر على الإطلاق بما حدث في الليلة السابقة.
استفسَر: «هل نمتِ جيدًا؟»
أجابت: «تمامًا.»
تحدَّث عن الموضوع بشجاعة، حيث كان قد اتخذ قراره باغتنامِ كلِّ فرصة.
«ألا تسهرينَ تُفكرين في زائرنا الليلي، إذن؟»
«ولا للحظة واحدة. كما ترى»، تابعت قائلةً: «إذا كنتَ حقًّا إيفرارد، يمكن أن أخاف؛ لأنه في يوم ما أو في آخر، أشعر أنه إذا جاء إيفرارد إلى هنا، فإن روح روجر أنثانك ستؤذيه.»
سأل: «لماذا؟»
واصلَت حديثها: «أنت لا عِلم لك بهذه الأمور بالطبع، لكن روجر أنثانك كان يُحبني، على الرغم من أنني نادرًا ما تحدثتُ إليه، قبل أن أتزوجَ إيفرارد. أظن أنني أخبرتك عن ذلك أمس، أليس كذلك؟ بعد أن تزوجتُ، كاد الرجل المسكين أن يفقد عقلَه. لقد تخلَّى عن عمله واعتاد أن يتردَّد كثيرًا على الحديقة هنا. وفي إحدى الأمسيات أمسكَه إيفرارد وتقاتلا، ولم يُشاهَد روجر أنثانك مرةً أخرى مطلقًا. أظن أن أيَّ شخص في هذه الأنحاء سيُخبرك» واصلَت، وهي تخفض صوتها قليلًا: «أنَّ إيفرارد قتل روجر وألقاه في أحد تلك المستنقعات بالقرب من الغابة السوداء، حيث تغرق الجثةُ ولا تُرى مرةً أخرى.»
أعلن دوميني: «لا أعتقد أنه فعل أيَّ شيء من هذا القبيل.»
ردَّت بتشكُّك: «أوه، لا أعرف.» وأضافت قائلةً: «كان إيفرارد ذا طبْعٍ حادٍّ، وفي تلك الليلة عاد إلى المنزل مغطًّى بالدماء، وبدا … فظيعًا! كانت تلك الليلة التي مَرِضتُ فيها.»
قال بإصرار: «حسنًا، لا مزيد من المآسي.» وأردف قائلًا: «لقد جئتُ لتذكيرك بأنَّ لدينا ضيوفًا هنا. متى ستأتين لرؤيتهم؟»
ضحكت مثل الأطفال.
وصرَّحت قائلة: «أنت تقول «لدينا» كما لو كنتَ حقًّا زوجي.»
حذَّرها: «يجب ألا تُخبري أيَّ شخص آخر عن تصورك هذا.»
رضَخَت في الحال.
وأكدَت له: «أوه، أنا أفهم تمامًا.» وأضافت قائلةً: «سأكون حذرةً جدًّا جدًّا. فلديك، يا إيفرارد، ضيوف أذكياء، ليسوا على الإطلاق مثلَ الأشخاص الذين كان من الممكن أن يستقبلهم إيفرارد زوجي هنا، وقد غِبتُ عن العالم مدة طويلة، وأخشى أنني لن أستطيع التحدث معهم. الممرضة أليس منبهرةٌ للغاية. أنا متأكدة من أنني سأشعر بالرعب من الجلوس على رأس الطاولة، وستكره كارولين ألا تعود المضيفة. دعني أنزلْ في وقت تناول الشاي وبعد العشاء، وأنغمس في الأمور تدريجيًّا. يُمكنك بسهولة أن تقول إنني ما زلت مريضة، رغم أنني بالطبع لستُ كذلك على الإطلاق.»
وعدَها وهو ينصرف: «يمكنك فعْل ما تودين فعله.»
عندما دخل أفراد مجموعة الصيد القاعةَ بعد ظهر ذلك اليوم، مرهَقين بعض الشيء، ولكن كلهم نشوة وفرح بصيد اليوم، وجَدوا خلف المائدة المستديرة الرائعة التي وُضِع الشاي عليها، امرأةً تجلس في زاوية من الغرفة، شاحبةً إلى حدٍّ ما، ولكن ملامحها طفوليةٌ ورائعة بشكل غير عادي، ذات عيون كبيرة حلوة تبدو وكأنها تتوسَّل من أجل حمايتهم وتعاطفهم عندما نهضت واقفة بتردُّد. بعد لحظة كان دوميني إلى جانبها، وكلماته الأولى لتقديمها جلبَت الجميعَ حولها. لم تتحدَّث كثيرًا، لكن ما قالته كان طبيعيًّا ولطيفًا على نحوٍ مبهج.
قالت لكارولين: «لقد كان لطفًا منكِ مساعدةُ زوجي في الترفيهِ عن ضيوفه. أنا الآن أفضل بكثير، لكني كنتُ مريضة مدةً طويلة، لدرجةِ أنني نسيتُ الكثير من الأشياء، وأظن أنني سأكون مضيفةً سيئة للغاية. لكني أريد أن أصنع الشاي من أجلكِ، من فضلكِ، وأريدكم جميعًا أن تُخبروني عن عدد طيور الدُّرَّاج التي أردَيتُموها.»
جلس تيرنيلوف على الأريكة بجانبها.
وقال: «سأُساعدك في هذه المهمة المعقَّدة.» وتابع قائلًا: «أنا متأكدٌ من أن ملقط السكر هذا ثقيلٌ جدًّا، ولا يمكنك استخدامه بمفردك.»
ضحكت بمرح.
وأكدَت له: «لكنني لستُ رقيقةً على الإطلاق.» وتابعت: «لقد عانيتُ مرضًا سيئًا للغاية، لكنني أصبحت قوية مرة أخرى.»
قال: «إذن سأجد عذرًا آخرَ للجلوس هنا.» وأردف قائلًا: «سأخبركِ كلَّ شيء عن طيور الدُّرَّاج التي أرْداها زوجُكِ وهي تُحلِّق عاليًا، وعن الطائر الذي أسقطَه بعد أن أخطأْناه جميعًا.»
وافقَت: «سأحبُّ أن أسمع عن ذلك.» وتابعت قائلةً: «كم ملْعقةَ سكَّر، من فضلك، وهلا تمرر هذه الفطائر الساخنة للأميرة؟ وهلا تقرع ذلك الجرس. أريد المزيد من الماء الساخن. أتوقَّع أن يكون الجميعُ عطشى جدًّا. أنا سعيدة لوجودي هنا معكم.»