الفصل العشرون
تسلَّق الأمير تيرنيلوف ومضيفُه، متأبطًا كلٌّ منهما ذراعَ الآخر، المنحدرَ المغطَّى بالثلوج في الجزء الخلفي من مزرعةِ شجرٍ طويلة، نحو العِصيِّ الصغيرة ذات الأعلام التي تُشير إلى مكان وقوفهم. لم يكن يوجد إنسانٌ على مرمى البصر؛ لأن بقية الصيادين اختاروا طريقًا أكثرَ انحدارًا، ولكنْ أقل التواءً إلى حدٍّ ما.
قال السفير: «فون راجاشتين، سأمنح نفسي رفاهيةَ مناداتك باسمك. أنت تعرف نقطة ضعفي الوحيدة، وهي نقطةُ ضعف كادت تُخرجني من الدبلوماسية في أيام شبابي. أكرهُ التجسس بكل أشكاله وصورِه حتى عند الضرورة. وفيما يتعلَّق بك، يا صديقي» تابع قائلًا: «أظن أن موقفك سخيف. ولقد أرسلتُ تقريرًا خاصًّا إلى بوتسدام، أعربتُ فيه عن هذا الرأي.»
علَّق دوميني قائلًا: «حتى الآن، لم أُثْقَل بالعمل.»
تابع الأمير: «صديقي العزيز، لم تُثقَل بالعمل لأنه لم يكن ثَمة عملٌ شرعي لتقوم به. ولن يكون ثمة شيءٌ من هذا القبيل. لا يمكن أن توجد أيُّ ميزة محتملة من جهودك هنا تُعوِّض عن التأثير السيئ للغاية الذي سيُحدثه اكتشافُ اسمك الحقيقي ومنصبك في مجلس الوزراء الإنجليزي.»
توسَّل دوميني قائلًا: «يجب أن أطلب منك أن تتذكَّر أنني هنا بصفتي خادمًا مخلِصًا إخلاصًا أعمى للوطن. أنا ببساطة أطيع الأوامر.»
وافق الأميرُ قائلًا: «سأوافق على ذلك عن طيب خاطر.» وأضاف قائلًا: «فقط دَعني أتابعْ حديثي. أنا الآن في نهاية سنَتي الأولى في هذا البلد. وأشعر أنني قادرٌ على تهنئة نفسي على تحقيق قدرٍ معيَّن من النجاح. من ناحية أعضاء مجلس الوزراء الذين كان عليَّ أن أتعامل معهم، لم أتلقَّ سوى التشجيعِ على جهودي لتعزيزِ تفاهمٍ أفضلَ بين بلدَينا.»
وافق دوميني قائلًا: «الأجواء تبدو بالتأكيد صافيةً بما فيه الكفاية الآن.»
قال الأمير بشكلٍ قاطع: «لقد أقنعت نفسي بأنه توجد رغبة حقيقية وراسخة في السلام مع ألمانيا في داوننج ستريت. وفي كل مناقشة أجريتها، وفي كل امتيازٍ طلبته، قوبلت برغبةٍ صادقة في تعزيز الصداقة المتنامية بين بلدَينا. أنا فخورٌ بعملي هنا، يا فون راجاشتين. أعتقد أنني جعلتُ ألمانيا وإنجلترا أقربَ مما كانتا عليه منذ أيام حرب البوير.»
سأل دوميني: «هل أنت متأكِّد، يا سيدي، من أنك لا تخلط بين الشعبية الشخصية والمشاعر القومية؟»
أجاب السفير بجِدِّية: «أنا متأكدٌ من ذلك.» وأضاف قائلًا: «فتلك الشعبية التي ربما أكون قد حقَّقتها هنا كانت راجعةً إلى تقديري للحالةِ الأكثرِ ازدهارًا للسياسة العالمية الموجودة الآن. لقد كان من دواعي سروري البالغِ أن أسجِّل نتيجةَ عملي في مذكراتٍ بخطِّ يدي، وفي يوم من الأيام، عندما يتمُّ ترسيخ السلام بين بلدينا، سأعمل على نشرها. وقد سجَّلت فيها أدلةً على المشاعر الحقيقيةِ المؤيدةِ للسلام التي وجدتُها بين أعضاء مجلس الوزراء الحالي.»
قال دوميني: «إنه لشرفٌ هائل أن أحصل على جلسةٍ خاصة لقراءة هذه المذكرات.»
كان الردُّ اللطيف: «يمكن ترتيب ذلك.» وأضاف قائلًا: «في الوقت الراهن، يا فون راجاشتين، أريدك أن تُعيد النظر في موقفك هنا.»
كرَّر دوميني: «موقفي ليس طوعَ إرادتي.» وأضاف قائلًا: «فأنا أتصرفُ بموجب أوامر.»
رضخَ الآخرُ قائلًا: «بالضبط، ولكن الأمور قد تغيرت كثيرًا خلال الأشهر الستةِ الماضية. حتى مع المخاطرة بإهانة فرنسا، تُظْهِر إنجلترا مرونةً رائعة فيما يتعلَّق بمطالبنا في المغرب. لقد اختفى الآن كلُّ احتمال للخلاف بين بلدَينا بشأن أيِّ مسألة حيوية.»
قال دوميني بتمعُّن: «إلا إذا جاءت الرغبة في الحرب من بوتسدام وليس من داونينج ستريت.»
صرَّح تيرنيلوف بصرامة: «نحن نخدم سيدًا شريفًا، وقد أفصح لي عن نواياه. إنه يريد السلام والانتصارات العظيمة التي تستحقُّها بلدنا بالفعل بسبب تفوُّقها في الصناعة والتجارة، والشخصيةِ والعبقرية. هذه هي الأسلحة التي ستجعل ألمانيا أعظمَ قوةٍ في العالم. ما من إمبراطوريةٍ شقَّت طريقها إلى المجد الدائم بالسيفِ وحدَه. ها قد وصلنا إلى مواقعنا، كما أرى. تعالَ إليَّ بعد انتهاءِ هذه الرحلة، يا مضيفي. كل ما قلتُه حتى الآن كان على سبيل التمهيد.»
أصبح الطقس أكثرَ جفافًا، وكان الثلج هشًّا، ووصلَت مجموعة صغيرة من النساء من القصر إلى الصيادين قبل أن يعبر مثيرو الطرائد الغابة. أخذت كلٌّ من كارولين وستيفاني مكانَهما بجانب دوميني. وبعد بضع دقائق انتقلَت كارولين إلى موقع تيرنيلوف. وأصبح ستيفاني ودوميني بمفردهما لأول مرة منذ مقابلتهما العاصفةِ في المكتبة.
سألته على نحوٍ مفاجئ بعضَ الشيء: «هل تحدَّث موريس معك؟»
اعترف دوميني: «في الحقيقة سعادته وأنا كنا في خضمِّ محادثة مثيرة للاهتمام للغاية.»
«هل تحدَّث معك عني؟»
«لم يُذكَر اسمُكِ.»
تجهَّمَت قليلًا. كانت تبدو مذهلةً في معطفِها الرائع من الفرو وقبَّعتها الروسية مع وجودِ الثلج في الخلفية.
كرَّرت بسخرية: «محادثة مثيرةٌ للاهتمام لم يُذكَر فيها اسمي!»
أكَّد لها دوميني: «أظن أنه كان سيتحدَّث عنكِ بعد وقت طويل جدًّا.» وأضاف قائلًا: «فقد حذَّرني سعادته من أن كلَّ ما قاله حتى الآن كان مجردَ مقدمةٍ لمسألة ذات أهمية أكبر.»
ابتسمَت ستيفاني.
وتمتمَت: «عزيزي موريس دبلوماسي للغاية.» وأضافت قائلةً: «أنا متأكدةٌ تمامًا من أنه سيبدأ بالاعتراض على معاملتك الصادمةِ لي.»
قاطع الصيدُ محادثتهم بضعَ دقائق. دعا دوميني ميدلتون الوفيَّ إلى جانبه للحصول على مزيدٍ من الخراطيش. انتظرت ستيفاني حتى خروج مُثيري الطرائد أخيرًا من الغابة.
وعادت مرةً أخرى إلى محادثتهما قائلةً: «صادمة هي أخفُّ كلمةٍ في مفرداتي يمكن أن أصفَ بها معاملتك لي. بصراحة، يا ليوبولد، أشعر أنني مجروحةٌ من الداخل. وكبريائي مُهان.»
ردَّ دوميني بإصرار: «هذا لأنكِ تنظرين إلى الأمر من وجهة نظر أنثويةٍ فقط».
أجابت بنبرةٍ منخفضة: «وأنت، يا مَن كنت في يوم من الأيام أكثرَ المحبين ولعًا وشغفًا، الآن تنظر إلى الأمر من وجهةِ نظر سياسيةٍ فقط. أنت تفكِّر كثيرًا في بلدك، يا ليوبولد. أليس لي أيُّ حقوق عليك؟»
قال مُصرًّا: «على إيفرارد دوميني، لا شيء.» وأردف قائلًا: «عندما يحينُ الوقت، ويُمكن لليوبولد فون راجاشتين أن يطالب بكلِّ ما هو من حقه، صدِّقيني، لن يكون لديك سببٌ للشكوى من جفاف معاملتي معكِ أو تجاهُلي إياكِ. لن يكون لديه سوى فكرةٍ واحدة، وأمل واحدٍ فقط، وهو إنهاء عذاب سنوات الانفصال هذه بأسرعِ ما يمكن.»
اختفت نظرةُ التوتر من على وجهها. وأصبحت نبرةُ صوتها طبيعيةً أكثر.
ناشدته قائلةً: «لكن يا عزيزي، لا داعي للانتظار. فجلالته يمنحُك الإذن. زعيمك السياسي سيكون أكثرَ من مؤيد للأمر.»
أجاب دوميني: «أنا في موقفٍ لا أُحسَد عليه، وصدِّقيني أنا أعرف ما الأفضلُ والأكثر أمانًا. لا أستطيع أن أعيش حياةَ رجلَين وأحتفظ بوجهٍ ثابت أمام العالم. ومع ذلك، لم يتحدث الأمير معي بعدُ. سأستمع إلى ما سيقوله.»
استدارت ستيفاني بقليلٍ من الغطرسة.
وصاحت: «أنت تجعلُني أبدو كأنني أتوسَّل!» وتابعت قائلةً: «يجب أن نتوصل إلى اتفاق الليلة.»
انتقلت المجموعة الصغيرة معًا إلى ساترٍ آخر. كانت روزاموند قد انضمت إليهم وتشبَّثَت بذراع دوميني بفرح. وتسبَّب المشي السريع عبرَ الحديقة في تورُّدِ خدَّيها. وسارت برشاقةٍ تدلُّ على كامل الانطلاق والنشاط لامرأةٍ في صحةٍ جيدة. وبقليلٍ من الإثارة النابعة من مشاعرَ متشابكةٍ وجد دوميني نفسَه يُراقبها، حين تخلفَت عنه في وقتٍ لاحق لتقفَ إلى جانب تيرنيلوف. شعر بلمسة على ذراعه. توقَّفت ستيفاني، التي كانت تسير مع مجموعةٍ أخرى من الصيادين، لتهمسَ في أذنه:
«قد يكون هناك خطرٌ أكبر — خطر لم يُدركه حتى عقلك الحذِر — في المبالغة في لعبِ دورك!»
استولت كارولين على انتباهِ دوميني أثناء سَيرهما إلى مكان التوقُّف التالي. وقفت عند عصًا للرماية بجانبه وبدأت في توبيخه بشدَّة.
قالت: «عزيزي إيفرارد، أنت واحدٌ من أروع الأمثلة التي قابلتها على الإطلاق للرجال العديمي الأخلاق الذين انصلحَ حالهم! علاوةً على ذلك أصبحت مهذبًا. بحقِّ السماء، لا تُخيب أملنا جميعًا!»
علَّق دوميني بقليل من الحزن: «يبدو أنني أُحسنُ ذلك إلى حدٍّ ما.»
سألت: «حسنًا، أنت المسئول عن أفعالك، أليس كذلك؟» وتابعت قائلةً: «ما أريد قولَه بكلمات واضحة هو: لا تتصرَّف بحماقة مع ستيفاني.»
«ليس لديَّ أدنى نيةٍ للقيام بأي شيء من هذا القبيل.»
«حسنًا، هي لديها! أنصِت إلى ما أقول، يا إيفرارد، أنا أعرف تلك المرأة. إنها ذكيةٌ ورائعة وبها كلُّ الصفات الأخرى التي تُحبُّها، لكن لسببٍ أو لآخرَ هي عازمة على الحصول عليك. فهي تنظر إلى روزاموند الصغيرة العزيزة وكأنها ليس لها الحقُّ في الوجود. لا تشعر بالأسف على نفسك. لا بد أنك قد شجَّعتها.»
كان دوميني صامتًا. لحسنِ الحظ، تطلبت مقتضيات الدقائق القليلة التالية ذلك. انتظرت ابنة عمه بصبرٍ نافدٍ حتى توقَّف إطلاقُ النار.
«الآن دعني أسمعْ ما لديك لتقولَه دفاعًا عن نفسك، يا سيدي؟ بقدرِ ما أستطيع أن أرى، لقد كنت لطيفًا جدًّا مع زوجتك، وهي تعشقك. إذا كنتَ تريد إقامة علاقة غرامية مع الأميرة، فلا تبدَأْها هنا. ستمرضُ زوجتك مرةً أخرى إذا جعلتَها تغار.»
«عزيزتي كارولين، لن يكون بيني وبين ستيفاني أيُّ علاقة. يمكنك أن تطمئنِّي وتكوني متأكدةً من ذلك.»
واصلت كارولين: «هل تقصد أن تقول إن هذا كلَّه من جانبها هي، إذن؟»
أجاب: «أنتِ تُبالغين في وصف سلوكها، ولكن حتى لو كان ما تُلمِّحين إليه صحيحًا …»
قاطعته: «أوه، لا أريد الكثيرَ من الاعتراضات!» وتابعت قائلةً: «أنا لا أقول إنك تُشجعها كثيرًا؛ لأنني لا أعتقد أنك تفعل ذلك. كلُّ ما أريد أن أشيرَ إليه هو أنه بعد أن استعادت زوجتُك حقًّا كاملَ صحتها تقريبًا، يجب أن تكون حذرًا بشكلٍ غير عادي وفائق. إذا كنت تريد التحدثَ بأي هُراء مع ستيفاني، فافعلْ ذلك في ساحة بلجريف.»
كان دوميني يُراقب حركةَ السقوط الدائرية لأحد طيور الدُّرَّاج. ومد يدَه اليسرى باتجاه حقيبة الخراطيش التي كانت كارولين تحملها. وقبض على أصابعها للحظةٍ قبل أن يأخذ خراطيشَ.
قال: «أنتِ عزيزة على نفسي.» وأردف قائلًا: «لن أفعل أيَّ شيء يؤذي روزاموند مهما حدث.»
قالت: «إذا كنت لا تستطيع التخلصَ من حِيَلك القديمة تمامًا ولا بد أن تُغازل، حسنًا، ستجدني بالجوار. وروزاموند لن تُمانع مغازلتك لي؛ لأنه يوجد القليل من الشعرات الرمادية في شعري الأصفر. وها هو ذا خادمك آتٍ عبر الحديقة؛ يبدو كما لو كان يحمل رسالةً لك. ما دام لم يحدث شيء لطبَّاخك، أشعر أنني قد أواجه الأخبارَ السيئة بثبات.»
وجد دوميني نفسَه يُراقب بعينين ثابتتين اقترابَ خادمه ذا الوجه الحزين عبر الثلج. لم يكن باركنز يرتدي زيًّا مناسبًا لهذه المهمة، ولم يبدُ أنه كان يستمتع بها بأيِّ شكل من الأشكال. كان يسير بصرامةٍ لتأدية واجبٍ ما، والغريب أن دوميني شعر منذ اللحظةِ التي رآه فيها أنه كان بشكلٍ أو بآخر مبعوثًا من الأقدار. ومع ذلك، فإن الرسالة التي سلَّمها له، عندما وصل أخيرًا إلى جانب سيده، لم تكن مثيرةً للقلق بأيِّ حال من الأحوال.
أفاد قائلًا: «لقد وصل شخصٌ اسمه ميلر إلى هنا، يا سيدي، من نورويتش. وهو، كما أفهم، أجنبيٌّ أو ما شابه، وقد جاء مؤخرًا إلى هذا البلد. لقد وجدتُ صعوبة في فَهمه بعضَ الشيء، لكن خادمة سموِّها تحدثَت معه باللغة الألمانية، وقد فهمت أنه إما هو طبيب يُدعى شميدت كنت تعرفه في أفريقيا أو أنه يوصل لك رسالةً منه.»
انطلقت صافرةُ التحذير في تلك اللحظة، واستدار دوميني ووقف منتبهًا. كان سلوكه طبيعيًّا تمامًا. سمح لدجاجةٍ من طيور الدُّرَّاج بالمرور فوق رأسه، وأسقط ديكًا من مسافة قريبة جدًّا. أعاد حشو بندقيته قبل أن يلتفت إلى باركنز.
وقال: «هل هذا الشخص في عجَلة من أمره؟»
أجاب الرجل: «على الإطلاق يا سيدي.» وأردف قائلًا: «أخبرتُه أنك لن تعودَ حتى الساعةِ الثالثة أو الرابعة، وهو ينتظر برضًا تام.»
أومأ دوميني.
أمره قائلًا: «اعتنِ به بنفسك إذن، باركنز.» وتابع قائلًا: «لن نصطادَ حتى وقتٍ متأخر اليوم. على الأرجح سأرسلُ السيد سيمان للتحدث معه.»
رفع الرجل قبَّعته باحترام وعاد نحو المنزل. كانت كارولين تُراقب رفيقها بفضول.
سألَت: «هل يبحث عنك العديدُ من معارفك في أفريقيا يا إيفرارد؟»
أجاب دوميني وهو ينظر من خلال فوهتَي بندقيته: «باستثناء سيمان، الذي لا يُحتَسَب حقًّا لأننا جئنا معًا، هذا أولُ زائر لي من أرض الثروة. ومع ذلك، أتوقَّع أنه سيكون ثمة الكثيرُ منهم قريبًا. فالمستعمرون لديهم عادةٌ رائعة تتمثل في تشبُّث بعضهم ببعض.»