الفصل الثامن والعشرون

في غضون الأيام القليلة التالية، انتشرَت شائعةٌ غريبة في قصر دوميني والمنطقة، من عامل المزرعة إلى المزارع، ومن أطفال المدارس إلى منازلهم، ومن مكتبِ بريد القرية إلى القرى المجاورة. كانت مجموعةٌ من الحطابين من مقاطعةٍ مجاورة، بمحرك وجميع آلات حِرفتهم، قد بدأَت في العمل على اقتلاع كلِّ الأشجار والشجيرات في الطرَف الشمالي من الغابة السوداء. نُسِيَت مسألة الحرب على الفور. قبل اليوم الثاني، كان كلُّ رجل وامرأة وطفل في المكان قد قام بزيارةٍ وَجِلة إلى أطراف الغابة، واستمعوا إلى أزيز الآلات، وحدَّقوا في الجسر الكبير من ألواح الخشب المؤدي إلى الغابة، وألقَوا نظرة، على أملِ اكتشاف شيء غريب في خيام الرجال الذين كانوا يُخيِّمون هناك. كان الرجال أنفسُهم قليلي الكلام، والمرة الأولى التي تحدَّث فيها رئيس العمال كانت عندما سار دوميني إليه لمناقشة التقدُّم المحرَز، في صباح اليوم التالي لوصوله.

قال: «إنه عملٌ قذر يا سيدي.» وأردف: «فلم أصادف غابةً فاسدة تمامًا، بشكل ميئوس منه، مثل هذه. يا إلهي، تنهار الغابة عندما تلمسها، ويجب أن يكون الرجالُ بالقرب من بعضهم البعض طوال الوقت، على الرغم من وجودِ ما يقرب من خَمسمائة لوح في الأسفل هناك.»

«هل صادفت أيَّ شيء غير عادي حتى الآن؟»

«لم نُصادف أيَّ شيء غير عادي حتى الآن، يا سيدي. كل رجالي يرتدون سراويلَ طويلة لمنع تعرُّضهم للدغات الأفاعي، التي يصل طولُ بعضها إلى طول ذراعي. وهناك فِطْر، عندما تلمسه، يبعث رائحةً تكفي لإفقاد رجلٍ وعيه. لقد قتلنا قطةً في اليوم الأول، كبيرة وشرسة مثل نمرةٍ صغيرة. إنها مهمة غريبة يا سيدي.»

«كم من الوقت سيستغرق الأمر؟»

«مسألة ثلاثة أسابيع، يا سيدي، وعندما نحصل على الأخشاب، ننصحك بحرقِها. لا يستحق الأمر أن تزعج نفسك بشأنها. اعذرني يا سيدي» تابع الرجل: «السيدة العجوز هناك تتجوَّل طوال الوقت. بعض رجالي خائفون قليلًا منها.»

استدار دوميني ملتفتًا. على هضبة صغيرة على بُعد مسافة قصيرة في الحديقة، كانت راتشيل أنثانك واقفةً. كان شكلها منفِّرًا حتى في ضوء الصباح بملابسها السوداء عتيقةِ الطراز، التي لم تُلطَّف بأي لونٍ آخر، وخدَّيها الشاحبين وعينَيها الغريبتين. سار دوميني نحوها.

بدأ حديثه قائلًا: «كما ترَين، يا سيدة أنثانك …»

قاطعتْه. كانت يدها النحيلة ممدودة نحو الغابة.

سألَت: «ماذا يفعل هؤلاء الرجال، يا سير إيفرارد دوميني؟» وأضافت قائلةً: «ماذا تريد من الغابة؟»

أجاب دوميني: «إنني أنفِّذ قرارًا اتخذتُه في الشتاء.» وأردف قائلًا: «هؤلاء الرجال سوف يشقُّون طريقهم من أحد طرَفَي الغابة السوداء إلى الطرف الآخر، حتى لا تبقى شجرةٌ أو شُجيرة منتصبة. وبعد أن يقطعوها، سيُحرقونها. بعد ذلك، سأجفِّف كلَّ المستنقعات. قد نعيش لنرى حقل ذرة هناك، سيدة أنثانك.»

سألت بصوتٍ أجش: «هل ستجرؤ على فعل ذلك؟»

«هل تجرُئين على إخباري بما لا ينبغي عليَّ فعْله، يا سيدة أنثانك؟»

نَكَّسَت رأسها في صمت، ومضى دوميني في طريقه. لكن في تلك الليلة، بينما كانت روزاموند وهو يتناولان الحلوى، مستمتعَين بالهدوء الغريب والنسيم الرائع الذي تسلَّل من النافذة المفتوحة، أعلن باركنز عن قدوم زائر.

أعلن: «السيدة أنثانك في المكتبة، يا سيدي.» وأردف قائلًا: «تسأل إن كان بإمكانك أن تُقابلها لمدة خمس دقائق.»

ارتجفت روزاموند قليلًا، لكنها أومأت برأسها بينما كان دوميني ينظر إليها مستفسرًا.

توسلَت: «لا تدَعْني أراها من فضلك.» وتابعت قائلةً: «يجب أن تذهب، بالطبع. إيفرارد!»

«نعم، عزيزتي؟»

تابعَت بنبرةٍ تنطوي على اضطرابٍ غريب: «أعرف ما تفعله هناك، على الرغم من أنك لم تقُل لي كلمةً واحدة حول هذا الموضوع.» وتابعت قائلةً: «لا تدَعْها تُقنعك بالتوقف. دعهم يقطعون، ويحرقون، ويشقُّون حتى لا يكون هناك مكانٌ لاختباء فأر. هل تعدُني؟»

أجاب: «أعدك.»

كانت السيدة أنثانك تبذل قصارى جهدها للسيطرة على اضطرابها الشديد. نهضت عندما دخل دوميني الغرفة وانحنت انحناءةَ احترام من الطراز القديم.

سأل: «حسنًا، سيدة أنثانك، ماذا يمكنني أن أفعل من أجلكِ؟»

اعترفت: «الأمر يتعلَّق بالغابة مرةً أخرى يا سيدي.» وتابعت قائلةً: «لا أستطيع تحمُّل ذلك. طوال الليل، يبدو أنني أسمعُ تلك الفئوس، وصياح الرجال.»

سأل دوميني بصراحة: «ما اعتراضُكِ، يا سيدة أنثانك، على تدمير الغابة السوداء؟» وأضاف قائلًا: «إنها ليست سوى حفرةٍ كريهة للحشرات. وجودها هناك، هو تهديد لأعصاب الليدي دوميني بعد كلِّ ما عانته. أنا مصرٌّ على محوها من على وجه الأرض.»

كان الاحترامُ القسريُّ قد بدأ بالفعل في الاختفاء من أسلوبها.

صرَّحت بإصرار: «سيحيق بك شرٌّ إن فعلت ذلك، يا سير إيفرارد.»

قال لها: «لقد حاق بي الكثيرُ من الشر من تلك الغابة وهي على حالها.»

استمرَّت: «هل تقصد إزعاجَ روح مَن رميت جسده هناك؟»

نظر إليها دوميني بهدوء. بدا أن وجهها قد أضاء بنوعٍ من الشر. تقلَّصت شفتاها، مما أظهر اصفرارَ أسنانها. كانت عيناها الضيقتان تلمعان ببريق الكراهية.

قال: «أنا لستُ قاتلًا، يا سيدة أنثانك.» وأضاف قائلًا: «ابنكِ تسلَّل من عتمَة تلك الغابة، وهاجمني بطريقةٍ جبانة، وتقاتلنا. كان غاضبًا عندما هاجمني، وقاتلَ كالمجنون، وعلى الرغم من أنني كنتُ أفوقه قوةً، فإنني كنت سعيدًا بالنجاة حيًّا. لم ألمس جسده قط. إنه موجود حيث سقط. لو زحف إلى الغابة ومات هناك، فإن موته لم يكن على باب منزلي. لقد سعى لقتلي على الرغم من إنني لم أسعَ لقتله قط.»

تمتمَت المرأة: «لقد ظلمتُه.»

قال: «هذا أيضًا غير صحيح.» وأضاف قائلًا: «كان شغَفه بالليدي دوميني غيرَ مرحَّب به وغيرَ متبادل. كان شعورها الوحيد تجاهه هو الخوف؛ وذلك أمرٌ يعرفه كل سكان الريف. كان ابنك رجلًا وحيدًا، كئيبًا ويعيش حياة شريرة، يا سيدة أنثانك. لو كان لدى أيٍّ منا نزعةٌ للقتل في قلبه، فقد كان هو، وليس أنا. أما فيما يتعلق بكِ» تابع دوميني، بعد توقُّف للحظة: «فأظنُّ أنكِ قد انتقمتِ يا سيدة أنثانك. كنتِ أنتِ مَن جعل زوجتي تصلُ إلى حالةٍ من الجنون. كنتِ أنتِ مَن زرع بداخلها الرعبَ من شبح ابنك المزعوم. أظن أنه لو أنني كنت قد بقيتُ بعيدًا عامَين آخَرين، لكانت الليدي دوميني في مستشفًى للمجانين اليوم.»

صاحت المرأة: «كم كنتُ أتمنى أن تتعفَّن حتى الموت في أفريقيا!»

أجاب: «أنتِ تُفْرطين في التمسُّك بمشاعرك الشريرة يا سيدة أنثانك.» وأضاف قائلًا: «خذي بنصيحتي. تخلَّيْ عن هذه الفكرة الحمقاء بأن الغابة السوداء لا تزال موطنَ روحِ ابنك. اذهبي وعيشي على راتبكِ السنوي في جزء آخر من البلد وانسَي ما حدث.»

تحرَّك عبر الغرفة ليفتحَ إحدى النوافذ. تبعته عيناها بتساؤل.

قالت ببطء: «لقد سمعت شائعة؛ ثَمة خبرٌ منتشر بشأنك. كانت لديَّ شكوكي في بعض الأحيان. وتعود لي هذه الشكوك في كلِّ مرة تتحدث فيها. هل أنت حقًّا إيفرارد دوميني؟»

استدار وواجَهها.

وقال: «مَن غيره؟»

استطردَت قائلة: «يوجد شخص واحد لم يُصدِّقك أبدًا، وهو سيادتها. لقد سمعت كلامًا غريبًا من الناس الذين عانَوا أساليبَك المتسلطة. أنت رجل أصعب من إيفرارد دوميني الذي أتذكَّره. ماذا لو كنتَ محتالًا؟»

أجاب دوميني: «ليس عليكِ سوى إثباتِ ذلك، يا سيدة أنثانك، وعلى أيِّ حال، قد يظل جزءٌ من الغابة السوداء قائمًا. سوف تجدين الأمرَ صعبًا بعض الشيء. يجب أن تعذريني على قرعي الجرس. فلا أرى أيَّ هدف من مطالبتكِ بالبقاء مدةً أطول.»

نهضَت واقفةً رغم إرادتها. كان أسلوبها متجهمًا وقاسيًا.

حذَّرته: «إنك تطلبُ حدوث شرور.»

أجاب دوميني: «كوني مطمئنةً إلى أنه إن حدثَت، فسأعرف كيف أتعامل معها.»

•••

عثَر دوميني على روزاموند والدكتور هاريسون، الذي كان قد قَدِم من القرية، وكان ينتظر في الشرفة. رحَّب بالأخير بحرارة.

وأعلن: «أنت عطيةٌ من الله أيها الطبيب.» وأضاف قائلًا: «لقد اضطُررتُ إلى ترك نبيذ البورت دون تذوُّقه بسبب عدم وجود رفيق. هلا تعذرينا للحظة يا روزاموند؟»

أومأَت برأسها بلطف، وتبع الطبيبُ مضيفه إلى غرفة الطعام وجلس على الطاولة حيث كانت الحلوى لا تزال موجودة.

سأله الأخير بنظرةٍ فاحصة من تحت حاجبَيه الأشعثَين الرماديَّين: «امرأة عجوز تُهدد بأذًى؟»

أجاب دوميني وهو يملأ كأس ضيفه: «أظن أنها تعني ذلك. شخصيًّا» وتابع بعد لحظة من التوقف: «بدأ الوضع الحاليُّ يؤكد شكِّي القديم. أنا رجلٌ مادي صارم وثابت، كما تعلم، أيها الطبيب، في بعض الأمور، وليس لديَّ أدنى إيمان بفكرة الأم المحبة للانتقام، الوَجِلة حتى الموت من أن يتسبَّب اقتلاع غابة ضارة في طردِ روح ابنها الملاك إلى العالم القاسي.»

سأل الطبيب بصراحة: «ماذا تعتقد؟»

أجاب دوميني: «أُفضِّل عدم إخبارك في الوقت الحاضر.» وأضاف قائلًا: «سيبدو الأمر عجيبًا للغاية.»

علَّق الطبيب: «ملاحظتك بعد ظهر هذا اليوم تحدَّثت عن مسألةٍ مُلحَّة.»

«المسألة مُلحَّة بالفعل. أريدك أن تُقدم لي معروفًا عظيمًا — أن تبقى هنا طوال الليل.»

«هل تتوقعُ حدوث شيء ما؟»

«أتمنى، على أي حال، أن أكون مستعدًّا.»

وعد الطبيب: «سأبقى بكل سرور.» وأضاف قائلًا: «يمكنك إقراضي بعضَ الأدوات، على ما أظن؟ وأعطني غرفةً في مكانٍ ما بالقرب من غرفة الليدي دوميني. بالمناسبة» أضاف، ثم تردَّد.

قاطعه دوميني بقليلٍ من الحدة: «لقد اتبعت نصيحتك، أو بالأحرى أوامرك.» وأضاف قائلًا: «لم يكن الأمر سهلًا دائمًا، لا سيما في لندن، حيث إن روزاموند بعيدةٌ عن هذه العلاقات. آمُل في حدوث أمور عظيمة نتيجةً لما قد يحدث الليلة، أو قريبًا جدًّا.»

أومأ الطبيب متعاطفًا.

وقال: «لا ينبغي عليَّ التساؤل بشأنِ ما إذا كنت على الطريق الصحيح.»

دخلَت روزاموند من النافذة إليهما وجلست بجانب دوميني.

وسألت: «لماذا تتهامسان مثل المتآمرين؟»

أجاب بمرح: «لأننا متآمران.» وأضاف قائلًا: «لقد أقنعتُ الدكتور هاريسون بالبقاء الليلة. يريد غرفةً في جَناحنا. هلا تخبرين الخادمات، يا عزيزتي؟»

أومأت برأسها بعد تفكير.

«بالطبع! يوجد العديد من الغرف الجاهزة. ظنَّت السيدة ميدجلي أننا قد نأتي ببعض الضيوف. أنا متأكدة تمامًا من أننا نستطيع أن نوفِّر الراحة للدكتور هاريسون.»

صرَّح الطبيب: «لا شك في ذلك، يا ليدي دوميني.» وأضاف قائلًا: «دعيني أكُن قريبًا من جَناحكِ قدرَ الإمكان.»

كان ثَمة القليل من القلق على وجهها.

سألت: «هل تظن أنَّ شيئًا ما سيحدث الليلة؟»

وافق دوميني: «الليلة، أو ليلة قريبة جدًّا.» وأضاف قائلًا: «من الجيد أيضًا أن تكوني مستعدَّة. لا داعي للخوف يا عزيزتي، حسنًا؟ سأكون أنا والطبيب بجانبكِ.»

أجابت بقليلٍ من الغموض: «إنني أخشى شيئًا واحدًا فقط.» وأردفت قائلةً: «لقد كنت سعيدةً جدًّا مؤخرًا.»

•••

بعدما غيَّر دوميني ملابسه لملابس صباحية عادية، وربط جسده بحبلٍ سميك، ووضع مسدسًا في جيبه، وأمسك عصًا ثقيلة في يده، أمضى بقية الليلة وجزء من الصباح الباكر مختبئًا خلف مجموعة كبيرة من شجيرات الورد، وعيناه مثبتتان على قطعة أرض مظلمةٍ من الحديقة تقع بين المنزل والغابة السوداء. كانت الليلة غير مُقمِرة ولكن صافية، وبمجرد أن اعتادت عيناه الشفقَ الباهتَ الكئيب، كان المنظر الطبيعي كلُّه والأشياء المتحركة فيه مرئيةً بشكلٍ معتم. وبدا وكأنه استعاد عاداتِ سنوات حياته في الأدغال بشكلٍ غريزي، في تلك الساعات القليلة من الانتظار. كل حاسة كانت متوترةً ونشطة؛ كل صوت ليليٍّ — أبرزها صوت نعيق بعض طيور البوم التي أزعجها شيءٌ من مكانها المستتر في الغابة السوداء — كان مسموعًا وموضوعًا في الاعتبار. بعد ذلك، بمجرد أن ألقى نظرة خاطفة على ساعته ووجد أن الوقت كان يقترب من الساعة الثانية، جاء التنبيه الحقيقيُّ الأول بأنَّ شيئًا ما من المحتمل أن يحدث. سمع صوتَ طقطقةٍ خافتةٍ تتحرك عبر الحديقة باتجاهه، بإيقاعٍ غريب وغير منتظم، آتيةٍ من خلف سلسلة من التلال المنخفضة. نهض على يديه وركبتيه ليشاهد. كانت عيناه مثبتتين على بقعةٍ معينة، وهي قطعة أرض ممتدَّة من الحديقة المفتوحة بينه وبين الهضاب. توقَّف صوت الطقطقة ثم بدأ مرةً أخرى. في العراء، ظهر شكلٌ مظلم، واتضح على الفور عدمُ انتظام حركاته. تحرَّك في البداية على أربعٍ، ثم على قدمين، ثم على أربعٍ مرةً أخرى. زحف مقتربًا أكثر فأكثر، ووضع دوميني جانبًا عصاه وهو يراقب. وصل ذلك الشيء إلى الشرفة، وتوقَّف تحت نافذة روزاموند، وكان حينئذٍ على بُعد ما لا يزيد على ستِّ ياردات من المكان الذي كان جاثيًا فيه. انتظر بتأنٍّ ما كان يعرف أنه لا بد أن يأتيَ قريبًا. ثم قُطِعَ الصمت العميق الذي ساد الليلة المثيرة بتلك الصرخة الغريبة المألوفة. انتظر دوميني حتى تلاشَت أصداؤها. ثم ركض بضع خطوات، وانحنى، ومدَّ يدَيه. مرةً أخرى، وللمرة الأخيرة، قطعت صرخةُ ذلك الشيطان السكونَ العميق لصباح أحد أيام شهر أغسطس، كما لو كانت تنبض بقليلٍ من الخوف الجديد، وتلاشت كما لو أن الأصابع التي كبَتَتها في الحلق المجهَد قد سحَقَت بالفعل آخرَ بريقٍ لحياة شريرة.

عندما ظهر الدكتور هاريسون على عجل، بعد لحظات قليلة، وجد دوميني جالسًا على الشرفة، يدخن سيجارة بغضب. وعلى الأرض، على بُعد أمتارٍ قليلة، يرقد شيءٌ أسود بلا حَراك.

شهق الطبيب قائلًا: «ما هذا؟»

أظهر دوميني لأول مرة بعضَ علامات عدم ضبط النفس. كان صوته مخنوقًا وأجش.

قال: «اذهب وانظر إليه أيها الطبيب.» وتابع قائلًا: «إنه مقيَّد اليدَين والقدمين. يمكنك أن ترى أين أخفت روح روجر أنثانك نفسها.»

أجاب الطبيب بازدراءٍ متجهم: «اللعنة!» وتابع قائلًا: «إنه روجر أنثانك نفسه. الوحش!»

خرج عددٌ قليل من الخدم. أعطى دوميني بعض الأوامر بسرعة.

أمر: «اتَّصلوا بالمرآب، وأريد أن يذهب أحد الرجال إلى المستشفى في نورويتش. دكتور، هل ستصعد وترى الليدي دوميني؟»

تخلَّص باركنز من عاداتٍ التزمَ بها طيلة عمره. وطرح النزيهُ الصامتُ، الإنسانُ الروتينيُّ المثالي، سؤالًا متلهفًا.

«ما الأمر يا سيدي؟»

سُمِع صوت نافذة تُفتح فوقهم. في تلك اللحظة، لم يكن باركنز ليطالب عبثًا بمعاشٍ سنوي. نظر دوميني إلى نصف الدائرة الصغيرة التي شكَّلَها الخدمُ حوله ورفع صوته.

«إنها، كما آمُل، نهايةُ هذه الخرافات الحمقاء حول شبح روجر أنثانك. هناك يرقد روجر أنثانك، نصف وحش ونصف رجل. لسببٍ أو لآخَر — أحد أسباب شخص مجنون بالطبع — اختار إخفاءَ نفسه في الغابة السوداء كلَّ هذه السنوات. أظن أن والدته كانت شريكتَه وكانت تُحضر له الطعام. إنه لا يزال على قيد الحياة، ولكن في حالةٍ مقرفة.»

سرى القليلُ من الهمهمة المتَّسمة بالشعور بالرهبة. أصبح صوتُ دوميني عمَليًّا جدًّا.

تابع قائلًا: «أفترض أن فكرته الأولى كانت الانتقامَ منَّا ومن أهل هذا المنزل، الذي تخيَّل أنه قد أُسيئت معاملته على يدهم. ومع ذلك، كان الرجل على مشارف الجنون عندما أتى إلى الجوار وتصرَّف كالمجانين منذ ذلك الحين. جونسون» تابع دوميني موجِّهًا كلامه إلى خادمٍ قوي يتمتع بحسٍّ سليم: «استعِدَّ لأخذ هذا المخلوق إلى مستشفى نورويتش. أخبِرهم أنه إذا لم أحضر أثناء النهار، فسأرسل لهم رسالةً توضيحية. أرجو أن يذهب بقيتكم إلى الفراش، باستثناء باركنز.»

بقليلٍ من هتافات التعجُّب بدَءوا يتفرقون. ثم توقَّف أحدهم وأشار عبر الحديقة. جاء جسد راتشيل أنثانك الهزيل متحركًا بسرعةٍ لا تُصدَّق، ومترنحًا أحيانًا، وأصبحت وسطهم قبل أن يتمكَّنوا من إدراك ذلك. سارت مترنحةً إلى الجسد الممدَّد أرضًا وألقت بنفسها على ركبتَيها. استقرَّت يداها على الوجه غير المرئي، وعيناها تُحملقان في دوميني.

قالت لاهثة: «إذن لقد نلت منه أخيرًا!»

قال دوميني بصرامة: «سيدة أنثانك، جئتِ في الوقت المناسب لمرافقة ابنكِ إلى المستشفى في نورويتش. ستكون السيارة هنا في غضون دقيقتَين. ليس لديَّ ما أقوله لكِ. يجب أن يكون شعوركِ بالذنب عقابًا كافيًا على إبقاء هذا المخلوق المسكين على قيد الحياة بهذه الطريقة ومساعدته أثناء غيابي في تحقيق رغبته اللعينة في الانتقام.»

تمتمَت: «كان سيموت لو لم أحضِر له الطعام.» وأضافت قائلةً: «لقد بكيتُ بكاءَ امرأة كسيرة القلب، وتوسَّلت إليه أن يعود إليَّ.»

أصرَّ دوميني: «ومع ذلك، شاركتِ في مؤامرته القذرة للانتقام من امرأةٍ بريئة. وتركتِه يأتي ويُصدر أصواتَ الغيلان، ليلةً بعد ليلة، تحت هذه النوافذ، دون أدنى اعتراض. كنتِ تعرفين تمام المعرفة مصدرَها الملعون — أنتِ، مع امرأة حساسة في مسئوليتك تثق بكِ. أنتما ثنائيٌّ شرير، لكنكِ أسوأ من ابنكِ الأبله.»

لم تُجِب المرأة. كانت لا تزال راكعةً على ركبتيها، تنحني على الجسد الممدَّد على الأرض، الذي خرج من شفتيه الآن أنينٌ خافت. ثم أضاءت أنوار السيارة عندما غادرت المرآب، ومرَّت عبر البوابات الحديدية وتوقَّفت على بُعد أمتار قليلة.

أصدر دوميني أوامرَه قائلًا: «ساعِداه على ركوب السيارة.» وأردف قائلًا: «يمكنك فكُّ وَثاقه، يا جونسون، بمجرد أن تتحرك. فهو لا يتمتع بالكثير من القوة. أخبِرهم في المستشفى أنني سأكون هناك على الأرجح خلال النهار أو غدًا.»

بقليل من الخوف انحنى الرجلان لأداء مهمتهما. تمتم الأسيرُ طوال الوقت، لكنه لم يُقاوم. استدارت راتشيل أنثانك مرةً أخرى إلى دوميني وهي تتقدم لتأخذ مكانها إلى جانبه. كانت امرأة محطَّمة.

وقالت وهي تبكي: «لقد تخلصتَ منا، ربما إلى الأبد. لقد قلتَ أشياءَ قاسية عنا. روجر ليس دائمًا … سيئًا للغاية. في بعض الأحيان يكون أكثرَ لطفًا من الآخرين. كنت ستعتقد حينها أنه مجرد طفل يعيش هناك حبًّا في الرياح، والأشجار، والطيور. إذا جاء إلى …»

تبدَّلت نبرة صوتها. كان ردُّ دوميني سريعًا ولطيفًا. أشار إلى النافذة بالأعلى.

«إذا تعافت الليدي دوميني، فسنغفرُ لكِ ولابنكِ. وإذا لم تستردَّ عافيتها أبدًا، أتمنى لكما أن تكونا في الركنِ الأكثرِ سوادًا في الجحيم.»

انطلقَت السيارة. التقى الدكتور هاريسون بدوميني على العتبة وهو يستدير نحو المنزل.

أعلن: «سيادتها فاقدةٌ للوعي الآن.» وأردف قائلًا: «ربما تكون تلك علامةً جيدة. لم أُحبَّ أبدًا ذلك الهدوء غير الطبيعي. أظن أنها ستكون فاقدةً للوعي ساعاتٍ عديدة. بحق الرب، تعالَ واشرب كأسًا من الويسكي والصودا وأعطِني واحدًا!»

•••

سقطت أشعة الشمس في الصباح الباكر على الحديقة عندما افترق الرجلان أخيرًا. وقفا للحظة ينظران إلى الخارج. وجاء من الغابة السوداء صوتُ أزيز منشار. كانت مجموعة الرجال الصغيرة قد تركَت خيامها. وأعلنَ صوتُ تحطُّم شجرة عن عملهم الصباحي.

سأل الطبيب: «هل ما زلت مستمرًّا في ذلك؟»

أجاب دوميني بشغفٍ مفاجئ في نبرة صوته: «إلى آخر جذع شجرة، إلى آخر شُجيرة، إلى آخر مجموعة من الأعشاب.» وأردف قائلًا: «سأسوِّي هذا المكان بالأرض، وسأجفف مستنقعاته السامة. لقد كرهتُ تلك البقعة البغيضة» تابع قائلًا: «منذ أدركتُ مدى المعاناة التي سبَّبتها لها. قد لا يكون عهدي هنا طويلًا يا دكتور — لديَّ مأساتي الخاصة التي يجب أن أتعامل معها — لكن أولئك الذين سيأتون من بعدي لن يشعروا أبدًا بفساد هذا المكان اللعين.»

أصدرَ الطبيب صوتًا منخفضًا. واحتفظ بأفكاره الداخلية لنفسه.

وأقرَّ: «ربما تكون على حق.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤