الفصل السابع
أُقيم حفل عشاء وحفل استقبال صغير للغاية بعد ذلك في السفارة العظيمة في كارلتون هاوس تيراس. كان السفير، الأمير تيرنيلوف، يودِّع ابنة عمِّ زوجته، الأميرة إيدرستروم، آخرَ ضيوفه. أخذتْه جانبًا للحظة.
قالت: «كنتُ أتمنى أن أتحدَّث مع سموك طوال المساء.»
أجاب: «وأنا أيضًا يا عزيزتي ستيفاني.» وتابع قائلًا: «الوقت مبكِّر جدًّا. دعينا نجلس للحظة.»
قادها نحو أريكةٍ لكنها هزَّت رأسها.
وقالت: «لديك موعدٌ في الساعة الحادية عشرة والنصف.» وأضافت قائلةً: «وأتمنى أن تلتزم به.»
«أنت تعلمين بشأنه إذن؟»
«تناولتُ طعام الغداء اليوم في مطعم المشويات بفندق كارلتون. والتقيتُ في غرفة الاستقبال وجهًا لوجه مع ليوبولد فون راجاشتين.»
لم يُبْدِ السفير أيَّ ملاحظة. بدا أن رغبته هي أن يسمع أولًا كلَّ ما تقوله رفيقته. بعد لحظةِ توقُّف واصلت:
«تحدثتُ إليه، وأنكر نفسَه. لي! أظن أن تلك كانت أسوأَ لحظات حياتي. لم أعانِ هكذا من قبل. ولن أعاني كثيرًا مرة أخرى.»
تمتم الأميرُ متعاطفًا: «هذا أمرٌ مؤسف للغاية.»
تابعت قائلةً: «هذا المساء، تلقيت زيارةً من رجلٍ اعتبرته في البداية عضوًا ضئيلًا من الطبقة الوسطى الألمانية. لكنني علمت شيئًا عن مركزه الحقيقيِّ لاحقًا. جاء لي ليشرح أن ليوبولد كان يعمل في هذا البلد في المخابرات السرية، مستخدمًا الاسم الذي أعطاني إياه، السير إيفرارد دوميني، بارونيت إنجليزي، فُقِد منذ مدةٍ طويلة في أفريقيا. هل تعرف أيَّ شيء عن هذا الأمر؟»
«أعلم أنني سأتلقَّى هذه الليلةَ زيارةً من السير إيفرارد دوميني.»
«هل سيعمل تحت رعايتك؟»
ردَّ الأمير بشكل ودي: «على الإطلاق، فأنا لا أميل بشكل إيجابي نحو شبكة التجسس هذه. فمدرسة الدبلوماسية التي نشأتُ فيها تُحاول العمل من دون مثل هذه الوسائل الدنيئة.»
قالت: «أنا أدركُ ذلك.» وأردفت قائلةً: «لكن ليوبولد قادم، الليلة، ليُعرب عن احترامه لك.»
أكَّد السفير: «إنه ينتظرني الآن في مكتبي.»
تابعت: «ستُسدي لي معروفًا وتنقل له رسالة مني.» وتابعت قائلةً: «أشار هذا الرجل سيمان لي إلى عدم حكمة وجود أيِّ علاقة بيني وبين ليوبولد، في ظل الظروف الحاليَّة. لقد استمعت إلى كل ما قاله. واحتفظت بقراري. لقد نظرتُ الآن في الأمر. سأقبل بحل وسط للضرورة. سأرضى بالتعرُّف على السير إيفرارد دوميني، ولكني سأفعل ذلك.»
قال السفير مفكِّرًا: «من ناحيتي، لا أعرف حتى ما هي مهمة فون راجاشتين هنا، ولكن إذا قرَّروا في برلين أنه، من أجل الحفاظ الأكمل على وضعِ تخفِّيه، فإن العلاقة بينك وبينه أمر غير مرغوب فيه …»
وضعت أصابعها على ذراعه.
قالت له آمرةً: «توقَّف!» وأضافت قائلةً: «أنا لست من برلين. أنا لست ألمانية. أنا لست نمساويةً حتى. أنا مجَرية، ومع أنني على استعداد لمعرفة اهتماماتكم، إلا أنني لا أرغبُ في جعلها أهمَّ من حياتي الخاصة. إنني أضع شروطًا، لكنني لا أستسلم. وسأناقش هذه الشروط مع ليوبولد. آه، كن لطيفًا معي!» واصلت، مع تغيير مفاجئ في صوتها. «منذ هذه الدقائق القليلة في منتصف النهار، عشت في حلم. شيء واحدٌ فقط يمكن أن يُهدِّئني. يجب أن أتحدَّث معه. يجب أن أقررَ معه ما سأفعله. هل ستساعدني؟»
أقر قائلًا: «التعارف بينكِ وبين السير إيفرارد دوميني هو بالتأكيد أمرٌ طبيعي تمامًا.»
قالت متوسلةً: «انظر إليَّ.»
استدار ونظر في وجهِها. كانت توجد خطوطٌ داكنة تحت عينيها الجميلتين؛ وكان ثَمة شيء يبعث على الشفقة في انثناءةِ فمها. تذكَّر أنه على الرغم من أنها كانت تتحرك طوال المساء بكل كرامة، وهو ما كان أمرًا فِطريًّا لديها، فقد سمِع أكثر من تعليق متعاطف عن مظهرها.
علَّق بلطف: «أستطيع أن أرى أنك تُعانين.»
تابعت: «عيناي متقدتان، وثمة لهيبٌ متأجج بداخلي.» وأضافت قائلةً: «يجب أن أتحدَّث إلى ليوبولد. طلبتْ مني فريدا البقاء والتحدُّث معها لمدة ساعة. سيارتي تنتظر. رتِّب معه أن يُقلَّني إلى المنزل. أوه! صدقني، يا صديقي العزيز، أنا امرأة تتمتَّع بإنسانية مرهفة، ولا يوجد شيء في العالم يمكن ربحُه بمعاملتي كما لو كنت مصنوعة من خشب أو حجر. يمكنُني أن أراه الليلة دون مراقبة. إذا رَفَضت، فسوف سأتخذ وسائلَ أخرى. لن أعطي أيَّ وعود. لن أعدك حتى أنني لن أصرخ أمامه في الشوارع بأنه كاذب، وأن حياته كذبة. سأدعوه ليوبولد فون راجاشتين …»
توسَّل إليها: «صه!» وأضاف قائلًا: «ستيفاني، أنتِ متوترة. لم أُجِب بعدُ على مناشدتكِ.»
«هل توافق؟»
وعدَها قائلًا: «أنا موافق.» وأردف قائلًا: «بعد مقابلتنا، سأحضر الشاب إلى غرفة فريدا وأقدِّمه لك. ستكونين هناك. يمكنه أن يعرض عليك مرافقته.»
انحنت فجأةً وقبَّلتْ يده. وبدا على وجهها ارتياح هائل.
وقالت: «الآن لن أؤخركَ أكثرَ من هذا. فريدا تنتظرني.»
تمشَّى السفير بهدوء باتجاه مكتبه في الجزء الخلفي من المنزل، حيث كان دوميني ينتظرُه.
قال الأول وهو يمدُّ يده: «أنا سعيد برؤيتك.» وتابع قائلًا: «أرغب في التحدُّث إلى شخصيتِك الحقيقية لمدة خمس دقائق. بعد ذلك، لبقية وقتك في إنجلترا، سأحترم هُويتك الجديدة.»
انحنى دوميني في صمت. أشار مضيفه إلى الخِوان.
تابع: «تعالَ، يوجد سيجار وسجائر بجوارك، وويسكي وصودا في صوان الخِوان. خذ راحتك على ذلك المقعد هناك. حقًّا لم تغيِّرك أفريقيا إلا قليلًا جدًّا. هل تتذكَّر لقاءنا السابق في ساكسوني؟»
«أتذكَّر ذلك تمامًا، يا صاحب المعالي.»
تابع السفير قائلًا: «لقد عرَف جلالة الملك كيف يحافظ على البلاط في تلك الأيام.» وأضاف: «كان المرء يميل إلى تصديق نفسه في حفلةٍ ريفية إنجليزية. ومع ذلك، فإن هذا شيء من الماضي. تعرفُ، بالطبع، أنني أرفض كليًّا وضعك الحاليَّ هنا، أليس كذلك؟»
«هذا ما فهمتُه، يا صاحب المعالي.»
قال الأمير وهو يُشعل سيجارًا: «لن يكون بيننا تحفُّظ.» وأردف قائلًا: «أعرف جيدًا أنك تُشكِّل في هذا البلد جزءًا من شبكة تجسُّس أعتبرها غيرَ ضرورية على الإطلاق. تلك ببساطة مسألة منهجية. ليس لديَّ شك في أنك هنا لنفس هدفي، الهدف الذي أعلن القيصرُ لي بشفتيه أنه الأقرب إلى قلبه؛ وهو توطيد أواصر الصداقة بين ألمانيا وإنجلترا.»
«هل تعتقد، يا سيدي، أن هذا ممكن؟»
كان الردُّ الجاد: «أنا مقتنعٌ بذلك.» وتابع قائلًا: «لا أعرف بالضبط طبيعة عملك هنا، لكنني سعيدٌ بأن تُتاحَ لي فرصة أن أعرض عليك قناعاتي. أعتقد أن شخصية بعض رجال الدولة البارزين في برلين قد أُسيء فَهمُها وتمثيلها. أجد في كلِّ من يحيط بي رغبة جادة وصادقة في السلام. لقد اقتنعتُ بأنه لا يوجد رجل دولة واحد في هذا البلد يرغبُ في الحرب مع ألمانيا.»
كان دوميني يستمعُ باهتمام، بطريقة شخص يسمع أمورًا غير متوقَّعة.
تجرَّأ وقال: «ولكن، معاليك، ماذا عن الأمر من وجهة نظرنا؟ يوجد كثيرون جدًّا في بلدنا، ممن أعرفُهم أنا وأنت، يتطلعون إلى حرب مع إنجلترا باعتبارها أمرًا لا مناص منه. نعتقد جميعًا أن ألمانيا يجب أن تُصبح أعظم إمبراطورية في العالم. يجب أن تصعد إلى هناك، كما قال أحدُ أصدقائنا ذات مرة، واضعة قدَمها على رقبة الأسد البريطاني.»
قال السفير بجدية: «تفكيرك عتيق، وعفا عليه الزمن.» وأضاف قائلًا: «فهمت الآن لماذا أرسَلوك إليَّ. لقد وَلَّتْ تلك الأيام. يوجد متَّسَع في العالم لبريطانيا العظمى وألمانيا. إن تفكُّك روسيا في المستقبل القريب أمرٌ مؤكَّد. يجب أن نبحث باتجاه الشرق عن أي توسُّع كبير في الأراضي.»
«هل بُتَّ في هذه الأمور؟»
«قطعًا! إنها تُشكِّل جوهرَ مهمتي هنا. إنني مفوَّض للسلام، وكلما رأيت رجال الدولة الإنجليز، وفهمت وجهة النظر البريطانية، زاد تفاؤلي بشأن نجاح جهودي. هذا هو السبب في أن كل هذا التجسُّس الخارجي الذي يهتم به سيمان إلى حد كبير يبدو لي أحيانًا غيرَ حكيم وغير ضروري.»
استفسر دوميني: «وماذا عن مهمتي؟»
أجاب الأمير: «لم يُكْشَف عن طبيعتها بعدُ، ولكن، كما فهمت، إذا كان من المفترض أن تُصبح مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بمهمتي، فأنا متأكدٌ من أنك ستجد على الفور أن موضوعها أيضًا هو السلام.»
نهض دوميني واقفًا، واستعدَّ للمغادرة.
وتمتم: «ستتكشَّفُ لنا هذه الأمور.»
قال تيرنيلوف بنبرةٍ مختلفة: «يوجد فقط موضوعٌ أكثرُ خصوصية إلى حدٍّ ما أريد أن أحدثك بشأنه.» وأردف قائلًا: «الأميرة إيدرستروم في الطابق العلوي.»
«في هذا المنزل؟»
«تنتظر أن تتحدثَ معك. صديقنا سيمان كان معها هذا المساء. أفهم أنها راضيةٌ عن الاشتراك في الوضع الحالي. ومع ذلك، فإنها تضعُ شرطًا واحدًا.»
«ما هو؟»
«إنها تُصرُّ على أن أُقَدِّمها إلى السير إيفرارد دوميني.»
لم يُحاول الأخير إخفاء قلقه.
واحتجَّ قائلًا: «لستُ بحاجةٍ إلى أن أوضح لك، يا سيدي، أن أيَّ علاقة بيني وبين الأميرة من المرجَّح أن تزيد إلى حدٍّ كبير من صعوبات موقفي هنا.»
تنهَّد السفير.
أقرَّ قائلًا: «أنا أقدِّر ذلك تمامًا.» وتابع قائلًا: «لقد سعيت أنا وسيمان للتفاهم معها، ولكن، كما تعلم بلا شك، الأميرة امرأة ذات إرادة قوية جدًّا. وتتمتَّع أيضًا بمكانة قوية هنا، وثمة رغبة ملحَّة من البلاط الملكي في برلين لتهدئة النبلاء المجريين بكل الطرق. ستفهم بالطبع أنني أتحدَّث من وجهة نظر سياسية بحتة. لا أستطيع أن أتجاهل حقيقة علاقاتك المؤسفة مع الأمير الراحل، ولكن عند النظر في الموقف الحالي، أنا متأكد من أنك ستتذكَّر المصالح الكبرى.»
سكت زائرُه للحظة.
وقال: «هل تقول إن الأميرة تنتظر هنا؟»
«إنها مع زوجتي وتطلبُ أن ترافقها للمنزل. كما تتطلَّع زوجتي إلى شرف تجديد تعارفِها بك.»
قرَّر دوميني: «سأقبلُ توجيهات سموك في هذا الشأن.»
كانت الأميرة تيرنيلوف امرأةً ذات ثقافة عالمية، وفنانة، وما زالت امرأة جذابة للغاية. استقبلَت الزائرَ الذي أحضره لها زوجها في غرفة صغيرة ساحرة للغاية مؤثَّثة على طرازِ أبسطِ حِقبة فرنسية، وبذلَت قُصارى جهدها لتخفيف توتُّرٍ ما فهمتْ أنه لا بد أن يكون لحظةً صعبة إلى حدٍّ ما.
قالت وهي تُمسك بيده: «يسعدنا أن نرحِّب بك في لندن، سير إيفرارد دوميني، وآمُل أن نراك هنا كثيرًا. أريد أن أقدِّمك إلى ابنة عمي، المهتمة بك، يجب أن أخبرك بصراحة، بسبب شبهك بصديق عزيز جدًّا لها. ستيفاني، هذا السير إيفرارد دوميني — الأميرة إيدرستروم.»
مدَّت ستيفاني، التي كانت جالسةً على الأريكة التي نهضت منها ابنةُ عمها لتوها، يدَها إلى دوميني، الذي انحنى لها بشكل رسمي للغاية. كان ثوبها أسودَ تمامًا. وحول رقبتها تومض ماساتٌ رائعة، وكانت ترتدي أيضًا إكليلًا على الطراز المجري، منخفضًا قليلًا على جبهتها. كان أسلوبها ونبرتها لا يزالان يشيران إلى قدرٍ من التمرد على الوضع.
سألت: «هل سامحتَني على إصراري هذا الصباح؟» وأضافت قائلةً: «كان من الصعب عليَّ أن أصدِّق أنك لم تكن حقًّا الشخصَ الذي حسبتُه أنت.»
أجاب دوميني: «تحدثَ معي أشخاص آخرون عن الشبَه.» وأردف قائلًا: «إنه لمن دواعي أسفي عدمُ قدرتي على ادِّعاء أنني لست أكثرَ من مجرد بارونيت من نورفولك.»
«ألا تملكُ أيَّ خبرة سابقة مع البلاط الملكي الأوروبي؟»
«على الإطلاق.»
«لغتك الألمانية نقيةٌ بشكل رائع مقارنةً برجلٍ قليل الأسفار.»
«اللغات كانت الإنجازَ الوحيد الذي حققتُه من أيام الدراسة المهدرة.»
استفسرَت الأميرة تيرنيلوف: «هل ستعطي كل اهتمامك لنورفولك، يا سير إيفرارد؟»
أجاب دوميني: «نورفولك قريبة جدًّا من لندن هذه الأيام، ولقد عشت أكثرَ من نصيبي من الوحدة خلال السنوات القليلة الماضية. آمل أن أقضيَ جزءًا من وقتي هنا.»
أصرَّت الأميرة: «يجب أن تتناول العشاء معنا ذات ليلة وتخبرنا عن أفريقيا. سيكون زوجي مهتمًّا جدًّا.»
«هذا لطفٌ منكِ.»
نهضت ستيفاني ببطء، وانحنت برشاقةٍ وقبَّلَت مضيفتها على خدَّيها، ومدت يدها إلى الأمير الذي رفعها إلى شفتيه. ثم التفتَت إلى دوميني.
وسألت: «هل ستتكرَّم وتُرافقني إلى المنزل؟» وتابعت قائلةً: «بعد ذلك، يمكن لسيارتي أن تأخذك إلى أيِّ مكان تختار الذهاب إليه.»
وافق دوميني على ذلك بقوله: «سأكون سعيدًا جدًّا.»
ودَّع، هو الآخر، مضيفَيه. سلَّمه خادمٌ في القاعة قبَّعته ومعطفه، واتخذ مكانه في السيارة بجانب ستيفاني. لمست المفتاح الكهربائي عندما تحرَّكا بسلاسة. وأظلمت السيارة.
تمتمت قائلة: «أظن أنني لم أستطِع تحمُّل لحظة أخرى من هذا التلاعب بالكلمات. ليوبولد — نحن وحدنا!»
لمح وميض مجوهراتها، وبريقَ عينَيها الناعمَ وهي تميل نحوه. بدا صوته، حتى لنفسه، قاسيًا وحادًّا.
«أنتِ مخطئة أيتها الأميرة. اسمي ليس ليوبولد. أنا إيفرارد دوميني.»
قالت بهدوء: «أوه، أعلم أنك عنيدٌ جدًّا، عنيد جدًّا ومخلص جدًّا لبلدك الرائع، لكن لديك روحٌ يا ليوبولد؛ أنت تعلم أنه توجد واجبات إنسانية توازي في عظَمتِها أيًّا من الواجبات التي فرضتها عليك دولتُك. أنت تعرف ما أبحث عنه فيك، ما يجب أن أجده فيك وإلا فلأذهبْ إلى الجحيم، شاعرةً بالخجل والبؤس.»
شعر بحلقه جافًّا فجأة.
تمتم: «اسمعي، حتى تأتيَ الساعة المرتقبة، يجب أن أبقى إيفرارد دوميني سواءٌ لكِ أو للعالم، وحدي أو وسط حشد. ثمة طريقة واحدة فقط لإنجاز مهمتي المحددة.»
بكت بقليلٍ من الهستيريا.
وتوسَّلَت: «انتظر.» وتابعت قائلةً: «سأُجيبُك بعد قليل. أعطِني يدك.»
فتح أصابعه التي كانت مضمومة، وشعر بقبضةِ يدها الساخنة تُمسك بيده بشغف، وتجذبها نحوها حتى وضعت أصابع يدها الأخرى عليها أيضًا. وجلسَت لعدة لحظات.
وتابعت بعد وقتٍ قصير: «ليوبولد، أتفهَّم الأمر. أنت تخشى أن أخون حبنا. لديك مبرِّر. فأنا مفعمة بالدوافع والشغف، كما تعلم، لكنني أستطيع أن أتحكَّم في نفسي. لا حاجة إلى معرفةِ أيِّ مخلوق في هذا العالم بطبيعة علاقتنا عندما نكون وحدنا. سأكون حذِرة. أقسِم لك. لن أنظر إليك أبدًا كما لو أن قلبي يتألم بملاحظتك، عندما نكون في حضور أشخاص آخرين. لا تأتِ إلا نادرًا كما تشاء. ولن أستقبلك إلا بقدرِ ما تقول. لكن لا تُعاملني بهذه الطريقة. قل لي إنك عُدت. تخلَّص من هذا القناع البشع، ولو للحظة فقط.»
جلس ساكنًا، رغم أن يدَيها كانتا تجذبان يديه، وشفتاها وعيناها تتوسَّلان إليه.
قال بتعنُّت: «أيًّا كان ما سيأتي بعد ذلك، حتى يحينَ الوقتُ أنا إيفرارد دوميني. لا يمكنني استغلالُ مشاعرك تجاه ليوبولد فون راجاشتين. فهو ليس هنا. إنه في أفريقيا. ربما في يومٍ من الأيام يعود إليك ويكون كلُّ ما تتمنَّينه.»
ألقت يديه بعيدًا. شعر بعينَيها تخترقان عينيه، هذه المرة بشيء أشبهَ بالفضول الغاضب.
صاحت: «دعني أنظر إليك.» وأضافت قائلةً: «دعني أتأكد. هل هذا مجرَّد تغييرٍ مروِّع أم أنك مُحتال؟ قلبي يزداد خوفًا. هل أنت الرجل الذي انتظرته طوالَ هذه السنوات؟ هل أنت الرجل الذي أعطيت له شفتَيَّ، ومن أجله ضحَّيت بسمعتي، الرجل الذي قتل زوجي وتركني؟»
ذكَّرها بصوتٍ يرتجف من التأثر: «كنتُ منفيًّا.» وأضاف قائلًا: «أنتِ تعلمين ذلك. وفيما يتعلَّق بالأمور الأخرى، أنا منفي الآن. وأعمل على التكفير عن ذنبي.»
مالت إلى الخلف في مقعدها بإرهاق. وأغمضت عينيها. ثم دخلت السيارةَ عبر بوابة حديدية وتوقَّفت أمام بابها الذي فُتح على الفور. وأسرع خادمٌ نحوهما. التفتت إلى دوميني.
وناشدته: «ألن تدخل، ولو وقتًا قصيرًا؟»
أجاب بطريقة رسمية: «إذا سمحتِ لي بزيارتك، فسوف يسعدني ذلك كثيرًا.» وأضاف قائلًا: «سأزورك، إذا سمحتِ لي، عند عودتي من نورفولك.»
مدَّت إليه يدها بابتسامةٍ حزينة.
دعته قائلةً: «دع خدَمي يأخذوك إلى أي مكان تريده، وتذكَّر»، وأضافت وهي تخفض صوتها، «أنا لا أعترف بالهزيمة. هذا ليس آخرَ كلام بيننا.»
اختفت بعصبيةٍ نوعًا ما، يُرافقها عبر الباب الأمامي الكبير لأحد قصور لندن القليلة كبيرُ خدمٍ جذابٌ وخادم يرتدي زيًّا خاصًّا بمنزلها. عاد دوميني إلى فندق كارلتون، حيث وجد في الصالة الفرقةَ تعزِف، والجماهير لا تزال جالسة حولها، وكان سيمان واضحًا، بملابس العشاء الأنيقة وطريقته الملائكية التي تجذب انتباهَ معارفه الجدد المحتملين. رحَّب بدوميني بحماس.
وصاح قائلًا: «تعالَ، لقد سئمت الوِحدة! بالكاد رأيت وجهًا أتعرَّف عليه. لساني جافٌّ من قلة الكلام. أحب التحدث، ولم يكن يوجد مَن أتحدث معه. ربما كان من الممكن أن أجعل منزلي الصغير في فورست هيل مفتوحًا.»
«سأتحدثُ معك إذا كنت ترغب في ذلك»، وعده دوميني بقليلٍ من الجدية، وهو يُلقي نظرةً خاطفة على الساعة ويطلب على عجلٍ ويسكي وصودا. وأضاف خافضًا نبرةَ صوته: «سأبدأ بإخبارك ما يلي.» وأضاف قائلًا: «لقد اكتشفت أكبرَ خطر عليَّ مواجهته خلال مهمتي.»
«ما هو؟»
«امرأة — الأميرة إيدرستروم.»
أشعل سيمان سيجارَه الذي لا غنَى عنه، ووضع إحدى رجليه القصيرتين السمينتين على الأخرى. وحدَّق برهةً بارتياح في قدمِه الصغيرة المغطاة بأناقة بحذاء مريح.
اعترف قائلًا: «أنت تُفاجئني.» وأضاف قائلًا: «لقد نظرت في الأمر. ولا أستطيع أن أرى أيَّ صعوبة كبيرة.»
أجاب دوميني: «إذن فأنت تغضُّ طرْفَك عنها عن عَمْد، وإلا فأنت جاهل تمامًا بحالة الأميرة المزاجية وطبيعتها.»
أجاب سيمان: «أعتقد أنني أتفهَّم كليهما، لكني ما زلت لا أرى أيَّ صعوبةٍ استثنائية في الموقف. بصفتك نبيلًا إنجليزيًّا، لديك الحق الكامل في الاستمتاع بصداقة الأميرة إيدرستروم.»
قال دوميني متهكمًا: «وأنا الذي ظننت أنك رجل عاطفي!» وأضاف قائلًا: «تصورت أنك تفهم القليل عن الطبيعة البشرية. ستيفاني إيدرستروم وُلدَت وترعرعتْ في المجر. حتى العِرق لم يُعلِّمها أبدًا ضبط النفس. أنت لا تفترضُ بجدية أنها بعد كل هذه السنوات، وبعد كلِّ ما عانته — وهي بالفعل عانت — ستكون راضية عن شكلٍ من أشكال الصداقة الضعيفة؟ أتحدث معك دون تحفُّظ، يا سيمان. لقد أوضَحَتْ هذه الليلة أنها لن تكون راضية عن أيِّ شيء من هذا القبيل.»
قال سيمان: «ما يحدث بينكما على انفراد …»
قاطعَه رفيقه: «هراء!» وأضاف قائلًا: «الأميرة امرأة مندفعة، وعاطفية، وساذَجةٌ على نحوٍ واضح، ومع ذلك لديها قدرٌ كبير من وحشية الحيوانات البرِّية. من غير المحتمل أن تكون المؤامرات أو الضرورات السياسية أمرًا سهلًا معها.»
احتجَّ سيمان قائلًا: «لكنها بالتأكيد تفهم أن بلدك قد استدعاك لتأدية عملٍ عظيم؟»
هزَّ دوميني رأسه نفيًا.
وأوضح: «إنها ليست ألمانية.» وأضاف قائلًا: «على العكس من ذلك، مثل العديد من المجريِّين الآخرين، أظن أنها لا تحب ألمانيا والألمان. همُّها الوحيد هو المسألة الشخصية بيننا. إنها تعتبر أن كل لحظة من بقية حياتي يجبُ أن تُكَرَّس لها.»
علَّق سيمان: «ربما من الجيد أنك رتبتَ للذَّهاب غدًا إلى قصر دوميني. سوف أفكِّر في خُطة. يجب فعْل شيءٍ ما لتهدئتها.»
أُطفئت الأنوار. ونهض الرجلان رغم إرادتهما إلى حدٍّ ما. وشعر دوميني بانعدامِ رغبة غريبٍ في النوم، لكنه في الوقت نفسِه كان يريد التخلصَ من رفيقه. سارا معًا في القاعة المظلمة بالفندق.
وعَدَه سيمان: «سأتعامل مع الأمر من أجلك قدرَ استطاعتي.» وأضاف قائلًا: «في رأيي، سوف تُواجه غدًا الصعوبةَ الكبرى. أنت تعرف ما عليك التعامل معه في قصر دوميني.»
كان وجه دوميني شديد الإصرار والجدية.
قال: «أنا مستعد.»
كان سيمان لا يزال مترددًا.
سأل «هل تتذكَّر أنه عندما تحدَّثنا عن خططك في كيب تاون، أريتَني صورة — لليدي دوميني؟»
«أنا أتذكَّر.»
«هل يمكنني إلقاءُ نظرة أخرى عليها؟»
سحب دوميني، بأصابعه التي كانت ترتجف قليلًا، من جيب معطفه العلوي حافظةً جلديةً، وأخرج منها صورةً باليةً. نظر الرجلان إليها جنبًا إلى جنبٍ تحت أحد المصابيح الكهربائية التي تُركت مشتعلة. كان الوجهُ وجهَ فتاة، تكاد تكون طفلة، وبدت العينان الجميلتان مملوءتَين بنور غريب وجذَّاب. وكان ثمة شيء له الأثر نفسُه يمكن العثور عليه في الشفاه، ضَعفٌ معيَّن، مناشدة لمخلوق أقوى لتوفير الحب والحماية.
استدار سيمان بقليل من التذمُّر، وعلَّق قائلًا:
«إذا سمحت لنفسي بإعادةِ تخيُّل المشاعر العادية للإنسان العادي للحظة أو اثنتين، لتمكَّنت من الحصول على العشرات من أميراتك في وقتٍ أسرعَ من صاحبة تلك الصورة.»