الفصل التاسع
قال ضيفه، وهو يرتشفُ كأسه الثالثة من نبيذ البورت ذلك المساء: «أهنئك بالتأكيد من كل قلبي، يا سير إيفرارد، على مخازنك.» وأضاف قائلًا: «هذه أفضل كأس من سبعين كأسًا شربتها منذ مدةٍ طويلة، وهذا الرجل الجديد الذي أرسلته لك — باركنز — أخبرني أن هذا النبيذ متوفرٌ بكمية كبيرة.»
علَّق دوميني: «إنه مُعتَّق منذ مدة طويلة جدًّا.»
تابع المحامي: «كنتُ ألقي نظرةً على دفتر المخازن قبل العشاء، وأرى أنه لا يزال لديك نبيذُ سبعة وأربعين وثمانية وأربعين، وكمية صغيرة من نوعَين من الخمور الأقدم. يجب فعْل شيء حيالها.»
اقترح دوميني: «سنجرِّب إحداها ليلة الغد.» وأضاف قائلًا: «قد نقضي نصف الساعة أو نحوَ ذلك في المخازن، إذا كان لدينا متسَعٌ من الوقت.»
قال السيد مانجان بجدية: «وأود أن أقضيَ نصف ساعة أخرى في مقابلة السيدة أنثانك. بصرف النظر عن أي مسألة أخرى، لا أعتقد للحظة أنها الشخصُ المناسب الذي يجب أن يُعهد إليه برعاية الليدي دوميني. لقد قرَّرت أن أتحدَّث إليك حول هذا الموضوع، يا سير إيفرارد، بمجرد وصولنا إلى هنا.»
ذكَّر دوميني رفيقه: «السيدة أنثانك كانت مدبِّرة منزل السيد فيلبريج العجوز ومربيةَ زوجتي عندما كانت طفلة.» وأضاف قائلًا: «مهما كانت عيوبها، أعتقد أنها مخلصةٌ لليدي دوميني.»
اعترف المحامي: «قد تكونُ مخلصة لزوجتك، لكنني مقتنع بأنها عدوتك. الوضع لا يبدو لي مستقرًّا. السيدة أنثانك مقتنعة تمامًا بأنك قتلتَ ابنها، سواءٌ في قتال عادل أو لا. وتعتقد الليدي دوميني ذلك أيضًا، وقد كانت رؤيتك بعد المشاجرة هي ما قادها إلى الجنون. لا يسَعُني إلا أن أصدِّق أنه سيكون من الأفضل لليدي دوميني أن يُرافقها شخصٌ ما غير متصل بهذا الفصل المؤسف من ماضيك.»
قال دوميني: «سوف نستشير الطبيب هاريسون غدًا.» وتابع بعد دقيقة من التردُّد: «أنا سعيد جدًّا لأنك جئت معي يا مانجان. أجد صعوبة كبيرة في العودة إلى أجواء تلك الأيام. بل إنني أحيانًا أجد صعوبة» أضاف بنظرة فضولية خاطفة عبر الطاولة: «في تصديق أنني الرجلُ ذاتُه.»
اعترف السيد مانجان: «ليس بهذه الصعوبة لأنني فعلت ذلك أكثر من مرة.»
أصرَّ دوميني: «أخبِرني بالضبط ما الجوانب التي تعتبرني قد تغيرتُ فيها؟»
اعترفَ قائلًا: «يبدو أنك فقدت قدرًا من المرونة، أو ربما ينبغي أن أُسميَها انعدام الصرامة في التصرف.» وأضاف قائلًا: «يوجد العديد من الأشياء المرتبطة بالماضي التي أجد أنه يكاد يكون مستحيلًا ربطُها بك. مثال تافه على ذلك» تابع، بابتسامة خفيفة، مميلًا رأسه نحو كأس مضيفه التي لم يشرب منها شيئًا. «أنت لا تشرب نبيذ البورت مثل أيِّ فرد من عائلة دوميني عرَفتُه من قبل.»
علَّق دوميني: «أخشى أنني لم أعتدْ أبدًا على مذاق نبيذ البورت.»
حدَّق المحامي فيه بحاجبَين مرفوعين.
وكرَّر دون أيِّ تعبير على وجهه: «لم تعتدْ على مذاق نبيذ البورت.»
سارع دوميني إلى التوضيح: «كان قصدي قول إنني لم أسترجع مذاقه.» وأضاف قائلًا: «كما ترى، في الأدغال كنا نشرب كمية مهولة من المشروبات الروحية، وهذا يُفسد طعم كل أنواع النبيذ.»
نظر المحامي بحسدٍ إلى بشرة مضيفه البرونزية الجميلة وعينيه الصافيتين.
وعلَّق بصراحة: «لديك مظهرُ مَن لم يشرب أيَّ شيء على الإطلاق، يا سير إيفرارد.» وأضاف قائلًا: «يجد المرءُ صعوبة في تصديق القصص التي كانت تدور قبل نحو عشرة أو خمسة عشر عامًا.»
«إنها بنية آل دوميني، على ما أظن!»
دخل كبيرُ الخدم الجديدُ الغرفةَ بهدوء وجاء إلى كرسي سيده.
وأعلن: «لقد قدمتُ القهوة في المكتبة، يا سيدي.» وأضاف قائلًا: «السيد ميدلتون، حارس الطرائد، جاء للتو، وسأل عما إذا كان يمكنه التحدثُ معك قبل أن يذهب إلى الفراش الليلة يا سيدي. يبدو في حالةٍ عصبية ومضطربة للغاية.»
أمر دوميني: «يمكنه أن يأتيَ إلى المكتبة في الحال؛ هذا إذا كنت مستعدًّا لتناول قهوتك، يا مانجان.»
وافق المحامي على ذلك قائلًا وهو ينهض: «بالطبع أنا مستعد. إن هذا النبيذ هديةٌ رائعة. شيء لا تستطيع مطاعمُ لندن أن تُقدِّمه لنا. لا ينبغي أبدًا شرب نبيذ البورت بعيدًا عن مكان تخزينِه.»
شقَّ الرجلان طريقهما عبر القاعة الجميلة للغاية، التي عانت جدرانُها قليلًا من نقص التدفئة، إلى المكتبة، وجلسا على مقعدَين مُريحين أمام مدفأة الحطب المتوهجة. قدَّم لهما باركنز بصمتٍ القهوةَ والبراندي. وبمجرد أن غادر الغرفة كان ثمة طرقٌ خفيف على الباب ودخل ميدلتون ببعض التردد.
أمره دوميني قائلًا: «تعالَ وأغلق الباب. ما الأمر يا ميدلتون؟ باركنز يقول إنك ترغب في التحدُّث معي.»
تقدَّم الرجلُ مترددًا. كان حزينًا وقلقًا بوضوح، ووجد صعوبة في الكلام. كان وجهُه يتلألأ بقطرات المطر التي وجدتْ طريقَها أيضًا، في شكل خطوط طويلة، إلى معطفه المخملي. وعبثت الرياحُ بشعره الأبيض وبعثرته.
قال دوميني معلقًا: «ليلة سيئة.»
أجاب الرجل العجوز بصوتٍ خشن: «إنني هنا لتجنُّب أن تصبح أسوأ، يا سيدي.» وأضاف قائلًا: «جئتُ لأطلب منك معروفًا وأتوسَّل إليك أن توافق عليه من أجل مصلحتك. ألا يمكن أن تنام في غرفة البلوط الليلة؟»
سأل دوميني: «ولمَ لا؟»
«لأنها بجوار غرفة سيادتها.»
«وماذا في ذلك؟»
كان الرجل العجوز قلقًا على نحوٍ واضح، لكن سيده، كما لو كان له هدف، رفَض مساعدته. نظر إلى مانجان وتمتم في نفسه.
طلب دوميني بكِياسة: «قلْ بالضبط ما تريده، ميدلتون.» وأضاف قائلًا: «السيد مانجان، ووالده، وجَدُّه هم محامو الضيعة لسنوات عديدة. إنهم يعرفون تاريخ عائلتنا كله.»
تابع ميدلتون بيأس: «لا يمكنني التواصل معك كما ينبغي، يا سيدي، وهذه هي الحقيقة.» وأضاف قائلًا: «فشكلك يبدو أكبرَ وصوتك أقوى. لا أبدو قريبًا منك كما كنت أتمنى، لأقول ما في قلبي.»
ذكَّره دوميني: «لقد مررتُ بوقتٍ عصيب يا ميدلتون.» وأضاف قائلًا: «لا عجب أنني تغيرت! لا يُهم، تحدَّث معي بصراحة.»
تابع الرجل المسن: «لقد كنتُ أنا أولَ مَن قابلك يا سيدي، عندما عُدتَ مترنحًا إلى المنزل في تلك الليلة عبر الحديقة، وذراعك تتدلَّى بجانبك بلا حولٍ ولا قوة، والدم يتدفَّق على وجهك وملابسك، وعيناك حمراوان — بلون الدم، كما يقولون. سمعت سيادتَها تنخرط في حالة هستيرية. رأيتها تضحك وتبكي كالمجانين، ليُساعدْنا الرب! هذا ما أصبحت عليه منذ ذلك الحين.»
كان الرجلان صامتَين. رفع ميدلتون صوته، وتحدَّث بحماس شديد. كان من الواضح أنه توقَّف لالتقاط أنفاسه فحسب. كان لديه المزيدُ ليقوله.
تابع: «كنتُ بجانبك يا سيدي، عندما أمسكتْ سيادتها بالسكين وركضَت نحوك، وكما تعلم جيدًا، كنت أنا مَن أمسكها من الخلف، ومنع حدوثَ مأساة مزدوجة في تلك الليلة، وكنتُ أنا مَن ذهب للطبيب في صباح اليوم التالي، عندما تسلَّلتْ إلى غرفتك ليلًا وأخطأتْ في إصابة حلْقِك بمقدار بوصة واحدة فقط. سمعتُ نداءها لك، وسمعت تهديدها. لقد كان تهديدَ امرأة مجنونة، يا سيدي، لكن سيادتها امرأة مجنونة في هذه اللحظة، وبسكينٍ في يدها لن تكونَ بأمان في هذا المنزل.»
قال دوميني بهدوء: «يجب أن نتأكد من ألا يُسمح لها بحيازة أي سلاح.»
قال ميدلتون ساخرًا: «بالطبع! تأكَّد من ذلك، مع وجود الأم أنثانك إلى جانبها! فجنون سيادتها بسبب رعب تلك الليلة، لكن الأم أنثانك غاضبة بسبب الكراهية، ولا يمر أسبوع» تابع الرجلُ المسنُّ، وصوته ينخفض وعيناه تحترقان، «دون أن تأتيَ روح روجر أنثانك وتعويَ من أجل دمك تحت نافذتهما. إذا بقيت هنا هذه الليلة، يا سيدي، تعالَ ونمْ في الغرفة الصغيرة التي جهَّزوها لك في الجانب الآخر من المنزل.»
كان السيد مانجان قد فقدَ مظهره اللطيف الذي بدا عليه في وقتِ ما بعد العِشاء. كان وجهه مجعَّدًا، وكانت قهوته تبرد. كان هذا أمرًا مختلفًا جدًّا عن الرسائل والإشاعات الغامضة التي كانت تصله من حينٍ لآخر، والتي كان قد أخرجها من عقله بكل ازدراءِ شخص ذي عقليةٍ مادية.
قال دوميني: «من الجيد جدًّا أن تُحذِّرني يا ميدلتون، لكن يمكنني إغلاقُ بابي، أليس كذلك؟»
كان الردُّ الساخر: «تغلق باب غرفة البلوط!» وأضاف قائلًا: «وما فائدة ذلك؟ أنت تعلم جيدًا أن الجدار مزدوج من ثلاث جهات، وهناك مداخلُ سرِّية أكثر مما أعرف. غرفة البلوط ليست مناسبة لك هذه الليلة، يا سيدي. إنهما تأمُلان أن تكون هناك، وهذا ما يجعلهما هادئتَين.»
سأل المحامي، بلا مبالاةٍ متصنَّعة تصنُّعًا سيئًا: «أخبِرنا ماذا تقصد، يا ميدلتون، عندما تحدَّثتَ عن عواء روح روجر أنثانك؟»
استدار الرجل المسن بكلِّ صبر.
وأجاب: «ما قلتُه فحَسْب، يا سيدي.» وأضاف قائلًا: «إنه حول المنزل معظم الأسابيع. نادرًا ما كان هناك خادمٌ ينام في القصر لسنوات باستثنائي في بعض الليالي، والسيدة أنثانك. بعض الخادمات يأتين من القرية، لكنهن يَعُدن قبل حلول الظلام، وحتى الصباح لا يعبُر مخلوق حيٌّ الطريقَ — أبدًا، ولو مقابل مائة جنيه.»
علَّق السيد مانجان: «عواء، هذا ما تُطلق عليه؟»
أوضح ميدلتون: «إنه يُشبه في الغالب كلبًا جريحًا، مثل كلبٍ له مسحةٌ من صوت بشري، كما سمعنا جميعًا بأنفسنا، يا سيدي. سوف تسمعه بنفسك، يا سيدي، ربما الليلة أو ليلة غدٍ.»
سأل سيدُه: «سمعته إذن، يا ميدلتون؟»
أجاب الرجل العجوز بدهشة: «عجبًا، بالتأكيد يا سيدي. معظم الأسابيع خلال السنوات العشر الماضية.»
«ألم تنهض من قبلُ وتخرجْ لترى ما هو؟»
هزَّ الرجل العجوز رأسه نفيًا.
وقال: «لكنني كنتُ أعرف جيدًا ما كان هذا، يا سيدي، وأنا لست شخصًا يخشى الأرواح. توجد أرواحٌ تمشي في هذا العالم، كما نعلم جيدًا، وروح روجر أنثانك تمشي من الغابة السوداء إلى تلك النوافذ، وتأتي كلَّ أسبوع من العام. لكنني لن أنظر إليه. فثَمة شرٌّ ينتج عن ذلك. أتقلَّب في سريري، وأسدُّ أذني، لكن لم يسبق لي حتى الآن أن رفعتُ الستارة.»
سأل دوميني، «قل لي، يا ميدلتون، هل الليدي دوميني خائفة من هذه … الزيارات؟»
«لا أستطيع الجزمَ بحق، يا سيدي. فسيادتها دائمًا حلوة ولطيفة، مع كلماتٍ لطيفة على شفتيها لكل شخص، لكن ثمة رعب في عينيها اشتعَل تلك الليلة عندما دخلتَ القاعة مترنحًا، يا سيدي، ولم ينطفئ بعدُ كما ينبغي، إذا جاز التعبير. إنها تحمل الخوف معها، لكن ما إذا كان الخوف من رؤيتك مرة أخرى، أو الخوف من روح روجر أنثانك، لم أستطِع معرفة ذلك.»
بدا دوميني فجأةً وكأنما استولت عليه رغبةٌ غريبة في إنهاء الموضوع برُمَّته. وصرف الرجل المسن بلطف ولكن بشكل مفاجئ قليلًا، ورافقه إلى الممر الذي كان يؤدي إلى مهجع الخدم متحدثًا طوالَ الوقت عن طيور الدُّرَّاج. وعندما عاد، وجد أن ضيفه قد أفرغَ كأسه الثانية من البراندي وكان يمسح جبينه خِلسة.
علَّق الأخير: «تلك هي فئة الخادم المسن الذي يعيش طويلًا أكثرَ من اللازم. لو كنتُ من آل دوميني في العصور الوسطى، أظنُّ أن وضعَ حجرٍ حول رقبته وإلقاءه في أعمق بئر هو الطريقة المعقولة للتعامل معه. لقد جعلني أشعر بعدم الارتياح قطعًا.»
علَّق دوميني بابتسامةٍ خافتة: «لاحظت ذلك.» وأضاف قائلًا: «لن أتظاهرَ بأنها كانت محادثةً ممتعة.»
تابع مانجان: «لقد سمعتُ بعض قصص الأشباح، لكن قصة الشبح الذي يأتي ويعوي مرةً واحدة في الأسبوع لمدة عشْر سنوات يصعب التفوقُ عليها.»
صبَّ دوميني لنفسه كأسًا من البراندي بيدٍ ثابتة.
وقال شاكيًا: «لقد أهملت الأشياء هنا، يا مانجان.» وأضاف قائلًا: «كان يجب أن تنزل وتطردَ ذلك الشبح. سنجعل هؤلاء الخادمات الذكيات يُغادرن غدًا، على ما أظن، ما لم نتمكَّن أنت وأنا من الحصول على بعضِ المتعة مع الأشباح أولًا.»
بدأ السيد مانجان يشعر براحةٍ أكبر. كان البراندي ودفءُ جذوع الأشجار المحترقة يزحفان إلى داخله.
سأل بعد ذلك بقليلٍ: «بالمناسبة، يا سير إيفرارد، أين ستنام الليلة؟»
تمطَّى دوميني بهدوء.
أجاب: «من الواضح أنه لا يوجد سوى مكان واحد مناسب لي.» وأضاف قائلًا: «لا يمكنني أن أخيِّب ظنَّ أي أحد. سأنام في غرفة البلوط.»