الفصل السادس عشر
في ذلك المساء اجتمعت البارونة مرثا برجر بالمصوِّر ماركوس فورسن، فقالت له والغضب ينبت من عينيها: في المسألة خيانة هائلة، فأود أن أعلم مَن الخائن.
– عفوك يا مولاتي لقد لعبتُ دوري مُتقنًا.
– إلى النهاية؟
– إلى النهاية.
– هل جاءت؟
– مدام شراط؟ نعم، أرسلت لي خبرًا مساء أمس أنها آتية اليوم الساعة التاسعة صباحًا، وقبل هذا الميعاد هيَّأت كل شيء، ولما وافت كانت خمس دقائق أو أكثر قليلًا بعد التاسعة، فرحَّبت بها وأدخلتها إلى الغرفة لكي تنزع ثوبها وتعد نفسها حسب المطلوب، وبعد هنيهة نقرت على الباب وقلت لها ألا تخرج حتى أوعز إليها لأني مشغول دقائق قليلة ببعض زبائن جاءوا فجأةً، ثم أخذتُ حقيبتي وخرجتُ وبحثتُ عن الرجلين، فرأيتهما ينتظران في المكان المعين فأخبرتهما أن يذهبا، فذهبا وبقيت أراقبهما من بعيد، وقبل أن يصلا رأيت أوتوموبيلًا ينصرف من أمام الباب، فلم أعبأ به، وبعد قليل رأيت الأوتوموبيل المزركَش يقف قُرْبَ الباب، ثم رأيت الشرطيَيْن يقبضان على صاحبة المنزل وهي خارجة وزجَّاها في الأوتوموبيل، ثم رأيت أحد الرجلين دخل إلى حانوت بدال، وبعد هنيهة عاد مسرعًا ودخل إلى المنزل بعد أن كلَّم الشرطيين كلمتين، وبعد دقائق خرج الرجلان ومعهما امرأة وأدخلاها إلى الأوتوموبيل، فدهشت إذ رأيت المرأة غير من أعهد، ثم سار الأوتوموبيل وأنا حيران ولم أَعُدْ أجسر أن أعود إلى المنزل إلا مساء، هذا كل ما وقع تحت نظري وفي علمي.
– هل تعرف جميع مَن يقيم في المنزل؟
– لا أعرف إلا نينا فرست، وهي التي استخدمتها بحجة أني أعلمها التصوير.
– قلتَ أنك رجعت إلى المنزل مساء؟
– نعم، لكي أرى نينا فرست، فقالتْ لي صاحبة المنزل أنها تركت المنزل منذ الصباح ولم تَعُدْ، ويظهر أنها لن تعود لأن صاحبة المنزل لما عادت من دائرة البوليس قال لها البوَّاب إن نينا أخذت حقيبتها وهي دافعة الأجرة مقدَّمًا.
– هل تعرف إن كان في المنزل امرأة ذات لقب كونتس؟
– لا، لعل صاحبة المنزل أخبر مني.
– صاحبة المنزل تقول إنها لا تعرف واحدة ذات لقب، فلا أدري إذا كانت تمكر.
– لا أظنها تمكر؛ لأنها لا تعرف شيئًا من ترتيبنا، فضلًا عن أنها ساذجة.
– وهل في المنزل امرأة مُسِنَّة؟
– لا أدري، لعل أم صاحبة المنزل مسنة؟
– أما رأيت مدام شراط خارجة من المنزل؟
– كلا البتة، لعلها خرجت قبلي؛ لأني تأخَّرت نحو خمس دقائق؛ إذ وضعت أشيائي في الحقيبة حتى لا يبقى منها ما يكون علة أو تعليلًا.
– أود أن أرى نينا فرست هذه.
– لا أدري كيف أحظى بها ثانية، والظاهر أنها فرَّتْ من العاصمة.
– أما عرفت نينا شيئًا من ترتيبك.
– كلا البتة.
– عجبًا لا ريب أنها خائنة، أما تقدر أن تبحث عنها، فإني أريد أن أرى وجهها.
– ها صورتها الفوتوغرافية.
ودفع إليها صورةً فتناولتها وتأملتها وهي تقول: إنها تشبهها كثيرًا، لولا اختلاف في التبرج لكنت أقول إنها هي، لا بد أن تكون إياها، بل هي هي تلك اللعينة التي نسجت هذا الدور، يا لها من جسورة فاجرة، ماذا تفعل هذه الشيطانة؟
– كانت ممثلة في مرسيليا، وقد جاءت إلى هنا منذ بضعة أيام، وهي تحاول أن تنتظم في سلك جوقة من الجوقات.
– هل تعلم إن كانت ذات صلة بمدام شراط؟
– تعرفها منذ كانتا تمثِّلان معًا في ترسينا.
– هل تظن أنها ذهبت إليها؟
– لم ألاحظ قَطُّ أنها فعلتْ.