الفصل السابع عشر
في ذلك المساء عينه أيضًا دخل الإمبراطور فرنز جوزف إلى خدر زوجته الإمبراطورة وقد فرغ من مهام سياسة النهار، فوجد الإمبراطورة مستلقية على مقعدها وآمائر الاكتئاب بادية في مُحَيَّاها، ولم تنهض لاستقباله كعادتها؛ فقال باسمًا متهكِّمًا: عذرًا يا إليصابات، سهوت أن أبلِّغ إليك خبر قدومي.
فنظرت فيه محَمْلِقةً وقالت: لم تعتد أن تعتذر يا سيدي، فلماذا تعتذر؟
– ولا اعتدت أن أدخل وأجلس وأنت مستلقية.
– صدقتَ، كانت الإمبراطورة دائمًا تستقبل الإمبراطور بالحفاوة، فلما لم يَبْقَ إمبراطورة زالت الحفاوة.
فعبس الإمبراطور قائلًا: لعل الإمبراطورة فقدت امبراطوريتها في دائرة البوليس.
– بالطبع؛ لأنه لم يُسمَع في التاريخ أن الإمبراطورة تُسَاق إلى دائرة البوليس كمجرمة.
– مَن عرَّض نفسه إلى الهوان يُهَان طبعًا، إلى الآن لم أَدْرِ كيف حدث هذا الحادث الفظيع؟
– كيف دريت إذن أني في دائرة البوليس؟
– إن شخصًا مجهولًا تلفن إلى السكرتيرية أن جلالة الإمبراطورة في دائرة البوليس، فلما بلغ الخبر إلى مسامعي دهشت، وسألت روفر فحقَّق لي الخبر. فما الذي أوقعك في يد الشرطة وهم يجهلونك؟
– لو كان الإمبراطور حريصًا على هيبته الإمبراطورية لما كان أحد يجسر أن يلعب على زوجته دورًا فظيعًا كهذا الدور.
– إن الإمبراطور حريص على هيبته، ولكن الإمبراطورة مفرطة بكرامتها وإلا لما جسر أحد أن يلعب عليها دورًا، إني أريد أن أسمع وصف الحادثة كما حدثت، وبعد ذلك ناقشيني إن كان لك وجه للمناقشة.
فروت الإمبراطورة الحادثة بالتفصيل والإمبراطور يسمع مقطبًا، ولما انتهت قال: لا تلومي أحدًا إلا نفسك يا إليصابات، ولو كنتِ محتفظة بكرامتك لأخبرتيني بعزمك على زيارة الدوقة المزعومة، وكفيت نفسك مئونة هذا الهوان.
– خفتُ أن تمنعني وأنا أود أن أفعل صالحًا، ولم أكن لأعتقد أن في الأمر مكيدة.
– لا أمنعكِ عن فعل الصالح، وإنما كنت أوعز لبوليس سري أن يخفرك وينقذك من كيد الكائدين.
– لقد كان ما كان، والآن أود البحث عن المرأة التي انتحلت اسم الكونتس ألما فورتن.
– بالطبع سأوعز بالبحث عنها سرًّا، بَيْدَ أني لا أريد الجلبة حول هذه المسألة لئلا تصبح الإمبراطورة سخرية الأمة.
فتغيظت الإمبراطورة وقالت: الإمبراطور يجعل الإمبراطورة سخرية.
فسخط قائلًا: مدام؟
– أجل، إن علاقة الإمبراطور بمدام شراط.
– لا تتمادي يا مدام بهذا الكلام، فما مدام شراط إلا واحدة من ملايين من رعاياي.
– ولكنها دون الملايين نالت دالة على الإمبراطور فوق دالة الإمبراطورة.
– أَسَفَهٌ هذا القول؟
– سفهته أو لم تسفهه فالمكيدة مكيدتها.
– إذا ثبت لي أنها مكيدتها سلبت روحها من جسدها.
– إذا كنتَ مخلصًا في ما تقول لا تمل التحقيق حتى تحصل إلى هذه النتيجة.
– لا أمل التحقيق لأن كلمتي كلمة إمبراطور النمسا والمجر.
– إذن أصبر إلى النهاية.
– نعم تصبرين، وبعد الآن لا تتحركين حركة لا يكون لي علم سابق بها.
– أفعل بكل سرور، اللهم إذا كنتُ أرى الإمبراطور مصرًّا على تحقيق هذه المكيدة الفظيعة بحذافيرها.
– ما من مسيطر عليَّ في أعمالي، ومع ذلك يجب أن تعلمي أن الضوضاء والجلبة حول هذه الحادثة الفظيعة لا يليقان بكرامتنا، إلى هنا انتهى الكلام بهذا الموضوع، وبعده لا أنتظر منك تدخلًا ولا تساؤلًا.
ثم تركها وخرج.
مضت أشهر وبمضيها تنوسيت المسألة وأصبحت في خبر كان، وكل ما نتج عنها أن الهر روفر مدير البوليس والفون أمبرت فرغين وكيل الداخلية عُزِلا لسببٍ بسيط، وما هو إلا سبب ظاهر، والحقيقة أنهما مالأا البارونة برجتن على مكيدتها، وكان لعزلهما وقعٌ سيِّئ في المجالس الداخلية، ولا سيما لأن الفون فرنند فرغتن عم أميرة فرغتن وكيل الداخلية زعيم الحزب الاشتراكي في مجلس النواب، وهو من الزعماء الذين يُحسَب حساب لضجاتهم.