الفصل التاسع عشر
بعد أيامٍ كان الإمبراطور فرنز جوزف في مكتبه يدخن عابسًا مفكرًا؛ إذ استأذن سكرتيره أن يدخل فدخل قائلًا: مولاي إن وزير جلالتكم يلتمس التشرف بمخاطبة جلالتكم تلفونيًّا.
فأجاب الإمبراطور على الفور: حوِّلْ خط التلفون حالًا.
وفي الحال تناول الإمبراطور بوق التلفون، وجرى الحديث التالي:
– مَن؟
– وزير جلالتكم.
– ماذا جرى في مجلس النوَّاب؟
– الحزب الاشتراكي كله هائج يا مولاي، وقد انضم إليه معظم الباقين.
– الأكثرية معه إذن؟
– نعم يا صاحب الجلالة، والهياج شديد جدًّا جدًّا.
– عجبًا ما هي صيغة الاحتجاج؟
– صيغة الاحتجاج أن الشعب لا يقبل بوجهٍ من الوجوه أن يُجمَع المال من العمال ويُعطَى هبات وعطايا للغواني. عفو مولاي لا أقْدِرُ أن أُلَطِّفَ العبارة أكثر لئلا أكون غاشًّا جلالتكم.
– تعني أن الضجة …
– شديدة جدًّا يا مولاي؛ فإن الشعب كله هائج لسبب ظهور مدام شراط بتلك الحلي الثمينة.
فارتبك الإمبراطور وقال: وأنت؟ ماذا فعلت؟
– دافعت بكل ما في وسعي من الدفاع، ولكن كنت كمَن يطفئ النار بالزيت.
– هذه الضجة من زعيم الاشتراكيين فرنند فرغتن؟
– بلا ريب فهو في المقدمة، ولكن أصوات الضاجين معه أصبحت أعلى من صوته.
– ألا يمكن إرضاء فرغتن هذا برد ابن أخيه إمبرت فرغتن إلى وكالة الداخلية؟
– لقد فات وقت هذه الترقية يا مولاي؛ لأن أعوانه استلموا الدفة معه، ولم يَعُدْ في وسعه أن يردهم؛ ولهذا يستحيل أن يرجع إلى الوراء بعد أن هجم.
– إذن ما العمل؟
– إني أستشير جلالتكم، وقد بذلت جهدي حتى أوقفت الجلسة عشر دقائق بدعوى الاستراحة ريثما أتلقى أوامر جلالتكم.
– عجبًا، هل عجزت عن إصمات هؤلاء المشاغبين؟
– يستحيل على أعظم قوة أن تُصمِت الشعب في إبَّان هياجه؛ فلم تَبْقَ من حيلة إلا معالجة الأمر ولو بعلاجٍ وقتي ريثما يسكن ثائر الجمهور.
– يا لله، هل تعني أن نخضع لتهديد الجمهور؟
– لا، وإنما نقدر أن ندَّعِي أن تلك الحلى الثمينة، إنما هي حلى العرش نفسه، وقد أُعِيرت إلى أرقى ممثلة ليلةً واحدةً لأجل مسرة الشعب.
– هذا يستلزم استرداد تلك الحلى.
– بعد إسكات حجة الجمهور تكون لنا هدنة لتدبير المسألة، أما الآن فلا حيلة غير هذه. ومع ذلك لا أضمن نجاحها يا مولاي.
ففكَّرَ الإمبراطور هنيهة ثم سمع الوزير يقول: إن جرس استئناف الجلسة يقرع يا مولاي.
فقال الإمبراطور: إذن افعل ما تقول، ودبِّرِ المسألة بحكمتك، يجب في أثناء الهدنة الضرب على أيدي هؤلاء المشاغبين. ما كنت أظن أن تبلغ القحة منهم أن يعترضوا على الإمبراطور في شئونه الخاصة، المال مالي أمنع أو أمنح مَن أشاء.
– ولكن قضية الاشتراكيين والعمَّال تناقض هذا المبدأ يا مولاي …
– قبحًا لهم ولقضيتهم، إنهم بهائم مخلوقة للعمل، فمن أين لهم الحق أن يمتنوا بعمل الواجب عليهم، لقد غلطنا في أن ندع لهم صوتًا يرتفع.
ثم ردَّ الإمبراطور بوق التلفون وجلس مكفهرًّا مقطبًا.