الفصل الثاني والعشرون
– إذن البوليس السري يبحث عني يا فلت!
– كذا يُقال.
– عجيب أنه لم يبحث عني في تريستا.
– لماذا؟
– لأن مدام شراط هناك، ويغلب أن أكون حيث تكون.
فضحك قائلًا: ولكن حيث تكون مدام شراط تنحل عزيمة البوليس.
فابتسمت وقالت: عجيب أن يكون لمدام شراط حول حتى في منفاها.
– كأنك تجهلين أن زيادة النفوذ مكافأة لها أو تعويض على هذا النفي.
فضحكت نينا وقالت: ترى هل تدري البارونة مرثا برجن هذه الحقيقة؟
– لا أظنها تجهلها وإن كانت تتجاهلها؛ بَيْدَ أنها تزعم أنها غائزة في الحرب التي انتهت بنفي مدام شراط من فينا. والإمبراطور يجامل الإمبراطورة ما استطاع.
– والبارونة برجن؟
– لا يطيق الإمبراطور وجودها، ولولا تمسُّك الإمبراطورة الشديد بها لنفاها من كل مملكته.
– عجيبة سطوة هذه المرأة على الإمبراطورة.
– ليست ذات سطوة عليها، وإنما لا يخفى عليك يا مدام أن قضية الإمبرطورة خطيرة الشأن، وليس لها من معين فيها إلا البارونة برجن مربيتها القديمة؛ ففوز الإمبراطورة فوز للبارونة أيضًا.
– ولكن للبارونة قضية بل قضايا أيضًا.
– وهي فائزة فيها أيضًا، فهي رامت أن تكون البارونة ماري فتسيرا ابنة أختها عندها، وقد كان ما رامت.
– البارونة فتسيرا هنا؟
– نعم، ولكنها لا تظهر في البلاط إلا نادرًا؛ تحاميًا لغضب الإمبراطور.
– بالطبع الإمبراطور عالم بوجودها هنا.
– نعم، ولكنه يتجاهله.
– إذن البرنس …
– البرنس رودلف؟ نعم، هو في عيد بالرغم من أن أباه الإمبراطور ناقم عليه بسبب علاقته بالبارونة فتسيرا.
فتنهدت نينا فرست وقالت: عجبًا أن ينقم عليه وهو يفعل فعلته.
– لا تعجبي يا مدام، إن صاحب السلطة يسوغ لنفسه ما لا يسوغه لغيره، على أني أظن أن الإمبراطور لا ينقم على ولي العهد لمجرد علاقته بالبارونة فتسيرا بل لعلاقته بها؛ لأنها بابنة أخت البارونة برجن التي لا يطيق وجودها في بلاطه.
فتنهدت نينا من أعماق صدرها، فقال فون درفلت منعِمًا النظر فيها: أخاف أن يكون هواء هذه الغرفة غير صالح لأنفاسك يا مدام.
– بل جو فينا كله مضيق على أنفاسي يا فون درفلت، وإنما يضطر الإنسان أحيانًا أن يكون حيث لا يريد أن يكون.
– عسى أن يكون في وسعي أن أخفِّف عن أنفاسك يا بارونة.
– ليس في وسع أحد أن يقاوم السلطة العليا.
– إذن الضغط على أنفاسك من ثِقَل السلطة العليا، تُرَى ما شأن هذه السلطة بك يا مدام؟
فتأففت نينا وقالت: أف، عفوًا يا فون درفلت لقد شطَّ بي المقال، وإنما أنا أفكر في البرنس رودلف الذي سلبك البارونة ماري فتسيرا.
فانقبض درفلت وقال متجهمًا: أعليَّ أم على البرنس تشفقين يا مدام؟
فقالت منتفضة: بل عليك؛ لأني علمت أنك كنتَ مولهًا بالبارونة فتسيرا، وكانت خالتها البارونة برجن تمنيك بها حتى أصبحتَ معلَّقًا بحبلٍ من الأمل، فقطعت خالتها ذلك الحبل.
– خالتها! ولماذا لا تقولين البرنس قطعه؟
– أوه! دَعْنا من البرنس، علامَ تزجُّه في الحديث؟
– كأنك تشفقين على البرنس أيضًا من البارونة؛ لأنها تودي به.
فحملقت به نينا وقالت: تودي به إلى ماذا؟
– دعينا من هذا الحديث.
– بل قُلْ مَن يودي به؟ وإلى ماذا؟
– يلوح لي أن البرنس يهمك أمره.
– ربما همَّنِي أمره.
– إذن لماذا تأبين عليَّ أن أزجَّ ذكره في الحديث؟
– أف، إنك تثير فيَّ شجنًا.
– شجنًا!
– لا، بل أعني أنك تثير فيَّ حب الاستطلاع ثم تردف ذلك بالتكتم؛ فبالله قُلْ مَن يودي بالبرنس؟ وإلى ماذا يودي به؟
– إذا كان الأمر يهمك …
فتجرمرت نينا وقالت: بربك لا تضرب على أوتار أعصابي المتوترة، فإنْ لم تشأ أن تقول فلا تَقُلْ؛ إني مودِّعتك الآن إلى الغد.