الفصل الثامن والعشرون
كانت الشمس في المغيب حين وصلت البارونة مرثا برجن إلى منزل مرغريت ميزل وهي على مثل الغضا قلقًا، فقالت لمرغريت: أود أن يخلو لي هذا المنزل الليلة يا مرغريت.
– هل تريدين أن أغادره الليلة يا سيدتي؟
– كلا، بل يجب أن تبقي هنا، وإنما أود أن يترآى كأنه مقفل عن كل زائر أو طارق إلا مَن آذن أنا لهم بالدخول. هه جرس الباب يقرع فأظن الطارق الكونت، افتحي وأدخليه إلى القاعة الوسطى، وأما أنتِ فادخلي إلى مخدعك واقفلي شبابيكها حتى لا ينفذ النور، وكوني على استعدادٍ دائم لتلقِّي أوامري. مهلًا يا مرغريت هل جاءت البارونة ماري فتسيرا اليوم؟
– جاءت نحو العاشرة.
– وسمو البرنس رودلف؟
– وسموه أيضًا، ولكنه لم يمكث طويلًا، وأما البارونة فبقيت حتى الظهر آملة أن سموه يعود فلم يَعُدْ.
– إذا جاءت ماري فدعيها تنتظر في غرفتك ريثما أفرغ من مهامي، إن مشاغل اليوم تفوق على مشاغل عام يا مرغريت، استقبلي الطارق حالًا.
فخرجت مرغريت وبعد دقيقة عادت تقول: هو ذا الكونت الدر فون كيس ينتظرك يا سيدتي.
فنهضت البارونة في الحال ودخلت إلى القاعة الوسطى، وكان الكونت الدر كيس لا يزال واقفًا فيها يتمشى، فقالت له باسمةً: عسى أن تكون قد نجحت يا كونت.
– لا أدري ما الذي تسمينه نجاحًا يا حضرة البارونة؟
فضحكت وقالت: أعني هل يبقى ابنك عندك؟
فقهقه الكونت قائلًا: أشكر الله أن أناسًا يهمهم ابني أكثر مما يهمني.
– هل أذن جلالة الإمبراطور …؟
– بامتثالي؟ طبعًا. وقد هش لي وبش كثيرًا.
– وبالطبع أجاب طلبك؟
– قبل أن يجيب طلبي أشغلته جلالة الإمبراطورة.
فضحكت البارونة وقالت: جلالتها ماذا ابتغت؟
– لا أدري سوى أن وصيفة طلبت جلالته لمقابلتها، فأومأ لي أن أخرج، وما كدت أبلغ إلى الباب حتى كان جلالته قد خرج من بابٍ آخَر، ولما رأيت المكان خاليًا أجلت نظري في الغرفة فوقع على ورقٍ ملقًى على مكتب الإمبراطور، فتقدمت إلى المكتب فوجدت ورقتين مطويتين وملقاتين على ظرفين، فرفعت الأولى فإذا الظرف الذي تحتها معنون باسم رئيسة دير الراعي الصالح …
فاختلجت البارونة وقالت: وهل قرأت ما في الورقة؟
– لا، لأني أعتقدت أنها لا تهمك، فرفعت الورقة الأخرى؛ فإذا تحتها ظرف معنون باسم كاترين شراط.
فرفجت البارونة وقالت محملقة: لا ريب أنك قرأت هذه الورقة يا كونت؟
– لا لا يا سيدتي، لأني خفت أن يباغتني الإمبراطور وكانت يداي ترتجفان فرقًا، فألقيت كل ورقة على ظرف.
– كل ورقة على ظرفها طبعًا؟
– لا، بل بالعكس، كل ورقة على ظرف الأخرى.
– يا لله لماذا فعلت ذلك؟ وما الذي أخطر لك أن تفعله؟
– لا أدري، ولكنني لا أظن أن ذلك يغيظك يا مدام.
فضحكت البارونة مضطربة وقالت: لا أنكر يا حضرة الكونت أنها خدمة ثمينة جدًّا لم أكن أنتظرها، ولا أدري ماذا قصدت بها، ولكن أَلَا تظن أن عملك هذا يثير شبهة الإمبراطور فيك؟
– لماذا؟ أَلَا يحتمل أن يكون الإمبراطور نفسه قد أخطأ هذا الخطأ، لا يمكن أن يشتبه بي؛ لأنه اعتقد أني خرجت من الغرفة قبله، والحقيقة أني لم أجسر أن أبقى فيها بعده أكثر من نصف دقيقة.
– ثم ماذا يا كونت، ماذا؟ إن أخبارك لسارة.
فقال متهللًا: خرجت وانتظرت في البهو الكبير حيث ينتظر القصَّاد.
– وبالطبع كان غيرك ينتظر أيضًا.
– أجل كان في البهو سيدة قيل لي أنها تُدعَى البارونة ليوتي، وفهمت أنها كانت في حضرة الإمبراطور قبلي، وما زالت تنتظر مثلي كأن مهمتها لم تنتهِ بعدُ.
– ثم مَن كان أيضًا؟
– كان آخَرون قلما اكترثت بهم، وبقيت أنتظر برهة، وفي خلال ذلك جاء الكولونل هان فرنر أحد الحرس.
– الكولونل فرنر؟ ماذا يريد؟
– لا أدري سوى أنه دخل وخرج حالًا، ثم طلبت البارونة ليوتي الدخول فمكثت دقائق معدودة، ثم طلبت أنا الدخول فأذن لي ووعدني الإمبراطور أن يعود ابني من عند أمه إذا طلبتُه بعد إسبوع.
– حسنًا، ولسوف تطلبه طبعًا.
– معاذ الله، فإن تريستا أفضل لصحته.
– ليتك تطلبه.
– والنفقة، إني أكاد أُفلِس، مع أني قبضت راتبي أول أمس.
– عجبًا!
– لا تعجبي يا بارونة؛ فإن عليَّ ديونًا وفيرة، وربما حجز الدائنون على ملابسي.
فضحكت البارونة وقالت: بكم أنت مدين؟
– قولي بألفي كرونن.
– هذه أربعة آلاف كرونن، ولا غنى لي عنك يا كونت، وما هي بقية أخبارك؟
– ربما أتيتك بمزيدٍ منها غدًا يا بارونة.
ثم تناول الكونت المبلغ وانحنى قائلًا: إني تحت أمرك يا بارونة. وخرج.