الفصل الخامس
اختلت الإمبراطورة إليصابات في ذلك المساء في غرفتها وهي في منتهى الكآبة، وقلما جسرت واحدة من وصيفاتها أن تدخل عليها وهي لم تَدْعُ واحدةً منهن قَطُّ.
وكانت الإمبراطورة قد اصطحبت معها من دوقية بافاريا مربيتها البارونة مرثا برجن؛ لأنها كانت تثق بها ثقتها بأمها، وكانت البارونة تحبها محبة الأم لابنتها؛ ولهذا كانت موضوع ثقتها وذات دالة عليها، وهي بين بطانة الملكة كانت الوحيدة التي تدخل على الإمبراطورة باستئذانٍ أو بغير استئذان إذا لم يكن ثمة داعٍ للاستئذان.
ففي ذلك المساء قلقت مرثا على الإمبراطورة لطول انفرادها في خدرها، فدقت على الباب مستأذنة أن تدخل، فتنهدت إليصابات ملء صدرها وقالت: تعالَي يا مرثا تعالي، لعل الفرج عندك.
فدخلت مرثا ورأت امتقاع لون إمبراطورتها، فاكتأبت وقالت: عفوك يا سيدتي يا حبيبتي، هل من جديد يؤلمك؟
– آه يا مرثا يا عزيزتي، يا أمي يا معزيتي، لقد استوى القديم والجديد عندي، لقد تحقَّقْتُ الآن أنه ليس في الدنيا ما يكفل السعادة لإنسان حتى الملك نفسه لا يكفله، وربما كنت أشقى من أشقى أشقياء رعاياي.
– هل ساءك جلالة الإمبراطور سوءة جديدة يا حبيبتي؟
– إن الإمبراطور يسوءني كل دقيقة من حياتي، ما دام ذا صلة بتلك الممثلة الساقطة.
– هل تأكدتِ …
– لا شك أنه كان هناك، ولا يمكن أن تجوز عليَّ تمويهاته.
فتأوهت البارونة قائلة: إنها لامرأة داهية، ولكن جلالته حاذق. وأعجب كيف …
فقاطعتها الإمبراطورة قائلة: تبًّا لها من فاجرة، أليس لها زوج مسيطر عليها؟
– بلى لقد تحقَّقتُ يا عزيزتي أن لها زوجًا من نبلاء هنجاريا يُدعَى البارون الدر فون كيس.
– عجبًا! وهل يسكت هذا النبيل عن زيغان زوجته؟ لا أدري لماذا لا يحصنها في خدرها كما يليق بنبيلٍ مثله؟
فابتسمت البارونة مرثا برجن ابتسامة هزء وقالت: لقد تلقفها من حمأة قذرة وبقيت في قذارتها.
– تبًّا له، كيف يتسفل نبيل إلى حمأة؟
– ما هو بأطهر منها يا سيدتي.
– تقولين إنه نبيل!
– أجل، ومعظم الدرن في كثير من أهل النبل.
– إذن …
– هل يعاب الدر فون كيس أكثر من جلالته؟
فوضعت إليصابات كفها على عينيها كأنها تريد أن تحجب عارًا يقف أمامها وقالت: إنها لطعنة نجلاء من يدك يا مرثا، ولكنها الحقيقة، والحقيقة أشد إيلامًا من الشبهة. فما رأيك يا مرثا إني أستطيع احتمال عار العودة إلى بافاريا ولا احتمال هذا المصاب.
– صه يا حبيبتي، لا يلوحن في بالك هذا الخاطر؛ فإنه شر الضربات على المملكة وعلى أسرة هيسبرج.
– آه لا أطيق، لا أطيق يا مرثا، هل يمكن الطلاق؟
ووضعت إليصابات وجهها في كفيها وبقيت تنحب، ومرثا لا تزال جالسة أمامها وقد تفجَّرَ الدمع من عينيها أسًى على ربيبتها، ثم قالت: هوِّني عليكِ يا عزيزتي وخفضي عنك، فلكل أزمة مفرج.
فرفعت إليصابات رأسها وقالت: أليس في الإمكان إقناع ذلك النبيل الدر فون كيس أن يحصن امرأته في بيته؟
– خطر لي هذا الخاطر يا مولاتي، ولكني علمتُ أنه لولاها لكان بلا بيت، فهي التي تجمع وهو الذي ينفق؛ لأنه سفيه مسراف مقامر، فكيف يستطيع إرغامها على أن تلازم منزله؟
– هَبِي أننا ملأنا وِطَابه وأغريناه؟
– لا خسار في التجربة والاختبار، فإذا شئتِ ندسُّ مَن يباحثه في الأمر.
– لا تدخري وسعًا في ذلك يا حبيبتي يا مرثا، يا أمي يا سلواني، أكاد أجن من جرَّاء بختي وسوء طالعي.