الفصل الثامن
ولما اطمأنت كاترين شراط على الإمبراطور وتأكدت أنه بلغ إلى القصر من غير حدوث ضوضاء، نظرت في الدر فون كيس زوجها نظرة غضب وقالت مزمجرة: ما الذي أخطر في بالك أن تأتيني في غلس هذا الليل لكي تضايقني وتقلق راحتي؟ وما الذي حملك أن تترك شهواتك وتقلع عن موبقاتك وتغفل قمارك وتجيء لمضاجرتي الآن؟ لقد مضت أسابيع وأشهر وأنت لا تسأل عني، فماذا جدَّ الآن؟!
– لقد تُبْتُ إلى الله وإليك يا كاترين.
– لقد سبق السيف العذل يا هذا، عُدْ إلى ملاهيك وبطالتك، ودَعْني في راحتي. وإنْ كنتَ في حاجةٍ إلى نقود، فأعطيك بعض ما أستغني عنه، ولا تُقلِق راحتي بعدُ.
فقهقه الدر وتدلل عليها قائلًا: لست في حاجة إلى شيءٍ سواك يا عزيزتي.
فنفرت منه قائلة: أما أنا فإني في غنى عنك.
– وأما أنا فلا غنى لي عنك، فإن كنت تصرين على طردي من هذا القصر، فإني أصر على أخذك إلى منزلي.
– منزلك!
– نعم لقد أعددت منزلًا لائقًا بك يا كاترين، وعندي كل شهر ريع كافٍ لنا وزيادة.
فتمرمرت قائلة: كفى، كفى. إن الريع الذي تتوقعه ليس أشرف من ريع القمار.
– مهما يكن فإنه أشرف من هذا الصرح ومن الريع الذي تنفقينه فيه، لا تقدرين أن تعيبيني بشيءٍ يا كاترين.
فنظرت فيه نظرة غضب وقالت: عجبًا هل تريد أن أحبر كتاب ماضيك؟
– لستِ أيسر مني للتحبير.
– الأفضل أن تقفل هذا الباب.
– أنتِ تفتحين الأبواب، أما أنا فلا أطلب إلا أمرًا واحدًا، وهو أن أعيش مع زوجتي زوجًا لها، وهو حق شرعي لا أتنازل عنه.
فحنقت شديد الحنق وقالت: خسئت، غدًا أطلب الطلاق.
– لا دستورنا ولا نظام كنيستنا يجيزان الطلاق، فلا تطمعي في هذه الأمنية.
– الفراق إذن.
– لا يتم إلا برضى الفريقين إذا لم يكن للطالب حجج قوية، فما هي حججك وأنا أعرض عليك ما يعرض الزوج على زوجته.
– سأريك أنه يتم.
– لا تتعبي نفسك ولا تعتدي بصولتك، واعلمي أنه ما من قوةٍ في الكون إلا وفي مقابلها قوة أخرى تعادلها، ولولا ذلك لاختلت الموازنة، فأحذرك من التذرُّع بالقوى غير المنظورة، فإن لي مثلها وأزيد عليك بأني أملأ الدنيا صياحًا.
فاشتدَّ امتقاع كاترين حتى تغيَّر شكلها، وتنهَّدت وفكرت برهة ثم قالت: لا تتعب نفسك، فما من قوة شرعية أو غير شرعية تقدر أن ترغمني على مساكنتك إذا كنتُ لا أبتغيها، فإن كابر القضاء النمساوي هجرتُ النمسا.
فضحك الدر وقال: أعرف أنك لا تهاجرين النمسا يا كاترين، فلا فائدة من هذا التمويه أو التهويل.
– كلا، لن أبرح النمسا وسأبقى فيها، ولكني أبقى حرة غير مقيَّدة بقيودٍ شرعية أو غير شرعية.
– لا تقولي ذلك، ما دمت في البلاد فأنت مضطرة أن تخضعي لقانونها.
فتنهدت ثانية وبقيت صامتة برهة، ثم قالت: دَعْنَا من الحمق والمشاكسة، أنت فاهم أفكاري وأنا فاهمة أفكارك، فلماذا لا نتساوم؟
– نتساوم؟
– نعم، أدفع لك كل شهر راتبًا معيَّنًا.
– راتبًا؟
– نعم، جزاء تركك لي في دائرة حريتي.
فابتسم وقال: وأنا؟
– أنت تعود إلى لهوك وحريتك أيضًا.
– والبيت الذي هيَّأتُه؟
– تسكن فيه مع مَن تشاء، ولك كلَّ شهر ألف فرنك تقبضها ذهبًا، ومتى قصرت عن دفعها لك …
– ألف فرنك لا تكاد تكفيني أنا وحدي.
– عجبًا! وهل كنت تنوي أن تنفق في بيتك أكثر من ألف فرنك كل شهر لو سكنت معك؟
– بالطبع.
– إذن المسألة مزايدة، فأنت لمَن يدفع أكثر؟
فضحك الدر وقال: ليس في الدنيا شيء مجانًا يا كاترين وللسرور ثمن، فأنت تدفعين بقدر ما تبتغين من السرور، وغيرك يفعل كذلك.
فابتسمت في إبَّان غيظها وقالت: كم دفعوا لك يا الدر؟
– ليس هذا موضوع بحثنا.
– لا بأس أدفع لك ألف و٤٠٠ فرنك كل شهر.
– دفعوا أكثر.
– إذا لم تقبل ألفَيْ فرنك فافعل ما تشاء إذن.
– أجاوبك غدًا إذن.
– حسنًا غدًا أنتظر جوابك.
– تأذنين لي بالبقاء هنا الليلة، ولا تحسبي هذا اليوم من حساب الشهر؛ لأني لا أريد أن أذهب وأبحث عن مرقد في هذا الليل.
– لا بأس، هاتيك غرفة فارغة.
– أراها غرفة خادمة، فإن شئتِ فنامي أنت فيها وأنا أنام في تلك.