المرأة التي تعرف
عندما عاد «أحمد» و«إلهام» و«بو عمير» و«هدى» و«زبيدة» و«عثمان» إلى بيروت بعد نهاية مغامرة الغواصة المجهولة التي انتهت في عدن كان عندهم الكثير مما يقولونه لرقم «صفر».
لم تكن المُغامرة قد انتهَت النهاية العادية … فقد عاد الشياطين الستة بعد أن تركُوا بطل المغامرة «هانز شميدت» في يختِه عند شاطئ جزيرة مصيدة بعد أن فشلوا في العثور على مكان الغوَّاصة المجهولة … فلم يكن للشياطين مصلحة في القبض عليه.
وجلس «أحمد» يُعدُّ تقريرًا مطولًا إلى رقم «صفر» يَشرح له كل ما حدث … فلم يكن رقم «صفر» يعلم ما حدث بعد سفر الشياطين إلى عدن.
كتب «أحمد»:
من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»
طلبتَ منَّا متابعة شخص يُدعى «هانز شميدت» بعد ظهوره في بيروت باسم مختلف هو «هنتر سميث» … وقد اتَّضح أن الرجل يسعى خلف ثروة ضخمة أو كنز خرافي مدفون في أعماق البحر قرب شاطئ عمان جنوب الجزيرة العربية. وقصَّة الكنز تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩–١٩٤٥م) عندما فكر أحد قادة البحرية الألمانية أن يشحن مبلغ خمسة ملايين فرنك ذهبي في غواصة ويُرسله إلى أميركا الجنوبية. وقد قامت الغواصة برحلتها وعليها ثلاثة رجال فقط يعلمون حقيقة مهمَّتها … وقد قرر الثلاثة الاستيلاء على الكنز الذهبي فغيَّروا خطتهم وبدلًا من الذهاب إلى أميركا الجنوبية اتجهوا بالغواصة إلى المحيط الهندي حيث قاموا بتفجير الغواصة عند ساحل عدن ثم اتجهوا إلى الشاطئ، واختفوا على أمل أن يعودوا بعد ذلك لانتشال الكنز …
وقد كان أحدهم وهو البحار «سيمون موران» الذي فقد الذاكرة ثلاثين عامًا حتى مات في مُستشفى بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية … وكان الثاني هو «جوزيف سليم» الذي كان يعيش قرب بيروت ثم مات بعد إصابته في حادث طائرة … وهكذا لم يكن موجودًا على قيد الحياة ممَّن يعرف مكان الغواصة إلا الرجل الثالث المجهول الشخصية، وربما يكون هو أيضًا قد مات.
ونحن نَعتقِد أن «هانز شميدت» لن يكفَّ عن البحث عن الكنز. وما دام الرجلان «سيمون موران» و«جوزيف» قد ماتا دون أن يَبُوحا بسرِّ الغواصة … فإن «هانز» سوف يبحث عن الرجل الثالث … ونحن نستطيع أيضًا أن نبحث عن الرجل الثالث إذا أمرتَ بذلك … فعندنا نفس المعلومات التي يَعرفها «هانز شميدت».
فإذا شئت أن نبدأ البحث فهناك خطتان … أن نَتبع «هانز» عن قرب ونحن نعتقد أنه سيعود إلى بيروت … أو نبدأ نحن البحث بطريقتنا الخاصة … ونحن في انتظار تعليماتك …
انتهى «أحمد» من كتابة التقرير … وأعاد قراءته ليطمئنَّ إلى ما فيه … ثم أعطاه إلى «إلهام» لتقوم بإرساله عن طريق اللاسلكي.
جلست «إلهام» تقرأ التقرير فلما انتهت منه قال لها «أحمد»: ما رأيكِ؟
قالت «إلهام»: معقول جدًّا ومُختصَر، ولكن ما هي طريقتنا الخاصة؟
أحمد: هل نسيتِ زوجة «جوزيف سليم»؟
إلهام: معكَ حق … ولكن عندما ذهبت «زبيدة» و«عثمان» للبحث عن «جوزيف» ولم يجداه في الفيلَّا لم تكن هي أيضًا هناك!
أحمد: تمامًا … ومهمتنا هي البحث عنها.
إلهام: كيف؟! وأين؟!
أحمد: ذلك شيء سوف نُفكِّر فيه … المهم الآن أن تُرسلي التقرير إلى رقم «صفر» وننتظر تعليماته.
وقامت «إلهام» لإرسال التقرير بينما جلس «أحمد» وبقية الشياطين يتحدثون، فقال «عثمان»: إن بقية الشياطين في دمشق لا يعرفون شيئًا عن عملية الغواصة المجهولة. أليس من الأفضل أن نُرسلَ إليهم ليعودوا أو يذهب أحدنا لإخطارهم بما حدث؟!
أحمد: لنَنتظِر أولًا رد رقم «صفر» على تقريرنا … وربما يطلب منا ألا نتدخل في هذا الموضوع أكثر … وتنتهي المسألة عند هذا الحد.
مضى يومان على إرسال تقرير الشياطين إلى رقم «صفر» … ثم جاء رده:
من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»:
المبلغ يستحق التدخُّل … واتبعوا الخطَّين معًا، مجموعة منكم تُراقب «هانز»، ومجموعة تُنفذ خطتكم … أخطروني أولًا بأول عما يحدث.
قال «عثمان» معلقًا: إذا افترضنا أننا سنجد زوجة «جوزيف»، فهل من الضروري أن يكون قد قال لها عن قصة الكنز؟
أحمد: هل تعتقد أن يُخفي زوجٌ عن زوجته سرًّا … ثلاثين عامًا كاملة؟!
قالت «إلهام» ضاحكة: لو كنتَ أنتَ هل تقول لها؟
أحمد: بالتأكيد!
بو عمير: إنكم تتحدَّثون عن زوجة «جوزيف» وكأنَّنا عثرنا عليها … هل نسيتم أن عصابة «هانز» ستفكِّر بنفس الطريقة، وقد تصل أولًا؟!
أحمد: لهذا يجب أن نتحرَّك بسرعة.
زبيدة: وماذا تتوقَّعون أن تجدوا عند السيدة … مكان الكنز … أم مكان الرجل الثالث؟
أحمد: أحدهما على الأقل … ولعلها تعرف مكان الرجل الثالث … ومكان الكنز معًا.
زبيدة: ومن أين نبدأ؟
أحمد: بالذهاب إلى فيللا «جوزيف» في قرية خلده حيث ذهبتَ أنت أولًا ثم ذهبت أنت و«عثمان» بعد ذلك.
زبيدة: وهل تتوقَّع أن تجد زوجة «جوزيف» قد عادت؟
أحمد: لا أدري … ربما تكون قد عادت … وربما تكون العصابة قد اختطفتها مع «جوزيف» وأخفتْهما في مكانٍ ما … وفي كل الأحوال سوف نُفتِّش الفيلَّا جيدًا … لقد وصلنا منذ يومَين وهي مدة طويلة … ويجب أن نُسرع الليلة إلى الفيلَّا.
هدى: ليلًا؟
أحمد: طبعًا … إننا إذا لم نجد زوجة «جوزيف» فسوف نُفتِّش الفيلَّا.
هدى: وماذا تتوقَّع أن نجد؟
أحمد: أي شيء يدلُّنا على مكان الزوجة إذا كانت ما زالت غائبة، أو على مكان الرجل الثالث إذا كان ما زال حيًّا.
وعندما هبَط الظلام على بيروت … استعدَّ الثلاثة؛ «زبيدة»، «عثمان» … و«أحمد» للانطلاق في إحدى سياراتهم السريعة … وفي العاشرة تمامًا انطلقت السيارة إلى قرية خلده الصغيرة … وكان «عثمان» يقود السيارة، و«زبيدة» تجلس بجانبه، بينما كان «أحمد» يجلس في المقعد الخلفي … كان يخشى أن يصلوا متأخِّرين، وأن تكون العصابة قد فتَّشت الفيلَّا واستطاعت الوصول إلى السيدة العجوز زوجة «جوزيف سليم» … أحد الثلاثة الذين يَعرفون سر الغواصة المجهولة الراقدة في بطن المحيط الهندي حيث لا يعلم أحد.
لقد مات «جوزيف سليم» … ومات البحار «سيمون موران» … وأصبح السر محصورًا في الرجل الثالث ولا أحد يعرف إذا كان ما زال حيًّا أم مات … كما أنه من المُحتمَل أن يكون «جوزيف» قد أخبر زوجته بمكان الغوَّاصة … وعليهم أن يصلوا إليها قبل أن تصل عصابة «هانز» … فهل يصلُون في الوقت المناسِب؟!
نظر «أحمد» من فوق كتف «عثمان» يُراقب عداد السرعة وهو يقفز من ٩٠ إلى ١٠٠ إلى ١٢٠ كيلومترًا في الساعة … ثم يَقفز مرةً رابعة إلى ١٥٠ كيلومترًا في الساعة، وأدرك أنهم سيصلُون بعد أقل من ساعة …
ودارت السيارة خارج القرية ثم اتَّجهت مباشرةً إلى شاطئ البحر حيث تقع فيللا «جوزيف سليم» … لم يكن أحدٌ قد ذهب إلى المكان من قبل، ولكن «زبيدة» زارته مرتَين و«عثمان» مرة، فهما يعرفان الطريق جيدًا.
وتحت مجموعة من الأشجار أوقف «عثمان» السيارة، ثم نظر إلى «أحمد» وأشار بإصبعه إلى كتلة ضخمة سوداء وقال: هذه هي الفيلَّا.
أحمد: لقد سبق أن دخلتَها ليلًا … أليس كذلك؟
عثمان: طبعًا … وأذكر كيف دخلت.
ونزل الثلاثة … وأشار «أحمد» إلى «زبيدة» أن تتأخَّر قليلًا عنهما وقال لها: لا تدخلي إلا بعد أن ندخل بعشر دقائق على الأقل … فقد نقع في مأزق ونحتاج إليكِ.
واقترب «عثمان» و«أحمد» من الفيلَّا في هدوء حتى وصلا إلى سور الحديقة … ووقفا قليلًا يُنصِتان ويَرقُبان الفيلَّا … وفجأةً قال «عثمان»: هل رأيت؟
أحمد: ماذا؟
عثمان: ضوء خفيف سريع داخل الفيلَّا.
أحمد: لم أرَ شيئًا، لعله انعكاس ضوء إحدى السيارات المارة من بعيد!
عثمان: ربما!
وقفزا السور بهدوء وسرعة … ثم تقدَّما مُسرعَين إلى الفيلَّا المُظلِمة الصامتة … كان «عثمان» يسير في المقدمة وخلفه «أحمد»، وقد أمسك «عثمان» بِكُرتِه المطاط العجيبة، والتي يُمكن أن يصرع بها رجلًا على بُعد عشرين مترًا … بينما شهر «أحمد» مسدسه.
ووصَلا إلى الفيلَّا، واقترب «عثمان» من إحدى النوافذ ثم أخرج أداة صغيرة من جيبه وضعها بين أخشاب النافذة، وفي لحظاتٍ فتح المصراع الخشبي، وكان مُدهِشًا أنهما وجدا المصراع الزجاجي مفتوحًا … فأرهفا السمع لحظات، ولما لم يَسمَعا شيئًا، تخطَّى «عثمان» النافذة وتبعه «أحمد» … ولم يكادا يدخلان حتى سطع ضوءٌ باهر في الفيلَّا أعشى أبصارهما، وسَمِعا صوتًا يقول: كنا في انتظار حضوركما!
وعندما اعتادت عيناهما الضوء شاهَدا رجلًا ضخم الجثة يجلس على كرسي وقد وضع بين يدَيه مدفعًا صغيرًا سريع الطلقات، بينما سمعا صوتًا من خلفهما يقول: من الأفضل أن تُلقيا سلاحَيكما على الأرض.
ألقى «أحمد» بمسدَّسه … بينما ظل «عثمان» مُمسكًا بكرتِه المطاط فقال الرجل: اترك هذه اللعبة من يدِك!
أحسَّ «عثمان» بالدم يَندفع إلى رأسه … ولكن نظرة من «أحمد» جعلَتْه يضع الكرة في هدوء وإعزاز على أحد المقاعد.
قال الرجل: هذا حسن جدًّا!
وأشار لهما ليقفا بجوار الحائط ثم قال: إن «هانز» يُبلغُكما تحياته ويرجو أن تكونا مُطيعَين.
وسكَت لحظات ثم قال: أين زوجة «جوزيف»؟!