الرجل السادس
بأسرع مما توقَّع «بوز» أخرجت «إلهام» مسدسها وصوبته إلى قلبه قائلة: إننا نُفضِّل أن نصل إلى القلعة برضانا وليس رغمًا عنَّا!
ابتسم «بوز» ابتسامة بلهاء وقال: ماذا تَفعلين يا آنسة؟ ضعي هذه اللعبة في حقيبتك فهناك خمسة مدافع رشاشة موجَّهة إليك … وفي إمكان أيٍّ واحد منها أن ينسفك نسفًا.
قالت «إلهام»: إنَّ اللعبة التي في يدي يُمكن أن تقتل يا «بوز» … قل لهم أن يبتعدوا!
بوز: ولكنَّ المحرِّك معطَّل، ولن نستطيع الوصول إلى الشاطئ.
إلهام: سنصلح المحرك الذي لا أعتقد أنه معطَّل … وسنتصل باللاسلكي برجال الشرطة … فإننا …
لم يتركها «بوز» تكمل جملتها وقال متهكمًا: شرطة؟!
قالت «إلهام» دون أن تُحوِّل نظرها عنه: «زبيدة» … حاولي إدارة المحرِّك.
أسرعت «زبيدة» بينما وقفت «هدى» جانبًا، وقد أشهرت مسدسها هي الأخرى وقد ثبَّتت نظرها على الوجوه الخمسة التي كانت تقف على حافة اليخت الكبير … كانت تعرف أن السلاح الذي بيدها ضئيل جدًّا بالنسبة لهذه المدافع الأتوماتيكية السريعة الطلقات … ولكنها كانت تعرف في نفس الوقت أنه لا بدَّ من ثمنٍ إذا شاء هؤلاء أن يهاجموا.
عادت «زبيدة» مسرعة وقالت: إنَّ مفتاح المحرك ليس به.
ابتسم «بوز» ابتسامة صفراء وقال: إنه معي … وحاوِلي أن تأخذيه!
ولم يُصدِّق «بوز» ما حدث في اللحظات التالية، فقد تقدمت منه «زبيدة» مسرعة، وبينما كانت الابتسامة البلهاء ما تزال على وجهه، هوَت بجانب كفِّها على رقبته بضربة قاسية فقد على أثرها توازنه … ثم انقضَّت عليه فلوت ذراعه ووضعت قدمها على ظهره … وبيدها الأخرى فتشته وأخرجت سلسلة المفاتيح.
وفي هذه اللحظة ظهر وجهٌ سادس على اليخت … كان وجه رجل بين الخمسين والستين من عمره … بادي القوة والصرامة … وقد شاهد «زبيدة» وهي تَصرع «بوز» بسرعة مذهلة فابتسم وقال: لقد ضُربت مرتين يا «بوز» … أمس واليوم … ولعلَّ ذلك يعطيك درسًا في معرفة حدود قوتك!
زمجر «بوز» وهو يُدلك رقبته، ويقف … وفجأةً انقضَّ على «زبيدة» مُحاولًا ضربها، ولكن «زبيدة» أدارته بسرعة، ثم دفعتْه فسقط في الماء. وفي هذه اللحظة حدث ما لم تتوقَّعه الشيطانات الثلاث … لقد كان محرِّك اليخت الكبير دائرًا … وبسرعة وقبل أن يتوقعن … صدم اليخت الكبير القارب صدمة قوية … واهتزَّت الفتيات الثلاث … سقطت «زبيدة» و«هدى» في الماء … وسقطت «إلهام» داخل القارب وانقض الرجال الخمسة شاهِرين مدافعهم السريعة الطلقات.
بعد فترة قصيرة … كانت الفتيات الثلاث يَجلسن في صالون اليخت الكبير … ومعهن الرجل الذي أنَّب «بوز» عندما أوقعتْه «زبيدة» … وعرَّفهن بنفسه: «يكن» والد «بوز».
ولاحظت «إلهام»، وهي تنظر من نافذة الصالون الأنيق، أن اليخت لا يتجه إلى الشاطئ … بل يتوغل في البحر وقالت: إننا لا نتَّجه إلى البر!
قال «يكن» مبتسمًا: لقد طلبتن أن تَقُمن برحلة بحرية وستَقُمن بها …
إلهام: ولكن نحن نُفضِّل العودة إلى البر فورًا.
يكن: ستَعُدن طبعًا … ولكن ليس الآن … عندما يهبط الظلام …
إلهام: ولكننا لا نجد سببًا لما تفعل.
يكن: بل هناك أسباب كثيرة … إنَّني أريد أن أتشرف بمعرفتكن … فقد قدمت نفسي!
إلهام: كما ترى نحن ثلاث فتيات …
ابتسم «يكن» قائلًا: ولكن ليس كبقية الفتيات … إن الواحدة منكنَّ تُساوي مجموعة من الرجال!
لم تردَّ «إلهام»، كان ذهنها يعمل سريعًا للخلاص من هذه الورطة … ولم يكن ذلك شيئًا سهلًا … فهنَّ أسرى في يختٍ ضخم، تحت حراسة مشدَّدة بالمدافع السريعة الطلقات … وفي وسط البحر … وفكَّرت في الشياطين الثلاثة … «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» … ماذا يفعلون الآن … وهل يعلم «عثمان» بعلاقتهم بهن؟!
وكأنما كان «يكن» يقرأ أفكارها؛ فقد أسرع يقول: إن زملاءك الثلاثة سيكونون موضع رعايتنا. واختفَت ابتسامته وقال بصرامة: والآن … لقد انتهت فترة المجامَلات وأريد أن أعرف فورًا سبب اهتمامكم أنتم الستَّة بالقلعة وبمن فيها.
لم تردَّ «إلهام»، ونظر الرجل إلى «زبيدة» و«هدى» … ووجد نفس الوجه الجامد المُصر على الصمت … فقام واقفًا وقال: سأترك لكنَّ ربع ساعة لتتفاهمن … وأريد ردًّا واضحًا. لماذا تهتمون بقلعة كيرينيا … وﺑ «جوزيف سليم»؟
وغادر الصالون على الفور … كانت «زبيدة» قد بدأت تُحسُّ بالبرد بثيابها المبتلة. وكذلك «هدى» … فقالت «إلهام»: لقد بدأ الظلام يهبط … وسيزداد البرد.
زبيدة: ليس هذا مهمًّا … المهم ماذا سنفعل؟
إلهام: لن نقول كلمة واحدة طبعًا، ولاحِظنَ أن نتحدَّث بصوت منخفض حتى لا يسمعون ما نقول!
هدى: ولكن هل نجلس هكذا لا نفعل شيئًا؟! أقترح أن نهاجمه بمجرد دخوله … وسنُرغم بقية من في اليخت أن يستمعوا إلينا.
إلهام: لقد جرَّدُونا من أسلحتنا، ولا أعتقد أنه أصبح من السهل السيطرة على الموقف، وأنا أُفضِّل أن ننتظر العودة إلى الشاطئ … وهناك يمكن أن يحدث الكثير … وأعتقد أن علينا أن نطلب العودة فورًا حتى يُمكن أن تُغيِّرا ثيابكما … فإنني أخشى أن تُصابا بنزلة برد عنيفة …
هدى: المهم أن يكون كلُّ ما يحدث الآن يقربنا من هدف الوصول إلى الرجل الثالث.
إلهام: شيء غريب أن يكون «بوز» جزءًا مما نبحث عنه … وصدامه مع «عثمان» يكون فاتحةً لكل ما يحدث الآن!
زبيدة: هل لاحظتما حديث «يكن» عن الشياطين الثلاثة … إنه يقول إنهم سيكونون موضع رعايته … ومعنى ذلك أنهم إما أن يكونوا قد وقعوا في يديه … أو هم مُراقبون من رجاله … كما هم مراقبون من رجال «هانز»!
إلهام: «هانز» … لقد نسينا «هانز» … ما رأيكما أن نقول ﻟ «يكن» إنَّنا من رجال «هانز»؟
زبيدة: لا أظنُّ أنه لا يعرفه … ويعرف رجاله …
إلهام: لا أعتقد أنه يعرف «هانز» … بدليل أن رجال «هانز» لم يكونوا يعرفون شيئًا عما يحدث في قبرص … لولا حضورهم خلفنا.
هدى: لا تنسَي زوجة «جوزيف سليم» … إذا كانت هنا فلا بدَّ أن «يكن» يعرف كل شيء عن «هانز».
إلهام: ولكن زوجة «جوزيف» لا تَعرف إذا كنا نَعمل لحساب «هانز» أم لا … صدِّقاني إنها فرصتنا خاصة نحن نعرف الكثير عن «هانز».
في تلك اللحظة ظهر «يكن» … وكان شهمًا … فقد أحضر للفتاتَين بعض ثياب البحارة، ثم خرج وقال إنه سيعود بعد لحظات … وغيَّرت «زبيدة» و«هدى» ثيابهما بسرعة وأحسَّتا بالراحة والدفء خاصةً بعد أن جاء أحد البحارة وهو يَحمل إبريقًا ضخمًا من الشاي … وبعض البسكويت …
عاد «يكن» وقال: لقد آنَ الأوان لأن أسمع منكن الحقيقة …
قالت «إلهام» وهي تتظاهر بالتردُّد: وماذا يفيدنا إذا قلنا لك؟
يكن: أضمن سلامتكنَّ، وخروجكن من الجزيرة.
إلهام: وزملائنا؟
يكن: سأرى!
إلهام: إنني أشترط هذا!
يكن: لستنَّ في موقف يسمح لكنَّ بإملاء الشروط، ولكن إذا مضَت الأمور على ما يرام ولم يحدث شيء يُسيء لي فسوف أسمَح لهم بالخروج سالمين …
كان «يكن» يتحدث بثقة فقالت «إلهام»: في هذه الحالة فإنني سأقول لك كل شيء.
يكن: عظيم!
إلهام: نحن كنَّا نعمل في مكتب للعلاقات العامة كان يملكه شخص يُدعى «كريم» … وذات يوم من نحو شهر حضر شخص يُدعى «هانز»، وطلب من «كريم» مساعدته في البحث عن شخص دخل لبنان منذ ثلاثين عامًا تقريبًا … وهو أجنبيٌّ وفي الغالب ألماني … وأعطانا بعض أوصافه …
بدأ الاهتمام على وجه «يكن» وقال: وبعد؟
أدركت «إلهام» أن «يكن» لا يعرف شيئًا عن حقيقة الشياطين، ولا عن «هانز»، ونظرت إلى الفتاتين بسرعة … ثم مضت تقول: وقُمنا جميعًا بالبحث عنه … وقد دفع «هانز» ﻟ «كريم» مبلغًا ضخمًا، وبالتالي أخذنا أجورًا مرتفعة … وظللنا نبحث عن «جوزيف» هذا حتى وجدناه … وكان يُقيم في فيللا قريبة من البحر في قرية خلده في لبنان …
يكن: هذا صحيح!
إلهام: وأخبرنا «هانز» بمكانه، فقام بخطفِه، وأخذه مع «كريم» إلى شاطئ للبحث كما سمعنا عن كنز. ومنذ ذلك الوقت اختفى «كريم» واختفى «جوزيف» وطبعًا كان يهمنا العثور على «كريم». فعدنا إلى فيللا «جوزيف»؛ حيث اصطدمنا بعصابة «هانز» … وعثرنا على بعض لوحات … كان قد رسمها «جوزيف» بيده بينها بعض مناظر من قبرص فيها قلعة كيرينيا، فحضرنا إلى هنا لعلنا نجد «جوزيف» ونعرف منه مصير «كريم» …
ابتسم «يكن» وقال: لا «جوزيف» … ولا «كريم» هنا!
إلهام: ولكن «هانز» ورجاله هنا.
ضاقتا عينا «يكن» وومض فيها بريق مخيف وقال: «هانز»؟!
إلهام: نعم … وقد حاول ثلاثة من رجاله الإيقاع بنا، ولكنَّنا تغلبنا عليهم وعرفنا أن أحدهم يدعى «كارل» …
يكن: وأين هم الآن؟
إلهام: لا نعرف … ولكنهم … في نيكوسيا، فقد اصطدمنا بهم هناك.
قام «يكن» مسرعًا وترك الفتيات الثلاث … ونظرت «زبيدة» إلى «إلهام» وابتسمت وكذلك فعلت «هدى» … قد استطاعت أن تقصَّ قصة حقيقية مقنعة جدًّا. ليس فيها إلا شيء واحد، أنهم لم يكونوا في أي يوم من الأيام من أتباع «كريم».
وانقضَّت الفتيات على الشاي الساخن، والبسكويت، ونظرت «إلهام» من نافذة الصالون المستديرة ثم قالت: لقد هبط الظلام!
وبدأ اليخت يُغيِّر اتجاهه فأضافت «زبيدة»: واليخت يتجه إلى الشاطئ!
إلهام: المشكلة هي أن يتمكَّن «يكن» من الإيقاع برجال «هانز»، وأظنُّ يستطيع.
زبيدة: ويَكتشف الحقيقة.
هدى: ونقع بين مخالف «يكن» … وأنياب «هانز» …
إلهام: دعونا ننتظر ونرى … المهم أن نصل إلى الشاطئ ونلتقي ﺑ «عثمان» و«أحمد» و«بو عمير».
وزاد اليخت من سرعته … متجهًا إلى الشاطئ.