حفار ساق اللوزيات
في فصل الربيع، وتحديدًا في شهر أيار، حيث ترتفع درجة حرارة الجو المحيط، فينتشر الدفء، وتعم الخُضرة، وتتفتَّح البراعم فتكتسي الأشجار حُلَّتها الخضراء الجميلة من الأوراق الغضة الجديدة، تجدونني أطير في البساتين وسط هذه الخُضرة منتقلًا بين أشجار اللَّوزيات، أتغذَّى على براعمها الجديدة، وأوراقها الغضة الطرية، وعلى قلف الأغصان والفروع، تاركًا بها جروحًا، وحُفرًا، دالَّةً على آثار وجودي، مُسبِّبةً ضعف الشجرة، وفاسحةً المجال للبكتيريا والفطريات بمهاجمتها من خلال هذه الجروح.
وما إن تصل درجة الحرارة اليومية إلى ٢٥ درجةً مئوية وما فوق، حتى أبدأ في وضع البيض في الأماكن المشمسة، والنظيفة، والدافئة، والجافة، على مسافة تتراوح بين ٣٠سم إلى ١٢٠سم من قاعدة جذع الشجرة، وعلى عمق من ٣ إلى ٢٠سم.
أضع البيوض مباشرةً على سطح التربة في الأراضي الخفيفة، أمَّا في الأراضي المتوسِّطة القوام أو الثقيلة فأضعها في شقوق التربة، أو في البُقَع المحمية تحت الحجارة. وأتجنَّب وضع بيوضي في الأراضي الرطبة، أو تلك الملوَّثة بمساحيق المبيدات لضمان فقس البيوض وسلامة يرقاتي الفاقسة.
بعد حوالي أربعة أيام من إكمال وضع البيوض تنتهي حياتي بعد أن أكون قد أدَّيت وظيفتي في إنتاج جيل يُتابع من بعدي.
بيوضي ذات لون أبيض براق، وقشرة صلبة بيضاوية الشكل، يختلف حجمها حسب درجات الحرارة السائدة التي تُؤثِّر أيضًا على فترة حضانة البيضة، ويكون مُتوسِّط طولها ٣مم ومُتوسِّط عرضها ٢مم.
تفقس بيوضي بعد أسبوع من وضعها، وقد تمتَد حتى الشهر، حيث تقل فترة الحضانة بارتفاع درجة الحرارة عن ٢٠ درجة مئوية، ولا تفقس البيوض في الأراضي العالية الرطوبة أو في درجات الحرارة دون ١٨ درجةً مئوية.
تكون يرقاتي الفاقسة بطول نصف سم وتستمر في النمو والتطوُّر إلى نهاية مرحلة اليرقة ليصبح طولها ٨سم وعرض ١سم.
بعد فقس البيوض تتحرَّك اليرقات باتجاه جذور الشجرة معتمدةً على تقلُّص عضلات جسمها، وتصل إلى داخل الجذر خلال ثلاثة أيام مُحدِثةً الإصابة، وإذا لم تصِل خلال هذه المدَّة تموت اليرقات جوعًا.
وبعد وصولها تبدأ بحفر الأنفاق مُؤدِّيةً إلى تدمير الأوعية الناقلة، تاركةً مُخلَّفاتها على شكل نشارة خشبية نتيجة تغذيتها على الأنسجة القشرية وتحت القشرية، مُسبِّبة ضررًا واضحًا على الأشجار المصابة نتيجة ضعف الشجرة، ومهاجمتها من قِبَل حشرات أخرى كسوس القلف، وتماوت الجذور، الأمر الذي يُؤدِّي إلى ضعف نمو الأفرع الحديثة، وصغر حجم الأوراق والثمار وتساقط جزء منها لعدم حصولها على احتياجها من الماء.
يبدأ جفاف الأفرع من الأعلى إلى الأسفل، وتظهر الإفرازات الصمغية على الساق، والأفرع الرئيسية، وتُصبح القشرة في منطقة الإصابة سهلة النزع مع وجود نشارة مُتصلِّبة مختلطة مع مُخلَّفاتنا، وبالنهاية موت الشجرة بالكامل.
ومن أهم ما يُميِّز الإصابة بنا موت الشجرة الفجائي وعليها الأوراق والثمار.
يمكن ليرقة واحدة من يرقاتي أن تقتل شجرةً فتية بعمر سنة، ويمكن لعدة يرقات أن تُؤدِّي إلى موت شجرة كبيرة في غضون سنتَين.
تُتابع اليرقات تغذيتها طيلة أشهر الصيف والخريف إلى أن يكتمل نموها فتتحوَّل إلى مرحلة العذراء، وتدخل في سُبات شتوي حتى الربيع القادم.
تكون العذراء بلون رمادي أبيض، طولها ٣سم وعرضها ١سم تقريبًا.
وفي الربيع القادم تخرج العذارى من شرانقها حشرات كاملةً فتية تغادر الجذور إلى جذع الشجرة لتتغذَّى على أوراقها وبراعمها وقشور الأغصان والفروع، وتُتابع دورة حياتها من جديد.
تظهر الحشرات الكاملة في شهر أيار حيث تخرج لتتغذَّى على المجموع الخضري قبل التزاوج ووضع البيوض، فتُدمِّر أعناق الأوراق مؤديةً إلى تساقطها، وتقضي على البراعم ممَّا يُؤدِّي إلى ضعف وتشوُّه نمو الشجرة، كما تقضي على غراس التطعيم نتيجة تدمير البراعم في تلك الغراس.
يتهمونني بأنني أُسبِّب أضرارًا كبيرة لأشجار اللوزيات، وفي حقيقة الأمر فإن الطور الضار لنا هو الطور اليرقي؛ أي عندما نكون يرقات تتغذَّى على الجذور وتُتلفها، حيث تبدأ الإصابة بمنطقة العنق الجذري فتحفر اليرقات أنفاقًا طويلة متداخلة ومملوءة بالنشارة في الجذور السطحية يصل طولها حتى نصف متر أحيانًا، ممَّا يُؤدِّي لضعف الشجرة ومهاجمتها من قِبَل حشرة سوس القلف وتماوت الجذور، وبالنهاية موت الشجرة بالكامل. تبدو بداية الإصابة ضعفًا بحجم وكمية الثمار، ثم قِصر الطرود، وتفشل الشجرة بالقدرة على إعطاء النموات الخضرية. وتنتشر الإصابة لتشمل الحقل بالكامل، وتنتقل إلى الحقول المجاورة نتيجة انتقالنا حيث نطير بين الأشجار والبساتين، من أجل ذلك لم يتركنا أصحاب البساتين وشأننا فتراهم يستعدُّون لمكافحتنا والقضاء علينا ما أمكنهم ذلك، باستخدام طُرق المكافحة المختلفة بدءًا من التخلُّص من الأشجار المصابة فيقتلعونها ويحرقونها ويُعقِّمون التربة مكانها ليتخلَّصوا من بيوضنا ويرقاتنا الحديثة الفقس، كما أنهم يلجئون إلى ري الأشجار بعمل الأحواض حولها وغمرها بالماء بهدف قتل اليرقات الحديثة ومنع بيوضنا من الفقس، إضافةً إلى أنهم يستخدمون مادة الفوستوكسين السامة في النفق الذي تحفره يرقاتنا ثم يُغلقونه؛ ممَّا يُؤدِّي إلى اختناق اليرقات بالغازات السامة المتصاعدة من هذه المادة.
وعندما تخرج حشراتنا الكاملة في شهر أيار لتتغذَّى على المجموع الخضري قبل التزاوج ووضع البيوض، فإنهم يستقبلونها برشها بالمبيدات السامة، أو يجمعونها في الصباح الباكر ويتخلَّصون منها.
ليس هذا فحسب، بل وفي كثير من الأحيان لا نتمكَّن من وضع بيوضنا في الأماكن المناسبة على جذع الشجرة نتيجة طلاء الساق بعجينة بوردو التي يصنعونها من مادة الكلس وكبريتات النحاس والشبَّة مضافًا إليها مبيد حشري مناسب للتخلُّص من بيوضنا ويرقاتنا.
كما أنهم راحوا يستبدلون جذور أشجار اللوزيات التي تُحبُّها يرقاتنا للنمو داخلها ويستبدلونها بجذور اللوز المُر والمحلب، حيث تكون أصولًا قويةً مُقاومة تُطعَّم عليها أشجارهم.
كل هذا وأكثر؛ فقد اعتبرونا من أخطر وأشد الآفات فتكًا بأشجار اللوزيات تصعب مقاومتنا إذا تقدَّمت بنا الإصابة وزادت أعداد يرقاتنا في جذور وجذوع الأشجار، وازدادت بالتالي أعدادنا في البساتين المجاورة.
أنا حفَّار ساق اللوزيات، اسمي العلمي كابنودس، من فصيلة الناصعات، رتبة الخنافس، طائفة الحشرات، شعبة مفصليات الأرجل، وينتهي نسبي إلى مملكة الحيوان.