قصص آدم وحواء وجنة عدن والطوفان ونوح
لما كانت الكتب السماوية والقصص القديمة قد ذكرت قصة خلق آدم وزوجه حواء، وجنة عدن، وقصة الطوفان وسفينة نوح، رأينا أن نذكر هنا شيئًا عنها، لما لهذا من الصلة بنشوء الكون والحياة الإنسانية والحيوانية على الأرض، وهو موضوع «تاريخ ما قبل التاريخ».
(١) آدم وحواء
جاء في «التوراة» ما خلاصته أن الله خلق «آدم» من التراب — وآدم في العبرية معناه التراب — ثم نفخ في أنفه نفسًا حية، وخلق معه «حواء» لتكون معينًا له، بأن أوقع عليه سباتًا فنام، فلما استيقظ وجد إلى جانبه «حواء»، فعاش معها في سعادة وهناء في جنة، فيها الثمار والأزهار ولم يحرِّم الله عليه وعلى زوجته إلا شجرة واحدة، هي شجرة معرفة الخير والشر، غير أن التحريم قد أثار شهوة الزوجين، وتمثل الشيطان «لحواء» في صورة حية، وأغراها بأكل ثمرة من تلك الشجرة فأصغت إلى كلامه، وأكلت من الثمرة وأعطتها إلى رجلها أيضًا فأكل معها، فأثار هذا غضب الله عليهما فطردهما من الجنة ولعن الأرض بسببهما.
هذا ولما عثر المنقبون من رجال البعثة الأمريكية الأثرية، التي يرأسها الدكتور سبينرر في أطلال مدينة «تيب حورا» على قطعة من الفخار منقوش عليها الصورة رجل وامرأة أحنى الحزن ظهريهما، ووراءهما أفعى أكبر من كل منهما حاولت الانقضاض عليهما، فاندفعا — هلعين — للخروج، ذهبوا إلى أن هذه الصورة مثل قصة آدم وحواء؛ ذلك لأن فحص هذا الأثر أبان أن نحاتها كان حيًّا حوالي ٣٧٠ قبل الميلاد، أو قبل أن تورد التوراة قصتي الخليقة وآدم وحواء بألفي سنة.
ثم إن البعثة قد عثرت على مدينة «تيب حورا» حين كانت تنقب عن طلال مدينة أور الكلدانيين، والمظنون أنها مسقط رأس إبراهيم الخليل.
(٢) جنة عدن
وجاء في (سفر التكوين، الإصحاح ٨:٢) «أن الله غرس جنة في عدن شرقًا ووضع فيها آدم … وكان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة، ومن هناك ينقسم فيصير أربعة أنهر: أولها نهر فيشون المحيط بأرض الحويلة، حيث الذهب والمقل وحجر الجزع؛ وثانيها نهر جيحون المحيط بأرض كوش؛ وثالثها حداقل الذي يجري شمال آشور؛ ورابعها نهر الفرات.»
وعند بعض المفسرين أن «فيشون» نهر الهند، ومن ثم كانت جنة عدن في الهند، وعند آخرين أن جيحون هو النيل، وأن هذه الجنة في مصر، غير أن الكثرة أن «عدنًا» كانت فيما بين النهرين.
(٢-١) في القرآن الكريم
وجاء في سورة الأعراف: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ.
(٣) الطوفان
هو فيضان عظيم أو انخفاض وغوران في الأرض أو ذهاب السماء والأرض أو السماء فقط، بحيث عم البلاء والفوضى، هكذا قال المؤرخون الأوروبيون، وثم قصص عديدة عن الفيضان في الأساطير البابلية والهندية والأمريكية القديمة. وقد يكون فيما تضمنته غلو وتَزَيُّد. ففي القصص القديمة لسكان أمريكا الشمالية الأقدمين أن الفيضان هو نشوء آخر للأرض في الهندستان وكنعان وبابل.
كذلك وردت قصة الطوفان بين البابليين، وفيها اسم «أوت نابشتيم» بدلًا من نوح.
وفي القصة الهندية الواردة في «ساتا باتا براهما» أنه بينما كان «مانو» الرجل الأول ابن إله الشمس فيفسفات يستحم وجد سمكة صغيرة، سأله أن يترفق بها مقابل نجاته في الفيضان الآتي، فأنزلها مانو بعد أن كبرت إلى البحر، واستطاعت أن تنبئه عن موعد الفيضان؛ لكي يتأهب لمواجهته، وأن ينشئ سفينة. فركبها وساعدته السمكة على وثق السفينة بقمة الجبل الشمالي (يظن أنه الهملايا)، وطلبت منه أن يربطها بشجرة وبعد أن غيض الماء نزل من القمة وشاهد امرأة أسمت نفسها ابنته إيدأ إلهة الخصوبة، ولم يرد في القصة أن الباعث على الفيضان هي المعصية.
وهناك القصة الإسرائيلية والقصة البابلية عن الفيضان.
على أن ما يجدر ذكره أنه ليس هناك قصص عن الفيضان إلى ٢١٠٠ق.م مع أن الفيضان لا بد أن يكون قد ورد ذكره في لوحة أقدم من هذا التاريخ.
(٣-١) في القرآن الكريم
وجاء في سورة هود: وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ * حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ الله إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
هذا وجاء ذكر الطوفان وقالوا إنه بمعنى الماء الطائف الذي يغشى الأماكن والحروث من مطر أو سيل أو الجدري أو الموتان أو الطاعون. في سورة الأعراف: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ.
(٣-٢) نوح القرن العشرين
ومن طريف ما نذكره أنه في سنة ١٩٣٨ «أعد ويليام جريتوود» من أوليمبيا الأمريكية سفينة وضع بها مختلف أنواع الحيوان تشبهًا بنوح، مطلقًا على نفسه اسم نوح، وعلى طوفان الأرض طوفان القرن العشرين!