العادات: طعام الأمم القديمة وغيره
منذ نشأ الإنسان على الأرض في نظام الجماعة، نشأت معه وله عادات مارسها في طعامه وشرابه ولباسه وحفلاته وقوانينه ومحاكمه، ومن أجل هذا نذكر هنا شيئًا من ذلك.
كان المصريون يأكلون السمك نيئًا مجففًا بالشمس أو منقوعًا في الماء الملح، وكثيرًا من اللحوم النيئة كالسلوى والبط، وبعض أنواع الطيور بعد تمليحها، وكانوا يتناولون طعامهم على أنغام الموسيقى، ويجعلون على موائدهم تماثيل صغيرة تمثل أجسامًا محنطة، كأنهم يريدون بذلك كبح جماح الشهوات بتذكير أصحاب المائدة أن نعيم الدنيا زائل، وقد يطوفون بتمثال جثة محنطة حول المنزل يغنون الأغاني ويقولون: كل واشرب وتمتع بملاذ الدنيا قبل أن يدركك الموت.
وكان البابليون وسكان ما بين النهرين كالمصريين يكثرون من أكل الأسماك، ولكنهم كانوا يزيدون على المصريين أنهم يجففون السمك جيدًا ويدقونه بالهاون ثم ينخلونه بقماش ناعم ويصنعونه أقراصًا ويخبزونه كالخبز ويتناولونه، أما الفرس فكانوا يأكلون قليلًا من اللحم ويتناولون الأثمار كميات قليلة، على دفعات متعددة وكان من أمثالهم: «إن الإغريقي يأكل ليسد جوعه؛ لأنه لو قدم له ما طاب أكله بعد الطعام وقد انقطع عن الأكل، لأكله.» وكانوا يكثرون من شرب الخمر، وكان اليونان في أكثر أزمانهم يتناولون ثمر الأرض ويشربون الماء القراح، ولم يعتادوا تناول اللحوم إلا في بداية حضارتهم، ثم أخذوا يتوسعون في الترف والتأنق بتوسع سلطانهم وانتشار نفوذهم، على أن كثيرين من فقرائهم كانوا يتغذون بالجنادب والفراش وأطراف أوراق الشجر، أما أغنياؤهم فكانوا منغمسين في الترف مكثرين من تناول اللحوم.
وهكذا كان الرومانيون في مبدأ حضارتهم يتغذون بألبان الماشية والبقول، ونوع من الحلوى يصنعونه من الدقيق والماء، فلما اتسعت دولتهم تأنقوا في المآكل والمشارب، وأكثروا من أكل اللحوم وأنواع المطبوخات والمعجونات، وبالغوا في أيام جمهوريتهم في أكل الطيور، وكان بعض أغنيائهم وولاة أمورهم تشتمل مائدتهم على كثير من رءوس الببغاء وأدمغة بعض الطيور الصغيرة النادرة، أما العرب في جاهليتهم فكانوا على حالة من شظف العيش لقحولة بلادهم، وقد ذكر ابن خلدون أنهم كانوا يأكلون العقارب والخنافس، ويفاخرون بأكل العلهز؛ وهو وبر الإبل، يموهونه بالحجارة ويطبخونه في الدم، أما طعامهم الاعتيادي فهو في الجملة اللبن والتمر وبعض أنواع الحبوب، وكثيرًا ما كانوا يطبخون دقيق الحنطة أو الذرة باللبن أو اللحم وما إليه، فيصنعون من ذلك أنواعًا من الأطعمة تعد عندهم بالعشرات، وأنواع الحلوى تصنع عادة من الدقيق والعسل أو السمن والعسل أو الحليب والسمن والعسل.
(١) عادات مختلفة
مما كان يتناوله الإنسان البدائي اللحم التي مع التوابل أو بغيرها، ورءوس الأسماك وذيولها وزعانف الحيتان وعظامها، هذا ويتحجب بعض الرجال — كما في قبيلة الطوارق إلى اليوم — وقاية للوجه من رمال العواصف ومن حرارة الشمس، ويدهن بعضهم أجسامهم وشعورهم بطين أحمر اللون كالحمرة، ويتخذون منه نقوشًا وأنماطًا ساذجة. وهناك من يتزوج بعشرات النساء، وخاصة الرؤساء الذين ينكحون ما يطيب لهم مئات أو ألوفًا، وهناك المرأة التي تقترن برجال عديدين، ومن يبيع زوجاته أو يبادل عليهن، وفي داهوس يسدد رجال القبيلة سهامهم إلى العروسين، فإذا عجزا أو عجز أحدهما عن اتقاء السهم ألغيت الخطبة، وتضع النساء الأقراط في أنوفهن وذقونهن، ويتحلين بالوشم وبالأخاديد التي تحدثها في وجوههن السكاكين.
ومن عادات الإنسان الأول التفكير في طرد الأرواح الشريرة من الجسم، واختبار قوة الشبان — حين يراد إقامة حفلة أو عقد زواج، أو علاج مرض أو النهوض بعبء الزعامة — بجلدهم بالسياط جلدًا متتابعًا باعثًا على الإعياء والإغماء، أو مفضيًا إلى الموت في الحال أو بعد مدة قصيرة، وعند بعض القبائل أن الإنسان يولد صالحًا وأن الحياة تفسده وتكرثه وتلبسه شيطانها، وأن اللون الأبيض رمز للطهر والنقاء، والأسود للفساد والخبث، والأحمر للنشاط والحماسة والجمال والسرور، وقد يعمد بعضهم إلى تجريد جثة فقيدهم من بشرتها السوداء لكي تبدو بيضاء تيسر له الانتقال إلى الحياة الثانية، أو إلى تدليك أبدانهم برشاش رماد أسود تتايهًا أو تضليلًا للآخرين.
وحين يدرك صبيان القبيلة سن البلوغ، يحتفل بتعميد رجولتهم وصلاحيتهم للنهوض بالأعباء بختانهم فرادى أو جماعات أو بتر شيء من أجسامهم؛ إذ إن الدم السائل عنوان القوة ورمز التضحية وتقديس الواجب، ومن أجل هذا يجب أن يبتسموا عندئذ، وقد نشأت عادة ربط القدمين رغبة في ستر عاهة الرجل، وكان الصينيون أول من عرف بطاقة الزيارة وبصمة الأصابع لتحقيق الشخصية، وفي اليابان عادات غريبة لازمتها قبل عصر التاريخ، من ذلك عادة الهارا كيري؛ أي بقر البطن وتنظيمه في شبه حفلة يحضرها الشهود في أحد الهياكل المضاءة بالشموع، ويلبس المنتحر رداء أبيض اللون ويقف أمام الهيكل ثم يتناول خنجرًا يغمده في جنبه الأيسر، ثم يديره في جنبه الأيمن باقرًا بطنه في شجاعة لا يتلوى من الألم.
(٢) قراءة الكف، وأكل لحوم البشر
نشأت قراءة الكف في الصين منذ ٥٠٠٠ سنة، فهي إذن خرافة قديمة جدًّا.
من المفروض أن الإنسان البدائي، وقد كان يعيش مع الضواري وكالضواري، لم يكن يتورع عن أكل اللحم البشري، سواء أكان من جثث الموتى أو الأحياء بعد الهجوم عليهم وقتلهم، بل كان يقتل من يعدهم ملوكًا وسادة وآلهة لسبب من الأسباب، كما كان يأكلهم حين يموتون أو يقتلون، ومما نضيفه إلى هذا، أنه لا تزال بعض القبائل الضاربة في أفريقيا وأمريكا تمارس هذه العادة؛ فقد حدث منذ سنوات قليلة أن زعماء أحد القبائل في غابات أمريكا الجنوبية قرروا قتل أحد رجالهم، ومن ثم طرحوا ظهره على الأرض موثقين جسمه، وبعد أن وضعوا جذع شجرة كبيرة على صدره، وقفوا عليه جماعات جماعات إلى أن تصدعت أضلعه وتهشمت عظامه وأسلم روحه.
وفي أثناء هذا أحاط به نساء القبيلة في حلقة هاتفين صائحين صياحًا مزعجًا منشدين نشيدًا همجيًّا، كأنهم في حفلة عرس، وبعدئذ جاء الرجال فقطعوا أوصاله ومزقوا أشلاءه، ملقين بها في النار؛ تمهيدًا لالتهامها على مرأى من زوجة المذبوح، بل بعد إكراهها على الاشتراك في الأكل من لحم زوجها، ثم احتفظوا بذراعه بعد ربط أصابعها ليتخذوها ملعقة وأداة لتناول لحم الزوجة ذاتها بعد قتلها، هذا ومن أفراد القبائل آكلة لحوم البشر من لا تتخذ منها طعامًا شهيًّا ممتازًا إلا إذا كان القتيل من الأعداء المأسورين، وكان الدافع إلى الذبح استجابة إلى طقوس دينية، مؤثرين الأذرع والأفخاد واللسان وأصابع اليد والمخ، محجمين عن القدم. ويذهب «دنج» الأثري الإنجليزي إلى أن البريطانيين كانوا من آكلي لحوم البشر إلى ما بعد تدينهم بالمسيحية في قرونها الأولى.
(٣) الألعاب الأولمبية والملاكمة
أولمبية مكان في اليونان يتبارى فيها رجال الرياضة، وكانت المباراة تُعقد مرة كل أربع سنوات، وكان تاريخ اليونان يحسب بعدد المباريات، وأسماء الفائزين مدونة منذ سنة ٧٧٦ق.م، ولكن الألعاب كانت تعقد قبل هذا التاريخ، وكانت مدة انعقادها خمسة أيام، ولم تلغ إلا في سنة ٣٩٤ب.م، وكان لا يجوز القتال مدة انعقادها، وكانت المباريات تحتوي على سباق بالقدم، وسباق بالعربات، والمصارعة، والملاكمة، والقفز، والزرق. وكان للفائز الحق في أن يكلل بإكليل الزيتون وتضمن له مدينته معاشه مدى حياته، وقد أعيدت الألعاب الأولمبية في أثينا في سنة ١٩٠٠، وعقدت بعد ذلك في كل أربع سنوات في باريس ولندن وستوكهولم وأنفرس وأخيرًا في باريس، ولولا الحرب لعقدت في برلين، هذا والملاكمة عرفتها الشعوب القديمة، وقد ذكرها هوميروس في الإلياذة وفرچيل في الأنياد.
(٤) الصوفية والتطفيل
النسك والتصوف والزهد والرهبنة البدائية مما عرف قديمًا، أما الصوفية فتقوم على تصفية القلب عن موافقة الخلق ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد الصفات البشرية ومجانبة الدعاوى النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بعلوم الحقيقة، والصوفي فانٍ بنفسه باقٍ بالله مستخلص من الطبائع متصل بحقيقة الحقائق.
أما التطفيل فهو تعرض المرء لطعام الناس من غير أن يدعى إليه، أما الداخل في شرابهم من غير دعوة فيدعى الواغل، وأما الدعي فهو الداخل في نسب القوم وليس منهم.
يقول «عبد العزيز البشري» في الجزء الثاني من كتاب «المختار» إن «الطفيليين» نسبة إلى رجل يدعى «طفيل العرائس».
«وقد زعموا أنه أولهم فإليه كانت نسبتهم، ولكنني أحسب أن التطفيل قديم جدًّا قدم الشره في الإنسان وهوان نفسه عليه، وتطلعه إلى ما ليس له ولو كان طعامًا.»