عصر الزواحف
أعقب عصر البرمائيات، عصر الفحم «الكاربون» جيل أو دورة من العصور الجافة المريرية، كما يؤخذ مما خلفته الأحافير القليلة من رواسب الأحجار البلاطية والرملية. فقد طغت على اليابسة برودة ثلجية أمدًا طويلًا، وكان من عواقبها زوال نبات المستنقعات الذي أسلفنا الكلام عليه، وابتداء كبس سطح الأرض وتعدينها، وكان من شأن هذا أن تألفت الرواسب الفحمية. ثم إن انقشاع البرودة الثلجية رويدًا رويدًا، أفضى إلى دفء ورطوبة أعانا على إنتاج سلالة جديدة من النبات والحيوان الفقري، الذي قبل أن يفقس بيضه، ينمو دعموصه (أنثى الضفدع) داخل البيضة نموًّا يعينه على التنفس توًّا عوضًا عما كانت عليه حال دعموصه من الحاجة إلى البقاء في الماء؛ لكي يتنفس هواءه قبل أن يستطيع تنفس الهواء من غير وساطة الماء، وفي هذا العصر لم يبقَ للحيوان خيشوم. أما شقوق الخيشوم فقد لازمت الجنين الحيواني قبل خروجه إلى الحياة، هذا هو عصر الزواحف الذي أعد اليابسة للحياة الحيوانية والنباتية، تاركًا لظهورها الظروف المواتية والفرص الملائمة. أما الأشجار البذرية؛ أي التي تنتج من البذور، فقد وسعها أن تنمو مستقلة؛ أي في غنى عن تلمس ماء المستنقع والبحيرة، وظهر نبات السرخس والنبات الصنوبري؛ أي الذي يحمل ثمارًا مخروطية الشكل. أما الزهور والحشائش فلم توجد بعد، وظهرت الخنافس قبل النحل والفراش.
هذا وتقدر المدة التي تم خلالها تنوع القشرة الأرضية على الصورة، التي هيأت الحياة المشار إليها بمائتي ألف سنة، ويطلق على هذه المدة «الزمن الميزويكي» تمييزًا لها عن الزمنين الآزويكي والبالازويكي، ومدتها نحو بليون سنة و٤٠٠ ألف سنة، وكانا سابقين عليه، ويسمى «الكانوزيكي»؛ أي الزمن الجديد للحياة أو عصر الزواحف الذي انتهى منذ ٨٠ ألف سنة. وقد بقي من عصر البرمائيات نسل قليل، ومن الزواحف أكثر منها كالثعابين والسلاحف البرية والبحرية «الترسة» والتماسيح الإفريقية والأمريكية والسحالي؛ أي أنواع الحيوان الذي لا غنى له عن الحرارة والدفء طول العام. ومن الزواحف المنقرضة ما هو أكبر حجمًا من خلفه، كالدناصير والقياطس والحيتان والديبلودوكاس كارنيجي، وهي سحالي هائلة طولها ٨٤ قدمًا، ثم الجيجانتوسوراس وطوله مائة قدم، والتيراتوسوراس أكبر من ذلك وهو هائل جدًّا ومرعب جدًّا، وظهرت أيضًا الطيور الفقرية كالبتيروداكتيل قافزة واثبة بين أشجار الغابة، ومن زواحف اليابسة ما عاد إلى البحر كالموموسور والبليسيوسور والأشتيوسور وأجسامها كبيرة وبدينة ذات مجاذيف، تستطيع السباحة والزحف في الماء الضحل، ورأسها تستند إلى عنق يشبه عنق الأفعى وأكبر من عنق الأوز العراقي، متغذية بالأسماك وبما تقتات به الطيور. وقصارى القول أن الحيوان البري كان أضخم مما نعرفه.
أما في البحر فلم تبلغ كائناته هذا النمو وقد قنعت بالتنوع، وقد انقرضت كلها ولم يبق من نظائرها سوى النوتيلوس في أمواه المنطقة الحارة، والسمك الذي خف قشره وزاد نعومة.
ومن الزواحف فصائل أعدت نفسها للهجرة والطيران هاربة من نظائرها المطاردة لها لاجئة إلى التلال والسواحل؛ أي إلى أمكنة أشد برودة من الغابات، متخذة ما يشبه الريش والأجنحة، متعلمة كيف تحتضن بيضها إلى أن يفقس بعد أن كانت — كالزواحف — لا تحتفظ ببيضها، تاركة إياه للشمس والطقس، مقتاة بالسمك الصغير، وكانت سيقانها الأمامية مقاذيف كطائر العلموت أو البطريق، وكالطائر الكيوي النيوزيلندي ذي الريش القليل جدًّا، الذي ظهر في الطيور وتبعه ظهور الأجنحة. وقد عرفنا نوعًا مجنحًا من الطيور ذا ذيل وأسنان من ذيول الزواحف وأسنانها.
(١) الأحافير الحيوانية
عثر الدكتور لوج كوخ الأرضي الدنمركي في جرينلند على أحافير أسماك ستيجوسيفال التي تعيش في البر والبحر، وهو جد الضفادع ويوجد في بحار أفريقيا وأستراليا.
وقد كشفت في صخور قاع المضيق الكبير في ولاية آريزونا الأمريكية، أحافير السمكة الهلامية — المسماة فانوس البحر — التي تعيش في المحيط ويتألف جسمها من كتلة هلامية شفافة، إذا عصرت لم يبق منها شيء، ويرجع تاريخ هذه الصخور إلى مليون سنة على الأقل. أما السمكة فترجع إلى ألف مليون سنة.
وبين أحافير الأسماك المتحجرة في متحف جامعة كاليفورنيا الأمريكية، أسماك متحجرة عمرها لا يقل عن ١٢٠ مليون سنة، عثر عليها في بعض السواحل الأمريكية في طبقة من الأرض ترجع إلى عصر الطباشير «الكريستاس»، الذي يقدر عهده بين ٥٥ مليون سنة و١٢٠ مليونًا، وقد انقرضت خلاله أنواع من الحيوان والحشرات والزواحف الكبيرة كالديناصور وفي متحف جامعة هارفرد هيكل عظمي لحيوان الديناصور المنقرض وطوله ١٨ قدمًا، ووجد على مقربة من ورتميورغ الألمانية، وكان يأكل اللحوم منذ ١٦٠ مليون سنة. أما البلوشتيريوم (وحش بلوخستان)، فهو من نوع وحيد القرن انقرض مند ٢٥ مليون سنة وكان وزنه عشرة أطنان وطوله ١٠ أمتار وارتفاعه ٦. ومن الحيوان المنقرض «الهرمالدوتيم» الذي كان يعيش في أحد العصور الچيولوچية في أمريكا الجنوبية، وهو يشبه الثور بعض الشبه ولكنه قبيح الشكل.