خمَّارة القطِّ الأسود
كانوا يُردِّدون أغنيةً جماعية عندما ظهر في الباب رجلٌ غريب.
لم يكن بقي في الخمَّارة كرسي واحد خاليًا، وهي — الخمارة — عبارة عن حُجرةٍ مُربَّعة تقوم في أسفل عمارة عتيقة بالية، تُضاء نهارًا وليلًا لقتامةِ جوِّها المدفون، وتطل على حارة خلفية بنافذةٍ وحيدة من خلال قضبان حديدية، طُلِيت جدرانُها بلونٍ أزرقَ فاتح، يرشح رطوبةً في مواضع شتى على هيئةِ بُقَع غامقة، ويَفتح بابُها على ممشى ضيِّق طويل يمتد حتى الشارع، وعلى جانب منه تصطفُّ براميل النبيذ الجهنمي. زبائنُها أسرةٌ واحدة تَتوزَّع فروعها على الموائد الخشبية العارية، منهم مَن يرتبطون بأسبابِ الصداقة أو الزمالة، وجميعهم يَتآخَوْن بوحدةِ المكان والمعاشَرة الروحية ليلةً بعد أخرى، ويجمعهم جامعُ السَّمَر والنبيذ الجهنمي.
كانوا يردِّدون أغنيةً جماعية عندما ظهر في الباب رجلٌ غريب.
ليس بالنادر أن يتلقى أحدهم هذا السؤال: لماذا تُفضِّل خمارةَ القط الأسود؟
النجمةُ اسمُها الحقيقي، ولكنها تُسمى اصطلاحًا بخمَّارة القط الأسود، نسبةً لقطِّها الأسود الضخم، معشوقِ صاحبها الرومي الأعجف المدبَّب، وصديقِ الزبائن وتعويذتهم.
– أُفضِّل خمَّارةَ القط الأسود لجوِّها العائلي الحميم، ولأنك بقرشٍ أو قرشَين تستطيع أن تحلِّق بلا أجنحة.
يَتنقَّل القط الأسود من مائدةٍ إلى مائدة، وراء لبابِ الخبز وفُتاتِ الطعمية والسَّمَك، يتلكَّأ عند الأقدام، ويَتمسَّح بالسيقان بدلالِ مَن بطرَته النعمة، وصاحبه الرومي يعتمد الطاولة بمرفقَيه رانيًا للا شيء بنظرةٍ ميتة، أما الجرسون العجوز فيدور بالنبيذ أو يملأ الأكوابَ الصغيرة المضلَّعة من صنابير البراميل.
– وهي أرحم خمارة بذوي الدخول الثابتة.
وتُتبادَل المُلَح والنوادر، وتَتَوادُّ النفوسُ ببثِّ الشكايات، ويَترنَّم صاحبُ الصوت السالك بأغنية، فيَطفح المكان المدفون الرطب بالسعادة.
– لا بأس من أن ننسى ساعةً من الزمان كثرةَ العيال وقلةَ المال.
– وأن ننسى الحَرَّ والذباب.
– وننسى أنه يوجد عالم خارج القضبان.
– وأن ننعم بمُلاطَفة القط الأسود.
في ساعات اللقاء تصفو نفوسُهم، تفيض بالحب لكلِّ شيء، يَتحرَّرون من التعصُّب والخوف، يتطهَّرون من أشباح المرض والكبر والموت، يَتصوَّرون في صورةٍ منشودة، يسبقون الزمنَ بقرونٍ كاملة.
وكانوا يردِّدون أغنيةً جماعية عندما ظهر في الباب رجلٌ غريب.
نظر الرجل الغريب في أرجاء المكان، فلم يجد مائدةً خالية، اختفى عن الأنظار في الممشى حتى ظنوا أنه ذهب إلى الأبد، ولكنه رجع حاملًا كرسيًّا من القش المجدول — كرسيَّ الخواجا الرومي نفسِه — ثم وضعه لصقَ البابِ الضيِّق، وجلس.
جاء متجهمًا وعاد متجهِّمًا ثم جلس متجهِّمًا، لم ينظر نحو أحد، تجلَّت في عينَيه نظرةٌ حادة صارمة ولكنها غائبة، لائذة بعالَم بعيد مجهول، لا ترى أحدًا ممَّن يملئون المكانَ الصغير. منظرُه في جملته قاتمٌ وقوي ومخيف؛ كأنه مُصارِع أو ملاكم أو رافع أثقال، وملابسه مُتوافِقة تمامًا مع قتامته، ومؤكِّدة لها بالبلوفر الأسود والبنطلون الرمادي الغامق والحذاء المطَّاط البُنِّي. لم يشرق في ذاك البناءِ المظلِم إلا صلعةٌ مربَّعة توَّجَت رأسًا كبيرًا صلبًا.
أطلق حضورُه غير المنتظَر شِحنةً كهربائية نفذَت إلى أعماق الجالسين؛ سكت الغناء، انقبضَت الأسارير، خمد الضحك، تردَّدت الأبصار بين التحديق فيه وبين استراقِ النظرِ إليه، ولكن ذلك لم يَدُم طويلًا، أفاقوا من صدمةِ المفاجأة وهول المنظر، أبَوْا أن يسمحوا للغريب بإفساد سهرتهم، وتداعَوا بإشاراتٍ فيما بينهم للإعراض عنه واستئنافِ لَهْوِهم، عادوا من جديد إلى السمر والمزاح والشراب، ولكنه في الحقيقة لم يَغِب عن وعيهم؛ لم ينجحوا في تجاهُله تمامًا، وظلَّ يُثقِل على أرواحهم كالضرس الملتهِب. وصفَّق الرجلُ بقوة مُزعِجة، فجاءه الجرسون العجوز وحمل إليه النبيذَ الجهنمي، وسرعان ما أفرَغَه في جوفه، وألحق به آخَر، ثم أمر بأربعةِ أكوابٍ دفعةً واحدة، وراح يشرب كوبًا في إثرِ كوبٍ حتى أتى عليها، ثم جدَّد الطلب. عاوَدهم الإحساسُ بالرهبة والخوف، ماتَت الضحكات على شِفاههم، تَراجَعوا إلى الصمت والوجوم. أيُّ رجلٍ هذا؟! إن ما شربه من النبيذ الجهنمي يكفي لقتلِ فيل، وها هو يجلس كالحجر الصلد، لا يَتأثَّر ولا ينفعل، ولا تنبسط له أسارير، أيُّ رجلٍ هذا؟!
واقترب القطُّ الأسود منه مُستطلِعًا، انتَظَر أن يرمي له بشيء، ولما لم يشعر له بوجودٍ مضى يَتمسَّح بساقه، ولكنه ضرب الأرض بقدمه فتقهقر القط، متعجِّبًا ولا شكَّ لهذه المعامَلة التي لم يُعامَل بها من قبل، وحوَّلَ الرومي رأسَه نحو الحجرة بوجهه الميت، رمق الغريبَ مليًّا، ثم عاد ينظر إلى لا شيء، وخرج الغريب عن جموده؛ حرَّك رأسَه بعنفٍ يَمْنةً ويَسْرة، عضَّ على أسنانه، جعل يتحدَّث بصوتٍ غير مسموع، مع نفسه أو مع شخصٍ في مخيَّلته. تَهدَّد وتَوعَّد وهو يحرك قبضته، استقرَّتْ في صفحة وجهه أقبحُ صورةٍ للغضب، استفحل الصمت والخوف.
وسُمِع صوتُه لأول مرة، صوت غليظ كالخُوَار، تَردَّد بقوة وهو يقول: اللعنة .. الويل.
وكوَّر قبضتَه وتابَع: ليأتِ الجبل .. وما وراء الجبل.
وصمت مَلِيًّا، ثم عاد يقول بصوتٍ انخفض درجة: هذه هي المسألة بكل بساطة وصراحة.
اقتنعوا بأنه لم يَعُد للبقاء من معنى، قُضِي على السهرة بالفشل ولما تَكَد تبدأ، فَلْيذهبوا في سلام. تم التفاهُم فيما بينهم بالنظرات، ثم تفشَّت فيهم حركةُ تأهُّبٍ وقيام؛ عند ذاك تَنبَّه إليهم لأول مرة، خرج من غيبوبته، نقَّل عينَيه بينهم في تساؤل، أوقَفَهم بإشارة وهو يسأل: مَن أنتم؟
يا له من سؤالٍ جدير بالتجاهُل والاحتقار، ولكن أحدًا لم يفكِّر في تجاهُله أو احتقاره، وأجاب أحدُهم متشجِّعًا بكهولته: نحن زبائنُ المحل من قديم.
– متى جئتم؟
– جئنا مع المساء.
– إذن، كنتم هنا قبل حضوري؟
– نعم.
أشار إليهم أن يعودوا إلى مجالسهم، ثم قال بحزمٍ صارم: لن يغادر المكانَ أحد.
لم يُصدِّقوا آذانَهم، عقدت الدهشةُ ألسنتَهم، ولكن أحدًا لم يجرؤ على الردِّ عليه بما يستحق، وقال الكهل بهدوءٍ مُناقِض تمامًا لمشاعره: ولكننا نريد أن نذهب.
فرماهم بنظرة وعيد كالحجر، وقال: ليتقدَّم المفرِّط في عمره!
لم يوجد بينهم مَن يُفرِّط في عمره، تَبادَلوا نظراتٍ ذاهلةً حائرة، وتساءل الكهل: ولكن، ما وجهُ اعتراضِك على ذهابنا؟
هز رأسه بقسوة ساخرة، وقال: لا تحاوِلوا خداعي، لقد سمعتم كلَّ شيء.
قال الكهل بعجب: أؤكد لك أننا لم نسمع شيئًا.
فصاح بغضب: لا تحاوِلوا خداعي، لقد عرفتم الحكاية!
– لم نسمع شيئًا، ولم نعرف شيئًا!
– كذَّابون مخادعون!
– يجب أن تصدِّقنا.
– أصدِّق سكِّيرين مُعربِدين؟!
– إنك تسبُّ أناسًا أبرياءَ وتُهدِر كرامتهم!
– ليتقدَّم منكم المفرِّط في عمره.
وضح لهم أن الموقف لا يُعالَج إلا بالقوة، وأنه لا قوةَ لديهم، واضطروا تحت تأثير نظراته المخيفة إلى الجلوس، رجعوا إلى مقاعدهم بغضبٍ مكتوم ومَهانة لم يجرِّبوها من قبل، وسأله الكهل: وحتى متى نبقى هنا؟
– حتى يجيء الوقتُ المناسب.
– ومتى يجيء الوقتُ المناسب؟
– اقطع لسانك وانتظر.
مضى الوقت في توتُّر وألم، اجتاحهم الكَدَر والنكد فطارت الخمر من رءوسهم. وحتى القط الأسود استشعر في الجو رائحةً مُعادِية، فوثَب إلى حافة النافذة الوحيدة، ثم رقد عاقدًا ذراعَيه تحت رأسه، وأغمض عينَيه طارحًا ذيلَه بين القضبان. وألحَّت عليهم أسئلةٌ واحدة: مَن الرجل؟ أهو سكران؟ أهو مجنون؟ وما الحكاية التي يتَّهِمهم بسماعها؟! وطيلة الوقت ظلَّ الخمَّار الرومي مُلازِمًا لصمته الميت، على حين قام الجرسون بخدمته وكأنما هو لا يرى ولا يسمع.
وجعل الرجل الغريب ينظر إليهم بسُخريةٍ وشَماتة، ثم قال متوعِّدًا: إن يُقدِمْ أحدُكم على غدْرٍ فسأعاقبكم جميعًا بلا رحمة.
تشجَّعوا بمُعاوَدته الخطاب، على الكلام، فقال الكهل بصدق: أقسم لك، نُقسِم لك جميعًا …
ولكنه قاطَعَه متسائلًا: بِمَ تُقسِم إن طالبتُكَ بقَسَم؟
دبَّ أملٌ طفيف في النفوس، وقال الكهل بحرارة: بما تشاء، بأولادنا، بالله العظيم!
– لا قيمةَ لشيءٍ عند زبائن خمَّارة حقيرة كهذه الخمَّارة!
– لسنا كما تظن، نحن آباء صادقون، ومؤمنون مخلصون، ولا يمنع ذلك، أو لعله بسبب ذلك تشتدُّ حاجتُنا إلى الترويح عن النفس المُثقَلة.
فصاح بصوت مدوٍّ: أوغادٌ أنذال، تحلمون ببناء القصور بلا جهد، ولكن بالاستغلال الدنيء للحكاية!
– نُقسِم بالله العظيم بأننا ما علمنا بالحكاية، ولا فكرةَ لنا عنها.
– مَن منكم بلا حكاية يا جُبناء!
– إنك لم تَتكلَّم، كانت شفتاك تَتحرَّكان، ولكن لم يَصدُر عنهما صوت!
– لا تحاوِل خداعي يا مخرِّف.
– يجب أن تصدِّقنا وتتركنا لحالنا.
– الويل لكم إذا تحرَّكتم، الويل لكم إذا غدَرْتم، وإذا وقعَت الواقعة فسوف أهشِّم رءوسَكم وأقيم منها متاريس أسدُّ بها الممشى.
الرجل مخيفٌ حقًّا، ولعله خائف أيضًا، وسيُضاعِف ذلك من سُوء المصير. وزحَفَ اليأس إلى القلوب كموجةٍ من البرد المُمِيت، ولم يَكفَّ عن الشراب، رغم أنه لا يسكر ولا يفتر ولا يهمد، وها هو يعترض المَنفَذ الوحيد للمكان، قويًّا عنيفًا فولاذيَّ المبنى مثل قضبان النافذة.
راحوا يتبادلون النظرات بلا أمل، كلما لمحوا شبحًا ما وراء القضبان، هفَّت أنفُسُهم إليه، ولكن دون أن تندَّ عنهم حركةٌ ما، وحتى القط الأسود بدا أنه هجَرَهم تمامًا ومضى يَنعَم بالسُّبات، واشتدَّ الحَصْر بأحدهم فتَساءَل في إشفاق: أذهب إلى المَبْولة؟
فهتف الغريب غاضبًا: مَن قال لك إني مُرضِعة؟!
فتَأوَّه الكهل قائلًا: هل كُتِب علينا أن نبقى هكذا حتى الصباح!
– أنتم سعداءُ إذا طلع الصباح عليكم.
المناقشة عَبَث؛ الرجل مجنون أو مُطارَد أو كلاهما معًا، وقد تكون وراءه حكاية، وقد يكون وراءه لا شيء، وهم سجناء رغم كثرتهم، وإنه لَقويٌّ شديد، وهم لا قوةَ لهم ولا عزم، ولكن أَلَا يوجد سبيلٌ للمُقاوَمة؟ المُقاوَمة من أيِّ نوعٍ كان؟
عادوا يتبادلون النظرات، وقد تجسَّدَ النكد في أعيُنهم، وجرى الهمس تحت مستوى سمع الغريب: أي داهية؟
– أي ذُل؟
– أي خِزْي؟
وإذا بنظرةِ عينٍ تَشِي بما يشبه الابتسامة، بل هي ابتسامة، ابتسامة حقًّا!
– لِمَ لا، إنه لَموقفٌ مُضحِك.
– مُضحِك؟!
– تأمَّلْه بحيادٍ مؤقَّت تَجِده مُهلِكًا من الضحك!
– حقًّا؟
– أخشى أن أنفجر ضاحكًا.
وقال الكهل بصوت مسموع بعض الشيء: تَذكَّروا أننا ما زلنا بعيدين عن ميعاد انصرافنا المعتاد.
– ولكن لم تَعُد هناك سهرة!
– لأننا أوقفناها بلا سبب.
– بلا سبب؟!
– أعني بلا سببٍ يمنع من مُواصَلتها «الآن».
– وبأي روحٍ نُواصِلها بعد ما كان؟
– لنَنْسَ إلى حينٍ البابَ، وَلْنرَ ما يكون.
لم يرحِّب بالاقتراح أحدٌ ولم يرفضه أحد، وجاءت الأكواب الجهنمية على مَرْأًى من الرجل الغريب، ولكنه لم يعبأ بهم. وأفرطوا في الشراب، دارت الرءوس، استخفَّتهم النشوة، انزاحت الهموم بسِحر ساحِر. أخذ الضحك يتعالى، رقصوا فوق مقاعدهم، تَبادَلوا القافية، وغنَّوا معًا:
وطيلة الوقت تَجاهَلوا الباب، نسوا وجودَه نسيانًا تامًّا. استيقظ القطُّ الأسود وراح يَتنقَّل من مائدة إلى مائدة، ومن ساقٍ إلى ساق، شربوا بنَهَم، طربوا بنَهَم، عربدوا بنَهَم، كأنما يستمتعون بآخِر لياليهم في الخمَّارة.
وحدثت معجزة؛ إذ تَقهقَر الحاضر حتى ذاب في مد النسيان، وتحلَّلت الذاكرةُ فنفضَت من خلاياها كلَّ مكنوزها. لم يكن الواحد يعرف صاحبه، إنه لَنبيذٌ جهنمي حقًّا، ولكن، أجل ولكن …
– ولكن أين نحن؟
– خبِّرني مَن نكون، أُخبِرك أين نحن؟
– كان ثمةَ غناء؟
– أو كان بكاء على ما أذكر.
– وكان ثمة حكاية .. تُرى أي حكاية؟
– وهذا القط الأسود، هو شيء محسوس لا شكَّ فيه.
– أجل، إنه الخيط الذي سيُوصلنا إلى الحقيقة.
– ها نحن نقترب من الحقيقة.
– كان هذا القط إلهًا على عهد أجدادنا.
– وذاتَ يومٍ جلس على باب زنزانة، ثم أذاع سرَّ الحكاية.
– وهدَّد بالويل.
– ولكن ما الحكاية؟
– كان في الأصل إلهًا ثم انسخط قطًّا.
– ولكن ما الحكاية؟
– كيف لقطٍّ أن يَتكلَّم؟
– ألم يُفْضِ إلينا بالحكاية؟
– بلى، ولكنا ضيَّعنا الوقتَ في البكاء والغناء.
– ها قد اكتملت الخيوط، وتَمهَّدَ الطريقُ لاقتناص الحقيقة.
وارتفع صوت الجرسون العجوز وهو ينهر شخصًا ما مُهدِّدًا ومُتوعِّدًا، ويصيح به: اصْح يا كسلان وإلا هشَّمتُ رأسك.
وأقبَلَ رجلٌ ضخم مَحْنيُّ الهامة من الانكسار، راح يرفع الأقداح والصِّحاف، ويُنظِّف الموائد، ويجمع النُّفايات من فوق الأرض. كان يعمل دون أن ينبس بكلمة أو ينظر إلى أحد، وقد غشيه حزنٌ عميق واغرورقَت عيناه بالدموع.
تابعوه برثاءٍ وإشفاق، وسأله أحدهم: ما الحكاية؟
ولكنَّه لم يلتفت إليه، وتابَعَ عملَه صامتًا حزينًا مغرورقَ العينَين.
وتَساءَل الكهل: متى وأين رأيت هذا الرجل؟!
ومضى الرجل نحو المَمْشى بملابسه القاتمة، المكوَّنة من بلوفر أسودَ، وبنطلونٍ رماديٍّ غامق، وحذاء بُنِّي من المطاط، فعاد الكهل يتساءل: متى وأين رأيت هذا الرجل؟!