تلك الرائحة: وقصص أخرى
«إنها ليست قصة، بل إنها صفعةٌ أو صرخة أو آهة مُنبِّهة قوية تكاد تُثير الهلع. لم يعُد لدى الفنان وقتٌ ليُنمق ويَصوغ الأحاسيس ببراعةٍ تستدرُّ الإعجاب. إنه هنا يريد أن يستدرَّ انفعالاتٍ أقوى من الإعجاب به ككاتب، أو الإعجاب بقصَّته كموضوع. إن البطل هنا ليس الرجل، وليس الشاب، وليست الأحداث أو العصر. البطل هنا هو إحساسٌ عامٌّ طاغٍ لا اسم له — إلى الآن على الأقل.»
لم يكن سهلًا تجاوُز تجربة الاعتقال؛ تلك التجربة التي تُخلِّف في داخل الإنسان الخوف، والألم، والانهزام الداخلي، والشعور الدائم بالاشمئزاز. وهذا ما نجح فيه «صنع الله إبراهيم» في هذا العمل الذي يجمع بجانب روايته القصيرة «تلك الرائحة» قصصًا قصيرةً أخرى كتبَها في فتراتٍ مُتفرقة بعد خروجه من المعتقل، واستطاع أن يُعبِّر فيها عن ضبابية المرحلة، وحالة التشتُّت والتمزُّق التي يعيشها إنسانٌ مأزوم عليه، كانت كل جريمته أنه أفصَح عن رأيه في بلدٍ ظن أنه يمكن أن ينعَم فيه بالحرية، ولكنَّ الثمن كان قاسيًا، ولم يكن سهلًا التعافي من هذا الألم؛ فكانت الكتابة عن هذه الفترة هي شهادتَه عن جيلٍ كامل من ناحية، وثورةً في وجه المرحلة من ناحيةٍ أخرى، ووسيلةً للتعافي من هذه التجربة من ناحيةٍ ثالثة.