زفاف من نوع جديد
حين تلاشى أخفُّ صوتٍ لوقع الأقدام، عاد جيمي للاستقرار في موضعه على الصخرة، وشدَّ عليه أغطيتَه، وحوَّل وجهه صوبَ البحر، الوجه الذي كان قد ضمَّته يدان قويتان مندفعتان لامرأة، الوجه الذي كان قد أمطرَته قُبلات منزهة تمامًا تعبيرًا فقط عن التحرُّر من عبودية العار. لقد كُوفئ بأكثرِ العملات التي يرومها الرجالُ في عالم النساء، ومِن ثَم تجزل النساء في عطائها في أغلب الأحيان.
بحثَ جيمي بين ملابسه ووجد منديلًا. فأخرجه ومسحَ وجهه بحرص. لم يكن هناك في القبلات المبلَّلة المالحة التي تلقَّاها ما أراد الاحتفاظَ به، ولا حتى ذِكْراها؛ لأن الفتاة التي منحَته إياها لم تقصد بها شخصَه. فقد منحت قُبلاتها الحقيقية لشخصٍ آخر. أما هذه القبلات فما هي إلا التعبيرُ الأول المتاح عن الامتنان على الحرية؛ حرية أن ترفع رأسها، حرية أن تواجه العالم، حرية أن تَمضي في حياتها من دون أن يُوجَّه إليها «إصبع الاحتقار» الجاهز دائمًا.
ابتسم جيمي ابتسامةً متجهمة وهو يدعك وجهه.
ثم قال للأمواج المتكسِّرة تحته: «أرجو ألا تظنَّ أنها قد خدعتني البتَّة بتلك القُبلات. لا بأس. هنيئًا لها اسمي. هنيئًا لها الخاتَم — ما دامت ستشتريه بنفسِها — وهنيئًا لها عقدُ الزواج. لم أرَها جيدًا، لكنها لم تبدُ امرأةً لَعوبًا مما رأيتُه.
سوف أقول لها ذلك. كما أنها لم تتصرَّف كمن اعتاد على الاستعانة بالناس لتُلقي على كاهلهم الكثيرَ من أعبائها. من المؤكَّد أنها لم تكن خائفة على جسدها، وإلا ما كانت ستأتي إلى هذه الصخرة قربَ منتصف الليل في هذه العاصفة، غيرَ خائفة خوفًا ماديًّا؛ لكن أعتقد أن الضغط النفسي هو ما يصل بالناس إلى الحضيض. أعتقد أنه الخوف المعنويُّ أو الضغط العصبي، أو سَمِّه ما شئت، هو ما ظل يُضنيني طَوال العامَين الماضيَين. وليس خوفي من الموت جسديًّا. وحده الله يعلم أنني رأيته كثيرًا لدرجة أنني قد أخضع له كما رأيت آلافَ الصِّبيان يخضعون له! إنما حيث إنني على قيد الحياة، وحيث إنني أتنفَّس، وحيث إن هناك شبحَ احتمال أنه قد يُصبح لي حظٌّ قليل في النجاة، فإنني أكرهُ أن أقف ساكنًا وأشاهد حياتي وهي تَذْوي شيئًا فشيئًا. وإن سبب كراهتي للرحيل هو أنني لم أعِشْ قط، لم أحصل قطُّ على الأشياء التي تُمثل الحياة الحقيقية للرجال، وإنني أريد أن أتذوق طعم الحياة! أعرف عن السماء والبحر والأرض ما يكفي ليجعلَني راغبًا في بدء عمل العناية بالأشجار وأنقل خبرتي به كما كان هدفي دائمًا.»
وبعد ذلك، ظل جيمي جالسًا، بعضَ الوقت، متجاوزًا الوقت المحدد بكثير، وشاهد السماءَ وهي تصفو، والبحرَ وهو يعود إلى سكونه تدريجيًّا. وما لبث أن استطاع أن يرى النجوم مرةً أخرى، وطالما ارتبطَت رؤية النجوم في ذهن جيمي ببصيصٍ من الأمل. منذ أن قرأ خطبةً كتبها أحدُ أكبر مُلحدي زمانه حيث قال عند قبر شقيقه الحبيب، حين واجه الاختبارَ الأكبر بنفسه: «في ليل اليأس، يرى الأمل نجمًا وعند الإصغاء يستطيع الحبُّ أن يسمع حفيفَ الريح»، وقد اعتقد جيمي أنه ربما لم تنطق شَفتا إنسان كلماتٍ أكثرَ جمالًا من تلك. ربما كان هذا «ليل اليأس» بالنسبة إلى الفتاة المسكينة التي ضمَّها بين ذراعَيه بضعَ دقائق وجيزة. وبالنسبة إليه فقد ظلَّ كل ليل يمرُّ عليه هو ليلَ يأس لزمن طويل. كان آسفًا، آسفًا حتى أعماق قلبه على الحزن الذي عصف بفتاةٍ لطيفة وقوية تفوح منها رائحةُ الغابات، ومريمية الجبال والخزامى وزهور الشواطئ الذهبية مثل البَخُور، فمزَّقها، ودفعها للجنون. كان هذا ما يدعو للشفقة في الأمر. كيف حاق العارُ بفتاةٍ من الغابات؟ أيقنَ جيمي أنه ما دام حيًّا فسيظل في أنفه العبيرُ الذي غشيَه أول الأمر، حين حملَتْه إليه رياحُ العاصفة، كما سيظلُّ شاعرًا بخصلات الشعر الحرير التي تعلَّقت به كأنها لم تُنزع عنه. لا بد أن لديها شعرًا كثيفًا طويلًا رائعًا. وحينئذٍ تساءل كيف أنه كان بلا رباط. ثم تذكر شيئًا آخر، وميض البرق الكاشف الذي جعله يرى الفتاةَ بوضوح. لم يُفكر في الأمر حينذاك، لكنه تذكَّره الآن. كشَف ذلك الوميضُ عن قدمَين حافيتين ولونٍ أبيض فوقهما.
«يا إلهي!» خاطب جيمي بصوتٍ خفيض روحَ البحر الذي راح يقتربُ منه بشدةٍ في تلك الساعة. «يا إلهي! لقد كانت ترتدي ثوبَ نوم وفوقه أحدُ تلك الأثواب الفضفاضة الخفيفة. أتذكَّر ذلك من ملمسها ومن قدمَيها الحافيتين. لقد استسمحَتْني الانتظارَ بضع دقائق قبل أن أمضي. هذا معناه أنها كانت قد ذهبَت للفراش ثم سيطرَت عليها رغبةٌ ملحَّة فقررَت أن تَبيت في قاع البحر، فارتدَت ثوبًا خفيفًا وجاءت كما هي إلى هذا الموقع الذي تعرف السبيل إليه جيدًا. فما كان من الممكن أن تصعد هذه الصخورُ في سكونٍ مثل سكون الأفكار، وما كانت ستقدر أن تهبطها بسرعةٍ وسلاسة كما فعلَت إن لم تكن على معرفةٍ جيدة بها، وما كانت ستبتعدُ خلال دقائق قليلةٍ عبر رمال هذا الشاطئ الغارق. هذا معناه أنها جاءت من مكانٍ قريب جدًّا من هنا.»
وهنا، كما لو أن شخصًا تخيُّليًّا يتحدث معه، أردف جيمي: «لعلك تتذكرُ ما قلتَه لها، أيها الرجل الطيب، لقد وعَدتَها وعد شرف ألا تُحاول البحث عنها.»
فأجاب جيمي وقال: «لكن كيف سأحافظ على ذلك الوعد؟ كيف سأتزوَّج فتاةً بذلك الوجه النبيل، والشعر الحرير، ويدَين تُعطيان شعورًا بالغًا بالأمان؛ كيف سأقف وأتعهَّد بأن أُحبَّها وأرعاها ما دمنا حيَّين، ثم لا أعمل من أجلها، ولا أتساءل أين هي وماذا سيحدثُ لها، وما إذا لم يكن بإمكاني أن أفعل لها شيئًا غير إعطائها اسمي من أجل تفريجِ كَربها؟»
وعندئذٍ، للمرة الثانية في تلك الليلة، فكَّر جيمي في مغامرته الكبرى، وقال للبحر وللشخصية التخيُّلية التي بدأتْ معه الحديثَ: «لستُ متأكدًا فربما ما أسميتُه مازحًا مغامرةً كبرى بهدف استنهاض عزيمتي فحسب يتمخَّض عن مغامرةٍ أعظمَ شأنًا مما توقَّعت.»
حينئذٍ ردَّ الصوت التخيلي على جيمي مرةً أخرى، وكان صوتًا ساخرًا ضحك منه واستهزأ به. إذ قال: «حسنًا، أيها السيد المقبل على الزواج، من الأفضل أن تعودَ للمنزل وتشدَّ من عضُدك بالراحة والنوم. يُفضَّل أن تكويَ سروالك وترى إن كان لدى السيد ربطةُ عنق لائقةٌ يمكنك اقتراضُها. ما دمت ستُصبح عروسًا يجدر بك أن تفكر في الشروع في الاستعداد.»
ولما أحسَّ جيمي بالسخرية في الصوت، دافع عن نفسه. فقال: «حسنًا، ماذا كنت ستفعل أنت؟ إذا لم يكن لديك من قريبٍ على وجه الأرض، وإذا كنت تعلم أنك لن تحيا لترى العواقب، وإذا أوشكَت امرأة، شابةٌ وجذابة، أن تُلقي بنفسها في البحر أمامك، ألم تكن ستُنقذها بأي وسيلة في إمكانك؟ ألم تكن ستمنحُها اسمًا لن يضرَّ منحُك إياه لها أحدًا وربما يُساعدها طَوال حياتها المتبقية؟»
لم يسمع أيَّ ردٍّ على ذلك، فصرَف انتباهَه إلى البحر مجددًا. ثم قال متجهِّمًا: «أود أن أعرفَ ما الذي تفعله الكثيرُ من الأمهات في هذا العالم. ما دام لديهن معرفةٌ كافية عن التأثير الشديد لجاذبية الجنس حتى إنهن تزوَّجْن رجالًا وأنجبنَ أطفالًا، فكيف، بحق الله، لا يعلمن ما الذي يجعلنَ الشباب يواجهونه حين يُطْلقن لهم اللجامَ في حريةٍ تامة لا يحدُّها حدٌّ في الجبال ووسط الوديان وعلى الشواطئ وفي المتنزَّهات وقاعات الرقص والشوارع؟ أليس بمقدورهن أن يرَين أنه مهما تغيَّر الزمن والعادات، فإن رغبات القلب واندفاع الجسد لا تتغيَّر؟ بل إنها لا تزداد إلا إلحاحًا مع الحرية والانفلات والاتصال الجسدي المتاح في هذه الأيام العجيبة.»
ثم نهض جيمي مترنحًا وارتدى معطفَ المطر وراح يتحسَّس الطريق بقدمَيه، في هبوطه المسار المنحدر الذي ألفه خلال المرات القليلة التي تسلَّقه فيها للحدِّ الذي يكفُل له اجتيازه بأمان. ومضى في سبيله مجتازًا الشاطئَ بالالتفاف بين الأمواج المتدافعة وزهور الربيع المتشابكة. فحين يجد نفسه بين شباك زهور الربيع التي تُنذر بتعثُّره، ينحرف نحو المياه. وحين تتناثرُ عليه المياه، ينعطف نحو زهور الربيع، وبذلك وصل أخيرًا حيث تُلقي مصابيحُ منزل سيد النحل ضوءًا مرحبًا على سفح الجبل. فتحسَّس السياج الخلفي حتى بلغ البوابة، وبعد ذلك كان من السهل الوصولُ إلى الباب الخلفي، وقد كان متهيِّئًا تمامًا للباب الخلفي حين فتحه. حيث ارتمى على أول مقعد قابله ليستريح بعض الوقت.
قال جيمي: «لا أعلم بالمرة حتى إن كان القران الذي سينعقد غدًا، أم هو اليوم؟» رمَقَ الساعةَ ورأى لدهشته أنه اليوم «لن يقتصرَ على جهدِ يوم واحد.» إلا أن تلك الكلمة التي أُلقيَت إليه بسخريةٍ هناك على الصخرة، «عروس»، ظلَّت تتردد في أذنيه. أن يُصبح الرجل عروسًا لهو أمر جلَل مهما كانت الظروف. من المفترض أن يكون أروعَ شيء في العالم بأسرِه. وفي الظروف العادية، لا يفترض أن يكون في قلب الرجل شيءٌ أكبر ولا أسمى ولا أقدسُ من أن يكون عروسًا للعروس التي اختارها، إلا حُبَّ الله. لكن الظروف التي اتفق فيها على أن يُصبح عروسًا لم تكن عاديةً بالمرة. كلا، مطلقًا. فقد ثارت عاصفةٌ في الطبيعة، وعاصفة في قلبه، وعاصفة في قلب الفتاة.
قال جيمي: «يا للهول!» وتابع: «يا لها من عاصفة! إعصارٌ شديد! إنني ذاهبٌ إلى الفراش، على أي حال، لوضع الأمور في نِصابها غدًا وسأرى إن كنتُ سأستطيع النوم أم لا. فإن استطعت، تُرى إلى كم من الوقت سأحتاج، وكيف سأجد المكان الذي وعدتُ أن أوجد فيه.»
هنا خطرَت على باله مارجريت كاميرون. من الممكن أن تُخبره بخطوط العربات الواجب أن يستقلَّها، وعند الوصول إلى وسط المدينة لن يُصبح من الصعب العثورُ على المكتب المختص الذي تُعقَد فيه معاملاتُ المقاطعة.
ومِن ثَم استلقى جيمي وأغمض عينَيه، ولفَّه سوادُ الليل المخملي وبلغَتْه حركةُ البحر المنتظمة وهو يتكسَّر على الشاطئ القريب جدًّا بإيقاعٍ منسجم. وهبَّت ريحٌ شديدة بعض الشيء حتى لتسمع لها صفيرًا منخفضًا. كان مرهقًا جدًّا، لكنه فعل ما يجعله يزهو بنفسه حتى الآن. فقد قال للفتاة إنه سيُساعدها إذا أخبرته بمشكلتها، من دون أن يكون في رأسه فكرةٌ عن الطريقة التي سيُساعدها بها. ومن شدة حزنها استطاع أن يَقيس شدة شعورها بالفرج، فرج جعل شفتَيها تلثمه، ويدَيها تتشبَّثان به في جُموح. فقد أنقذ كرامتَها ربما أمام العالم. لقد عرَض عليها ما لم يحمل له نفعًا كثيرًا، بدلًا من الرجل الذي كان أنذلَ من أن يفيَ بالتزاماته. وفي النهاية، سيُصبح لديه شيءٌ جميل ليتأمَّلَه حين تأتي الساعة الأخيرة. ربما كان الكشافة الصغير مُحقًّا بشأن أنواع الموت المختلفة. ربما حين تأتي ساعة جيمي سيُمكنه التفكير في فرحة النجاة، والخلاص، والبهجة المفرطة، التي قضَت على الشعور بالخوف والمذلَّة لدى الفتاة التي يحاول مساعدتها. ربما سيتمكَّن من أن يضمَّ يديه ويستغرقَ وادعًا في النوم، وربما سيحمل وجهُه على الأقل الابتسامةَ الغامضة التي تحدَّث عنها الكشافة الصغير، إذا تسنَّت له فرصةُ الدخول من البوابات ومقابلة أمه.
وفي اليوم التالي انطلق دويُّ المنبه الذي كان قد ضبطه على الساعة السابعة، فاستيقظ من سُباتٍ عميق وذهب لتناول الفطور ورِيِّ الزرع. اكتفى بإخبار مارجريت كاميرون بأنه لديه بعضُ المصالح في البلدة. لا، لم يكن ذاهبًا إلى المستشفى، لأنه رأى في عينَيها الرغبةَ في الذَّهاب معه. لم يكن سيذهب إلى المستشفى قبل أن يطلبه الدكتور جرايسون. سوف يعود في المساء في ميعاد تناول العشاء، وربما قبل ذلك. ليست إذن في حاجةٍ إلى إعداد غدائه.
قام جيمي بأهمِّ الأعمال التي ظل يؤدِّيها يوميًّا خارج المنزل، مؤجِّلًا منها بقدر ما استطاع لليوم التالي. ثم دخل ليستريحَ بعض الوقت. بعد ذلك راح يُنظف ملابسه ويبحثُ في الأدراج والخزانات، فقد أخبره سيد النحل أن باستطاعته استخدامَ ملابسه إذا أراد تغيير ملبسه، نظرًا إلى الحقيقة الساطعة أنه قد قابله على الطريق وليس لديه سوى الملابس التي يرتديها. أمعنَ جيمي التفكير ثم اختار قميصًا حريريًّا رماديًّا في غاية الأناقة وربطة عنق ذاتَ لون أزرق فاتح. ونظر إلى سرواله مستنكرًا. إذ كان قد نام به واستخدمه استخدامًا قاسيًا، وأدَّى بعض الأعمال وهو مُرتدٍ إياه. لذا فهو ليس بالسروال المناسب لعروس. كان مقاربًا جدًّا لسيد النحل في طوله وبِنْيته حتى إن السروال الرمادي الذي وجَده مبسوطًا في درج خِزانة الأدراج كان مناسبًا له تمامًا. واصل البحث، حتى كاد يُغطِّي الفراش بالملابس التي بدَت له لائقةً إلى حدٍّ كبير بعروس حقيقي.
ثم ذهب للاغتسال، وعندما تمكن من وضع ضمادة جديدة على صدره الأيسر، انتابَه ترددٌ بشأن المطهِّرات، فأغفلها. لم يُرِد أن يذهب إلى عروسه بينما تفوح منه رائحةُ الدواء. حيث إنها هي نفسها كانت تفوح منها رائحةُ الزهور، فسوف يحذو حذْوَ أعظم حبيب عرَفه العالم على الإطلاق بأن يجعل الرائحةَ المنبعثة منه رائحة الملابس الجديدة فحسب، رائحة النظافة المطلقة.
كان جيمي في جوهره رجلًا نبيلًا. وحين أوصد الباب الأمامي وسار الممشى من أجل رحلةٍ قصيرة إلى خطِّ الترام الواقعة نهايته على بُعد ما يقرب من العشرين مترًا، كان شاحبَ الوجه واليدين كما حتمَت حالته. أما فيما عدا ذلك، فقد كان رجلًا جذَّابًا. وقد شمخ برأسه عاليًا. وجعل قامتَه منتصبة، كما كانت تقتضي التدريباتُ العسكرية الكثيرة. وخرج مرتديًا أفضلَ حذاءٍ لدى سيد النحل وسرواله الرمادي ومعطفه الأسود، وبقميصه الحرير الرمادي وربطة عنقه ذاتِ اللون الأزرق الفاتح، وقبعةٍ سوداء عريضة الحواف؛ خرَج مرتديًا الملابسَ اللائقة التي قد يرتديها أيُّ سيد محترم وهو ذاهبٌ إلى عُرْسه. ومِن ثَم سار متوخيًا بالغَ الحذر لئلا يتراكمَ الغبارُ على حذائه قبل أن يبلغ الترام؛ وإذ هو متخذٌ حذَرَه خطَر على ذهنه أن يتساءل أين توجد الفتاةُ التي سيتزوجها في تلك اللحظة؟ وماذا كانت تفعل؟ وهل ستأتي في المكان المحدَّد لملاقاته؟ وكيف ستبدو؟ وماذا ستقول له؟ وبأي كلماتٍ ستتركُه وقد حصَلَت منه على الأشياء التي أقرَّت بأنها في أمَسِّ الحاجة إليها، اسم، وعقد زواج، وخاتَم.
حين خطرَت له مسألةُ الخاتم، اشتعلَت وجنتا جيمي بحُمرةٍ باهتة. فقد ساوره هاجسٌ أنه بالغَ في الشطط. حيث قبْل أن يُحمَل سيد النحل من منزله كان قد أشار إلى درجٍ صغير في مكتبه سيجد فيه جيمي نقودًا للطوارئ، من أجل الحليب، أو الثلج، أو أي شيء قد يحتاج إليه إلى حينِ عودة سيد النحل. وقد أخذ جيمي عشَرة دولارات، حفظًا لكرامته من ذلك الدرج، في هذا الصباح. لم يكن متأكدًا إن كانت العشَرة الدولارات ستفي بتكلفةِ إذن الزواج. إذ كان إذن الزواج من السلع التي لم يُفكر فيها من قبل. فلم يكن لديه فكرةٌ عن تكلفة ذلك الشيء، لكنْ ساورَه يقينٌ بأنها لن تَزيد عن عشَرة دولارات. القليل من الفكة من أجل أجرة الترام، ولشطيرةٍ يتغدَّى بها والنقود من أجل الإذن. من الوارد أن تكون الفتاةُ قد توقَّعت سدادَ ثمنها من مالها الخاص، لكن لن يقبلَ جيمي البتةَ مبدأ أن تدفع امرأةٌ تكلفة إذن زواجه. وما دام قد انبرى للأمر على كل حال وسيتزوَّج الفتاة، والعُرْسُ عُرسه، العُرْس الوحيد الذي قد يحظى به؛ لذا أراد أن تكون ملابسُه لائقةً وأنيقة، حتى إن اقترضَ الملابس، وأراد أن يُسدد نفقاتِ عُرْسه حتى إن اقترض النقود. لو لم يكن قد مكث هناك واعتنى بالنحل، كان سيُطلَب من شخصٍ آخر القيامُ بذلك ويتقاضى نقودًا، كما أنه سوف يُعيد العشرة الدولارات حين يستلمُ أول أجر له. فقد اقترض ذلك المبلغ.
أما بخصوص حلقة الذهب الرفيعة الصغيرة المنقوشة التي بدَت كما لو كانت تناسبُ إصبَع امرأة، بخصوص الخاتم الصغير الذي صادفه بين أزرار ياقات سيد النحل وأغراضه الصغيرة، فقد كان بحوزته. كان في جيب سُترته. قد يكون تَذْكارًا، قد يكون شيئًا ثمينًا، ربما لم يكن بين أغراض سيد النحل شيءٌ أعزُّ منه عليه. لم يكن قد قرَّر بعدُ إن كان سيستخدمه أم لا، لكنه كان بحوزته على أي حال. وبذلك استمدَّ القوةَ من الملابس والنقود والخاتم، إذا حمل نفسَه على استخدامه.
وعندئذٍ خطَرَت له فكرة. كان احتمال تحقيق فكرته ضئيلًا، وهكذا تشاورَ مع السائق، وبعد عدة تغييرات نزل أمام دار القضاء القديمة بينما ما زالت لديه بضعةُ دقائق قبل الموعد. فذهب مسرعًا إلى مكتب أذون الزواج في الطابق الأرضي. وأخبر الموظفَ أنه سيعود بعد قليلٍ مع سيدةٍ شابة للحصول على إذن زواج، وسأل عن تكلفته، فوجد أنَّ لديه فائضًا من النقود مما بثَّ فيه شعورًا بالراحة. وحينئذٍ بأقصى سرعة تُلائم حالة ركبتَيه، غادر دار القضاء وعاد إلى الشارع. ونظر حوله، عن يمينه وعن يساره وأمامه، وأثناء ذلك البحثِ وجد متجر مجوهرات.
بدا له متواضعَ المظهر، فدخله واتجه نحو البائع الذي أمامه صندوقٌ مليء بالخواتم. فوضع النقود التي يستطيع الاستغناء عنها على المنضدة وقال: «هل من الممكن أن تُعطيني خاتمًا بسيطًا ومتواضعًا مقابلَ هذا المبلغ؟»
لم يكن البائع معتادًا على بيع خواتم مقابل ذلك المبلغ من المال، لكنه كان من أصلٍ عبراني؛ فكان فطنًا، لقد أدرك أن النقود التي على المنضدة هي كل ما ينوي الرجلُ الماثل أمامه إنفاقَه. وإن لم يأخذها فسوف تضيع عليه. وهكذا بعد بعضِ البحث وجد خاتَمًا رأى جيمي أن حجمه سيكون مناسبًا. وقد بدا مقبولًا إلى حدٍّ ما، وبذلك حصل السيد العبراني على المال وحصل جيمي على الخاتم. ومِن ثَم نقل الخاتم الذهبيَّ اللامع الذي اقترضه من سيد النحل إلى الجيب الأيسر للسترة التي يرتديها، وفي الجيب الأيمن، في متناول أصابعه، دسَّ الخاتم، الذي كان له ميزةُ اللمعان على الأقل.
بعد ذلك عاد أدراجه إلى دار القضاء، وبمجرد أن دخل المكتب وجد قُبالته امرأةً تعرَّف عليها في الحال. عرَفَها من طولها، وعرَفها من عينيها؛ تعرَّف عليها من دون أن يعلم كيف عرَفها أو السببَ على وجه الدقة. كان هو عروسًا، أما المرأة التي أمامه فلم تكن عروسًا. إنما بدَت كأرملة، هكذا دلَّت عنها ملابسُها. فقد كانت فتاةُ العاصفة متشحةً بالسواد من رأسها إلى قدَميها. حيث ارتدَت على رأسها قبعةً محكمة صغيرة وقد أخفضَت بشدة حتى إنه بالكاد استطاع أن يلمح العينَين اللتين كان على يقينٍ أثناء وهج البرق من أنهما سوداوان أو بُنيتان. وقد بدَتا في إضاءة المكتب بُنيَّتَين، بنيتين يُخالطهما لونٌ رمادي. كان الشيء المثير للدهشة في الزي الذي ارتدَتْه الفتاة هو الطرحة. إذ يمكنه القولُ إنها طرحة أرملة. فقد كانت سميكةً وسوداء، وتنتهي أطرافُها بشريط ستان عريض. وغطَّى الشريطُ فمَها وذقنها، وأظلَّت القبعةُ العينين فكانت عينين خاليتَين من التعبير وخط من الوجنتين والأنف هم كل ما سُمح لجيمي أن يراه من عروسه المرتقبة.
اعتراه شعورٌ بالصدمة لمدة دقيقة، ثم أدرك أن الموت بطريقةٍ ما تجسَّد في المغامرة التي هو مقدمٌ عليها في ذلك اليوم. كانت الفتاة في حالةِ حداد. من الجائز إذن، على كل حال، أن الرجل الذي سيحلُّ هو محله رجلٌ ميت ربما كان سيؤدي واجبه لو مُنِح الفرصة؛ لكن مهما يكن من أمر لقد قالت الفتاةُ بالحرف إنه يجب إنقاذها من العار. وإن كان الرجل الضالع في المسألة قد مات، فإنه لم يكن رجلًا بحق، إذ كان من المخجِل أن يترك مراسم الزواج تتعرَّض لأي كارثة.
كانت هذه الأشياء تَجول في دماغ جيمي بسرعة البرق، فيما رفع جيمي نفسُه قبعةَ سيد النحل وضم قدمَيه وتقدَّم بهيئته التي تستحقُّ أن تنظر إليها أيُّ امرأة بعين الاعتبار على أي حال. ويمكن القول إن اندفاعه الملهوفَ بحثًا عن الخاتم بهدف إنقاذ كرامته، والذي توَّجَه بشيءٍ من الكبرياء في زفافه الوحيد، قد جعل قلبَه يخفق بشدة، فلم تَعُد وجنتاه شديدتَي الشحوب كما كانتا، ولم تَعُد شفتاه بالغتَي الزرقة. إذ تدفَّقت حُمرة الدماء في وجهه، فبدا إلى حدٍّ كبير رشيقًا ومعتزًّا بنفسه وأنيقًا كما قد يبدو أيُّ رجل اسكتلندي الأصل وأمريكي النشأة والتعليم. من تأثير العادة، حين استقام من انحنائه، مدَّ جيمي يده، وتعرف على لمسة اليد التي قابلَت يده، ثم وقف قريبًا منها وقال بعفوية: «كأننا نعرفُ الوقت من الساعة نفسِها، أليس كذلك؟»
لم تَزِد الفتاة الواقفة بجواره على مجردِ الموافقة. تولَّى جيمي مسئوليةَ الإجراءات بكل الثقة بالنفس التي يتحلَّى بها رجلٌ اعتاد على تولِّي زِمام أموره. بغضِّ النظر عمَّا كانت المرأةُ الواقفة بجواره ستَجْنيه من هذا، عزم جيمي على أن يحصل على زفاف، وسوف يتمُّ وفقًا لطريقته. ومِن ثَم أخذ ذراعَ الفتاة الواقفة بجواره وقادها إلى مكتب الموظف. وسواءٌ وصل لديها الانطباعُ الصحيح الآن أم لا، لم يَدْر جيمي، لكنه افترض أنها بعد الانتهاءِ من ذلك الزفاف ومُضيِّها في حال سبيلها بالخاتَم والوثيقة اللتين ستُنقذان لها كرامتَها، لا بد أنها ستمضي معتقدةً على الأقل أنها قد تزوجَت رجلًا. كان قد نسي تمامًا أن يُخبرها أنه قريبًا جدًّا لن يعودَ موجودًا؛ لكنه عزم على أن يتحلَّى بكل صفات الرجولة خلال الدقائق القليلة المقبلة.
هكذا تقدَّم بها إلى الموظف وأعلن أنهما أرادا مَلْء الاستمارات اللازمة للحصول على إذن زواج. وبينما كان جيمي يكتب اسمَيْ أبيه وأمِّه وتاريخَ ميلاده ومحلَّ إقامته ومهنته وسائر الأشياء المطلوبة، وقفَت إلى جانبه فتاةٌ فارعة الطول، معتمدةٌ على نفسها، وراحت تملأ فراغات الوثيقة التي أُعطيَت لها. بعد مَلْء هذه الوثائق كما يقتضي القانون، ليؤكد لفتاة العاصفة انطباعَ أنه رجلٌ يفي بكلمته، التقطها جيمي ووقَّعَها أولًا، ثم ناولها إياها لتُوقِّعها. ولما فرَغ الموظف من حصته من الإجراءات وتقدَّم بالظرف الطويل إلى جيمي، أشار جيمي ناحيةَ الفتاة التي تزوجها، فأعطاها الموظفُ الظرف. وُجِّه الاثنان إلى مكتب قاضي الوصايا، ولم يمرَّ وقتٌ طويل مطلقًا حتى وُقِّعت الأوراق اللازمة وخُتِمت وسُلِّمت لجيمي، الذي ناولها لفتاة العاصفة، من دون أن يُلقي عليها نظرةَ تفحصٍ واحدة. سدَّد جيمي الرسومَ وسار معها إلى الشارع من دون أن يعلم حتى لقبَ المرأة التي تزوجها. قد يكون سميث أو جونز أو براون. إنه لشيء غيرُ منطقي، لكنه حقيقيٌّ أنَّ لمسة يد، ولمحةً من وجه أبيض زيَّنتْه عينان داكنتان، و«أنا، أليس لويز، أتَّخذك، يا جيمس لويس، لتصبح زوجي شرعًا وقانونًا»، كانت كل المعلومات التي لديه عنها.
لقد تزوج «أليس لويز» إذن. لكنه لم يكن راضيًا عن الاسم بالمرة. إذ لم يَلِقْ بها اسمُ أليس، ولم يُناسبها البتة اسمُ لويز. لقد عرَف عشراتٍ باسم لويز على امتداد حياته، وكنَّ دائمًا ذواتَ شعرٍ أشقر، ودائمًا بعيون زرقاء، وكُنَّ دائمًا شخصياتٍ ضعيفةً متشبثة ومتواكلة. لم يعرف قطُّ منذ أن وعى في الحياة امرأةً بإمكانها أن تُكافئ رجلًا طوله ستُّ أقدام طولًا وتشمخ برأسها مثل إمبراطورة، وتمد يدًا قوية تكاد تُماثل يده ضخامة وتفوقها ثباتًا بجلاء، وبصوت عذب رنَّان نابعٍ من أعماق صدرها تُجيب حين تُنادى باسم لويز!
أمسك جيمي بيده مرفقَ أليس لويز فقط ليُظهر لها أنه يعتبر نفسه رجلًا جديرًا برعايتها إذا احتاجَتْه، فاقتادها إلى الشارع، وهناك، أثناء وقوفهما على الرصيف، نظر كلٌّ منهما إلى الآخر لأول مرة. تعمَّد جيمي أن ينتظر ليسمعَ ما لدى السيدة لتقولَه، وبينما هو منتظر، أمعنَ النظر، محاولًا اختراقَ الزيَّ الأسود سوادَ الغراب ليُثبِّت في ذاكرته هيئةَ المرأة التي أمامه وكل ما يستطيع رؤيتَه من وجهها.
كان قد وعدَها بأنه لن يبحث عنها، لكنه لم يَعُد متأكدًا أنه سيُحافظ على وعده. لم يَعُد متأكدًا من أنه لن يتبيَّن مَن تكون، وأين تعيش، ولماذا لجأتْ إليه ليُطيِّب قلبها وخاطرها، ويُنقذ جسدها من المحيط. بينما هو منتظر، ناظرًا مباشرةً في عينَيِ الفتاة قُبالتَه، رأى أنَّ عضلات وجنتَيها وشَفتَيها كانت ترتعش وأن العينين اللتين تنظران بثباتٍ في عينيه كانتا ستنهاران في أيِّ لحظة في سيلٍ جامح من الدموع. وكانت الدموع تفعل بجيمي الشيء نفسَه الذي تفعله بأي رجل حين تُقرُّ امرأةٌ جذابة بأنها تواجه شيئًا يفوق طاقتها، وأنها بحاجةٍ إلى عونه. كان قد انتوى أن يحملَها على الكلام، لكنه وجد نفسه غيرَ قادر على مواجهتها. فقد وقف بجوارها وقال لها بنبراتٍ خفيضة: «تمالَكي نفسَكِ! سوف تُصبحين على ما يُرام خلال بضع دقائق. هل ستستقلِّين الترام من هذه الناصية؟»
أومأت برأسها إيجابًا فحسب، فقادها جيمي وسطَ الحشود، وما زال كفُّه يُحيط بمرفقها، وساعدها على الوصول إلى الترام، بينما تدفَّق الناس بينهما. وأثناء مشاهدتها وهي تركب الترام وتمضي نحو أحد المقاعد أدرك أن «أليس لويز» و«قبلتُ» كان كلَّ ما سمعها تقوله. لم يستمرَّ في عزمه على حملها على الكلام. فقد شعَر بأسفٍ بالغ حِيالَها، وحين أدرك أنها على شفا انهيارٍ قرَّر عدم الضغط عليها. لقد أثبتَ لها، على أيِّ حال، أنه رجلٌ قادر على تسيير أموره. حيث ساعدها على الوصول إلى ترام، والابتعادِ عنه. وترفُّعًا لم يُرِد ركوب نفس الترام. ومِن ثَم تراجع، وخلع قبعته، ورفع ذقنه، ونظر إلى الترام، لعلها تُلقي صوبه نظرةً عابرة قبل أن يمضيَ الترام ويحملها بعيدًا عن النظر.
بعد ذلك ارتدى جيمي قبعته وعاد إلى الرصيف وقال محدِّثًا نفسه بنبرات حزينة: «حسنًا، يا للعجب!»
لم يكن يتوقع الكثير، لكنه توقع كلمة أو كلمتين، فلم يقتصر الأمرُ على عدم النطق بالكلمات، بل لم تلتفت السيدة برأسها حتى لترى إن كان سيركبُ الترام نفسَه أم لا. لقد سارت في الممر، واتخذت مقعدًا موليةً إياه ظهرَها، وجلسَت من دون حَراكٍ حتى ابتعدَت عن النظر. لن يُفيدَه في شيء معرفةُ خط الترام الذي ركبَته أو في أيِّ اتجاه ذهبَت. فربما تستقلُّ أيَّ ترام وربما تتركه بعد ميدانٍ أو ميدانين لتنتهزَ أسرعَ فرصة للهروب منه. لقد رحلت وهي السيدة جيمس لويس ماكفارلين، ومعها الوثائقُ اللازمة والخاتَم الذي قدَّمه في اللحظة المناسبة لإصبَعٍ تردَّد في قَبوله، وها هو الآن قد تُرِك واقفًا على الرصيف، وأفضلُ تصرف يمكن فعله هو تدبرُ الوسيلة التي يستطيع بها الوصولَ إلى المنزل سريعًا وإعادة ملابس سيد النحل إلى مكانها المعتاد. لقد أدى دور العروس من دون شيء في المقابل، ولا حتى كلمة «شكرًا». إذا أراد انتزاعَ أي مشاعر رومانسية من الأمر، فعليه أن يتذكرها من القُبلات المالحة التي اجتاحت وجهَه الليلةَ الماضية. وبكل أمانة، عليه أن يُقر بأنه لو كانت الصخرة التي جلسا عليها هي وسيلةَ إنقاذ الفتاة، لربما كانت قبِلَتها بالقدر نفسِه من الإقبال، أو ربما أكثر.
وقف جيمي على الرصيف وانتظر حتى قويَت ركبتاه قليلًا قبل أن يبدأ البحثَ عن الترام الذي سيستقلُّه عائدًا إلى حديقة النحل. وحين وجده وركبه وجلس على أحد المقاعد، قال على الملأ: «حسنًا، تبًّا لكل الأعراس!» أدرك أنه قد نطقَ بها؛ لأنه سمع الكلمات، لكن لم يبدُ أن أحدًا قد سمعها لأن الكل كان مشغولًا بصحفه أو أصدقائه، أو إلى أين هو ذاهب.
وهكذا عاد جيمي إلى المنزل وأعاد الثيابَ المستعارة وارتدى ملابسَه. ثم خرج إلى ضوء الشمس وجلس ليتفكَّر في الأمور. كان ميَّالًا إلى إخبار مارجريت كاميرون بأن هذا اليوم هو يومُ زفافه وأن بمقدورها أن تُعِد له وليمةً من أي نوع تراه مناسبًا للتقديم في مثل تلك المناسبة. وقد عبَرَت وجنتَيه ابتسامةُ سخرية حين تخيَّل النظرة التي ستَغْشى وجهَها إن أخبرها بذلك، وبعد ذلك ستتكلَّم وستسأل أين عروسُه، وقد كان مكانُ العروس لغزًا وكذلك قصة العروس نفسها. جال في ذهنه أنها إن كانت في المكان الذي عادت إليه في منتصَف الليلة الفائتة فإنها ليست بعيدةً جدًّا عنه في اللحظة الراهنة. اجتاحَتْه رغبةٌ عارمة في النزول والسير في الشاطئ ذَهابًا وإيابًا، ليتفحصَ كل منزل قريبٍ من الشاطئ ليرى إن بدا في أيٍّ منها طيفُ فتاة متَّشحة بأشد ملابس الحداد سوادًا.
لم يستطع جيمي أن يُحدد مقدار ما يُضمِره ذلك الحداد. تذكَّر أن الفتاة كانت قد عرَضَت أن تبدأ من البداية وتحكيَ له القصة. لكن هو الذي طلب منها أن تستخدم كلماتٍ قليلة، بهدف توضيح ما تُريده ليس إلا. إن كانت دماؤها اسكتلندية مثلَه، لما أمكَنَها أن تُصدق كلامه سريعًا أو مطلقًا هكذا. لقد صرَّحَت بالحقائق المحضة، أما هو، تفكَّر جيمي بابتسامة متبرمة أخرى، فجسَّد الحقائق. قالت السيدة إنها بحاجةٍ إلى خاتَم وعقدِ زواج واسم، ووقفَت بجواره، وسمحت للخاتَم بأن يُوضَع في إصبعها، وحصلت على العقد. وثَمة شيءٌ يتذكَّره تحديدًا. لقد وضعت الورقةَ على صدرها وضمَّت يدَيها عليها كما لو كانت أغلى ما لديها في العالم بأسرِه. أما بالنسبة إلى اسمه. لقد قبلَت به في الزواج على الأقل، سواءٌ كانت تنوي استخدامَه أم لا.
شعر جيمي أنه أحمقُ نوعًا ما لأنه لم يمدَّ يده حتى لالتقاطِ السجلِّ الذي سجلت فيه الفتاةُ اسمها وقراءته. لم يكن تصرفُه تصرفَ رجلٍ بحق، ولم يُسيِّر عرسَه على هواه تمامًا كما ظنَّ أنه سيفعل. كل ذلك لأنه قد أعطاها وعدًا؛ لأنه قال إنه لن يتطفَّل، وإنه لن يبذلَ جهدًا في العثور عليها. لقد قال إنه سيسرُّه مجردُ تقديم ما يقدر عليه من عون، وقد حُدِّد له حجمُ العون الذي احتاجَت إليه الفتاةُ، ونوعُه بوضوحٍ شديد. وقَبِل هو الاتفاق. وخاضَه. ما عليه فعلُه الآن هو الخروج إلى الرِّواق الخلفي، وارتداء معطف النحل القديم الخاص بسيد النحل، ومداهمة أحواض الزنابق والقرنفل، وحيث إن جسدَه كان خاليًا من أثر الضمادات الجراحية، فليتقدَّمْ ويُواجه النحل الألماني الأسودَ ويكتشفْ بنفسه ما إن كان لديه مناعةٌ من النحل حقًّا. كانت تلك معلومةً أراد الحصولَ عليها قبل أن يظهر الكشافةُ الصغير مرة أخرى.
مِن ثَم ارتدى جيمي المعطف ووضع على نفسه الزنابق وفرَك رأسه بالقَرنفل، وببطءٍ، وتأنٍّ، واثقًا من خطواته بقدر ما استطاع، سار مسافةً طويلة في الصف الشرقي، متوقفًا أمام قَفير تلوَ الآخر، لينظر إلى الأشياء الصغيرة التي كانت تذهب وتجيءُ شديدةَ النشاط بأجنحتها الطنَّانة، مدركًا أنه لا يعرف الذكَر من العاملة، ولا الممرِّضة من الملكة.
كما قرَّر، بينما يقف أمام إحدى القفائر، أن يسأل الدكتور جرايسون، عندما يتصلُ به هذا المساء لإبلاغه بتقريره اليومي، حول إمكانية أن يزورَ سيد النحل لدقائقَ معدودات، وسيسأله حول المدة التي سيقضيها في المستشفى. ثم أدرك أنه ما دام لم يُستدعَ بعدُ لزيارة سيد النحل فمن الوارد جدًّا أنه في حالةٍ شديدة من الضعف والسقم حتى إنه قد يغيبُ طيلةَ أسابيع، وربما شهور. علاوةً على ذلك، فإن النحل مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا جدًّا بالأشجار، وما أشار إليه الكشافةُ الصغير بشأن عادات النحل كان جذَّابًا للغاية حتى إنه من الوارد أن يتوغَّل فيه أكثر؛ من الوارد أن يقرأ بعضَ الكتب المختصة ويرى ما تحويه. فما زال أمامه بعضُ الوقت قبل أن يتحدَّد مصيره، وربما ليس هناك في حدود إمكانياته، خلال هذه المدة، شيءٌ أكثر إثارةً للاهتمام، شيء أكبر فائدة، ليوجِّه إليه اهتمامَه، سوى النحل وحده.
وهكذا، محسِنًا الترنُّم بأغنية «هايلاند ماري»، مضى جيمي ببطءٍ متجولًا بين القفائر وحين وصل الممشى الخلفيَّ ولمح قفير النحل الألماني الأسود الكبير تذكَّر شيئًا آخر. بحث عن صنبور المياه الذي ينمو حوله النَّعناع. اقتلع حفنةً منه ودعَك بها سرواله وكمَّيه وسحقها في يديه، ثم، مترنمًا باللحن الموصوف بأفضلِ ما وَسِعه، اقترب على مهلٍ من النحل الألماني الأسود. ثم وقف أمام أول قفائره. ظلَّ واقفًا هناك كما راق له. وجثا على ركبتَيه ونظر من الفتحة. وراح يَدرُسه بتمعُّن شديد فلاحظ أنه يفتقرُ إلى اللون الذهبي الذي لدى النحل الإيطالي. كما أن شكله مختلف. وحين سار مبتعدًا عنه على مهل شعر أنه في المرة القادمة حين يسأله أحدُ الأشخاص عمَّا إذا كانت لديه مناعةٌ من النحل فسيتمكَّن من أن يُجيبه بكل ثقة. واعتقد أنه في المرة القادمة التي تحطُّ فيها نحلةٌ على إحدى الزهور أمامه سيُصبح قادرًا على الأقل أن يعرف إذا ما كانت إيطالية أم ألمانية سوداء.
كان بُغضه للاسم بالغًا، حتى إنه قال في نفسه أثناء صعوده الممشى الخلفي إنه لو كان ذلك النحل ملكه فسيلتقط قفائر النحل الألماني الأسود ويحملها هابطًا ويُلقي بها في المحيط الهادئ. ما كان سيمتلكُ أي شيء يحمل اسمَ ألماني أسود، ولا حتى نحلة، ليُذكره يوميًّا بما فعلَه الألمان السودُ الحقيقيون بالرجال المنتمين لعِرق أبيه وبلده، للرجال الذين جرَت في عروقهم الدماء نفسُها. كان من الحماقة بالطبع أن ينقل الازدراءَ البغيض الذي يشعر به حيالَ عِرْق من البشر تجاه خليةِ نحل. لم يكن تصرفًا منطقيًّا بالمرة، لكنه أدرك، وهو يرتقي الممشى على مهل، بينما يأكل ثمرةَ طماطم حمراءَ كبيرة قطَفها من كَرْمةٍ مر بها، أن أغلب ما نشعرُ به من حب وبُغض في هذا العالم يفتقر إلى المنطق إلى حدٍّ كبير. فإن ما نُحبه هو مسألة هوًى شخصي بدرجةٍ كبيرة، والهوى يتوقَّف غالبًا على الأسلوب الذي تربَّينا به، وعلى البيئة، وعلى الذوق الشخصي، ومِن ثَم لا بد أن يحتلَّ الهوى الشخصي مساحةً كبيرة من الشخصية.
مسح جيمي أصابعه ورمى لُبَّ الطماطم بعيدًا بقدر ما استطاع أسفلَ جانب الجبل، ودخل المنزل. وفي الرواق الخلفي غيَّر ملابسه وارتدى معطفه، ودخل حجرة المعيشة لانتقاء كتابٍ معين انتوى قراءته، وقد تصدرت ذهنَه فكرتان دون غيرهما. لقد نتَج عن تولِّيه مسئوليةَ حديقة سيد النحل ثلاثةُ أشياء؛ لقد أصبح عروسًا، وأصبح يعرف النحل الألمانيَّ الأسود من الإيطالي، واكتشف أن الطماطم الكبيرة تامةَ النضج تتمتعُ بمقدرة هائلة، وخاصةً على الإشباع. سوف يُجرب حيلة الطماطم تلك بين الوجبات كلَّ يوم. فقد انزلقَت الثمرةُ في جوفه واستقرَّت في معدته مُحدثةً أثرًا مرطبًا منعشًا نوعًا ما أفضلَ من أي كأس نبيذ تناوله من قبل. فلم تُحدث حموضة، ولا كانت صعبةَ الهضم. لقد أدَّت الغرضَ وكان مذاقُها رائعًا تاركةً لهفةً للمزيد.
ثم وقف العروسُ أمام طاولة الكتابة الصغيرة، وفتح الخِزانة التي فوقها، ومرَّ بإصبعه على عناوينِ العديد من الكتب مستكشِفًا. ثم اختار أحدَها وجلس على المقعد الذي قرَّر استخدامه كمقعده الخاص، وحاول أن يُركز كلَّ ذهنه في موضوع ما هو ضروريٌّ للمبتدئين لرعاية النحل. وقد وجد نفسه يقرأ فقرةً تِلو الأخرى حول الخلايا المناسبة وأقراص العسل ومَداخن النحل وسائر اللوازم التي بإمكانه أن يجدها في صندوقٍ كبير في الرِّواق الخلفي إنْ فتَحه وعرَف ما يلزمه البحثُ عنه. كانت عيناه تقرَآن الكلمات وذهنه يُركز بعناد عجيب — وإن كان، في نهاية الأمر، ليس عجيبًا جدًّا في شخصٍ ذي أصل اسكتلندي — إذ ظل ذهنُه يُفكر في اليد المبهوتة التي سُحِبَت ثم مُدَّت لتُزيَّن بخاتَمِ زواج، وفي وثيقة الزواج التي احتُضِنت بحرص فوق صدر بدا مكتملًا وغاية في الجاذبية. بعدها راح ذهنه يُركز على زوج العيون البُنية الحادة التي باحت بتوترٍ عصبي بالغ. وظلَّ ذهنه يعرض أمام عينَيه صورةَ الشفتين المرتعشتين وعضلات الوجنتين المرتجفة.
إن الشيء الذي أقدمَ عليه سيظلُّ معه مدةً. ولن يستطيعَ أن يغضَّ طرْفَه عنه ويُركز تفكيره على أيِّ شيء، ولا حتى شيء مثير للاهتمام مثل النحل كما قال الكشافة الصغير عنه. أراد بحقٍّ أن يُطالع كتابًا حقيقيًّا عن النحل. أما ذلك فكان عن ممرِّضات النحل. من ذا الذي يُدرب نحلةً لتُصبح ممرِّضة؟ هل يُصاب النحل بالمرض؟ هل يحتاج إلى ممرِّضات؟ هل يقرص بعضُهم الآخرَ فيُصابون بجروحٍ لا تشفى في أجسامهم الصغيرة؟ لا بد أن يتبينَ ذلك سريعًا، لكنه لا يستطيع أن يتبينَه في تلك الساعة لأن ثَمة أشياءَ عديدةً تحمل على التفكير فيها. وتلك الأشياء، رغم كل شيء، مهمَّة. فلا يمكن تبديلُ واقع أن الأحداث قد ساقتْه ليُصبح رجلًا متزوجًا قانونًا، ولا يمكن تغيير واقع أنَّ امرأةً جذابة للغاية قد وقفت بجانبه وجعلت نفسَها امرأةً متزوجة قانونًا، ولا يوجد أي سبب يجعله يحاول التهربَ من حقيقةِ أنها أصبحت أكثرَ نفعًا بكثير للعالم، ولأسرتها، ولطفلٍ صغير ما زال في علم الغيب، حين وقفَت تلك الوقفة، رغم ردائها الأسود، وهدوئها المكرَه، عما كان سيحدثُ لو أصبحَت جثةً بلا شكل يُبددها تيارُ الماء على بُعد فراسخَ وتنهشها كلابُ البحر الجائعة فلا تُبقي فيها شيئًا. كان إنقاذُ حياة امرأة على ذلك النحو شيئًا يستحقُّ التأمُّل. وقد خطر له الليلةَ الماضية أنه قد يكون الشيء المفيد الوحيد الذي يستطيع فعله قبلَ النهاية. وحيث إنه لم يكن لديه شيءٌ آخَر ليفعلَه، وحيث إنه ظلَّ يُلاحقه، فلا يمكن لومُه البتةَ على التفكير فيه. من الواضح أنْ لا أحدَ غيره سيُفكر في الأمر. كان يَتوق لسماعِ أي كلمة. فلم يتلقَّ ولو كلمة «شكرًا». لكن لا بأس. فهو لم يطلب أو يتوقَّع أي شيء.
عندئذٍ أغلقَ جيمي الكتابَ واضعًا إصبعه حيث توقَّف وذهب ليفتحَ الباب الأمامي. سلَّمه صبي مرسال طردًا وخطابًا واختفى بسرعةٍ عجيبة، فكان الاستنتاجُ الوحيد أمام جيمي أنه قد طُلب منه إتمام مهمة التوصيل وأن يجد أسرعَ وسيلة يستطيع بها الاختفاءَ أيضًا.
وضع جيمي الكتابَ دون أن ينظر أيَّ صفحة كان يقرأ وفكَّ الخطاب من الشريط الذي ربط الصندوق المستطيل الصغير بأصابعه. وقف ممسكًا بالخطاب في يدٍ والصندوق في اليد الأخرى وراح يتأمَّلهما. ثم ظل يتفحَّصهما. وقلَّبهما من جانبٍ لآخر، حتى شمَّ رائحةً يعرفها منبعثة من الصندوق.
وقبل أن يفتحَه أدرك ماذا سيرى. كان مرهفَ الحس للغاية تجاه الروائح حتى إن عقله أخبره، بينما أصابعه لا تزال تعمل للتأكد من الرسالة، أنه حين يُزيح الورقة ويرفع غطاء الصندوق الذي كان بالحجم نفسِه الذي يستخدمه بائعو الزهور مع البنفسَج، سوف يجد باقةً كبيرة من زهور الخُزامى الوردية التي تنمو على الرمال التي تحدُّ المحيط الهادئ. سيأتي الآن بكتاب الزهور. وحين يأتي به، كما فعَل لاحقًا، سيتسنَّى له معرفةُ زهرة رعي الحمام الرملي باسمها الحقيقي، وسيعرفُ أن العبير المنبعثَ من هذه الزهرة في الساعة السادسة طيبٌ لدرجة أن رائحته قد تسرُّ أنف أي محبٍّ للعطور سريعةِ الزوال. هكذا حمل الزهور الرقيقة وراح يبحث في أغراض سيد النحل حتى عثر على وعاءٍ صغير من النحاس العتيق، فملأه بالماء، ووضع الزهور بحرص.
عزيزي السيد ماكفارلين
إن السبب الذي جعلني أتركُك من دون أن أقولَ كلمةً واحدة، ومن دون أن أنظر ورائي، هو اضطرارُ جسدي للحفاظ على شفتيَّ مغلقتَين بإحكام وعينيَّ مفتوحتين عن آخرِهما حتى لا أجذبَ انتباه المارة وأُسبب لك الخزيَ بافتعال فضيحة أمام الناس.
أريدك أن تعلم أنَّ ما فعلتَه لي منحَني الحياة، والفرصةَ للاستمرار في عملي بالثقة نفسِها المبنيَّةِ على الاعتزاز بالنفس التي طالما تمتعت بها. لقد طمأنتَ قلبَ امرأة كانت تموت ببطءٍ من الخوف والجزع.
سوف أظلُّ ممتنةً لك طَوال حياتي على عطفِك الليلةَ الماضية، وتصرفِك الفريد اليوم. إذا كنتَ مُحقًّا فيما صرَّحتَ به من أنه لم يتبقَّ لك كثيرٌ من الوقت لتحياه، فلتطمئنَّ إذن أنني في كل ليلة قبل أن أذهب إلى الفِراش سأسأل الله أن يبسط عليك أقصى درجات رأفتِه ويُسبغ عليك أعمقَ آيات رحمته وأعلاها.
من المستحيل بأي حال أن أُعبر عن الشكر المناسب على ما فعلتَه لي، كما أنني أجده مستحيلًا بالقدر نفسِه الآن أن يُعبر أيُّ شيء أخطُّه على هذه الورقة عن خالصِ شكري على المعروف الذي أَدينُ لك به. من كل قلبي أشكرك، وأرجو من الله أن يُباركك ويحفظَك. أرجو أن تكون مخطئًا، وأن تُصبح في انتظارك حياةٌ مديدة وسعيدة.
قال جيمي: «يا للهول!» ثم أضاف: «أحقًّا ما حدث؟ هل ستحمل اسمي فعلًا؟ هل حقًّا ستستخدمُه في أمرٍ ما؟ هل حقيقيٌّ أنها ستُحضر طفلًا إلى العالم وتُسميه «ماكفارلين»؟»
ثم شرَع جيمي في عمليةِ قراءة الخطاب مرةً أخرى، وما لبث أن أصبحَ باستطاعته ترديدُه كلمةً كلمة بالعكس. أما لماذا ظلَّ يُخرجه ويحمله بين أصابعه ويُقلِّبه ويفحصُ الورقة ويستقرئ المكتوب، فلم يَدْرِ. كان رائعًا، وكان منصِفًا، وكان كل ما قد يتمنَّاه قلبه. بدا لائقًا تمامًا بالفتاة المتمتِّعة بالصفات نفسِها التي طالما تخيَّل جيمي أنه سيرغبُ فيها حين يلتقي بالمرأة التي ستُصبح أهمَّ امرأة في العالم بأسرِه له؛ من طولٍ، وقوةٍ بدَنية، وشعرٍ كثيف حرير، وعينين بُنيتين حادتين، وصدرٍ مكتنز، ويدَين قويتين، وصوتٍ عذب آسر.