الحرية وأسس العدالة
ليسمح لي القارئ بأن أبدأ حديثي بحكاية رمزية ذات دلالة. تريد «أنابورنا» شخصًا ما لينظف لها الحديقة بعد إهمال طال على مدى الفترة الماضية. وتَقدَّم إليها لشغل هذه الوظيفة ثلاثة من العمال العاطلين؛ هم: دينو، وبيشانو، وروجيني، وجميعهم في مسيس الحاجة إلى الوظيفة. إنها تستطيع أن تُؤجِّر أيًّا منهم للعمل لديها، غير أن طبيعة العمل لا تقبل التقسيم، كما أنها لا تستطيع توزيعه بين الثلاثة. ورأت أنابورنا أن بالإمكان أن تحصل من أي منهم على العمل المطلوب أداؤه بالأجر نفسه، ما دام شخصًا ذا قدرة على إعمال فِكرِه. وتساءلتْ في نفسها تُرى أيهم الشخص المناسب الذي لها أن تعيِّنه؟
وذهب فكرها إلى أنه إذا كان الجميع فقراء، فإن دينو أفقر الثلاثة، وهذا واقع يقره كل منهم. واستشعرتْ أنابورنا لهذا السبب، ميلًا نحو استئجاره للعمل لديها، «وتساءلت في نفسها: أي شيء أهم من مساعدة أفقرهم؟».
بيد أن فكرها ذهب في اتجاه آخر؛ إذ رأت أن بيشانو طحنه الفقر أخيرًا. وبات لهذا السبب يعاني اكتئابًا نفسيًّا وقلقًا بسبب ورطته الأخيرة. هذا على عكس دينو وروجيني اللذين عاشَا حياتهما فقيرين واعتادَا هذه الحياة. ويتفق الجميع على أن بيشانو هو أكثر الثلاثة تعاسة، وأن العمل سوف يُحقِّق له قدرًا من السعادة أكثر من الاثنين الآخَرَين. وجعل هذا التفكير أنابورنا تميل إلى فكرة منح الوظيفة لبيشانو «وقالت في نفسها: مؤكد أن إزاحة التعاسة عن النفس أمر له الأولوية قبل أي شيء آخر».
ولكن أنابورنا علمت أيضًا أن روجيني أصابها الهزال والوهن بسبب سوء تغذية مُزمِن. وهي التي لا تعرف الشكوى والتذمر منذ ميلادها. ومن ثم يكون بوسعها أن تفيد بالنقود وتنقذ نفسها من هذا المرض العُضال. إنها لا تنكر أن روجيني ليست أقل فقرًا من الاثنين الآخرين (وإن كانت فقيرة يقينًا)، وليست أيضًا أقل تعاسة على الرغم مما تعانيه من حرمان دون أن يبدو على وجهها أثر للأسى؛ إذ اعتادت حياة الحرمان؛ (فهي من أسرة فقيرة، وأقْلَمَت نفسها، كامرأة، مع العقيدة السائدة: ألا تشكو وألا يتجاوز طموحها حدود قدراتها وتقنع بواقع حياتها)، ومع هذا تساءلت أنابورنا في نفسها، أليس الأصوب منح الوظيفة لروجيني؟ «وراودها ظن بأن الوظيفة ستكون سببًا في أن تحظى بحياة مختلفة تمامًا من حيث النوع ومن حيث التحرر من المرض».
واحتارت أنابورنا بشأن ما يَتعيَّن عليها عمله. إنها تعترف بأنها لو لم تعلم سوى أن دينو هو أفقر الجميع (ولم تعرف شيئًا آخر غير هذا) لاختارته يقينًا ليشغل الوظيفة. واستطردت في تفكيرها وقالت لنفسها لو أنها عرفت فقط حقيقة أن بيشانو هي أتعس الثلاثة، وأن فرصة العمل السانحة لها ستُدخل على نفسها السعادة (ولم تعرف شيئًا آخر) لتوافرت لديها أفضل الأسباب لاستئجارها للعمل لديها. ومضت في خواطرها ورأت كذلك أنها لو لم تعلم سوى أن سوء التغذية الشديد الذي تعانيه روجيني سوف يُشْفى بفضل النقود التي ستحصل عليها (ولم تعرف شيئًا آخر غير هذه الحقيقة) لكان لديها المبرر البسيط والحاسم لكي تمنحها الوظيفة المطلوبة. بيد أنها تعرف واقع حياة كل من الثلاثة، وبات عليها أن تختار من بين هذه الحجج الثلاث، وهي حجج وثيقة الصلة بالموضوع ولا سبيل إلى التغاضي.
يشتمل هذا المثال البسيط على عدد من القضايا المهمة ذات الدلالة العملية. ولكن ما أريد أن أذكره هنا هو أن الفوارق بين المبادئ الأساسية المتضمنة ذات الصلة بالمعلومات المُحدَّدة التي تبدو لنا حاسمة؛ إذ لو أن الوقائع الثلاث معروفة فإن القرار رهن أي المعلومات نوليها الأهمية القصوى قبل غيرها. وهكذا يكون من الأفضل النظر إلى المبادئ الأساسية في ضوء الأسس المعلوماتية الخاصة بكل منها. إن حالة دينو القائمة على المساواة في الدخل تركز على الفقر من حيث الدَّخْل. ولكن حالة بيشانو، وهي حالة نفعية كلاسيكية، تركز على قياس اللذة والسعادة. ونجد حالة روجيني المُقترنة بنوعية الحياة تتمركز حول نوعيات الحياة التي يمكن أن يعيشها كل من الثلاثة، والملاحَظ أن الحجتين الأولى والثانية من أكثر الحجج التي تناقشها وتستخدمها الدراسات الاقتصادية والأخلاقية. وسوف أعرض بعض الحجج المُتعلِّقة بالجانب الثالث. ولكنني الآن في هذه اللحظة، سأكون شديد التواضع في مقصدي؛ إذ سوف أقنع ببيان الأهمية الحاسمة للأسس المعلوماتية للمبادئ المتنافسة.
وجدير بالإشارة أن هذا الجزء البنائي الأخير من التحليل هو الذي نستخدمه بتوسُّع في بنية الكتاب. وإذا لم يكن القارئ معنيًّا كثيرًا بوجهات النظر النقدية للنُّهُج الأخرى «والمزايا والمشكلات الخاصة بكل من مذهب المنفعة العامة والنزعة التحريرية، ونظرية راولس عن العدالة»؛ فلن تكون هناك مشكلة بذاتها إذا ما تجاوزنا هذه المناقشات النقدية وانتقلنا مباشرة إلى الجزء الأخير من هذا الفصل.
المعلومات المتضمنة والمستبعدة
المنفعة كأساس معلوماتي
وحسب هذه النظرة النفعية يتألف الظلم أو اللاعدالة من إجمالي خسارة المنفعة مقارنًا بما كان بالإمكان إنجازه. إن المجتمع الظالم، حسب هذه النظرة، هو المجتمع الذي يكون أهله في ضوء نظرة شاملة، أقل سعادة مما هم في حاجة إليه. وجدير بالذِّكْر أن بعض الصيغ الحديثة لمذهب المنفعة أسقط التركيز على السعادة أو اللذة. وتحدد إحدى هذه الصيغ المنفعة بأنها تحقيق رغبة. وتقضي هذه النظرة بأن المهم هنا هو شدة الرغبة المتحققة. وليس كثافة السعادة المتولدة.
مزايا النهج النفعي
إن إجراء عملية الحساب على أساس الاختيار له بعض المزايا العامة مثلما أن له بعض المثالب. وإن أحد العيوب الكبرى في سياق الحساب النفعي أنه لا يقودنا مباشرة إلى أي وسيلة لعمل مُقارَنات بين الأشخاص؛ نظرًا لأنه يركز على اختيار كل فرد على حدةٍ منفصلًا عن الآخَرِين. ويبدو واضحًا أن هذا لا يتلاءم مع مذهب المنفعة؛ حيث إنه ليس بإمكانه تسوية الفوارق داخل الإجمالي العام وهو الأمر الذي يستلزم عقد مُقارنة بين الأشخاص. وواقع الأمر أن نظرة المنفعة القائمة على أساس الاختيار جرى استخدامها أساسًا في سياق أساليب تعتمد فقط نزعتي الرفاه والنتائج. وهذا ضرب من الأساليب التي تتخذ النفع أساسًا للحكم من دون أن يكون مُعبِّرًا عن مذهب المنفعة بمعناه الصحيح.
- (١)
أهمية أن نضع في الاعتبار «نتائج» التنظيمات والترتيبات الاجتماعية عند الحكم عليها (إن الاهتمام بالنتيجة أمر مستساغ للغاية، حتى إن بدَت لنا نزعة العبرة بالنتائج مُتطرِّفة للغاية).
- (٢)
الحاجة إلى أن نُولي اهتمامًا برفاه الناس عند الحكم على الترتيبات والتنظيمات الاجتماعية، والنتائج المترتبة عليها (الاهتمام برفاه الناس أمر له جاذبيته، حتى إن اختلفنا في الرأي بشأن طريقة القياس الذهني للحكم على الرفاه والمُتمركِزة على المنفعة).
ولبيان مدى صلة النتائج الوثيقة بالموضوع يكفي أن نفكر في أن الكثير من التنظيمات الاجتماعية تحظى بالتأييد بسبب ما لقسماتها التكوينية من جاذبية، من دون أي إشارة إلى الحصاد المُترتِّب عليها. ولنأخذ مثالًا حقوق الملكية. رأى البعض أنها تتمثل في الاستقلال الفردي، ومَضوا إلى حد المُطالبة بعدم فرض قيود على الملكية والإرث واستخدام الملكية، وبلغ بِهم الأمر حَدَّ رفض مُجرَّد فكرة فرض ضرائب على الملكية أو على الدخل. ولكنَّ آخَرِين على الجانب السياسي المعارِض رفضوا فكرة عدم المساواة في الملكية — أن يمتلك البعض الكثير والكثير جدًّا، بينما يمتلك غيرهم النزر اليسير — واشتطوا إلى حد المطالبة بإلغاء الملكية الخاصة.
وهكذا فإن أيًّا من النَّهْجين لا يبرأ من النقد تأسيسًا على النتائج، ممَّا يوحي بضرورة الحكم على التنظيمات الخاصة بالملكية، ولو جزئيًّا، على أساس النتائج المترتبة عليها احتمالًا. وتتسق هذه النتيجة مع الروح النفعية حتى على الرغم من أن مذهب النفعية في صورته الخالصة سوف يصرُّ على اتباع نَهْج محدَّد بذاته للحُكم على النتائج وعلى مدى صلتها الوثيقة بالموضوع. ولا ريب في أن الوضع العام الذي يقتضي استبيانًا كاملًا بالنتائج عند الحكم على السياسات والمؤسَّسات يمثل شرطًا حاسمًا ومطلبًا مستساغًا. وحَظِي هذا بدعم كبير من جانب أنصار الأخلاق النفعية.
وبوسعنا أن نعرض حججًا مماثلة تُدعِّم وجهة النظر الداعية إلى ضرورة أن نضع في الاعتبار رفاهة البشر عند الحكم على النتائج، بدلًا من أن ننظر فقط إلى بعض السمات المُجرَّدة أو المَجَّانية وغير ذات الصلة بالوضع. وهكذا فإن تركيز الاهتمام على النتائج وعلى الرفاه معًا ينطوي على نِقاط تُدعِّم رأي النفعيين. وإن هذا الدعم — وهو دعم جزئي فقط — للنهج النفعي إزاء العدالة يرتبط مباشرة بأساسه المعلوماتي.
قيود وحدود المنظور النفعي
- (١)
اللامبالاة في التوزيع: ينزع الحساب النفعي إلى إغفال مَظاهر عدم المساواة في توزيع العدالة؛ «إذ يعنيه فقط إجمالي الأمور، وليس مهمًّا مدى عدم المساواة في التوزيع». إننا قد تعنينا السعادة العامة، بَيْدَ أنَّنا يجب أن نُولي اهتمامًا لمدى انتشار مظاهر عدم المساواة بشأن السعادة، وليس أن نهتم فقط بالمقادير في تراكمها الإجمالي.
- (٢)
إغفال الحقوق والحريات وغيرها من اهتمامات ليست نفعية: لا يبدي النَّهج النفعي أي اهتمام أصيل بالمُطالبات بالحقوق والحريات (إذ يجري تقييمها على نحو غير مباشر فقط، وإلى مدى تأثيرها فقط على المنافع). إن من المفهوم تمامًا أن نُعنى بالسعادة، بَيْد أنَّنا لا ننشد بالضرورة أن نكون عبيدًا سعداء أو تابعين مُصابِين بالهذيان.
- (٣)
التكيف والاشتراط الذهني: ويبلغ الأمر حدًّا نجد فيه النظرة النفعية إزاء رفاهة الفرد ليست نظرة شديدة الجِدِّية والصرامة؛ حيث يسهل التحكم فيها عن طريق الارتباط الشَّرْطي الذهني والمواقف التكيفية.
لذلك ليس من المهم فقط أن ندرك حقيقة أن حرمان مَن عانى الحرمان أبدًا يمكن أن يطمسه ويحجبه سُلَّم تقدير درجات المنافع، وإنما يتعين أن ندرك كذلك ضرورة خلق الظروف التي تهيئ للناس فرصًا حقيقية للحكم على نوع الحياة التي ينشدونها. إن العوامل الاجتماعية والاقتصادية؛ من مثل التعليم الأساسي، والرعاية الصحية الأولية، وتأمين العمالة وغيرها هي عوامل مُهمَّة، ليس فقط لأنها هي مهمة في ذاتها، ولكن أيضًا لِمَا لها من دَور في تهيئة فُرص للناس للتعامل في شجاعة وحرية مع العالَم من حولهم. وتستلزم هذه الاعتبارات أساسًا معلوماتيًّا أرحب وأعم، ويُركِّز بوجه خاصٍّ على قدرة الناس على اختيار الحياة التي ينشدونها ولديهم مبرر تقييمها.
جون راولس وأولوية الحرية
وإذا شئنا أن تكون «أولوية الحرية» مستساغة حتى في سياق البلدان التي يعضها الفقر الشديد، فلا بد أن يكون محتوى هذه الأولوية، حسبما أعتقد وأؤكد، واضحًا تفصيلًا من حيث طبيعة خصائصه. بيد أن هذا لا يرقى إلى حد القول بأنه لا يتعين ألا تكون للحرية أولوية، بل نقول إن صيغة وشكل هذا الطلب حري به ألا يؤدي إلى التغاضي بسهولة عن المَطالب والحاجات الاقتصادية. ولنا أن نمايز في حقيقة الأمر بين: (١) اقتراح راولس في صيغته الصارمة عن الحاجة إلى أن تكون للحرية أسبقية طاغية عندما نكون في حالة نزاع، و(٢) إجرائه العام لفصل الحرية الشخصية عن أنماط المزايا الأخرى بشأن المعالجة الخاصة. ويتعلق المطلب الثاني، وهو الأكثر عمومية، بالحاجة إلى تقييم وتقدير الحريات على نحو مختلف عن المزايا الفردية للأنواع الأخرى.
وأؤكد أن القضية المحورية ليست هي الأسبقية الكاملة، بل هي ما إذا كان ينبغي أن تحظى حرية شخص ما بنفس نوع الاهتمام (لا أكثر) الذي تحظى به الأنماط الأخرى للمزايا الشخصية؛ من مثل الدخل والمنافع … إلخ. والسؤال على وجه التحديد هو ما إذا كانت أهمية ودلالة الحرية بالنسبة إلى المجتمع يُعبِّر عنها بصدق الاهتمام الذي يوليه الشخص نفسه لها عند الحكم على مجمل مصلحته الخاصة. إن القول بِتفوُّق وتَميُّز الحرية (بما في ذلك الحريات السياسية والحقوق المدنية الأساسية) يثير الشكوك في الاعتقاد بأنه يكفي للحكم على الحرية أنها مصلحة وفيرة (شأن أي وحدة إضافية إلى الدخل) يتلقاها المرء ذاته من تلك الحرية.
وحتى نَحول دون أي سوء فهم أرى لزامًا أن أوضح أن المقابلة ليست مع القيمة التي يضفيها المواطنون — ولديهم الحق في ذلك — على الحرية والحقوق في أحكامهم السياسية. وإنما على العكس تمامًا: إن ضمانة الحرية يتعين أن ترتبط في نهاية المطاف بالقبول السياسي العام لأهميتها. ومن ثم فإن المقابلة هنا هي مع المدى الذي تؤدي إليه زيادة الحرية أو الحقوق إلى زيادة الميزة والمصلحة الشخصية للفرد والتي هي جزء فقط من المحتوى المتضمن. وإن الدعوى هنا هي أن الأهمية السياسية للحقوق يمكن أن تتجاوز كثيرًا مدى تعزيز المصلحة الشخصية للحائزين على هذه الحقوق عندما ينالونها. كذلك فإن مصالح الآخَرين متضمنة أيضًا (نظرًا إلى تداخل وتشابك حريات الناس على اختلافهم)، كما أن انتهاك الحرية هو انتهاك وتعدٍّ إجرائي لنا كل الحق في مُقاوَمته كشيء كَرِيهٍ مرذول في ذاته. معنى هذا أن ثمة عدم تماثُل إزاء المصادر الأخرى للمصلحة الفردية، من مثل الدخول التي ينبغي تقييمها بعامة على أساس كيفية ومدى مُساهمتها بالنسبة إلى المَصالح الشخصية لكلٍّ. إن ضمانة الحرية والحقوق السياسية الأساسية حَرِي أن تكون لها الأولوية الإجرائية المترتبة على هذا الوضوح العاطل من أي تماثل.
وهذه مسألة مهمة بوجه خاصٍّ في سياق الدور التكويني للحرية وللحقوق السياسية والمَدنية لكي يصبح بالإمكان تَوفُّر خِطاب عام وتأسيس تواصُل بشأن مَعايير وقِيَم اجتماعية مُتَّفق عليها. وسوف أتناول هذه المسألة الصعبة بتفصيل أكثر في الفصلين السادس والعاشر.
روبرت نوزيك والنَّزعة التحريرية
أعود الآن إلى مسألة الأولوية الكاملة للحقوق، بما في ذلك حقوق الملكية، حسبما وردت في أكثر الصيغ تدقيقًا للنظرية التحريرية. مثال ذلك أن نظرية نوزيك (كما عرضَها كتاب الفوضى والدولة واليوتوبيا) تفيد بأن «الصلاحيات» التي تَوافرَت للناس من خلال مُمارَسة تلك الحقوق لا يمكن بوجه عام ترجيحها بسبب نتائجها — مَهما كانت هذه النتائج غثَّة — وثَمَّة استثناء واحد يقول به نوزيك ويتعلق بما يسميه «مَظاهر الذُّعر الأخلاقي الكارثية». بَيْدَ أنَّ هذا الاستثناء ليس مندمجًا تمامًا مع بقية النَّهج الذي التزم به نوزيك، كما أن هذا الاستثناء غير مصحوب بتبرير صحيح؛ «إذ يظل مقتصرًا على الفرض المشار إليه». إن الأولوية المُطلَقة للحقوق التحريرية يمكن أن تمثل إشكالية محددة؛ حيث إن النتائج الفعلية المترتبة على تفعيل هذه الصلاحيات يمكن جدًّا أن تتضمن نتائج مروعة؛ إذ يمكن أن تُفْضِي بخاصة إلى انتهاك الحرية الموضوعية للأفراد في إنجاز أمور لديهم كل الحق في أن يولوها أهمية كبرى بما في ذلك الإفلات من موت يمكن تَجنُّبه أو أن يَحظَوا بتغذية جيدة وصحة جيدة، وأن تتوافَر لهم قدرة على القراءة والكتابة والحساب … إلخ. إن أهمية هذه الحريات لا يمكن إغفالها على أسس الإيمان بفكرة «أولوية الحرية».
إن النزعة التحريرية كنهج للتعامل تمثل، في ضوء أساسها المعلوماتي، نزعة شديدة المحدودية والتقييد؛ ذلك أنها لا تغفل فقط تلك المُتغيِّرات التي تُوليها نظرية المنفعة ونظرية الرفاه أهمية كبرى، بل ولأنها تغفل أيضًا أكثر الحريات أساسيةً التي لنا كل الحق في أن نَعتَز ونطالب بها. وإننا حتى إن افترضنا أن الحرية وضْع خاص، فليس مِن المستساغ أبدًا الزعم بأنه لا بد أن تكون لها أولوية مُطلَقة على النحو الذي تُصِر عليه النظريات التحريرية. إننا بحاجة إلى أساس معلوماتي أعم وأشمل عن العدالة.
المنفعة والدَّخل الحقيقي والمقارَنات بين الأشخاص
يتحدد معنى «المنفعة» في الأخلاق النفعية التقليدية بأنها السعادة أو اللذة، وأحيانًا أخرى بمعنى تحقيق الرَّغبات. والملاحظ أن هذه الطُّرق في تعريف المنفعة على أساس معايير قياسية ذهنية «عن السعادة أو الرغبة» لم يقتصر استخدامها على فلاسفة رُوَّاد من أمثال جيرمي بنتام، بل استخدمها أيضًا علماء اقتصاد نفعيون؛ مثل فرنسيس إدجورث، وألفريد مارشال، وإيه سي بيجو، ودنيس روبرتسون. وكما ناقَشْنا في مَطلع هذا الفصل نلحظ أن هذا المعيار القياسي الذهني معرَّض لتشوشات نتيجة حالات التَّكيُّف النفسي مع الحرمان المزمن. ويمثل هذا في حقيقة الأمر قيدًا مهمًّا على مصداقية النزعة الذاتية للمعايير القياسية الذهنية من مثل اللذات والآلام. تُرَى هل يمكن خلاص المذهب النفعي من هذا القيد؟
وإذا كان لأشخاص مختلفين أفضليات مختلفة (تتجلى فرضًا في صورة المطالَبة بوظائف مختلفة) فلن تكون هناك، كما هو واضح، وسيلة لعقد مقارنات بين الأشخاص تأسيسًا على هذه الأفضليات المتباينة، ولكن ماذا لو أنهم يتقاسمون الأفضلية ذاتها، وكانت لهم الاختيارات ذاتها في ظروف متماثلة؟ واضح أن هذه حالة خاصة جدًّا (ذلك أنه، وكما قال هوراس، هناك أفضليات كثيرة بقدر عدد الناس). ولكن لا يزال من المهم أن نسأل عمَّا إذا كان بالإمكان عقد مقارنات بين الأشخاص في مثل هذه الحالة الخاصة جدًّا. نلحظ في حقيقة الأمر أن افتراض أفضلية مشتركة وخيار سلوكي مشترك أمر يحدث كثيرًا في التطبيق العملي لاقتصادات الرفاه ويجري استخدامه مرارًا لتبرير الفرض القائل بأن كل شخص لديه دالة المنفعة ذاتها. وهذه مطابقة أسلوبية مفرطة لمقارنة المنفعة فيما بين الأشخاص. تُرى هل هذا افتراض منطقي مقبول لتفسير المنفعة على أنها تمثيل عددي للأفضليات؟
وهذه ليست مجرد «مشكلة» ظاهرية أو صورية تتعلق بالنظرية الخالصة، وإنما يمكن أن يترتب عليها فارق ضخم جدًّا في الممارسة العملية أيضًا. مثال ذلك أنه لو وصل الأمر إلى حد أن شخصًا ما محبطًا أو عاجزًا أو مريضًا توافرت لديه مصادفة دالة الطلب ذاتها بشأن حزم سلعية التي لدى شخص آخر لا يعاني الحالة المرضية نفسها فسوف يكون من العبث تمامًا الإصرار على أن له المنفعة ذاتها (أو الرفاه أو نوعية الحياة ذاتها) من حزمة سلعية شأن المنفعة التي يمكن أن يحصل عليها آخر. مثال ذلك أن شخصًا فقيرًا يعاني داء طفيليات المَعِدة ربما يفضل الحصول على كيلوجرامين من الأرز بدلًا من كيلوجرام واحد وهو ما يمكن أن يفعله شخص آخر فقير مثله ولكنه لا يعاني من الداء نفسه. ولكن سوف يكون عسيرًا التأكيد أن الاثنين سوف ينتفعان بالقدر ذاته من كيلوجرام الأرز. وهكذا فإن افتراض الخيار السلوكي ذاته ودالة الطلب ذاته (وهو ليس بافتراض مسبق واقعي أبدًا) لا يهيئ لنا أي مبرر لكي نتوقع دالة المنفعة ذاتها. معنى هذا أن المقارنات فيما بين الأفراد مسألة متمايزة تمامًا عن تفسير الخيار السلوكي، ولا يمكن المطابقة بينهما إلا من خلال تشوش وخلط مفاهيمي فقط.
وربما نجد على المستوى التطبيقي أن المشكلة الأكبر في معالجة موضوع الرفاه على أساس نهج الدخل الحقيقي إنما تكمن في التباين بين البشر؛ ذلك لأن الاختلافات من حيث العمر والجنوسة والمواهب الخاصة، والعجز وقابلية المرض وغير ذلك، يمكن أن تهيئ لشخصين مختلفين أحدهما عن الآخر فرصًا متعارضة تمامًا من حيث نوعية الحياة، حتى وإن اشتركا معًا بالدقة في الحزمة السلعية نفسها. إن التنوع البشري من بين الصعوبات التي تحد من الاستفادة من المقارَنة على أساس الدخل الحقيقي عند الحكم على المزايا والمصالح النسبية بين أشخاص مختلفين. وسوف أبحث بإيجاز الصعوبات المختلفة في القسم الثاني قبل أن أشرع في بحث نَهْج بديل لمعالَجة مقارَنة المصالح والمزايا بين الأشخاص.
الرفاه: مظاهر التنوع وتَغيُّر الخواص
-
(١)
الفوارق البنيوية الشخصية: يتصف الناس بخصائص مادية مُتبايِنة ترتبط بحالات العجز أو المرض أو العمر أو الجنوسة. وهذه الخصائص سبب في تبايُن احتياجات كلٍّ عن الآخَر. مثال ذلك، الشخص المريض ربما يحتاج إلى دخلٍ أكبر ليكافح المرض. وهو دخل قد لا يحتاج إليه شخص غير مريض. ونلحظ أن المريض، حتى في حالة توافُر العلاج الطبي، ربما لا يتمتع بنوعية الحياة ذاتها التي ييسرها مستوى مُعيَّن من الدخل لشخص آخَر؛ إذ ربما يكون شخص مُعوَّق في حاجة إلى أعضاء صناعية، أو شخص مُسِن في حاجة إلى مُسانَدة ودعم أكبر، أو ربما تحتاج امرأة حامِل إلى تناوُل المزيد من مصادر التغذية، وهكذا. معنى هذا أن التعويض اللازم عن «الأضرار» سوف يَتبايَن، علاوة على أن بعض الأضرار ربما لا يَتسنَّى «تصحيحها» بالكامل حتى مع توافُر الدخل.
-
(٢)
مظاهر التنوع البيئي: مظاهر التباين في الأوضاع البيئية من مثل الظروف المناخية (اختلاف في درجات الحرارة، وفي سقوط المطر والفيضانات … إلخ) يمكن أن تُؤثِّر فيما يحصل عليه المرء من مستوًى مُعيَّن من الدخل. ونحن نعرف أن احتياجات الفقير من التدفئة والملابس في الظروف المناخية الباردة تتسبب في مشكلات ربما لا يشاركه فيها مَن يساويه في الفقر في مواقع دافئة. كذلك فإن وجود أمراض مُعْدِية في إقليم ما (ابتداءً من الملاريا والكوليرا حتى مرض الإيدز) من شأنها أن تُغيِّر نوعية الحياة التي يمكن أن يعيشها سكان هذا الإقليم. وهذا أيضًا هو الحال بالنسبة للتلوث وغيره من المُعوِّقات البيئية.
-
(٣)
مظاهر التباين في المناخ الاجتماعي: إن تحويل الدخل والموارد الشخصية إلى نوعية للحياة يتأثر كذلك بالظروف الاجتماعية، بما في ذلك الترتيبات التعليمية العامة وشيوع أو اختفاء الجريمة والعنف في موقع بذاته. كذلك فإن قضايا الأوبئة والتَّلوث هي قضايا بيئية وتتأثَّر بالظروف والأوضاع الاجتماعية. والمُلاحَظ، علاوة على المنشآت والمرافق العامة أن طبيعة العلاقات السائدة داخل المجتمع المحلي يمكن أن تكون على غاية الأهمية، وهذا ما تنزع إلى تأكيده الأدبيات المعاصِرة عن «رأس المال الاجتماعي».٢٥
-
(٤)
الفوارق من حيث الزوايا النسبية: إن المُتطلبات السِّلعية لأنماط سلوكية راسخة يمكن أن تختلف من مجتمع إلى آخر تأسيسًا على الأعراف والتقاليد والعادات. مثال ذلك أن يكون المرء فقيرًا نسبيًّا في مجتمع محلي غَنِي، يمكن أن يَحُول هذا بينه وبين إنجاز بعض «المهام» الأولية (مثل المشاركة في حياة المجتمع)، حتى إن كان دخله، حسب التقديرات المُطلَقة، أعلى كثيرًا من مستوى الدخل الذي يحصل عليه أبناء مجتمعات أفقر حالًا، ويمكن بوساطته أداء تلك المهام بنجاح وسهولة كبيرة. مثال ذلك أن تكون لدى المرء قُدرة على الظهور بين الناس دون أدنى خجل، ربما يَستلزم توافُر مستويات أرقى من الملبس وغير ذلك من مَظاهر الاستهلاك المُظهرية في مجتمع غني أكثر مِمَّا تقتضيه الحال في مجتمع فقير (وهذا هو ما أشار إليه آدم سميث منذ قرنين).٢٦ وجدير بالملاحظة أن هذه القابلية ذاتها للتَّغيُّر وفقًا للمعايير والمقاييس يمكن أن تَصدُق على الموارد الشخصية اللازمة للوفاء بالاحترام الذاتي للمرء. ويُعْتَبر هذا أساسًا نوعًا من التباين فيما بين المجتمعات قبل أن يكون تباينًا بين الأفراد داخل مجتمع بذاته. غير أن المَسألَتين دائمًا ما تكونان متشابكتين.
-
(٥)
التوزيع داخل الأسرة: الدخول التي يحصل عليها فرد أو أكثر من أبناء الأسرة يتقاسمها الجميع. سواء منهم مَن يعمل أو لا يعمل. وهكذا تصبح الأسرة الوحدة الأساسية للتفكير في الدخل من زاوية استخدام الدخل والإفادة به. وطبعي أن رفاه أو حرية الأفراد في أسرة ما سيكون رهن الكيفية التي تَستخْدِم بها الأسرة دَخْلَها من أجل تطوير ودعم مَصالح وأهداف مختلف أبناء الأسرة. معنى هذا أن توزيع الدَّخل داخل الأسرة يمثل متغيرًا معياريًّا حاسمًا لربط الفُرص والإنجازات الفردية بالمستوى الشامل لدخل الأسرة. ولا ريب في أن قواعد التوزيع التي تلتزم بها الأسرة (من مثل ما يتعلق منها بالجنوسة، أو العمر، أو الاحتياجات المنظورة) يمكن أن تتسبب في ظهور فارق أساسي بين ما يحققه المرء من أبناء الأسرة من إنجازات أو يواجهه من إعسار.٢٧
وواضح أن هذه المصادر المختلفة للتباين في العلاقة بين الدخل والرفاه من شأنها أن تجعل الوفرة — بمعنى ارتفاع الدخل الحقيقي — مَعْلمًا محدود القدرة للكشف عن الرفاه ونوعية الحياة. وسوف أعود ثانية إلى الحديث عن هذه التباينات وأثرها (خاصة في الفصل الرابع). ولكن يتعين قبل ذلك بَذْل محاولة للإجابة عن السؤال التالي: ما البديل؟ وهذا هو السؤال الذي سوف أتناوله فيما بعدُ.
الدخول والموارد والحريات
ونقول بالطريقة نفسها إن الأسرة في أمريكا المعاصرة أو في غرب أوروبا قد يَشُق عليها أن تُشارِك في حياة المجتمع إذا لم تكن تملك بعضًا من سلع بذاتها (من مثل الهاتف أو التليفزيون أو السيارة) والتي لا تُعتَبر ضرورة للحياة في المجتمعات الفقيرة. ومن ثم، وفي ضوء هذا التحليل، يَتعيَّن أن ينصبَّ الاهتمام على الحريات التي تُولِّدها لنا السلع وليس على السلع ذاتها.
الرفاه والحرية والقدرة
وتشير «قدرة» الشخص إلى المجموعات البديلة المؤلَّفة من عمليات الأداء الوظيفي التي يراها الشخص مُجدية له. وهكذا تغدو القدرة نوعًا من الحرية: الحرية الموضوعية لإنجاز مجموعات بديلة من عمليات أداء المهام الوظيفية (أو لنصفها بصورة أقل شكلية، الحرية في إنجاز أساليب حياة متباينة). مثال ذلك الشخص الميسور الذي يصوم ربما يسعى لإنجاز أداء وظيفي مُماثِل من حيث الطعام أو التغذية مثله مثل المُعْوِز الفقير الذي تُجبِره ظروفه على التضور جوعًا. ولكن الشخص الأول لديه بالفعل «قدرة» مُغايرة لقُدرة الآخر «إذ إن الأول بإمكانه أن يختار طعامًا جيدًا، وأن يحظى بتغذية متميزة لجسده، وهذا ما لا يستطيعه الشخص الثاني».
الأهمية والتقييم والاختيار الاجتماعي
يمكن لعمليات الأداء الوظيفي الفردية أن تفضي إلى مُقارَنات بين الأشخاص أسهل من المُقارَنات بين المنافع (أو السعادة أو اللذاذات أو الرغبات). كذلك فإن الكثير من عمليات الأداء الوظيفي وثيقة الصلة — وتحديدًا الخصائص غير الذهنية — يمكن الفصل بينها وبين التقييم الذهني لها دون أن تدخل ضمن «التكيف الذهني». والملاحَظ أن قابلية تَغيُّر عملية تَحوُّل الوسائل إلى غايات (أي إلى حرية من أجل إنجاز غايات) تَبدَّت عمليًّا في المدى الذي يمكن أن تأخذه تلك الإنجازات أو الحريات ضمن قائمة الغايات.
هل تُشكِّل هذه الكثرة عائقًا يحول دون الدفاع عن منظور القدرة لأغراض تقييمية؟ العكس تمامًا. إن الإصرار على وجود مِقدار متجانس واحد فقط لنقيمه يعني الخفض الجذري لنطاق تفكيرنا التقييمي. إنه ليس من دواعي الفضل للمذهب النفعي الكلاسيكي، على سبيل المثال، أنه يكتفي فقط بتقييم اللذة دون أن يعبأ بشكل مباشر بمسائل الحرية، أو الحقوق، أو الإبداع، أو الظروف المعيشية الفعلية. وإن الإصرار على مظهر الراحة الميكانيكية بأن نَحظى فقط «بشيء طَيِّب» متجانس إنما يعني إنكار إنسانيتنا ككائنات تُفكِّر بعقلها. فهذا أشبه بأن نسعى لكي تكون حياة رئيس الطُّهاة أيسر فنطالبه بأن يصنع شيئًا (وحده دون سواه) نحبه جميعًا (مثل السمك المدخن أو ربما طبق بطاطس محمر فرنسي) أو أن يطهو نوعية طعام يَتعيَّن علينا جميعًا أن نُفْرِط في تقديرها.
ويُعتَبر تغايُر العوامل المُؤثِّرة في المصلحة الفردية قسمة شائعة في التقييم الفعلي؛ إذ نستطيع أن نقرر إغماض أعيننا عن هذه المسألة قائمين فقط بافتراض أن ثمة شيئًا ما متجانسًا (من مثل الدخل أو المنفعة) يمكن في ضوئه الحُكم على إجمالي المصلحة العامة لكل فرد، فضلًا عن المقارَنة بين الأفراد على أساسها (وأن نستبعد اختلاف الحاجات والظروف الفردية وغير ذلك). بَيْدَ أنَّ هذا لا يحسم المشكلة وإنما نتحاشاها فقط. وقد يكون لتحقيق الأفضلية قدر واضح من الجاذبية عند التعامل مع الحاجات الفردية لشخص ما ولكن هذا، كما ذكرنا سابقًا، لا يفيد كثيرًا عند المقارنة بين الأفراد، وهو أمر محوري لأي تقييم اجتماعي. وجدير بالذِّكْر أننا قد نأخذ أفضلية كل شخص باعتبارها الحُكم الأخير بشأن رفاه هذا الشخص، مع إغفال أي شيء آخر (مثل الحرية) عدا الرفاه، وكذلك مع افتراض أن كل شخص له دالة الطلب ذاتها أو خارطة الأفضلية نفسها. ولكن حتى إذا ما فعلنا هذا فإن المقارَنة بين تقييمات السوق للحزم السلعية (أو وضعها النسبي في خارطة مُشترَكة لنظام السواء في الحيز السلعي) لن تفيدنا إلا قليلًا بشأن المقارنات بين الأفراد.
ونجد هنا اختيارًا مهمًّا بين «التكنوقراطية» و«الديمقراطية» في انتقاء الأهمية، وهو أمر ربما يجدر أن نستطرد قليلًا في مناقشته. إن إجراء الاختيار القائم على التماس الاتفاق أو توافق الآراء يمكن أن يثير حالة من التَّشوُّش المفرط. ويشعر الكثيرون من التكنوقراط بالضيق إزاء هذا الوضع، مما يجعلهم يَتوقَّون بشدة إلى إيجاد صيغة رائعة تُحدِّد لنا «الأهمية» في صورة جاهزة، وهي التي تتصف بالصواب. وطبيعي أن ليس ثمة صيغة كهذه موجودة؛ حيث إن مسألة تقدير الأهمية هي مسألة تقييم وحكم وليست مسألة تقانة لا شخصية.
وكما ذكرنا آنفًا تظل هذه المشكلة قائمة حتى لو كان لكل فرد دالَّة الطلب نفسها، وتزداد شدة عندما تختلف دالات الطلب الفردية. وتصبح في هذه الحالة مقارَنات الأساس السلعي للنفع إشكالية غير محسومة. وليس ثمة شيء في منهج بحث تحليل الطلب، بما في ذلك نظرية الأفضلية الواضحة يعطينا أي قراءة عن المقارَنات فيما بين الأشخاص بشأن المنافع أو مَظاهر الرفاه المبنية على أساس اختيارات الحيازات السلعية، ومن ثم تكون مبنية على أساس مقارَنات بين الدخل الحقيقي.
والحقيقة أنه مع التسليم بالتنوع فيما بين الأشخاص، والمرتبط بعوامل؛ من مثل العمر، والجنوسة، والمواهب الفطرية، وحالات العجز أو المرض، فإن الحيازات السلعية ستفيدنا عمليًّا بمعلومات قليلة عن طبيعة الحياة التي يمكن أن يحياها كل فرد من الناس. وهكذا يمكن أن تكون الدخول الحقيقية مُؤشِّرات ضعيفة للدلالة على العناصر المهمة للرفاه ولنوعية الحياة التي يحق للناس أن يعتبروها حياة قيمة. ويمكن القول بوجه عام إنه لا مناص من الحاجة إلى أحكام تقييمية عند مقارنة الرفاه الفردي أو نوعية الحياة. علاوة على هذا فإن أي إنسان يَرى أن ثَمَّة قيمة في عملية الفحص الدقيق العام لا بد أن يكون ملتزمًا بتوضيح أن الحكم إنما يصدر تأسيسًا على استخدام الدخول الحقيقية لهذا الغرض، وأن مظاهر الأهمية المستخدمة ضمنًا لا بد أنها خضعت بالضرورة لعملية فحص تقييمي. وجدير بالملاحَظة في هذا السياق أن التقييم المبني على سعر السوق للمنفعة المستمَدَّة من حزمة من السلع يعطي انطباعًا خاطئًا — بالنسبة إلى البعض على الأقل — بأن ثمة قياسًا إجرائيًّا متاحًا انتُقِي مسبقًا — لاستخدامه للتقييم، وأنه يُشكِّل عامل تقييد لا عامل نفع. وإذا كان الفحص القائم على معلومات والذي يُجريه الناس أمرًا محوريًّا لأي تقييم اجتماعي (كما أعتقد أنا في هذه الحالة) فإن القيم الضمنية يَتعيَّن إبرازها لتكون أكثر وضوحًا بدلًا من إخفائها عن عملية الفحص بحجة زائفة تزعم أنها جزء من قياس «متاح مسبقًا»، والذي يمكن للمجتمع أن يستخدمه مباشرة من دون حاجة إلى مزيد من اللغط.
وحيث إن أفضلية التقييم المبني على سعر السوق قوي جدًّا بين كثير من الاقتصاديين؛ فإن من المهم أيضًا الإشارة إلى أن جميع المتغيرات فيما عدا الحيازات السلعية (وتشتمل على أمور مهمة؛ مثل الأخلاق، والحالات المرضية، والتعليم، والحريات، والحقوق المُعترَف بها) تكون أهميتها الضمنية هي صفر في عمليات التقييم المرتكزة فقط على نهج الدخل الحقيقي. ولا تحصل هذه على قدر من الأهمية غير المباشرة إلا إذا كانت تؤدي — وإلى المدى الذي تؤدي فيه — إلى تعظيم الدخل الحقيقي والحيازات السلعية. وغني عن البيان أن الخلط بين مقارَنة الرفاه بمقارَنة الدخل يستلزم ثمنًا باهظًا.
معلومات القدرة: استخدامات بديلة
يمكن استخدام منظور القدرة بوسائل جد متمايزة. ويَتعيَّن أن نُمايز بين أي استراتيجية علمية نستخدمها لتقييم السياسة العامة عن القضية الأساسية المتعلقة بأفضل طريقة للحُكم على المصالح الفردية وبيان المقارَنات فيما بين الأشخاص لتكون أكثر وضوحًا. والملاحظ على المستوى الأساسي أن منظور القدرة يحظى ببعض المزايا الواضحة (لأسباب أسلفناها) بالمقارنة بعملية التركيز على متغيرات أداتية من مثل الدخل. بَيْدَ أنَّ هذا لا يعني أن التركيز الأكثر إفادة وإنتاجًا للانتباه العملي سيظل دائمًا وأبدًا قياسًا للقدرات.
إن بعض القدرات قياسها أصعب من غيرها، كما أن محاولات إخضاعها «لمقياس ما» يمكن أن يخفي أحيانًا أكثر مما تكشف هي. والملاحظ غالبًا أن مستويات الدخل. مع قدر من التصويبات المحتملة لفوارق الأسعار وتباينات الظروف الفردية أو الجماعية؛ يمكن أن تفيد كثيرًا جدًّا كوسيلة لاستهلال تقييم عملي. إن الحاجة إلى البرجماتية ماسة للغاية عند استخدام الحافز الذي يرتكز عليه منظور القدرة، وذلك لاستخدام البيانات المتاحة لإجراء تقييم عملي وتحليل للسياسات.
-
(١)
النهج المباشر: يأخذ هذا النهج صورة فحص مباشر لما يمكن أن يقال عن المزايا النسبية، وذلك بفحص ومقارنة الكميات الموجهة للأداء الوظيفي أو للقدرات. ويعتبر هذا النهج من نواحٍ كثيرة الأسلوب الأكثر مباشرة والأصدق تمامًا لدمج اعتبارات القدرة في عملية التقييم. ويمكن استخدامه مع هذا بأشكال مختلفة. وتتضمن الأشكال المختلفة ما يلي:
- (أ)
المقارَنة الكلية وتشتمل على التنظيم التراتبي لجميع هذه الكميات الموجهة بعضها إزاء بعض على أساس الفقر أو عدم المساواة (أو أي موضوع كان).
- (ب)
التنظيم التراتبي المنحاز، ويتضمن التنظيم التراتبي لبعض القوى الموجهة مقابل أخرى، دون اشتراط اكتمال التنظيم التراتبي التقييمي.
- (جـ)
مقارنة متميزة للقدرة، وتتضمن مقارنة بعض قدرات محددة يجري اختيارها لتكون بؤرة الاهتمام دون النظر إلى اكتمال التغطية.
واضح أن المقارنة الكلية أو الشاملة هي أكثر الوسائل الثلاثة طموحًا، وهي غالبًا شديدة الطموح. ويمكن لنا أن نمضي في هذا الاتجاه — ربما بعيدًا جدًّا — حين لا نصر على التنظيم التراتبي الكامل لجميع البدائل. ولنا أن نشهد أمثلة للمقارنة المتميزة للقدرات فيما نوليه من اهتمام مُركَّز لمتغير خاص بقدرة بذاتها؛ من مثل العمالة، أو طول العمر، أو تَعلُّم الأبجدية، أو الغذاء.
ويمكن بطبيعة الحال أن ننتقل من مجموعة مقارنات منفصلة عن بعضها بين قدرات متمايزة إلى تنظيم تراتبي جامع لفئات القدرات. وها هنا يبرز الدور الحاسم لمظاهر الأهمية ليسد الثغرة بين «مقارنات القدرة المتميزة»، و«التنظيم التراتبي المنحاز» (أو حتى «المقارنات الكلية»).٥٧ ولكن من المهم أن أؤكد أنه على الرغم من التغطية غير الكاملة الناتجة عن مقارنات القدرة المتميزة، إلا أن هذه المقارنات يمكن أن تلقي ضوءًا كافيًا يفيد عمليات التقييم. وسوف تتهيأ فرصة لتوضيح هذه المسألة في الفصل التالي من الكتاب.
- (أ)
-
(٢)
النهج التكميلي: نهج ثانٍ غير جذري نسبيًّا، ويتضمن استخدامًا متصلًا لإجراءات تقليدية للمقارَنة بين الأشخاص من حيث حَيِّز الدخل، ولكنه يستكمل هذه المقارَنات باعتبارات خاصَّة بالقدرة (وغالبًا ما يكون بوسائل غير رسمية). ويمكن لأغراض عملية توسيع قاعدة المعلومات حتى خلال هذا الطريق. كذلك فإن عملية الاستكمال يمكن أن تَنصبَّ على أحد أمرين: إما المقارَنات المباشرة لعمليات الأداء الوظيفي، أو على متغيرات أداتية مختلفة عن الدَّخْل والتي من المتوقَّع أن تؤثر في تحديد القدرات. وثَمَّة عوامل من مثل إتاحة الرعاية الصحية وإمكان تحقيقها، والدليل على الانحياز الجنوسي في عمليات التخصيص داخل العائلة، وتَفشِّي وتفاقُم البطالة، يمكن أن تُضاعف من الوضوح الانحيازي المترتب على المقاييس التقليدية في حيز الدخل. ويمكن لهذه التوسعات أن تثري الفهم الكلي والشامل لمشكلات عن الظلم والفقر بما تضيفه إلى حصاد معارفنا من خلال مقاييس عدم مساواة الدخول وفقر الدخل. وجدير بالملاحظة أن هذا النهج يشتمل جوهريًّا على استخدام «مقارنة القدرة المتميزة» كوسيلة لإنجاز عملية الاستكمال.٥٨
-
(٣)
النهج غير المباشر: مسار ثالث لهذا النهج أكثر طموحًا من النهج التكميلي وإن ظل مُركِّزًا على الحيز الأسري للدخل الذي يجري توفيقه وتعديله على نحو صحيح. وهنا فإن المعلومات بشأن مُحدِّدات القدرات المختلفة عن الدَّخل يمكن الإفادة بها لحساب «الدخل المعدل». مثال ذلك أن مستويات دَخْل الأسرة يمكن تعديلها في اتجاه تنازُلي على أساس الأمية أو اتجاه صاعد على أساس المستويات العليا للتعليم. وهكذا بهدف جَعْلها مُتعادِلة تأسيسًا على إنجاز القدرة. ويتعلق هذا الإجراء بالأدبيات العامة المعنية «بجداول التكافؤ». ويرتبط كذلك بالبحث المعني بتحليل أنماط الإنفاق الأسري بهدف عمل تقييم غير مباشر للمؤثرات السببية التي ربما لم تتسن ملاحظتها (مثل وجود أو عدم وجود أنماط بذاتها من الانحياز الجنسي داخل الأسرة).٥٩
وجدير بالذِّكْر أن مسألة «القياس» ليست أمرًا يمكن إغفاله، كما أن النَّهج غير المباشر حقَّق بعض الإيجابيات. ومع ذلك فإن من الضروري الاعتراف بأنه ليس «أبسط» من عملية التقدير المباشر. أولًا: إننا إذ نُجْري تقديرًا لقيم الدخل المتكافئ يَتعيَّن أن نفكر في الكيفية التي يؤثر بها الدخل في القدرات ذات الصلة؛ نظرًا لأن أسعار التحويل لا بد أن تعتمد على الحافز الأساسي لتقييم القدرة. علاوة على هذا فإن جميع قضايا المبادلات بين قدرات مختلفة (وتلك ذات الأهمية النسبية) يَتعيَّن التصدي لها في النهج غير المباشر تمامًا بنفس قدر التصدي لها من جانب النهج المباشر ما دامت وحدة التعبير هي فقط كل ما تَغيَّر جوهريًّا. وحسب هذا المعنى فإن النَّهج غير المباشر لا يختلف في الأساس عن النَّهج المباشر من حيث الأحكام التي يعمد إلى إنجازها بغية الوصول إلى مقاييس صحيحة وملائمة في حَيِّز الدخول المتكافئة.
ثانيًا: من المهم أن نُميِّز بين الدخل من حيث هو وحدة نقيس عليها حالة عدم المساواة، والدخل كأداة لخفض حالة عدم المساواة. والمُلاحَظ أنه حتى إذا ما تم قياس عدم المساواة في القدرات قياسًا جيدًا تأسيسًا على الدخول المتكافئة، فإنه لا يلزم عن هذا القول إن تحويل الدخل سيكون أفضل وسيلة لمعادَلة حالة المساواة القائمة. وجدير بالذكر أن مسألة سياسة التعويض أو الإنصاف تثير قضايا أخرى؛ «فعالية تغيير مظاهر التَّبايُن في القدرات، والقوة النسبية لتأثيرات الحافز وغير ذلك». ومن القضايا الأخرى المثارة أن «القراءة» السهلة لثغرات الدَّخل يَتعيَّن ألا نعتبرها إشارة إلى أن تحويلات الدخل المقابلة سوف تُعالِج مظاهر التفاوت بفعالية كبيرة. وليست هناك بطبيعة الحال حاجة إلى الوقوع في القراءة الخاطئة للدخول المتكافئة، ولكن وضوح وفورية حَيِّز الدخل يمكن أن يُغرِينا بذلك، وهو ما يجب مقاومَته صراحة.
ثالثًا: على الرغم من أن حيز الدخل يَتميَّز بقدرة أكبر على القياس والتمفصل فإن المقادير الفعلية يمكن أن تكون مضللة للغاية من حيث بيان القيم المتضمنة. ولنتأمل على سبيل المثال حالة ينخفض معها الدخل ويبدأ المرء يعاني الجوع، هنا يمكن أن يحدث انخفاض حادٌّ عند نقطة ما بالنسبة لفرص المرء للبقاء. ولكن مع هذا فإن «المسافة» الفاصلة في حَيِّز الدخل بين قيمتين متبادلتين يمكن أن تكون قصيرة (عند قياسها على أساس الدخل فقط) إذا ما أدَّى هذا التغيير إلى تَحوُّل درامي في فُرَص البقاء. ويمكن بعد ذلك أن يكون أثر هذا التغير القليل في الدخل تغيرًا كبيرًا جدًّا في حيز ما يهم بالفعل (وهو هنا القدرة على البقاء)؛ لهذا فإننا قد ننخدع حين نتصور أن الفرق فارق ضئيل حقًّا؛ نظرًا لضآلة فارق الدخل. والحقيقة أنه ما دام الدخل ظل مهمًّا من حيث هو أداة فقط فإننا لا نستطيع أن نعرف مدى أهمية ثغرات أو فروق الدخل دون اعتبار النتائج المترتبة على ذلك. إن خسارة معركة بسبب نقص مسمار (خلال سلسلة من الروابط السببية التي يعرضها الشعر القديم) فإن المسمار يكون سببًا في حدوث فارِق ضخم مهما كانت ضآلة حجمه في حيز الدخل أو النفقات.
إن كل نهج من الثلاثة السابقة له ميزته التي يمكن أن تَتغيَّر اعتمادًا على طبيعة الممارَسة، ومدى توافُر المعلومات والضرورة المُلحَّة للقرارات التي يتعين اتخاذها. ونظرًا لأن منظور القدرة يفسره البعض أحيانًا في عبارات فائقة البراعة (مقارنات كاملة بموجب النهج المباشر) فإن من المهم أن نؤكد على ما يتحلى به هذا النهج من سعة أفق وشمولية. وإن التأكيد على أهمية القدرات يمكن أن يتوازى مع عدد من الاستراتيجيات المتباينة الخاصة بالتقييم العقلي المتضمن حلولًا وسطًا عملية. وغني عن البيان أن الطبيعة البرجماتية للعقل العملي تتطلب هذا.
ملاحظات ختامية
يُرْوَى أن إقليدس قال لبطليموس: «لا يوجد طريق ملكي إلى الهندسة»، وليس واضحًا إن كان ثمَّة أي طريق ملكي لتقييم السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية؛ ذلك أن هناك العديد من الاعتبارات المتباينة التي تَجذِب الانتباه كما يَتعيَّن إجراء التقييمات بحساسية شديدة لهذه المهام. والمُلاحَظ أن القسط الأكبر من الجدال بشأن أساليب التناول البديلة للتقييم ترتبط بالأولويات عند اتخاذ قرار بشأن ما الذي يَتعيَّن أن يكون لُب اهتمامنا المعياري.
وأكَّدنا هنا أن الأولويات المقبولة، ضمنيًّا في الغالب، في أساليب التناول المختلفة لدراسة الأخلاق واقتصاد الرفاه والفلسفة السياسية يمكن إبرازها وتحليلها عن طريق تحديد المعلومات التي تنبني عليها الأحكام التقييمية في كل نهج على حدة. وانصب اهتمامنا على هذا الفصل تحديدًا على بيان كيف تعمل هذه «القواعد المعلوماتية»، وكيف تستخدم المنظومات الأخلاقية والتقييمية المختلفة قواعد معلوماتية جد مختلفة.
وجدير بالملاحَظة أن التحليل الذي عرضناه في هذا الفصل انتقل من هذه القضية العامَّة إلى مناهج تقييمية بذاتها. نخص بالذِّكْر منها مذهب المنفعة والنزعة التحريرية والعدالة عند راولس. واتساقًا مع وجهة النظر القائلة بأنه لا يوجد في الحقيقة طريق ملكي إلى التقويم، فقد ظهر أن لكل من هذه الاستراتيجيات المكينة ميزات خاصة بها، وإن كان كل منها أيضًا تَعيبه حدود وقيود مُهِمَّة.
ونوقشت كذلك الوسائل المختلفة لاستخدام هذا المنظور المرتكز على الحرية، وقاومنا تحديدًا فكرة أنه لا بد أن يكون الاستخدام مبنيًّا على أساس قاعدة الكل أو لا شيء. والملاحَظ في كثير من المشكلات العملية أن إمكانية استخدام نَهْج مُرتَكِز صراحة على الحرية هي إمكانية محدودة نسبيًّا. ولكن مع هذا كله ثمة إمكانية للاستفادة مما يشتمل عليه النَّهج المرتَكِز على الحرية من استبصارات مثيرة واهتمامات معلوماتية، دون التعنت في إغفال الإجراءات الأخرى عندما يكون من النافع استخدامها في سياقات مُحدَّدة. وينبني التحليل التالي على هذه الشروط في محاولة لإلقاء الضوء على التخلُّف (منظورًا إليه بعامة في صورة غياب الحرية)، والتقدم (منظورًا إليه باعتباره عملية إزاحة مظاهر غياب الحرية، وتوسيع نطاق الحريات الموضوعية لمختلف الأنماط التي يرى الناس أن لديهم الحق والمُبرِّر لإضفاء قيمة عليها). إن بالإمكان استخدام نَهْج عام بوسائل مختلفة اعتمادًا على السياق وعلى المعلومات المتاحة. ولا ريب في أن هذا الجمع بين التحليل التأسيسي والاستخدام البرجماتي هو ما يهيئ لمنهج القدرة مداه الواسع الرهيب.
R. M. Hare, Moral Thinking: Its Levels, Methods and Point (Oxford: Clarendon Press, 1981); and James Griffin, Well-Being: Its Meaning, Measurement, and Moral Importance (Oxford: Clarendon Press, 1986).
Rights and Agency, Philosophy and Public Affairs n (1982); and Well-Being, Agency and Freedom: The Dewey Lectures 1984, Journal of Philosophy 81 (April 1985).
I. M. D. Little, A Critique of Welfare Economics (Oxford: Clarendon Press, 1950).
Franklin M. Fishe, The Economic Theory of Price Indices (New York: Academic Press, 1972).
انظر أيضًا: Pitambar Pant et al., Perspectives of Development. Implications of Planning for a Minimal Level of Living (New Delhi: Planning Commission of India, 1961); Amartya Sen, On the Development of Basic Income Indicators to Supplement the GNP Measure, United Nations Economic Bulletin for Asia and the Far East 14 (1973); Mahbub ul Haq, The Poverty Curtain (New York; Columbia University Press, 1976); D. H. Costa and R. H. Steckel, Long-Term Trends in Health, Welfare and Economic Growth in the United States, Historical Working Paper 76, National Bureau of Economic Research, 1995.