العلاقة بين الصين والشرق الأدنى
اتصل العرب والإيرانيون والمصريون بالشرق الأقصى قبل الإسلام؛ فقد كانت التجارة بين
الصين
والهند ومواني البحر الأبيض في يد العرب في الجاهلية، واتسعت هذه التجارة في القرن السادس
الميلادي بطريق جزيرة سرنديب، وزاد اتساعها في القرن السابع، وأصبح ثغر سيراف على الخليج
الفارسي
مركزًا لتوزيع البضائع الصينية في إيران وبلاد العرب. وقد ذكر المسعودي أن السفن الصينية
كانت
تدخل في نهر الفرات إلى الحيرة.
١
أما تجارة الحرير بين الصين، وروما، وبيزنطة، فكانت تمر بإيران وبلاد الجزيرة آتية
من وسط
آسيا، وظلت هذه التجارة في يد الإيرانيين عدة قرون. وكان الصينيون والإيرانيون قبل الإسلام
بمدة
طويلة يُعْجَب كل منهم بالموضوعات الزخرفية على المنسوجات في البلد الآخر، ويعمل على
محاكاتها،
فتخرج مصانع النسج أقمشة صينية نفيسة وذات زخارف ساسانية، وأقمشة إيرانية وذات زخارف
صينية.
ولم يضعف اتصال إيران بالصين حين نقصت تجارة المنسوجات الحريرية بسبب تربية دودة
القز في
بيزنطة منذ منتصف القرن السادس الميلادي.
٢
ويلوح كذلك أن مصر في العصر المسيحي كانت متصلة بآسيا الوسطى والأقاليم الغربية من
الصين. ومن
الأدلة على ذلك الزخارف القبطية التي تُرى على قطعة من جلد كتاب عثرت عليه في مدينة خوتشو
البعثة
العلمية الألمانية التي قامت بالحفائر في طرفان وغيرها من المراكز الفنية في بلاد التركستان
الصينية، وقد لوحظ كذلك أن بعض الرسوم والتزاويق البوذية في طرفان عليها مسحة مصرية قديمة؛
مما
يمكن تفسيره بأن أولئك الفنانين في غربي الصين وصلهم شيء عن الفن المصري القديم.
٣ ومما يؤيد اتصال الصين بمصر في القرن السادس الميلادي وفي فجر الإسلام أن كتبًا
مانوية مكتوبة باللغة القبطية قد كشفت في مصر حديثًا.
٤
أما الاتصال بين الصين والعالم الإسلامي، فيرجع إلى عهد أسرة تنج (أو طانج)، التي
حكمت الصين
بين عامي ٦١٨ و٩٠٦ بعد الميلاد.
وقد قيل: إن النبي — عليه السلام — قال: «اطلبوا العلم ولو في الصين.» ولسنا نستطيع
أن نقطع
بصحة نسبة هذا الحديث إليه ﷺ؛ ولكنه يدل على أن العرب كانوا يعرفون الصين ويدركون بُعدها
عنهم.
وجاء ذكر المسلمين في المصادر الصينية لأول مرة في بداية القرن السابع الميلادي،
٥ وأشار المؤرخون الصينيون إلى الدين الجديد في «مملكة المدينة»، وذكروا مبادئ الإسلام،
قائلين: إنها تختلف عن مبادئ بوذا، وإن أتباعها لا تماثيل في معابدهم ولا أصنام ولا صور؛
وأضافوا
إلى ذلك أن فريقًا من المسلمين قدموا إلى كنتون في فاتحة حكم أسرة «تنج» وحصلوا من إمبراطور
الصين
على الإذن بالبقاء فيها، واتخذوا لأنفسهم بيوتًا جميلة تختلف في طرازها عن البيوت الصينية،
وكانوا
يطيعون رئيسًا ينتخبونه من بينهم.
٦
وفي بعض الأساطير عند المسلمين من أهل الصين أن ملك تلك البلاد «تاي تسونج» أرسل
إلى النبي —
عليه السلام — ليوفد بعثة لنشر الإسلام في الصين، فبعث النبي ثلاثة من الصحابة، تُوُفِّي
اثنان
منهم في الطريق ووصل الثالث إلى الصين، فأحسن الملك استقباله وساعده في إنشاء مسجد بمدينة
كنتون.
كما أن في بعض أساطيرهم الأخرى أن الإمبراطور الصيني «ون تي» بعث إلى النبي رسولًا يطلب
إليه أن
يسافر بنفسه إلى الصين، فاعتذر عليه السلام، وأوفد مع الرسول أربعة من الصحابة على رأسهم
خاله سعد
بن أبي وقاص، الذي كان أول من بشر بالإسلام في الصين، والذي يقال: إنه تُوفي فيها ودفن
في ظاهر
مدينة كنتون بقبر لا يزال يُنسب إليه،
٧ وقد زعموا في هذه المناسبة أن رسول الإمبراطور رسم صورة رسول الله سرًّا وسلمها إلى
سيده، على أن هذه الأساطير لا تقوم على أي أساس علمي صحيح.
وأكبر الظن أن الإسلام دخل إلى الصين على يد تجار ساروا في الطريق البحري الذي كانت
تتبعه
السفن التجارية،
٨ ولكن أقدم اتصال سياسي بين الصين والشرق الإسلامي جاء ذكره في المصادر التاريخية كان
بالطريق البري؛ فإنَّ فيروز بن يزدجرد كتب إلى إمبراطور الصين يسأله المساعدة في صد غارة
العرب
الذين فتحوا بلاده وهلك على يدهم أبوه يزدجرد ملك الفرس، وقد أبى إمبراطور الصين أن يقدم
إليه
المدد العسكري المطلوب، محتجًّا ببعد الشقة.
٩ ولكن قيل: إنه أرسل إلى المدينة مندوبًا من قبله للدفاع عن قضية فيروز وليتبين قوة
الجماعة الإسلامية الفتية. وقيل أيضًا: إن الخليفة عثمان بن عفان أرسل أحد قواد العرب
لمرافقة
السفير الصيني في عودته سنة ٦٥١م، وإن إمبراطور الصين أكرم وفادة هذا القائد.
وفي عهد الوليد بن عبد الملك (٨٦–٩٦ﻫ/٧٠٥–٧١٥م) قدم القائد العربي قتيبة بن مسلم
واليًا على
خراسان، فكانت له فيها حروب وفتوح، وعبر نهر جيحون (أموداريا
Oxus)، ودانت له بخارى وسمرقند وغيرهما من المدن، حتى وصلت جيوشه إلى حدود
الصين؛ فأرسل إلى الأمير الصيني وفدًا ذكرت المصادر العربية خبره، فكتب الطبري أن ذلك
الأمير قال
لهبيرة بن المشمرج الكلابي زعيم المندوبين العرب: «انصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له ينصرف؛
فإني قد
عرفت حرصه وقلة أصحابه وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه.» فأجاب هبيرة: «كيف يكون قليل
الأصحاب
من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟! وكيف يكون حريصًا من خلف الدنيا قادرًا
عليها
وغزاك؟! وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالًا إذا حضرت فأكرمها القتل؛ فلسنا نكرهه
ولا
نخافه.» قال: «فما الذي يرضي صاحبك؟» قال: «إنه قد حلف أن لا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم
ملوككم،
ويعطى الجزية.» قال: «فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤُه، ونبعث
ببعض
أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها.» قال الطبري: «فدعا بصحاف من ذهب فيها تراب
وبعث بحرير
وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم، فساروا فقدموا بما بعث
به فقبل
قتيبة الجزية، وختم الغلمة، وردهم ووطئ التراب.»
١٠
وقد ذكرت المصادر التاريخية الصينية أنَّ رسولًا اسمه سليمان جاء من قبل الخليفة
هشام بن عبد
الملك إلى الإمبراطور الصيني «هسوان تسونج» سنة (٧٢٦م/١٠٨ﻫ)، وزادت العلاقة السياسية
بين العرب
والصين في نهاية حكم هذا الإمبراطور؛ فإن ثائرًا أقصاه عن العرش فتنازل عنه لابنه «سو
تسونج» سنة
(٧٥٦م/١٣٩ﻫ). وطلب هذا الملك الجديد من الخليفة العباسي المنصور أن يظهره على خصمه المغتصب،
فلبى
المنصور طلبه، وأرسل إليه فرقة من الجنود العرب، استطاع بوساطتها أن يسترد سلطانه ويستولي
على
عاصمتيه سينجان فو وهونان فو، والمعروف أن أولئك الجند لم يرجعوا إلى بلادهم بعد انتهاء
مهمتهم؛
بل طاب لهم العيش في الصين، فاستقروا فيها وتزوجوا من بناتها.
١١
وتشهد المصادر الصينية بوجود جموع من المسلمين في الصين في عهد أسرة تنج، وكان معظمهم
من
التجار الذين نزلوا الثغور؛ ولا غرو فقد كانت التجارة بين الشرق والغرب في يد المسلمين
إلى نهاية
القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري)، وكان التجار المسلمون يبحرون من الخليج الفارسي
—
الذي كانوا يسمونه في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري) الخليج الصيني
١٢ — ويعبرون المحيط الهندي مارين بسرنديب وجزائر البحار الجنوبية إلى أن يصلوا مواني
الصين التجارية، وقد قل مجيء الصينيين أنفسهم إلى الخليج الفارسي منذ بداية القرن التاسع
الميلادي، وزاد سفر العرب إلى البحار الجنوبية.
١٣
ومن المسلمين الذين زاروا الصين رحالة عربي اسمه سليمان، وصلنا وصف سياحته في الهند
والصين —
كتبه سنة (٢٣٧ﻫ/٨٥١م) — ومعه ذيل كتبه نحو سنة (٣٠٤ﻫ/٩١٦م) مؤلف اسمه أبو زيد حسن. وقد
طُبعت هذه
الرحلة سنة ١٨١١ على يد المستشرق لانجلس
Langlès، ثم نشرها
المستشرق رينو
Reinaud مع ترجمة فرنسية سنة ١٨٤٥، كما أحاط بها
المستشرق فران
Ferrand في مجموعة الرحلات والنصوص الجغرافية
العربية والفارسية والتركية الخاصة بالشرق الأقصى، والتي ترجمها إلى الفرنسية وعلق عليها،
ونشرها
في مؤلف من مجلدين.
١٤
وفي هذه الرحلة بيانات عن علاقة المسلمين بالصين في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة
(التاسع والعاشر بعد الميلاد)؛ منها أن مدينة خانفو — وقد كانت مجتمع التجار — كان فيها
رجل مسلم
«يوليه صاحب الصين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون إلى تلك الناحية … وإذا كان في العيد
صلى
بالمسلمين وخطب ودعا لسلطان المسلمين.»
١٥ وذكر هذا الرحالة «أنَّ أكثر السفن الصينية تحمل من سيراف، وأن المتاع يحمل من البصرة
وعمان وغيرها إلى سيراف، فيعبَّى في السفن الصينية بسيراف؛ وذلك لكثرة الأمواج في هذا
البحر وقلة
الماء في مواضع منه.» ثم وصف بعد ذلك المحطات المختلفة التي تقف عندها السفن في طريقها
إلى الصين،
وتطرق إلى الكلام عن «أخبار بلاد الهند والصين أيضًا وملوكها»، ومما كتبه في هذا الفصل
«أن أهل
الهند والصين مجمعون على أن ملوك الدنيا المعدودين أربعة»، فأول من يعدون من الأربعة
ملك العرب،
وهو عندهم إجماع لا اختلاف بينهم فيه أنه أعظم الملوك وأكثرهم مالًا وأبهاهم جمالًا (كذا)،
وأنه
ملك الدنيا الكبير الذي ليس فوقه شيء.
١٦ ويعد ملك الصين نفسه بعد ملك العرب!
١٧
وفي الذيل الذي كتبه أبو زيد أحاديث طلية عن علاقة المسلمين بالصين، وبعضها بعيد
الاحتمال،
كحديث القرشي المسمى ابن وهب الذي زار بلاط ملك الصين، ورأى فيه صور الرسل، وبينها صورة
محمد —
عليه السلام — راكبًا جملًا وأصحابه محدقون به،
١٨ وقد أشار المسعودي إلى هذه القصة في كتابه «مروج الذهب» بالفصل الذي عقده للحديث عن
ملوك الصين.
١٩
ولكن الظاهر أن المواصلات البحرية لم تكن متصلة تمامًا بين الصين والشرق الأدنى في
عصر
المسعودي (القرن ٤ﻫ/١٠م)؛ فإن السفن من الجانبين لم تعد تبحر إلا حتى مدينة تسمى «كلة»
في منتصف
الطريق بين البلدين.
وقد أشار المسعودي إلى ذلك في حديثه عن رجل من التجار من أهل مدينة سمرقند «خرج من
بلاده ومعه
متاع كثير حتى انتهى إلى العراق، فحمل من جهازه وانحدر إلى البصرة، وركب البحر حتى أتى
إلى بلاد
عمان، وركب إلى بلاد كلة وهي النصف من طريق الصين أو نحو ذلك، وإليها تنتهي مراكب الإسلام
من
السيرافيين والعمانيين في هذا الوقت فيجتمعون مع من يرد من أرض الصين في مراكبهم وقد
كانوا في بدء
الزمان بخلاف ذلك؛ وذلك أن مراكب الصين كانت تأتي بلاد عمان وسيراف من ساحل فارس وساحل
البحرين
والأبلة والبصرة؛ فلذلك كانت المراكب تختلف في المواضع التي ذكرنا إلى ما هناك، ولما
عدم العدل
وفسدت النيات وكان من أمر الصين ما وصفنا التقى الفريقان جميعًا في هذا النصف، ثم ركب
هذا التاجر
من مدينة كلة في مراكب الصينيين إلى مدينة خانفو.»
٢٠
وكذلك أشار المسعودي إلى بعض أقوام السند يقال لهم: الميدوم، وتحدث عن قرصنتهم فقال:
«ولهم
بوارج في البحر تقطع على مراكب المسلمين المجتازة إلى أرض الهند والصين وجدة والقلزم
وغيرها
كالشواني في بحر الروم.»
٢١
وأشار أيضًا إلى أن فاتحًا أغار على مدينة خانفو (كنتون)، وقطع ما كان حولها من غابات
شجر
التوت؛ «إذ كان يحتفظ به لما يكون من ورقه وما يطعم منه لدود القز الذي يغزل به الحرير،
فكان ذهاب
الشجر داعيًا إلى انقطاع الحرير الصيني وجهازه إلى بلاد الإسلام».
٢٢
ومما ذكره أبو زيد أن السفن الصينية القادمة من سيراف كانت إذا وصلت جدة أقامت بها
ونقل ما
فيها من الأمتعة التي تحمل إلى مصر في مراكب خاصة كانت تسمى مراكب القلزم؛ لأنَّ مراكب
السيرافيين
كانت لا تستطيع الملاحة في شمالي البحر الأحمر.
وقد كانت حركة النهضة القومية الإيرانية في العصر العباسي تجد مرتعًا خصبًا في شرقي
إيران،
حيث كان القوم على اتصال وثيق بأهل تركستان. وفي عصر بني سامان (٢٦١–٣٨٩ﻫ/٨٧٤–٩٩٩م) ببلاد
ما وراء
النهر كانت التجارة واسعة مع الصين، وكان الإقبال على منتجاتها شديدًا، وكان الأويغور
— سكان
الطرق التجارية المارة بآسيا الوسطى — من أتباع المذهب المانوي، نقله إليهم لاجئون من
إيران.
وقد وصل إلينا أن الأمير الساماني نصر بن أحمد (٣٠١–٣٣١ﻫ/٩١٣–٩٤٢م) أمر الشاعر الإيراني
رودكي
بنظم كليلة ودمنة، ثم طلب بعد ذلك إلى فنانين صينيين أن يوضحوا مخطوطات الترجمة المنظومة
بالصور
ليطرب الناس بقراءتها،
٢٣ ولا ريب في أن بني سامان كان سهلًا عليهم استخدام الفنانين من أهل الصين؛ فقد كانت
صلتهم كبيرة ببلاط ملوك الصين،
٢٤ وكانت تجارتهم مع تلك البلاد زاهرة؛
٢٥ إذ كان الطريق البري بين البلدين مطروقًا.
٢٦
وفضلًا عن ذلك فإن الكاتب الصيني شاويوكوا Chau-Ju-Kua ترك
بعض البيانات الثمينة عن التجارة بين الصين والشرق الإسلامي في القرن السادس الهجري (الثاني
عشر
الميلادي)، وقد كان هذا الكاتب مفتشًا للتجارة الخارجية في إقليم فوكين بالصين، وكتب
في نهاية
القرن الثاني عشر الميلادي مؤلفًا عن الأمم الأجنبية وتجارتها مع بلاده، وعنوان هذا الكتاب
شوفان شي Chu-fan-chi وقد ترجمه إلى الإنكليزية الأستاذان
هرث F. Hirth وروكهل W. W. Rockhil، ونشراه سنة ١٩١١ بمدينة سنت بطرسبرج مع شروح وتعليقات من مراجع أخرى،
وصدراه بمقدمة فيها موجز عن تاريخ التجارة بين الشرقين الأقصى والأدنى، ذكرا فيه أن التجارة
البحرية في العصور القديمة والعصور الوسطى بين مصر وإيران والشام من ناحية والشرق الأقصى
والهند
من ناحية أخرى، كان معظمها في أيدي العرب، وكانوا يؤسسون منذ العصور القديمة محطات في
أهم المواني
التي يمرون بها.
ومما كتبه ياقوت الحموي (المتوفى سنة ٦٢٦ﻫ/١٢٢٩م) في مادة الصين من كتابه «معجم البلدان»
أن
شخصًا اسمه إبراهيم بن إسحاق «كان يتجر إلى الصين فنسب إليها»، وأن سعد الخير الأنصاري
الأندلسي
كان يكتب لنفسه الصيني؛ لأنه كان قد سافر من المغرب إلى الصين، وأن بلدة صغيرة تحت واسط
كان يقال
لها الصينية، ويقال لها أيضًا صينية الحوانيت.
٢٧
وحدث في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) أن ظهر المغول على مسرح السياسة
في الشرق،
وهم قوم رحَّل من صحراء غوبي في آسيا الوسطى، غزوا بلاد الصين بقيادة قبلاي خان (أخي
هولاكو الذي
قضى بعد ذلك على الدولة العباسية) سنة (٦٠٥ﻫ/١٢٠٨م)، واستولوا على أزمَّة الحكم فيها،
فأسسوا أسرة
يوان التي ظلت صاحبة السلطان في تلك البلاد حتى عام (٧٦٨ﻫ/١٣٦٧م)، وقد أغاروا على بلاد
ما وراء
النهر ثم على إيران وبلاد الجزيرة.
واستطاع هولاكو حفيد جنكيز خان أن يتوج فتوحات المغول بالاستيلاء على بغداد سنة (٦٥٦ﻫ/١٢٥٨م)،
بعد أن كان قد قضى على دولة ملوك خوارزم في النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث
عشر
الميلادي)، وأسس في إيران أسرة الأيلخان التي ظلت تحكمها إلى سنة (٧٣٦ﻫ/١٣٣٦م).
وهكذا نرى أن المغول أو التتر كانت لهم بين القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث
عشر
والرابع عشر بعد الميلاد) دولة واسعة الأطراف في آسيا، فكانت الصين وإيران خاضعتين لحكم
جملة
أعضاء من بيت مغولي واحد، ومع أن أمراء الأسرة الأيلخانية وأتباعهم تهذبوا بالحضارة الإيرانية
ثم
اعتنقوا الإسلام، فإنهم لم يقطعوا أسباب العلاقة بينهم وبين المغول في الصين. على أن
صلة أسرة شاه
رخ أرسل مع بعض سفراء الصين ردًّا على إمبراطورهم يحييه فيه ويشرح له مزايا الإسلام ويدعوه
إلى
اعتناقه.
وظل المسلمون في الصين ينعمون برعاية الحكومة حتى سقطت أسرة منج، وخلفتها أسرة مانشو
(سنة
١٦٤٤م) التي قام المسلمون في عهدها ببضع ثورات.
على أن الجزء الشرقي من العالم الإسلامي ظل على اتصال بالصين في القرنين العاشر والحادي
عشر
بعد الهجرة (١٦-١٧م)، وسنرى أثر هذا الاتصال على المنتجات الفنية الإيرانية في عصر الدولة
الصفوية،
٢٨ وهي التي يقف عندها بحثنا في الفنون الإسلامية؛ لأن هذه الفنون بدأت في الاضمحلال منذ
القرن الثاني عشر الهجري (١٨م)، فضلًا عن أنها فقدت صلتها بفنون الشرق الأقصى؛ ويممت
وجهها شطر
أوروبا، تستلهم فنونها الأساليب الفنية والعناصر الزخرفية، مما كان السبب الأكبر في فقدانها
ذاتيتها ومميزاتها الخاصة.