مظاهر الأثر الصيني في الفنون الإسلامية
(١) الورق
وقد كان العالم الإسلامي يستورد من الصين بعد ذلك ضروبًا فاخرة من الورق لم يصل المسلمون إلى صنع مثلها.
(٢) تقليد التحف الصينية
أقبل الفنانون في الشرق الإسلامي على تقليد التحف الصينية، وأصابوا في بعض الأحيان نجاحًا يتفاوت مداه، ولا ريب في أن بدء هذا التقليد يرجع إلى فجر الإسلام، وقد ظل قائمًا حتى القرن الثاني عشر الهجري (١٨م).
كما وجد في حفائر الفسطاط، إلى جانب الخزف الصيني الصحيح، خزف أنتجه الخزفيون المصريون تقليدًا للخزف المصنوع في الشرق الأقصى.
وقد وجدت قطع من هذا الخزف الأخير في أطلال مدن الري والسوس وإصطخر وساوة، وفي بعض البلاد بإقليمي مازندران وتركستان، والألوان المستعملة في هذا الخزف كثيرة وجميلة ويسودها الأسمر والأصفر والأخضر، وقد نرى بعض زخارف من دوائر ورسوم نباتية محفورة تحت الدهان ولكنها لا تظهر بوضوح؛ لأن أول ما يلفت النظر في هذا الخزف هو ألوانه المختلطة البديعة، وهو يرجع في الغالب إلى القرنين الثاني والثالث وفي بعض الأحيان إلى القرن الرابع بعد الهجرة (العاشر الميلادي).
وقد كان تقليد الصور الصينية منتشرًا في العصر المغولي، وفي العصر التيموري إلى حد أن كثيرًا من الصور الإيرانية المغولية كانت تنسب في البداية إلى مصورين من الصين، أو يقال: إنها منقولة عن نماذج صينية؛ ولكن ثبت بعد مواصلة الدرس وكشف المخطوطات المصورة أن قسطًا وافرًا من الشبه بين الصور الإيرانية المذكورة والصور الصينية يرجع إلى تأثر المصورين المسلمين بالأساليب الفنية الصينية فحسب.
(٣) السحنة المغولية
(٤) التجاوز عن تحريم التصوير
ولكن الذي لم يفطن إليه كثير من الباحثين هو أن الصلة الوثيقة التي قامت بين إيران والصين كان لها أثر كبير في نمو التصوير في شرق العالم الإسلامي وفي أن إيران لم تترك ما عرفته قبل الإسلام من صور ونقوش. ولا غرو، فإن السلاجقة والمغول — بثقافتهم الفنية الصينية — كان لهم فضل كبير في تشجيع الإيرانيين على عدم الاكتراث بتحريم التصوير، اللهم إلا في حالات نادرة، والحق أننا، إذا تذكرنا أن ما عرفته إيران قبل عصر المغول من تصوير المخطوطات لم يكن شيئًا مذكورًا بالنسبة لما عرفته في العصور التالية، أدركنا ما كان للمغول من أثر في هذا الميدان، إلى جانب الثقافة الفنية الإيرانية القديمة.
(٥) الدقة ومحاكاة الطبيعة في رسوم الحيوان والنبات
وكان الحال كذلك في الرسوم النباتية، وحسبنا أن نوازن رسوم النباتات والأزهار في التحف الإسلامية المصنوعة في فجر الإسلام بما صنع منها بعد فتح المغول، لندرك التطور الواضح. والواقع أن الزخارف النباتية في شرق العالم الإسلامي بدأت منذ القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) في أن تكون صورًا دقيقة من الطبيعة، ونقل الفنانون عن الصين بعض النباتات المائية، وزادوا في أنواع الزهور التي استعملوها في زخارفهم.
ولا غرابة فقد كانت بيئة الإغريق وعاداتهم ونشاطهم العقلي الحر سببًا في ذلك كله؛ فأصبح المثل الأعلى للفنان الإغريقي أن يكون التمثال أو الصورة التي ينتجها تمثل الشيء المصور في كل أجزائه. بينما لم تحاول سائر الشعوب القديمة أن تصنع صورًا وتماثيل تراعى فيها الدقة والصدق ومبادئ التشريح وعلم الجمال وقوانين المنظور والكيفية التي تبدو بها الأشياء للعين. فأهل الشرق الأدنى والشرق الأقصى لم يكن من شأن بيئتهم أو نوع نشاطهم العقلي وحب الاستطلاع عندهم أن تتجه بالصور والتماثيل إلى الناحية الإغريقية في صدق تمثيل الطبيعة، بل اكتفى الفنانون عندهم بالعناية بالأجزاء التي تبدو لهم ذات شأن خطير أو مغزى، فكانوا بذلك دون زملائهم الغربيين في الوصف الفني والتحليل.
(٦) رسم الصور الشخصية Portraits
كان الفقهاء يعتبرون التصوير أو عمل التماثيل محاولة لمضاهاة الخالق — عز وجل — وتقليد عمله، وكان ذلك من أسباب كراهية تصوير الكائنات الحية وعمل التماثيل لها. حقًّا إن بعض قطع العملة التي ترجع إلى عصر الخليفة عبد الملك بن مروان كان عليها رسم الخليفة يحمل سيفًا، ولكن لا شك في أن هذا الرسم لم يكن صورة شخصية بل كان رسمًا رمزيًّا يمثل خليفة المسلمين، وقد ضربت مثل هذه الدنانير ذات الصور تقليدًا للعملة البيزنطية التي كانت منتشرة في الشرق الأدنى والتي كان عليها صورة إمبراطور بيزنطة، ورغبة في ألا يجد الشعب فرقًا كبيرًا بينها وبين سائر العملة التي عرفها قبل ذلك، ومع ذلك فإن عبد الملك بن مروان لم يلبث أن أمر بسك العملة بدون أي رسم آدمي عليها.
فالذين يرجع إليهم الفضل في بدء الصور الشخصية في الإسلام هم السلاطين المغول، الذين حذوا حذو آبائهم وجروا على سنة عمل الصور الشخصية لأنفسهم على يد فنانين من أهل الصين أو ممن تأثروا بالأساليب الفنية الصينية، وزادت هذه الصور بعد ذلك في عصر تيمور وخلفائه.
ومما يلفت النظر أن الفنانين المسلمين نسجوا في البداية على منوال زملائهم الصينيين في رسم الأشخاص بوجوههم من الأمام، وبحيث تظهر ثلاثة أرباع الوجه إن لم يظهر الوجه كله.
والواقع أنهم لم يقبلوا على رسم الصور الجانبية إلا منذ نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)؛ وذلك بعد أن عرفوا الأساليب الفنية الأوروبية وتأثروا بها. على أن الصور الجانبية لم تنتشر في الصين نفسها إلا منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وأصبحت بعد ذلك الطريقة المثلى في تصوير الوجوه في الهند الإسلامية.
(٧) التعبير عن الحركة والحياة في الرسم
(٨) الرسوم التخطيطية بالمداد
(٩) هدوء الألوان
(١٠) احتمال الفراغ
(١١) الموضوعات الزخرفية الصينية
- (أ) رسوم الحيوانات الخرافية وشبه الخرافية،٤٢ كالتنين Dragon، والعنقاء Phenix، والكيلين Kilin، والغرنوق Crane.
أما التنين فقد رسم الصينيون والإيرانيون أنواعًا مختلفة منه؛ وله في معظم الأحيان جناحا نسر، وبراثن أسد، وذيل ثعبان، كما أن نفسه يخرج في هيئة سحب، ولذا فإننا نرى التنين في أغلب رسومه يسبح بين السحب. أما جسمه الممتد فمغطى بالقشر، وفي رأسه قرنان، وفي فمه سنان حادان. والظاهر أن للتنين معنًى رمزيًّا في ديانة كونفوشيوس، كما أنه كان شارة الإمبراطورية في الصين.
ومهما يكن من الأمر فإن الإيرانيين حين أخذوا عن الصين بعض الموضوعات الزخرفية لم يفكروا في ما كانت ترمز إليه في الصين؛ بل اتخذوها للزخرفة فحسب وحوروا في أشكالها أحيانًا. ومن المواضع التي استخدم فيها التنين عنصرًا زخرفيًّا واجهة المسجد الجامع بمدينة فرامين، وقد شيده السلطان أبو سعيد سنة (٧٢٢ﻫ/١٣٢٢م).٤٣ وفضلًا عن ذلك فقد أكثروا من استخدامه في زخرفة هوامش المخطوطات.٤٤أما العنقاء فلها جسم التنين ورأس الديك البري، وكانت رمز الخلود في ديانة كونفوشيوس، كما أنها كانت شارة الإمبراطورة.٤٥ وقد وفق الإيرانيون في استعمالها عنصرًا زخرفيًّا، وأحسنوا رسم ذيلها ذي الريش الطويل.والكيلين حيوان خرافي، له رأس أسد، وفي جبهته قرن واحد؛ وقد اتخذه بعض الفنانين المسلمين عنصرًا زخرفيًّا؛ كما رسموا — فضلًا عن هذا كله — طائرًا غريبًا يسبح في السماء جارًّا ذيله الطويل؛ ويظهر ليبعث الرعب في النفوس أو لنجدة بطل في الشدة.
وقد ذاع استخدام رسوم الحيوانات الخرافية في صور المخطوطات، كما أقبل عليه المصورون في الرسوم الحائطية التي كانوا يزينون بها الجدران في القصور الإيرانية إبان العصرين التيموري والصفوي.٤٦وكان من أبواب بغداد باب يُعْرَف باسم «باب الطلسم» يرجع إلى عصر الخليفة العباسي الناصر (٥٧٥ إلى ٦٢٢ﻫ/١١٨٠ إلى ١٢٢٥م). وفوق عقد هذا الباب نقش بارز يمثل رجلًا جالسًا وقابضًا بيديه على لساني تنينين مجنحين، وقد التف ذيل أحدهما في زاوية العقد اليمنى وذيل الآخر في الزاوية اليسرى (انظر شكل ٢٣). وذهب بعض علماء الآثار الإسلامية في بداية القرن الحالي إلى أن هذا النقش يمثل الخليفة الناصر ويسجل انتصاره على عدوين من أعداء دولته. غير أن هذه نظرية صعب تصديقها، وليس لدينا ما يؤيدها، بل إن الأستاذ إرنست ديتز Ernst Diez وازن بين هذا النقش ونقش آخر يشبهه كل الشبه، في باب بحائط كبير شمال غربي بكين، واستنبط أن نقش باب الطلسم منقول عن موضوع زخرفي كان معروفًا في شمال الهند وفي الشرق الأقصى.٤٧ ونحن نميل إلى تأييد الأستاذ ديتز، ولا سيما أننا نعرف في الصور الإيرانية أمثلة لاستعمال رسم التنين عنصرًا زخرفيًّا لملء زوايا العقود.٤٨والمعروف أن ثلاثة أبواب في قلعة حلب مزينة بزخارف بارزة، ونرى على أحد هذه الأبواب حيتين طويلتين جسماهما مشتبكان ومجدولان وينتهيان من الجنبين برأس تنين ذي أذنين مدببتين وفم مفتوح يخرج منه صفان من الأسنان ولسان متشعب.٤٩ومن الصور الهندية المشهورة واحدة ترجع إلى عصر الإمبراطور جهانكير (١٠١٤–١٠٣٧ﻫ/١٦٠٥–١٦٢٧م)، ولعلها تمثل احتفالًا في أيام تتويجه. وعلى هذه الصورة إمضاء راسمها المصور منوهر، وقوام هذه الصورة فيلان من فيلة الدولة يسيران في مكان الشرف من الموكب، وعلى أحدهما شعار جهانكير وهو الأسد والشمس (من أصل إيراني)، أما الثاني فيحمل علمًا إمبراطوريًّا عليه رسم تنين وعنقاء، وهو مشتق من الصين، وعلى الوجه الآخر للعلم رسم النمر ووحيد القرن، فيتم بهما رسم الحيوانات الأربعة المقدسة عند الصينيين، فضلًا عن أننا نرى فوق الفيلين غطاءين من نسيج ذي زخارف صينية.٥٠ويظهر أثر الأساليب الفنية الصينية واضحًا في السجاجيد الإيرانية المزينة برسوم الصيد والحيوانات، فقد استعمل الفنانون في زخرفتها كثيرًا من رسوم الحيوانات الخرافية الصينية الأصل، فضلًا عن رسوم السحب الصينية التي سيأتي ذكرها (انظر شكل ٢٧). - (ب) رسوم السحب الصينية (تشي Tschi أو Tai)، وهي زخرفة إسفنجية الشكل، يظن أنها كانت في الشرق الأقصى رمزًا لعنصر من عناصر الطبيعة كالسحب والبرق، وقد اقتبسها الفنانون المسلمون وزادوا في تعاريجها الدقيقة واشتقوا منها أشكالًا أخرى وحوروها حتى اتخذوا منها في بعض الأحيان زخرفة على شكل قبلة محراب في سجادة من سجاجيد الصلاة المصنوعة في آسيا الصغرى.٥١كما اقتبسوا أيضًا شارة الخلد في الديانة التاوية taoism؛٥٢ وهي شبه وردة ذات خطوط متعرجة ومتداخلة بعضها في بعض مع تماثل وتقابل.
- (جـ) رسوم الأطباق الذهبية المملوءة بالتفاح أو الخوخ، وهي عند أهل الصين رمز السلام والسعادة وطول العمر.٥٤
- (د)
- (هـ)
(١٢) الطريقة الاصطلاحية في رسم الجبال والماء
(١٣) الأشكال الهندسية المتعددة الأضلاع
وقد أقبل المسلمون منذ ذلك العصر إقبالًا عظيمًا على الزخارف الهندسية المكونة من أشكال متعددة الأضلاع، وأصابوا في تنويعها وإتقانها توفيقًا عظيمًا، ولا سيما في الطرز الفنية السلجوقية والمملوكية والمغربية.
(١٤) الهالة ذات اللهب أو النور
كان الفنانون البيزنطيون في القرن الخامس الميلادي يرسمون في صورهم، حول رءوس القياصرة دائرة، ثم أصبحت هذه الدائرة ترسم حول رءوس السيد المسيح والقديسين. والظاهر أن مهد هذه الهالة هو القارة الآسيوية؛ فقد عرفها الإيرانيون في العصر القديم حين ظهرت نواتها بين أتباع مزدك على هيئة إكليل سماوي من النار. ولكن ظهورها لأول مرة على شكل مستدير كان في فن «جندرا»؛ أي الفن البوذي الإغريقي الذي ازدهر على الحدود الشمالية الغربية للهند في بداية العصر المسيحي. وطبيعي أنها انتقلت بعد ذلك إلى سائر الأقاليم التي انتشرت فيها التعاليم البوذية، كما اتخذها فن البراهمة بالهند في العصور الوسطى.
والمعروف أن استعمالها في الفن المسيحي كان نادرًا في البداية؛ ولعل ذلك راجع إلى أصلها الوثني، ولكنها لم تلبث أن أصبحت شارة مقدسة في الكنيسة البيزنطية وكثر استعمالها في الفنون التصويرية المسيحية.
وانتقلت هذه الشارة إلى الفن الإسلامي في العصر العباسي على يد الفنانين المسيحيين الذين كانوا يعملون لخلفاء بغداد؛ فإنهم كانوا — ومعهم الفنانون المسلمون أيضًا — يرونها في صور القديسين المسيحيين في الكتب البيزنطية المصورة التي كانوا يتخذونها مثالًا ينسجون على منواله، ولم تقف هذه الهالة عند وادي الدجلة والفرات، بل اتجهت شرقًا فظهرت في مختلف الصور على التحف الإيرانية إلى القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)؛ على أن المسلمين بوجه عام كانوا يرسمونها في كثير من الأحيان حول رءوس الأشخاص، ولكن بدون نظر إلى معناها الأصلي.
(١٥) الأختام الصينية المربعة والخط الكوفي المستطيل
(١٦) أشكال الأواني
يستطيع الإخصائيون في الفنون الإسلامية أن يتبينوا في أشكال بعض الأواني الخزفية الإسلامية تأثرًا بالأشكال التي اختصت بها فنون الصين. ويزداد الشبه بين أشكال الأواني في الشرقين الأقصى والأدنى إبان العصر الصفوي في إيران. على أننا نرى رسوم كثير من الأواني الصينية في الصور الإيرانية التي ترجع إلى عصر المغول.
(١٧) الأساليب الصينية في الملابس وآلات القتال٦٤
(١٨) توزيع الأشخاص في الصورة
يلاحظ الإخصائيون في التصوير الإسلامي أن توزيع الأشخاص في الصور الإيرانية كان متأثرًا بالأساليب الصينية منذ عهد تيمور وخلفائه، فالمعروف أن المصورين الصينيين في عصر منج (بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر بعد الميلاد) كانوا يوزعون الأشخاص في صورهم أفرادًا أو جماعات صغيرة بحسب قواعد فنية قوامها التناسب وحسن الذوق، وتختلف عن القواعد المتبعة في تكوين الصور عند الأوروبيين.