رسالة شفرية في أعماق المحيط
الطريق إلى «أنجولا»، سوف يكون طويلًا، هكذا فكَّر الشياطين. وحتى يصلوا إلى المدينة «لواندا» العاصمة؛ فإن ساعات طويلة من الطيران سوف تنقضي، إن اختيارهم لمدينة «لواندا» كان ضروريًّا، فهي تقع على شاطئ المحيط الأطلنطي من جهة … وهي أيضًا تكاد تقع في مواجهة جزيرة «سانت هيلانة». إن الجزيرة تقع بين خطَّي طول ١٠.٥ درجة، وبين خطَّي عرض ١٠ و٢٠. وأقرب مدينة لها هي مدينة «لواندا».
لقد فكَّروا في البداية أن يذهبوا إلى «جوهانسبرج» في جنوب أفريقيا التي تقع على آخر نقطة في قارة أفريقيا مُطلة على المحيط الأطلنطي، لكن المسافة منها إلى «سانت هيلانة» سوف تكونُ طويلة جدًّا. وقد يُضطرون إلى الذَّهاب إلى «لواندا» أيضًا؛ لذلك اختاروا المدينة «الأنجولية» كأقرب نقطة.
إن خُطة الشياطين — كما اتفقوا عليها — هي الإبحار من «لواندا» إلى «سانت هيلانة»، التي يقع فيها مركز التوجيه الأرضي للغواصة، وهم إذا استطاعوا أن يدخلوا المركز ويصلوا إلى المعلومات التي يريدونها فإنهم في النهاية سوف يتمكَّنون من السيطرة على الغواصة «السهم» والإيقاع بالعصابة. إن ما يعرفونه جيدًا أن العصابةَ سوف تضَعُ حراسة شديدة على الجزيرة، أو على مركز التوجيه. وهذه الحراسة سوف تكون هي بداية الصراع معها. غير أن ذلك لم يجعلهم يتردَّدون؛ لأن الصدام مع العصابة هو الحل الأحسن في كل الظروف.
ولذلك، ما إنْ هبطَت الطائرة في مطار «لواندا» حتى أسرعوا يغادرون المطار؛ ليُلقوا بأنفسهم في المدينة الساحلية الأفريقية. غير أنهم لم يكادوا يتجاوزون باب الخروج، حتى توقَّفت أمامهم سيارة، نزل سائقها بسرعة. ثم اقترب منهم مبتسمًا، وقال: إن الفندق في انتظاركم.
عرف الشياطين أن تعليمات رقم «صفر» قد وصلَت إلى عميله في «لواندا»، وأن كل شيء جاهز. قفزوا بسرعة في السيارة التي انطلقت إلى الفندق «القمر» الذي يُطل على المحيط، ملأت صدورهم رياح مُنعشة، عندما ظهر المحيط الأزرق العميق أمامهم. وفي لحظات قليلة، كانت السيارة تقف أمام الفندق، الذي لم يكن مرتفعًا. لقد كان يبدو وكأنه قصْرٌ لأحد الأثرياء.
نزلوا بسرعة حيث اجتاز السائق الباب أمامهم، وأحضر المفاتيح من موظف الاستعلامات، وقدَّمها إليهم، ثم انصرف بسرعة.
كان فندق «القمر» يبدو هادئًا تمامًا في هذه الساعة التي تقترب من الغروب. ولم يكن النزلاء فيه كثيرين. أخذوا طريقهم إلى حُجراتهم في الطابق الثاني، وبعد دقائق كانوا يجتمعون في حجرة «أحمد». كانت الحجرة ذات شرفة واسعة مطلة على المحيط. وعندما وقفوا فيها يرقبون المياه الممتدة حتى الأفق. قال: «فهد»: منظر رائع.
ابتسم «عثمان» وهو يقول: إن الأكثر روعة هو أعماق المحيط، حيث توجد الغواصة «السهم» الآن.
فجأة دقَّ جرس التليفون. أسرع «رشيد» إليه، وبدأ يتلقَّى المكالمة. وعندما انتهت، عاد إلى الشياطين ونقلها إليهم. لقد كانت المكالمة من عميل رقم «صفر» الذي تمنَّى لهم حظًّا سعيدًا، وقال: إنني أعرف أنكم مُتعَبون من طول الرحلة. وأتمنى لكم نومًا هادئًا. وفي الصباح، سوف تكون كل الأشياء المطلوبة في انتظاركم.
لم يسهر الشياطين كثيرًا هذه الليلة. فما إن انتهوا من عشائهم، حتى عقدوا اجتماعًا سريعًا وقصيرًا، ثم اتَّجه كلٌّ منهم إلى سريره. ولم تمضِ دقائق حتى كانوا جميعًا يغطُّون في النوم. ففي الغد سوف يبدأ العمل.
كان «بو عمير» أوَّل من استيقظ، وأسرع يوقظ الجميع، وهو يقول: يجب أن نبدأ قبل أن ترتفع درجة الحرارة.
ولم تمضِ نصف ساعة حتى كانوا يغادرون الفندق من بابه المواجه للمحيط، حيث كان بعض النزلاء يقفون …
كان هناك لنش متوسط الحجم يقف عند ميناء صغير خاص بالفندق. اتجه الشياطين إليه، ثم قفزوا فيه بسرعة. أجرى «أحمد» تفتيشًا دقيقًا على تجهيزاته؛ فوجد كل شيء مُعَدًّا. أشار إلى «عثمان» الذي جلس إلى عجلة القيادة، فبدأ صوت الموتور يرتفع، ثم انطلق يشقُّ سطح المحيط إلى داخله. كانت خطة الشياطين أن يقطعوا المسافة الأولى بطريقة عادية، حتى لا يلفتوا النظر. بعدها، يتحول اللنش إلى غواصة صغيرة تشقُّ عمق المحيط.
رفع «عثمان» سرعة اللنش إلى درجته القصوى، ووقف «فهد» يرقب الشاطئ الذي ظلَّ يختفي شيئًا فشيئًا حتى اختفى تمامًا. أخرج «رشيد» نظَّارة مُكبِّرة، ووضعها فوق عينَيه، وراقب الشاطئ، والفندق، الذي كان يبدو صغيرًا، وظلَّ يصغر أكثر فأكثر، حتى أصبح وكأنه نقطة. قال: ينبغي أن تنزل الآن، فلا أحد يدري ربما تكون هناك دوريات حراسة يقوم بها أفراد العصابة.
في دقائق، ارتفعت ألواح من الصُّلْب الرقيق على جوانب اللنش، فتحول إلى غواصة حقيقية، أخذت تهبط إلى عمق الماء، حتى أصبحت في منطقة متوسطة. فلا هي عند السطح ولا هي في الأعماق الأخيرة للمحيط.
في نفس الوقت أخرج «أحمد» خريطته المصغرة، ثم بسطها أمام الشياطين، وحدَّد الطريق، ثم قال: هل تتبع البوصلة في الجنوب الغربي؟
أجاب «عثمان»: نعم، إن اتجاهنا هكذا وبدون أي انحناء يصل بنا إلى الجزيرة …
قال «أحمد»: إن الجزيرة تحوطها منطقة صخرية وعِرة، وهذه قد تُعطِّلنا عن الوصول باللنش. أعتقد أننا في النهاية سوف نستخدم ملابس الضفادع البشرية لدخول الجزيرة.
قال «رشيد»: هذه ضرورة، هناك أيضًا موعد الدخول. إننا لا نستطيع أن ندخل بالنهار، إلا إذا كانت آهلةً بالسكان بما يكفي لأن تكون حركتنا عادية …
قال «فهد»: طبعًا، هذه مسألة ضرورية.
وفجأة، اهتزَّ اللنش بشدة، وقال «عثمان» بصوتٍ مرتفع: إننا سوف ندخل في معركة مع عدد من الحيتان التي تقوم بسباقنا.
نظر الشياطين بسرعة من النوافذ الزجاجية غير القابلة للكسر، كانت هناك مجموعة من الحيتان الصغيرة تدخل في سباق مع اللنش، حتى إنها كانت تُثير الدوامات المائية القوية التي تجعل اللنش يهتز بهذا العنف الذي اهتز به. كان منظر الحيتان ممتعًا، برغم خطورته.
قال «أحمد»: يجب أن نتعامل معها حتى نتخلص منها.
بسرعة ضغط «عثمان» على زرٍّ في تابلوه اللنش؛ فاندفعت صبغة حمراء لوَّنت المياه بلونها الأحمر القاني.
وعلَّق «فهد»: إن الدماء تثير الحيتان؛ ولذلك فهي سوف تدخل في صراع مع اللون.
ظلَّ الشياطين يرقبون الحيتان التي اندفعت فعلًا خلف الصبغة الحمراء، وكأنها تصارعها. في نفس الوقت الذي كان اللنش مندفعًا حتى اختفَت الحيتان تمامًا، لم يكن يظهر أمام الشياطين من خلال النوافذ الزجاجية المدرَّعة إلا مجموعات من الأسماك المتفاوتة الأحجام والألوان والتي كانت تسابق اللنش في مجموعات جميلة، ثم تتراجع في النهاية.
فجأة، التقت أعين الشياطين، فقد سمعوا صفيرًا حادًّا مستمرًّا، فقال «بو عمير» بسرعة: هناك رسالة شفرية بين مكانين.
أسرع إلى جهاز الاستقبال، وبدأ يسجل الدقات التي كانت تظهر على الشاشة، واجتمع الشياطين حول الجهاز في محاولة لحل الرموز التي لم تكن مفهومة.
قال «فهد»: هل يمكن أن نكون سعداء الحظ بهذه السرعة؟
كانت الرسالة الشفرية كالآتي: «– ٠٠٠—٠–٥٠٠٠٠ – ١٠ – ٠٠ — ١٠ – ٢٠ – ٠٠٠ — ٠–٠» انتهت الرسالة، فنظروا إليها في حَيرة.
قال «عثمان» الذي كان يسمع صوت «بو عمير» وهو يقرأ الرسالة: إن شرطة وشرطتين ونقطة ونقطتين وهكذا؛ تحتاج إلى بحث طويل، لا أظن أننا نملك الوقت لتحقيقه. إن الأفضل أن نرسل رسالة إلى المقر السري، حتى يقوم الخبراء بحل الشفرة، ثم إرسالها إلينا.
قال «أحمد»: هذا فعلًا ما سوف نفعله الآن.
ما كاد «أحمد» ينتهي من كلامه، حتى كان جهاز الاستقبال يستقبل رسالة، عرَف الشياطين أنها من عميل رقم «صفر». كانت الرسالة تقول: «رقم «صفر» يخبركم أن العصابة قد أرسلت تهديدًا لإحدى دول أفريقيا، بدفع مائة مليون دولار، وإلا حطَّمَتها بالصواريخ.»
نظر الشياطين إلى بعضهم وقال «فهد»: لقد بدأت العصابة عملها.
لم يُعلِّق أحد. فقد صمتوا جميعًا، واستغرقوا في التفكير.
بينما كان «أحمد» يفكر: إن متابعة موجة الإرسال التي أُرسلت عليها رسالة العصابة سوف تُحدِّد مكان مركز التوجيه على الجزيرة. وفي نفس الوقت مكان الغواصة النووية.
ثم نقل أفكاره إلى الشياطين، فعلَّق «بو عمير»: هذا صحيح. إن علينا الآن متابعة الرسالة.
نظر «أحمد» إلى جهاز الاستقبال، وبدأ يُحدِّد الموجة. فجأة تردَّد الصفير مرة أخرى، وبدأ الجهاز يُسجِّل رسالة شفرية جديدة.
قال «رشيد»: هذه فرصتنا، ولا يجب أن تفوت، إننا نستطيع أن نُحقِّق فكرة «أحمد».
أخذوا يتتبعون الرسالة، ويضبطون الجهاز على الموجة التي يستقبل بها. في نفس الوقت تحديد اتجاهها. كانت الرسالة: «– ٠٠ — ٠ – ٠٠٠ –»، انتهت الرسالة.
فقال «رشيد»: المؤكد أنها رد على الرسالة السابقة.
استغرق «أحمد» في التفكير قليلًا، ثم قال: إن هناك استنتاجًا يمكن أن يؤديَ إلى تفسير الرسالة الأولى.
نظر الشياطين له، في انتظار أن يُكمل الكلام، إلا أن «بو عمير» سأل: هل هذا يعني ألا نرسل إلى رقم «صفر»؟
أجاب «أحمد»: سوف نرسل الرسالة، لكننا في نفس الوقت، نحاول تفسيرها بجهدنا الخاص.
بدأ «رشيد» يُرسل الرسالة الشفرية إلى رقم «صفر» في نفس الوقت الذي بدأ «أحمد» يُحدِّد على ورقة صغيرة ما يمكن أن يصل إليه استنتاجه.