المواجهة في غرفة العمليات
كان أفراد العصابة يتقدَّمون في طابور؛ كل اثنين بجوار بعضهما، وبجوار أحد أفراد المقدمة، كان يسير قائدهم، ولذلك فقد كان ضربهم سهلًا. طار «أحمد» فضرب قائد الطابور بقدمه ضربة عنيفة، جعلته يصطدم بالاثنين الآخرين فوقع الثلاثة على الأرض، ليجدوا «عثمان» و«رشيد» في انتظارهم.
في نفس الوقت، ضرَب «بو عمير» و«فهد» نفس ضربة «أحمد»، فوقع بقية الرجال. كانت سيطرة الشياطين على الموقف سهلة تمامًا. فقبل أن يقف الرجال، ويُفيقوا من صدمتهم، كان «فهد» قد أخرج مسدسه، وطلب منهم أن يرفعوا أيديهم.
وقف الرجال، وعلى وجوههم علامات الدهشة، رفع بعضهم يديه، وتكاسل البعض الآخر. أخرج «رشيد» مسدسه الكاتم للصوت، ثم أطلق طلقة، بجوار قدم قائدهم جعلَته يقفز في الهواء في نفس الوقت الذي رفع فيه الآخرون أيديَهم. تقدَّم «بو عمير» من أفراد العصابة، ثم بدأ يسحب مسدس كل منهم، وعندما وصل إلى قائدهم، كان قد حمل ست مسدسات. وكان هذا كافيًا، ليجعل حركته أصعب؛ ولذلك فعندما مدَّ يده، ليسحب مسدس القائد، كان القائد أسرع منه. فقد ضرب «بو عمير» ضربة عنيفة جعلته ينحني بالرغم منه. كانت اللحظة كافيةً ليتصرَّف الباقون.
في نفس الوقت ضرب قائدهم «فهد» في وجهه ضربةً جعلت «فهد» يتخلَّى عن المسدسات التي تناثرت على الأرض بينما كانت معركة قد بدأت بين الجانبين. لكن ذلك لم يجعل «فهد» يتوقَّف، فقد اعتدل بسرعة، وتلقَّى ضربة أخرى من القائد، لكنها لم تكن من القوة بحيث تؤثر فيه. ثم عاجله بيمين مستقيمة، جعلت القائد يترنَّح، ثم أتبعها بشمال أخرى مستقيمة، كانت كافية لأن تُوقِع بالقائد على الأرض.
في نفس الوقت كان «أحمد» قد اشتبك مع الاثنين معًا. طار في الهواء، وضربهما ضربةً مزدوجة بقدمَيه، جعلتهما يصطدمان ببعضهما ويدوران. بينما كان «بو عمير» قد لحِق بأحد أفراد العصابة، وهو يكاد يمسك بمسدس من المسدسات التي كانت على الأرض، وداس على يده بقوة، فصرخ الرجل، ولم يستطع الوقوف. فضربه «بو عمير» ضربة قوية، جعلت الرجل ينطرح على الأرض وهو يتلوَّى من الألم.
في نفس الوقت كان «عثمان» قد سيطر على اثنين، وجعلهما يركعان على الأرض، تحت تهديد مسدسه.
ولكن «أحمد» نظر حوله، فلم يجد «رشيد». حاول أن يتحقق في الظلام، لكنه لم يره. كان أفراد العصابة قد استسلموا بعد معركة عنيفة بالأيدي، انتصر فيها الشياطين. أحصى «أحمد» عدد أفراد العصابة الموجودين فكانوا ستة فقط. وعرف أن «رشيد» يطارد أحدهم.
تحدَّث «أحمد» بلغة الشياطين الذين نفَّذوا ما قاله؛ فقد أخذوا يشدُّون وَثاقهم معًا، حتى لا يستطيعوا الحركة. وفي دقائق، كان كلُّ شيء قد انتهى.
قال «أحمد» بلغة الشياطين: ينبغي أن نُخفيَهم في مكان حتى لا يكونوا عقبةً بالنسبة لنا.
فجأة ظهر «رشيد» يسوق أمامه رجل العصابة.
وقال ﻟ «أحمد»: هناك منطقة جيدة يمكن أن نختفيَ فيها. ثم أشار في اتجاه مركز التوجيه.
ثم ساق الشياطين أفراد العصابة، إلى حيث أشار «رشيد». كانت هناك مغارة عميقة تكفي لأن يختفيَ فيها عشرة رجال.
فكَّر «أحمد»: هل يجردهم من ملابسهم، ويستخدمها في دخول المركز، أو يتقدم الشياطين كما هم؟ طرح الفكرة على الشياطين، فناقشوها بسرعة، واتفقوا على الاستفادة من ملابسهم فعلًا، يلبس ثلاثة من الشياطين ملابس أفراد العصابة؛ القائد واثنين منهم، فهذه ساعة تغيير الحراسة كما يبدو وهي فرصة طيبة …
وفي لمح البصر، كان «أحمد» قد جرَّد القائد من ملابسه، ثم لبسها بسرعة. كانت الملابس متفقة تمامًا مع قوام «أحمد» وهيئته. في نفس الوقت، لبس «رشيد» و«بو عمير» ملابس اثنين من رجال العصابة. وفي دقائق كان الرجال يقبعون في المغارة، في صمت، ودون أن يستطيع أحد منهم الحركة.
تقدَّم الشياطين وقال «أحمد»: سوف أتقدم أنا و«رشيد» و«بو عمير»، في نفس الوقت، يقوم «فهد» و«عثمان» بمراقبتنا، وسوف يكون الاتصال بيننا مستمرًّا.
وقف «رشيد» و«بو عمير» بجوار بعضهما، وتقدَّم «أحمد» في دور القائد، كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة، عندما وقف «فهد» و«عثمان» بعيدًا يراقبان اقتراب طابور الشياطين من المركز. كان الشياطين يظهرون كأشباح تتحرك، وسط الإضاءة الشاحبة التي كانت تصدر من المركز. وكانت هناك بوابة من الأسلاك الشائكة، لا بد من المرور داخلها.
عندما اقتربوا من الباب، وقف حارسان يحييان، وقال في قوة، وهو يقول: إن السيد «روجز» في انتظارك أيها القائد «جريم».
رفع «أحمد» يده محييًا بسرعة، دون أن ينظر إلى الحارس، بينما كان معظم وجهه يختفي تحت الكاب العسكري. وعندما تجاوز البوابة قال «أحمد»: فلنستمر كما نحن. إن الباب الذي يظهر أمامنا الآن، يبدو أنه يؤدي إلى داخل المركز.
عندما اقتربوا من الباب، وقف حارسان يحييان، وقال أحدهما: السيد «روجز» غادر مكتبه إلى غرفة العمليات رقم ٢ وهو ينتظرك أيها القائد «جريم».
وقف الشياطين. ونظر «أحمد» إلى «بو عمير» و«رشيد»، ثم تحدَّث إليهما بلغة الشياطين همسًا. قال لهما: لا بد أن نتخلص منهما. ثم رفع صوته وقال كأنه يُصدِر أمرًا إليهما: اتبعاني، فإن خطأ الحراسة الليلة لا يجب أن يفوت بلا عقابٍ.
تقدَّم إلى الداخل، وخلفه «بو عمير» و«رشيد». تجاوز «أحمد» باب الدخول، في نفس اللحظة التي كان فيها «رشيد» و«بو عمير» وقد أصبحا بجوار الحارسين تمامًا. وفي حركة واحدة، كان كل منهما قد انقضَّ على الحارس القريب منه.
ودون صوت، كان «بو عمير» قد ضرب الحارس ضربة مفاجئة جعلته ينحني إلى الأمام، فنزل بقبضته عليه فوقع مصطدمًا بالأرض، وبلا حَراك. في نفس الوقت كان «رشيد» قد انتهى من حارسه. وفي هدوء، جرَّ كلٌّ منهما واحدًا، وأخفاه في مكان لا يظهر، ثم وقفا مكانهما.
كان «أحمد» قد شاهد هذه اللحظات السريعة. اقترب منهما، ثم قال: رسالة إلى بقية الشياطين للانضمام بملابس العصابة. ثم تركهما وتقدَّم إلى الداخل.
كان المركز هادئًا تمامًا، لا تبدو فيه حركة. توقَّف «أحمد» لحظة، حتى يعرف المكان جيدًا، وحتى يمكن أن يحدد غرفة العمليات رقم ٢. لكنه في النهاية لم يستطع. فجأة ظهر حارس يمشي في خطوات سريعة، نظر «أحمد» ناحيته، ثم قال بلكنة لا تظهر كثيرًا: أيها الحارس، أين السيد «روجز»؟
وقف الحارس محييًا، وأجاب: في الغرفة رقم ٨.
لم يعرف «أحمد» ماذا يمكن أن يفعل الآن. لقد قالوا إنه في الغرفة رقم ٢. والآن يقول هذا الحارس إنه في الغرفة رقم ٨، فكَّر بسرعة ثم قال: إنهم يقولون إنه في غرفة العمليات رقم ٢.
أجاب الحارس بسرعة: نعم يا سيدي.
قال «أحمد»: أنت تقول إنه في الغرفة ٨.
أجاب الحارس: نعم يا سيدي.
ردَّد «أحمد» وكأنه يشعر بالتعب: يبدو أن السَّيْر الطويل قد أجهدني الليلة. ثم قال للحارس: لا بأس سوف ألحق به.
انصرف الحارس مسرعًا، ووقف «أحمد» حائرًا. أين توجد الغرفة رقم ٨. وأين توجد غرفة العمليات. فكَّر لحظة ثم همس لنفسه: لا بد أنها غرفة واحدة، لكن أين هي؟ ألقى نظرة سريعة. كان الممر الذي يقف فيه طويلًا. وعلى جانبيه أبواب الغرف الكثيرة التي كانت مغلقة كلها. فكَّر: هل يبدأ الرقم من اليمين أو الشمال؟ ومن أي طرَف؟ مشى في خطوات بطيئة حتى يعطيَ لنفسه فرصة التفكير من جهة، وحتى يمكن أن يحدث شيء آخر كأن يظهر حارس جديد يمكن أن يعرف منه، لكن أحدًا لم يظهر.
توقَّف أمام أحد الأبواب، فانفتح تلقائيًّا. فجأة، رأى أجهزة كثيرة مُعقَّدة تملأ الغرفة، فدخل بسرعة. وعندما التفت ليغلق الباب، كان قد أُغلق من تلقاء نفسه. لم يكن أحد في الغرفة. وقف أمام الأجهزة، يحاول أن يفهم شيئًا. كانت هناك أزرار كثيرة؛ ثم ميكروفون، وشاشات متعددة. وظل يقرأ الأحرف التي كانت مكتوبة عند كل زرٍّ عرَف أن أحدها يعني «استقبال». ضغط الزر، فامتلأت الغرفة بأصوات كثيرة وسمع من يقول: أين القائد «جريم»؟ لقد طلبته فورًا. إن هناك بعض المشاكل أمام الغواصة.
فهم «أحمد» أن الذي يتحدث هو «روجز» نفسه. فكَّر بسرعة، ثم أرسل رسالة إلى الشياطين، يطلب منهم أن ينضم إليه «فهد» و«عثمان». جاءه الرد: «إنهما دخلا المركز فعلًا.» أغلق الجهاز، ثم اتجه خارجًا، عندما انفتح الباب أمامه، رأى شبحَين يختفيان، تراجع بسرعة، في نفس الوقت الذي ظلَّ يراقب تحرُّك الشبحَين. لحظة، ثم ظهر رأس «فهد». أرسل صفيرًا خافتًا؛ فظهر الاثنان بسرعة، كانا يلبسان ملابس رجال العصابة. انضما إليه، فعادوا جميعًا إلى الغرفة.
وقف الثلاثة أمام الأجهزة، ومن جديد، ضغط «أحمد» زرَّ الاستقبال، فتردَّدت الأصوات. كانت رسالة شفرية تتردد.
قال «أحمد»: إننا نحتاج إلى مفردات هذه الشفرة، حتى نستطيع أن نتصرف بسرعة.
في لحظة، كان «فهد» يرسل رسالة إلى رقم «صفر» يطلب مفردات الشفرة.
فجأة، فتح الباب وظهر بعض الرجال. وقفوا ينظرون إلى الشياطين في دهشة. قال واحد منهم متسائلًا: ماذا تفعلون هنا؟
رد «أحمد» بسرعة: إننا في انتظار السيد «روجز».
ابتسم الرجل وقال: لا بد أنك القائد «جريم».
رد «أحمد»: نعم يا سيدي.
قال الرجل: إنني «ماك» المسئول عن الاتصالات الخارجية. أعتقد أننا لم نلتقِ من قبل. فقد جئت منذ يومين فقط.
ابتسم «أحمد» قائلًا: إنني سيئ الحظ يا سيدي؛ لأنني لم ألتقِ بك، وأنا سعيد الآن أن أكون تحت أمرك.
قال «ماك»: زميلي السيد «شن لي»، مساعد العمليات. ثم ابتسم، وهو يشير إلى بقية الرجال: إنهم المساعدون أيضًا.
انحنى «شن لي» يُحيِّي «أحمد» الذي كان يقف وكأنه قائد حقيقي.
قال «شن لي»: إن الموقف ليس صعبًا، كما يرى السيد «روجز»؛ فهذه مشاكل تظهر دائمًا في هذا النوع من العمل. أقصد ما حدث في الغواصة.
ابتسم «أحمد» ابتسامة تمثيلية وقال: السيد «شن لي» يعرف بالتأكيد طبيعة العمل أكثر. إنني هنا، لتوفير الحراسة العامة يا سيدي.
كان «شن لي» قصير القامة، تظهر ملامحه الصينية بوضوح لا يخفى على أحد.
قال «ماك» بعد لحظة: إننا سوف نعقد اجتماعًا لبحث الأمر، إننا فقط في انتظار أن يعود السيد «روجز» من غرفة العمليات.
كانت هذه الجملة كافية ليفكر «أحمد» بسرعة. إن المؤكد أن السيد «روجز» يعرف القائد «جريم» جيدًا ومن هنا تبدأ المشكلة.
لم يكد «أحمد» يتقدَّم خطوة وهو يقول: إنني سوف ألحق به. وأعود معه حالًا، حتى فتح الباب، وقال «ماك» مبتسمًا: هذا هو السيد «روجز». لقد أتى بنفسه سريعًا.
وكانت مفاجأة لم يتوقَّعها الشياطين.