الشياطين في غرفة مثلجة
كان الغضب يغطي وجه «روجز». فيبدو وكأنه كلب حقيقي من نوع «البول دوج».
قال في نبرة حادة: أين القائد «جريم»؟ لقد أرسلت إليه أكثر من مرة.
نظر «ماك» إلى «أحمد» في تساؤل. واتسعت عينا «شين لي»، ووقف بقية الرجال لا يعرفون ماذا يقولون … ولم تفُت هذه التعبيرات على «روجز»، فصرخ: ما لكم تقفون هكذا، وكأنكم مجموعة من البُلهاء؟
لكن أحدًا لم ينطق. لقد ترك «أحمد» الموقف يستمر حتى نهايته.
بينما كان يفكر: لو أن «ماك» أو «شن لي» لم يقل كلمة، فسوف يكون كل شيء على ما يرام، ولكن هذه اللحظة لم تستمرَّ طويلًا، فقد قال «ماك» مداعبًا: لا أظن أن القائد «جريم» يتمتع ببراعة مذهلة في عملية التنكُّر، حتى إنك لم تعرفه أيها السيد «روجز».
اتسعت عينا «روجز» من الدهشة ونظر حوله يستعرض الموجودين، ثم قال: أظن أنني أرى جيدًا. أين هو «جريم»؟
وقبل أن ينطق «ماك» بكلمة، كان «أحمد» قد جذَب مسدسه فتبعه «فهد» و«عثمان». وقال: إنني القائد «جريم». أيها الصديق «روجز»: ولا أدري كيف لا تعرفني، يبدو أن كثرة العمل قد أثَّرت عليك.
لم ينطق «روجز» بكلمة أخرى، فقال «ماك» مداعبًا: ليس إلى هذه الدرجة!
كان «روجز» قد ابتسم ابتسامة خبيثة، وقال: لا بأس أيها القائد الجديد. هل أنت من البحرية الفَرنسية؟
قال «أحمد» مبتسمًا: ما رأيك أنت، وهل يمكن أن تُرسل البحرية الفَرنسية قيادة جديدة إليك؟
تنفَّس «روجز» في عمق، ثم خطا عدة خطوات مغادرًا مكانه. لكن «أحمد» كان يقظًا بما فيه الكفاية. فقد تراجع خطوة للخلف، في اتجاه الباب.
قال «روجرز»: لا بأس، هل يمكن أن أتعرف عليك؟
ثم خطا خطوة أخرى في اتجاه الأجهزة التي كانت تحتلُّ جانبًا من الحجرة بطولها.
فقال «أحمد»: ينبغي ألا تتحرك كثيرًا؛ فإصبعي فوق زناد المسدس.
ابتسم «روجز» وهو يهزُّ رأسه. كان يبدو وكأنه يفكر في شيء ما، التفت فجأة إلى «أحمد» وهو يقول: ما الذي تريده بالضبط؟ ومع التفاتة كانت أرض الغرفة قد انفتحت في المكان الذي يقف فيه «أحمد». وقبل أن يحاول أيَّ محاولة، كان قد سقط في الفتحة، وفي دقائق كان يقف في غرفة مغلقة ليس لها منافذ أو أبواب. لم تكن هناك سوى عدة فتحات صغيرة للتهوية. أخذ يتلمَّس الجُدران، فلم يجد فيها شيئًا. كانت ملساءَ تمامًا. ظل يُحدِّق في السقف، لعله يجد شيئًا. لكن فجأة، أُضيئت مساحة بيضاء في الجدار المقابل له، فرأى «فهد» و«عثمان».
وصاح «فهد». لكن صوته تردَّد في فراغ الغرفة، دون أن يسمع أي إجابة، وبسرعة فكر. هل يرسل إليهما رسالة؟ لكنه لم يفعل ذلك. فقد خشيَ أن يكون مُراقَبًا وأن يَظهر جهاز الإرسال الذي يحمله. لكنه فكَّر بطريقة أخرى. فقد جلس على الأرض، وانحنى حتى أصبح كالكرة، ثم بدأ يُرسل الرسالة، دون أن يظهر الجهاز.
وبسرعة جاءه الرد: «نحن في غرفة مغلقة تمامًا، ينبغي أن يبدأ «رشيد» و«بو عمير» عملهما.»
كانت هذه فكرة جيدة: فقد أرسل رسالة إلى «رشيد» و«بو عمير» يشرح لهما الموقف كاملًا. ويرسم لهما خريطة التحرك. لكن صوت «روجز» تردَّد في الغرفة: هل يصلح هذا المكان للحراسة أيها القائد الجديد؟ ثم أعقب جملته بضحكة مدوية.
جلس «أحمد» على أرض الغرفة، فلم يكن هناك ما يفعله. كان يفكر: إن العصابة سوف تنفذ تهديدها الآن ثم تساءل: هل يمكن أن تنتهيَ المغامرة بالفشل؟ إن هذه أول مرة يتوقَّف فيها انتصار الشياطين.
ولكن فجأة أحسَّ بجو الغرفة يتغيَّر؛ فقد بدأت الحرارة تزداد، وأخذ العرق يُغطِّي وجهه. نظر في ساعة يده التي كانت تقوم بدور عمل الترمومتر أيضًا. كان الزئبق يرتفع في بطء، وكان هذا يعني أن درجة الحرارة مستمرة في الارتفاع. فكَّر: هل يمكن أن يكون ذلك شيئًا طبيعيًّا؟! أو أن هناك أجهزة تتحكم في رفع درجة الحرارة؟ بدأ العرق يغطي جسمه، حتى إنه شعر أن ملابسه تبتل. حاول أن يقف، لكنه لم يستطع، كانت قواه قد بدأت تضعف.
تردَّد في الغرفة صوت روجز: ما رأيك الآن في هذا الحمام الساخن؟ أظن أنه يفيدك كثيرًا، بعد عمل الليل. ثم تردَّدت ضحكته العنيفة وأضاف: إن زميليك يرتجفان من البرد، فأنت أسعد حالًا منهما.
فجأة، بدأت درجة الحرارة تنخفض. وشعر «أحمد» بالبرد. ظلت درجة الحرارة في انخفاضها، حتى بدأ جسمه يرتجف. وجاءه صوت «روجز»: لقد أصبح الجو لطيفًا الآن، أليس كذلك؟ ومن جديد، ارتفعت ضحكة. لكنها لم تكتمل، فقد قطعتها صرخة ألم.
أنصت «أحمد» في اهتمام. لكنه لم يستطع تركيز جهده، لقد كانت برودة الغرفة شديدة. بدأ يشعر أنه يفقد قدرته على التفكير، أو حتى على الحركة. حاول أن يفهم معنى تلك الصرخة التي تردَّدت، لكنه لم يستطع، فقد بدأ يفقد وعيه تحت تأثير البرودة الشديدة، لكنه سمع في نفس الوقت صوت اصطدام أشياء بالأرض وما يشبه طلقات الرَّصاص.
فجأة، مرة أخرى، بدأت البرودة تتوقَّف، ثم أخذ المكان يعود إلى درجة حرارته الأولى شيئًا فشيئًا. في نفس الوقت أخذَ يستردُّ وعيه.
وعندما أفاق تمامًا، تردَّد في سمعه صوت «رشيد»، لقد سيطرنا على المكان! فجأة أيضًا، انفتحت طاقة في جدار الغرفة، ولمعَ ضوء قوي فيها، حتى إن «أحمد» لم يستطع أن يظلَّ مفتح العينين، فأغمضهما، واعتمد على سمعه في تعقُّب أي حركة.
سمع صوت «بو عمير» يناديه، كان الصوت يأتي من أعلى؛ فرفع وجهه وفتح عينيه في صعوبة. كان سقف الغرفة مفتوحًا، وكان وجه «رشيد» يُطلُّ منه. أنزل «رشيد» سُلَّمًا معدِنيًّا رفيعًا فتعلَّق به «أحمد» بسرعة، ثم بدأ يتسلَّق، حتى وصل إلى الغرفة نفسها.
لم يكن هناك سوى «رشيد» و«بو عمير». وما إن التقَوا حتى ظهر «فهد» و«عثمان» من فتحة أخرى في أرض الغرفة.
وبسرعة حكى «رشيد» ما حدث، منذ أن تلقَّيا الرسالة، وحتى السيطرة على المكان. لكنه قال في النهاية: إن هذه ليست الجولة الأخيرة، فمركز التوجيه الأرضي له حراسة مشددة تحوطه من كل مكان، ونحن سيطرنا على المركز فقط. لكننا لم ننتهِ من الحراسة كلها.
سأل «أحمد»: هل وصلت مفردات الشفرة من رقم «صفر»؟
أجاب «بو عمير»: نعم. لقد تلقيت الرسالة. ثم أخرج من جيبه مفكرة صغيرة وقدَّمها ﻟ «أحمد» الذي جرى بعينيه عليها، ثم قال: نستطيع أن نُنهيَ الموقف الآن، إذا تخلَّصنا من الحراسة، أو سيطرنا عليها. فقد تصل إليها أوامر بالهجوم على المركز.
تحرك الشياطين بسرعة في اتجاه باب الغرفة، فقال «عثمان»: إن الغرفة التي نحن فيها هي أهم غُرَف المركز فهي التي تُرسل الرسائل، وتتلقاها. يجب أن نُؤمِّنها حتى لا يسيطر عليها أحد.
قال «رشيد»: دعوني أتصرَّف.
خرج الشياطين من الغرفة؛ فوقف «رشيد» ثم أخرج مسدسه، وثبَّت فوق فُوَّهته جهازًا خاصًّا، ثم ضغط على الزناد، فانطلق شعاع من الضوء في اتجاه باب الغرفة لمدة دقيقة، ثم توقَّف.
ابتسم «أحمد» وقال: أنت تفكر جيدًا في الوقت المناسب.
حاول «بو عمير» أن يفتح الباب، لكنه لم يستطع.
ابتسم «رشيد» وقال: لا يمكن فتحه مرة أخرى إلا عن طريقي.
تحرك الشياطين في طرقة المركز الطويلة التي كانت تنتهي بشرفة زجاجية كبيرة. ومنها كانت أضواء النهار تتسلل إلى داخل الطرقة، فتجعلها واضحة تمامًا.
كان النهار قد بدأ، وكان ذلك يعني أن الشياطين قد استغرقوا الليل كلَّه في مغامرتهم دون نوم. لكن ذلك لم يكن يدفعهم إلى طلب الراحة. فالموقف لا يحتمل، واتجهوا إلى باب الخروج. لكن فجأة، دوَّت طلقات تردَّد صوتها في الطرقة الطويلة.
أسرع الشياطين إلى الاختفاء، وقال «أحمد»: يبدو أن هجومًا جديدًا قد بدأ.
ألقى نظرة سريعة في الاتجاه الذي جاء منه الطلقات، ثم قال: يجب أن تكون خارج المبنى الآن، حتى لا نقع مرة أخرى. فليست لدينا خريطة للمركز.
كانوا يقفون بجوار باب إحدى الحجرات المغلقة. عالج الباب بسرعة؛ فانفتح. كانت حجرة مكتب تُطل على حديقة صغيرة. أسرع إلى النافذة، فتحها؛ ثم كانت المفاجأة؛ أعداد ضخمة من الحراس أعضاء العصابة يقفون في حالة استعداد.
استدعى الشياطين بسرعة، فوقفوا ينظرون إلى هذه الأعداد الضخمة.
ابتسم «عثمان» وقال: هكذا يحلو العمل.
قال «أحمد»: سوف أعود ومعي «رشيد» إلى غرفة التوجيه. وأنتم عليكم مراقبة منافذ المركز. وهي كما نرى محدودة.
أسرع هو و«رشيد» إلى الغرفة المغلقة، لكن رصاصة دوَّت بجوار قدم «أحمد» جعلته يتراجع بسرعة. اختفى خلف جدار، ثم أخرج مسدسه، وثبَّت فيه إبرة مخدرة.
ثم أطلَّ برأسه، في نفس اللحظة التي أطلَّ فيها أحد أعضاء العصابة. أطلق «أحمد» إبرته المخدرة التي استقرت في وجه الرجل. هرش الرجل مكانها، ثم سقط على الأرض.
أطلَّ رأس آخر، لمحه «أحمد»، لكنه لم يفعل شيئًا، فقد أدهش الآخرين سقوطُ أحدهم، دون صوت؛ لذا ظهر بعض الرجال، وكانت فرصة طيبة ﻟ «أحمد» و«رشيد» استخدما فيها الإبر المخدرة بسرعة.
وفي دقائق، كان الرجال كلهم ممددين على الأرض بلا حَراك. وانتظر الاثنان لحظة، ثم أسرعا إلى الغرفة، وعندما وصلاها أسرع «رشيد» وثبَّت الجهاز الخاص على فُوَّهة المسدس، ثم أطلق شعاع الضوء، فانفتح الباب.
دخلا، وقال «أحمد»: راقِب الباب جيدًا، حتى أقوم بتنفيذ الخطة «م».
اتجه إلى الميكروفون، ثم فتحه، ووجَّه رسالة للحراس الذين يحيطون بالمركز.
قال من خلال الميكروفون — الذي تردد صوته حول المركز وسمعه الشياطين جميعًا: إن أي حركة منكم سوف تؤدي إلى نسف المركز.
ضغط زرًّا أمامه. فانفجرت في الخارج قنبلة صوتية هزَّت الفضاء ثم قال: يجب أن نعالج الموقف بحكمة حتى لا ينهار كل شيء.
كانت القنبلة الصوتية كافيةً لأن تجعل الهجوم المتوقع يتوقَّف. كان «أحمد» قد استطاع أن يفك رموز الحروف الموجودة على الأزرار أمامه. وتوصل في النهاية إلى طريقة تشغيلها جميعًا.
ضغط زرًّا أمامه، فلمعت شاشة تليفزيونية، نقلت له صور المكان المواجه لها. ضغط عدة أزرار؛ فرأى كل شيء خارج المركز، وظهر المحيط فوق إحدى شاشات التليفزيون.
بسرعة، بدأ يرسل رسالة شفرية إلى الغواصة، التي كانت تظهر حركتها على شاشة الرادار المثبتة أمامه. كانت الرسالة تقول: هل انتهت المشكلة التي واجهتكم؟
وجاءه الرد الشفري بسرعة: نعم كل شيء على ما يرام. إننا نتجه إلى الجنوب الغربي، حسب الأوامر السابقة.
بسرعة أرسل رسالة أخرى: «لقد تأجَّلَت الخُطَّة بعد أن استجابت الدولة الأفريقية لما طلبناه. عليكم بالتوجه إلى النقطة «ﻫ»، والاستقرار فيها حتى أوامر أخرى.»
جاءه الرد: «عُلِم.»
أرسل رسالة ثالثة: «سوف يكون وصولكم في الساعة ١٩.»
ولم يتلقَّ إجابة. فكَّر بسرعة ماذا حدث؟ إن الغواصة لا ترد.
كرَّر الرسالة مرة أخرى، وانتظر. بعد دقائق جاءه الرد: «هناك غواصة أمامنا، هل نتعامل معها؟»
فكَّر «أحمد»: هل تكون الجهود الدولية قد بدأت للسيطرة على الغواصة؟
أرسل بسرعة: «ما هي جنسية الغواصة؟»
جاءه الرد: «ليست معلومة لدينا.»
أرسل: «حاولوا ألا تتعاملوا معها، وخذوا طريقكم إلى النقطة «ﻫ» حسب الأوامر.»
جاءه الرد: «عُلِم.»
وسط استغراقه في مخاطبة الغواصة، لمح حركة جانبية من الحُرَّاس خارج المركز، فوجَّه نداء: إن أيَّ تحرك خارج المركز سوف يؤدى إلى كارثة … إن هناك تحركات في القطاع الشمالي. إن قيادة القطاع الشمالي مسئولة عن تحركاتها.
وبسرعة توقَّفت التحركات.
فكَّر قليلًا، ثم بدأ يرسل رسالة إلى رقم «صفر»، شرح له فيها كلَّ التطورات، حتى توجُّه الغواصة إلى النقطة «ﻫ».
وفي دقائق جاءه الرد: «لقد تابعنا الرسائل إلى الغواصة والرد عليها. ونُتابع تحركات القوات خارج المركز. سوف يتم كلٌّ في موعده.»
فهِم «أحمد» ماذا يعني رقم «صفر» بجُملته الأخيرة. قال لنفسه: إذا تمَّ كلُّ شيء حسب تفكيرنا. فسوف تنتهي المغامرة بنجاح.
تحدَّث إلى «رشيد» الذي قال: إن كل شيء يسير في طريقه تمامًا، لكن ذلك لا ينفي أنه يمكن أن يحدث أي شيء. فالمفاجآت يمكن أن تقع في أي لحظة.
أرسل «أحمد» رسالة إلى الشياطين خارج المركز، يطلب منهم الانضمام إليهما. وفي لحظات سريعة، كان «فهد» و«عثمان» و«بو عمير» يدخلون الغرفة. وما إن خطَوا خطواتٍ داخلها، حتى تردَّد انفجار في الخارج، اهتزت له جُدران المركز. ورأى «أحمد» على شاشات التليفزيون، أعمدة بيضاء من الدخان، تنتشر بسرعة، حتى إنه لم يستطع أن يرى الحراس الذين كانوا يظهرون.
وقال «رشيد»: هذه هي المفاجأة التي لم نتوقعها.