مُقَدِّمة
مِرْقَاةُ الحقائق
(١) مبدأ الحقيقة
وموافقةُ الناس تلك تتناول أمورًا وَهْمِيَّةً في بعض الأحيان، فتكون من الحقائق لدى المؤمنين، والبشر قبل أن يَعْرِفوا أيةَ حقيقة حازوا غيرَ قليل من أنواع اليقين.
ونَرْجع إلى ما عرضناه في مؤلف سابق من ضروب المنطق وما يلائمها من مبادئ فنَجِدُ للحقائق خمسةَ أنواع: الحقائق البِيُولُوجِيَّة، والحقائق العاطفية، والحقائق الدينية، والحقائق الجَمْعِيَّة، والحقائق العقلية.
وتَتَجَلَّى الحقائقُ البِيُولُوجِيَّة في حوادث الحياة العُضْوِيَّة، والحقائقُ العاطفية والحقائق الدينية إذ كانت شخصيةً غيرَ قائمة على برهان فإنه لا دليلَ لها غير موافقة الناس عليها، وهي تابعة لدائرة الإحساس وتكون أساسًا للمعتقدات، والحقائقُ العقلية هي غيرُ شخصية على العكس من ذلك، فيمكن إثباتُها بالتجرِبة مستقلةً عن أيِّ معتقد، وتَنِمُّ عليها مبادئُ العلم التي تتألف منها دائرة المعرفة.
ومن الواضح أن ذلك التقسيم كثيرُ الإطلاق ككلِّ تقسيم، فهو يَفْصِل، بالحقيقة، أمورًا غيرَ منفصلة تمامًا، فمن النادر جدًّا أن يكون المبدأ عاطفيًّا أو دينيًّا أو جَمْعِيًّا أو عقليًّا على وجه الاستقلال، والحقائقُ الدينية نفسُها — وإن كانت من أصلٍ دينيٍّ — تشتمل على عناصرَ عقليةٍ في الغالب، ومن هنا ترى أن أية حقيقة ليست حادثًا بسيطًا يمكن أن يُعَبَّر عنه بصيغة موجزة، بل هي مُرَكبة من مجموعةِ عناصرَ متباينةٍ، وتختلف الحقائق، على الخصوص، بنِسَبِ العناصر المختلفة التي تدخل في تركيبها.
قَسَّمْنا الحقائق من غير أن نُعَرِّفها، فلْنَبْحث الآن عن الحدود التي يمكن تعريفها بها.
اختلف مبدأ الحقيقة اختلافًا عظيمًا في غُضُون القرون، فالحقيقةُ عُدَّت في بعضها أمرًا جوهريًّا، وَعُدَّت في بعضٍ آخر منها أمرًا نفعيًّا، وعُدَّتْ في بعضٍ ثالث منها أمرًا ملائمًا، وهي قد لاحت للمرتابين خطأ لا يُرَدُّ في وقت معين.
والتعاريفُ العلمية أكثرُ اعتدالًا، وهي أكثر إحْكامًا أيضًا، فترى العالِمَ يَطْرَح جانبًا الحقائقَ التي يمتنع الوصول إليها، عادًّا الحقيقةَ صِلَةً يُمْكِن قياسُها، على العموم، بين حوادثَ تَظَلُّ مجهولةَ الجوهر، وقد وجب للوصول إلى هذه الصِّيغَة بَذْلُ عِدَّة تأملاتٍ ومجهوداتٍ في عِدَّة قرون.
على أن هذه الصِّيغَة لا تُطَبَّق على غير المعارف العلمية، لا على المعتقدات الدينية والسياسية والخُلُقية، فمصدرُ هذه المعتقدات إذ كان عاطفيًّا أو دينيًّا أو جَمْعِيًّا فإن هذه المعتقدات تقوم، فقط، على موافقة جميع من يَرْضَوْن بها.
وهي يُرْضَى بها لبداهتها المُفْتَرَضَة، أو لِما يلوح من عدم إمكان قبول ما يعارضها، أو لإجماع الناس عليها على الخصوص، وَيَظَلُّ هذا الإجماعُ مقياسَ الحقائق التي ليس لها صبغةٌ علمية.
ليس الحقيقيُّ سوى ما نَجِدُه نافعًا في نظام أفكارنا، وهو كالخير الذي نَجِدُه نافعًا في نظام أفعالنا.
ولا نوافق على هذا التعريف أبدًا؛ فالمنفعةُ والحقيقة أمران غيرُ متشابهين كما هو ظاهر، فقد نُضْطَرُّ إلى قبول ما هو نافع من غير أن نَخْلِطه بالحقيقة لهذا السبب وحدَه، وسنعود إلى هذه المسألة حينما ندرس مذهب الذرائع في فصل آخر.
(٢) تطورُ الحقائق
كان مبدأ الحقيقة ملازمًا لمبدأ الثَّبات، فكان يتألف من الحقائق كَيْنُونَاتٌ ثابتةٌ مستقلة عن الزمان والناس.
وكيف كان يمكن الحقائقَ أن تَتَحَوَّل في عالَم لم يتغير قطُّ؟ كانت الأرض والسماء والآلهة تُعَدُّ سَرْمَدِيَّةً، وذواتُ الحياة وحدَها هي التي كانت تعاني سُنَن الزمن.
وكان معتقد عدم تَحَوُّل الأشياء وما ينشأ عنه من اليقين سائدًا إلى أن حَكمَت عليه مبتكرات العلوم بالأفول، فقد أثبت علم الهيئة أن الكواكب — التي كان يُفْتَرض استقرارُها في الفلك — تَسْبَح في الفضاء بسرعة تَقْلِب الخيال، وأثْبَت علم الحياة أن الأنواع الحَيَّة التي كانت تُعَد غيرَ مُتَبَدِّلَة تَتَحَوَّل ببطء، حتى إن الذَّرَّة نفسها خَسِرت أَبَدِيَّتَها بانقلابها إلى مجموعة قُوًى متكاثفة إلى حين.
فإزاء مثل تلك النتائج تضعضع مبدأ الحقيقة بالتدريج حتى بدا لكثيرٍ من المفكرين خاليًا من المعنى الحقيقي، فهنالك تداعت المعتقدات الدينية والفلسفية والخلقية، والنظرياتُ العلمية أيضًا بالتتابع، غيرَ تاركة في مكانها سوى انصباب أمور زائلة باستمرار.
ويظهر أن هذا يؤدِّي إلى نقض مبدأ الحقائق الثابتة نقضًا تامًّا، وأعتقدُ، مع ذلك، إمكانَ التوفيق بين مبدأ الحقيقة المطلقة ومبدأ الحقيقة العابرة، ويكفي إيرادُ بعض الأمثلة البسيطة لتسويغ هذا العَرْض.
فمن المعلوم أن الفوتوغرافية تَعْرِض — بواسطة الصُّوَر التي لا يُحْتَمَل التقاطُها — زمنًا يزيد على جزء من مائة جزء من الثانية الواحدة، انتقالَ أحد الأجسام السريع، كالحصان الراكض مثلًا.
وتدلُّ الصورة التي تُلْتَقَط، هكذا، على وجه واحد من حركات الحقيقة المطلقة الزائلة معًا، فهي مطلقةٌ طَرْفَةَ عَيْن، غيرُ صادقةٍ بعد هذه الطَّرْفَة، فيجب أن تُسْتَبْدل بها صورةٌ أخرى ذاتُ قيمة مطلقة زائلةٌ معًا أيضًا، شَأْنُ الصُّوَر المتحركة.
ويمكن تطبيق تلك المقايسة على مختلف الحقائق مع تعديل مقياس الزمن فقط، فالحقائقُ — وإن كانت متقلبةً — ذاتُ علاقةٍ بالواقع كعلاقة الصُّوَر الفوتوغرافية الخاطفة، التي تكلمنا عنها، به أو كانعكاس الأمواج على المرآة، والصورةُ — وإن كانت متحولةً — صادقةٌ على الدوام.
وقد لا تدوم الحقيقة المطلقة في التحولات السريعة مدةً تزيد على جزء واحد من مائة جزء من الثانية الواحدة، وتكون وَحْدَة الزمن لبعض الحقائق الخُلُقية بضعةَ أجيال، وتكون وَحْدَة الزمن للحقائق التي تَمَسُّ ثباتَ الأنواع ملايينَ السنين، وهكذا ترى أن دوام الحقائق يترجح بين بضعة أجزاء من مائة جزء من الثانية الواحدة وَعِدَّةِ ألوف من القرون، وهذا يَعْنِي أن الحقيقة الواحدة قد تكون مطلقةً عابرة معًا.
وتلك المقابلاتُ — وإن كانت صحيحةً في أمر الحقائق المحسوسة المستقلة عنا — ليست بهذه الدرجة من الصحة في أمر اليقين الباطني كالمبادئ الدينية والسياسية والخُلُقية على الخصوص، وتلك المقابلاتُ، إذ كانت لا تشتمل على غير نصيب ضئيل من الصحة، تَجِدُها مُقَيَّدَةً برأينا في الأمور بحسب الزمن والعِرْق ودرجة الحضارة … إلخ، فمن الطبيعيِّ أن تختلف تلك المقابلات إذَنْ، فالحقيقةُ التي تلائم أفكار زمن واحتياجاته لا تكفي لزمن آخر.
ولا رَيْبَ في أن مبدأ الحقيقة الثابتَ والمُوَقَّت معًا سَيَحِلُّ في فلسفة المستقبل محلَّ حقائق الماضي الثابتة أو محلَّ سَلْبِيَّات الساعة الراهنة.
حقًّا، إن من النادر أن يختار الإنسان يقينَه كما يشاء، والمحيطُ هو الذي يَفْرِض عليه هذا اليقين، وهو يَتَّبِع تقلباتهِ، وفي هذا سرُّ تَغَيُّر الآراء والمعتقدات لدى كل زُمْرة اجتماعية.
أَجَلْ، قد تتقلب البيئات التي تؤثر في مبادئنا ببطء، ولكنها تتغير في نهاية الأمر على الدوام، ويشابه سَيْرُ العالم جريانَ النهر كما وُصِف في الفلسفة القديمة، ويجب — مع ذلك — إكمالُ هذا الوصف بأن يقال: إن النهر يَجُرُّ ذَرَّاتٍ متشابهةً تقريبًا، على حين يدحرج الزمنُ عناصرَ متبدلةً باستمرار في مجرى معظم حوادث الكَوْن، ولا سيما حوادثَ الحياة الاجتماعية.
وتتبدل تلك العناصر حَتْمًا؛ وذلك لأن كلَّ موجود — نباتًا كان أو حيوانًا أو إنسانًا أو مجتمعًا — يَخْضَع لقُوَّتَيْن متحركتين بلا انقطاع فيتحول بهما بالتدريج، وتانك القوتان هما: البِيئات الغابرة التي تَحْفَظ الوِراثةُ سِمَتَها والبِيئاتُ الحاضرة، وبهذين المُؤَثِّرَيْن تُقَيَّد كلُّ حياة باطنية، ومن ثَمَّ كلُّ ما يُعَبَّر عنهما من حقائقَ خُلقية واجتماعية، ولو أسرع الزمان في سَيْرِه، مثلًا، كما في الصور المتحركة لبلغت الحياة من الاقتضاب ما تُقْلَب معه مبادئُنا الخُلقية رأسًا على عَقِب، فتصبح حياة الشخص إذ ذاك أمرًا لا يؤبه له، ولا يكْتَرِث الشخص إلا لحياة نوعه، ويستحوذ حُبُّه الشديد للآخرين على جميع علاقاته، ولو أبطأ الزمن في سيره على عكس ذلك فأخذت الحياة تدوم عِدَّة قرون لَغَدَت الأَثَرَة القاسية صِفَة الإنسان البارزة.
والخلاصة هي أن الحقائق البشرية تتطور كجميع الحادثات الطبيعية، فَتُولَد وتنمو وتزول؛ فلذلك جعلنا عنوانَ هذا الكتاب: حياة الحقائق.
وسوف تتجلى فائدة ذلك في غير فصل من فصول هذا الكتاب، ولا سيما في دراستنا لتكوين الأخلاق.
(٣) شأن الافتراضات التي عُدَّت من الحقائق
يُعْتَرَض على ما تقدم، لا رَيْب، بأن كثيرًا من المعتقدات الدينية أو الخُلقية التي هي وجوهٌ من اليقين لم تكن قطُّ من الحقائق، ولا يمكن تصنيفها في زُمْرة الحقائق، حتى المُوَقَّت منها.
فنُجِيب عن ذلك بأن نقول: إن أدعى الأقاصيص الدينية للدَّهَش ينطوي، في الغالب، على حقائقَ لا مِراء فيها، ويمكن قياس هذه الأخيرة بقِصَص علماء الأخلاق التي تشتمل على حقائقَ عميقةٍ بين تَخَيُّلها، أَجَلْ، إن الذئب لا يحاور الحَمَلَ كما قَصَّ لَافونْتِن، ولكن نتيجة تلك المحاورة في ذهن الأقوى تحتوي على حقيقة لا جِدَال فيها مع ذلك.
ومن الصحيح، أيضًا، أن يَهْوَه لم يُمْلِلْ على موسى ألواحَ الشريعة، ومما لا يَقِلُّ عن هذا صِحَّةً، مع ذلك، أنه لولا ما اشتملت عليه هذه الألواح من الوصايا ما تَمَّ للشعب اليهوديِّ فلاحٌ، فكان لا بدَّ من تخَيُّل يَهْوَه لمنح الوصايا العشر سلطانًا لا مُحَاجَّةَ فيه.
إذَنْ، قد تبدو الحقيقة تحت لباسٍ وهميٍّ، ولا تنفكُّ تكون حقيقة مع ذلك، فالتعاليمُ الخُلقية والزواجرُ المختلفة التي لا يقوم بغيرها مجتمعٌ تَفْرِض سلطانَها على الناس حين تستند إلى نفوذ الآلهة المرهوب.
ومن أفدح أغاليط العقليين المعاصرين عدمُ إدراكهم أن كثيرًا من الحقائق العقلية لا يُرْضَى به في الغالب إلا بعد صَوْغه في قَالَبٍ غير عقليٍّ.
وإذا كان يُرفَض نَعْتُ المعتقدات الدينية والخلقية بالحقائق، مع أنها صحيحةٌ في عيون أتباعها فإنه يجب عَدُّها من نوع الافتراضات العظيمة التي لا غُنْيَةَ للبشر عنها، والتي يَعُدُّها العلم من الحقائق المُوَقَّتَة.
ويجب علينا تِجاه الحوادث غيرِ المُدْرَكة، كعِلَّة الأشياء الأولى وأصولِ الكَوْن والحياة وسُنَن التطور الاجتماعيِّ … إلخ، أن نُمْسِك عن الإيضاح أو نختلق بعض الفرضيات.
وكان لهذه الفرضيات نوعان حتى الآن، فبعض هذه الفرضيات يقضي بتدخل عزائم موجوداتٍ علوية، وبعضها الآخر يقضي بالتَّجْرِبة والملاحظة فقط، فالثانية: هي الفرضيات العلمية، والأولى: هي الفرضيات اللاهوتية.
وتقوم العلوم كلُّها — ومنها الرياضيات — على فرضيات، فقد بَيَّنَ هنري بوانكَارِه ضرورتَها في كتابه «العلم والفرضية» الذي أَلَّفه إجابةً إلى طلبي.
وإنني — كمثالٍ على أهمية الفرضيات — أذكرُ مثالَ الأثير المنيع في الفيزياء ومثالَ الذَّرَّة غيرِ المنظورة في الكيمياء، فالأثيرُ والذرة هما من القُوَى العلوية التي نعزو إليها، مضطرين، من الخواصِّ العجيبة، المتناقضة في الغالب، ما لا بدَّ منه لتفسير الحوادث.
والعلمُ لا يَكْتَرِث لتلك المتناقضات، والعلمُ يَعْرِف، فقط، أن الفيزياء تنهار بغير فَرْضية الأثير الضرورية، فمن المتعذر أن يُستغنى عن هذه الفرضية كما كان يتعذر الاستغناء عن الآلهة في تفسير الكَوْن.
ويجب، إذَنْ، عَدُّ الفرضيات الدينية والخُلقية والاجتماعية من طِراز الفرضيات العلمية، فتلك وهذه وسائلُ قويةٌ للعمل ومُحْدِثَاتٌ للحقائق، والفرضيات الدينية إذا لم تكن صحيحةً صِحَّةَ الذَّرَّة والأثير فإنها من الضرورات اللازمة مثلهما، فبها قامت المجتمعات والحضارات وتقدمت.
وليس بضائرٍ للعلم أن يَظهر فساد إحدى فرضياته فيما بعد ما أَدَّت هذه الفرضية إلى بعض الاكتشافات، وليس بضائرٍ، أيضًا، أن يظهر عدمُ صِحَّة الافتراضات الدينية أو السياسية أو الاجتماعية ذاتَ يوم ما عاشت الأمم بهذه الافتراضات التي انتحلتها وأوجبت عظمتها، فبأهمية هذا الشأن — لا بقيمته العقلية — يجب أن يُحْكَم في أمره.
ولا يُلْتَفَت في ذلك إلى الدقائق اللاهوتية أبدًا، بل يُنْظَر إلى النتائج المادية الواضحة، فتاريخُ إحدى الحضارات هو تاريخ فرضياتها، ومن الفرضيات خَرَج من العدم ما نراه من الأهرام، والمعابد، والمساجد، والكنائس، وجميع العجائب التي أوجبتها عصورُ الإيمان. وبافتراضٍ دينيٍّ قامت دولةُ محمد العظمى، وبافتراضٍ ديني آخر انقضَّ الغربُ على الشرق أيام الحروب الصليبية، وبافتراضٍ دينيٍّ، أيضًا، فَرَّ الپيوريتان الإنكليزُ من الاضطهاد راغبين في ممارسة مذهبهم؛ فأنشئوا في براري أمريكة المهجورة مستعمرةً صغيرة لم تَنْشَب أن تَحَوَّلت إلى جمهورية الولايات المتحدة الواسعة بعد حين.
والإنسانُ لو لم يَتَّخِذ من الفرضيات ما يُسَيِّره لعاد إلى دور الهمجية، فالفرضيات وَجَّهَت الإنسان في طريقه الحائرة، وأعانته على إيجاد ما يلائمه من الحقائق، أي ما يناسب ذهنيةَ زمنه ومزاجَ عِرْقه النفسيَّ، وبدَوْر الفرضيات الوهمية أُعِدَّ عصرُ العقل.
ولذلك لا ينبغي لنا أن نَزْدَرِيَ الفرضيات التي عاش بها آباؤنا، أَجَلْ، إن كثيرًا من هذه الفرضيات لم يكن غيرَ أوهام لا ريب، بَيْد أن هذه الأوهام أوجدت لدى ملايين البشر آمالًا تُبْصِر فيها سِرَّ السعادة وأوجبت حدوث أنفع الحقائق، وأُنكرَ شأن الفرضيات العظيم في تطورنا طويلَ زمنٍ، مع أن الأمم لم تَسْتَغْن عنها قط، وستظلُّ محتاجةً إليها في كلِّ وقت على ما يحتمل، فالبشريةُ العاطلة من الفرضيات لا تدوم كثيرًا.