رابعًا: التاريخ الدائري
التاريخ الدائري هو التاريخ الأفقي نفسه دون فكرة التقدم المستمر وبداية الأدوار والأكوار؛ فالتاريخ هو الزمان، والنبوة أيضًا تقع في الزمان. والزمان بطبيعته زمان البشر وزمان الأحياء، له نشأة ونمو واضمحلال وفناء.
وتبزغ فلسفة التاريخ أحيانًا على استحياء من فلسفة العقائد؛ فالتاريخ ليس له موضوعٌ مستقل إلا من خلال قصص الأنبياء. ويتَّضح ذلك في «الرسالة المذهبة» للقاضي النعمان، من الإذهاب وليس من الذهب، إذهاب وساوس الشيطان وإحضار نور القلب وهداية العارفين. وهي رسالةٌ تدعو إلى الإمام الناطق العليم بالبواطن منذ البداية، وتتضمَّن مجموعة من الإجابات عن عدة أسئلة عن تفسير أسماء الله الحسنى ونفي الشرك بالله وبيان رتبة القائم وأبواب الصلاة ومناسك الحج تستغرق الفصل الأول كله. والفصل الثاني خمسة أسئلة أخرى عن الحدود العلوية السبعة. والفصل الثالث يضمُّ ثلاثة وأربعين سؤالًا عن موضوعاتٍ فقهية. الظاهر هو علم الفرائض، والباطن هو علم السياسة، مصدر فلسفة التاريخ. الظاهر العبادة العملية، والباطن العبادة العلمية.
تظهر فلسفة التاريخ من ثنايا التوحيد ضد الشرك ورتبة القائم القادر على فهم التوحيد بالتأويل، وتأتي الحدود العلوية السبعة ودور الناطق والمُتولي له والأساس حتى انقضاء الدور، والأنجم المدبرات ومنازل النجوم. وتأتي المادة وتنصرف من الأساس. وتسقط مواد الناطق عن أساسه بعد ارتقائه وذهاب غيبته، ثم البحث عن الأئمة، من مضى منهم ومن بقي.
(١) زمن النبوة
وكما يخرج التاريخ من النبوة تثبت النبوة من جهة الأزمنة؛ أي بالتاريخ. يتولد التاريخ من الزمان كما يتولد الزمان من النبوة. الزمان هو الذي يُعطي النبوة مادتها، والنبوة تُعطي الزمان صورته. وكما ظهر شرف الزمان بالشرائع الموضوعة لكل وقت منه، لكل يوم وشهر وسنة، أظهرت الشريعة أيضًا شرف الزمان عند طلوع الشمس وغروبها وتوسطها الفلك بأن أوجبت على الأبدان الصلوات فيها، وإلا مضى الزمان دهرًا بلا قيمة. الزمان قبل ظهور الشريعة خراب لا عمارة فيه، ثم عمرته الشريعة بما أوجبته فيه. الشريعة هي التي تُعطي الزمان شرفه في اللحظات المُتميزة.
والدليل على أن النبوة علة ما يتولد الزمان منه أنه قابل النبوة قد يخبر الناس بما يكون في الزمان المستقبل من النبوات.
والتضادُّ في الحكمة وفي النبوة واحد، منطق واحد يحكم الاثنين في التضاد، ومن جنس واحد عند الحكماء، والأبيض والأسود، وعند الأنبياء الصوم والإفطار. والتضاد تحت جنسَين مختلفين عند الحكماء العدل والجور، وعند الأنبياء النصارى والمسلمون. والتضاد كجنسَين في الحكمة الفضيلة والرذيلة، وفي النبوة الإسلام والنصرانية.
(أ) نسخ الشرائع
والرسل أكثر من واحد نظرًا لاختلاف الأوضاع؛ فقد أصبح الشيء مأمورًا به في عصر منهيًّا عنه في عصر آخر، مرغوبًا ومرهوبًا على التوالي، حلالًا وحرامًا، وكلاهما من مصدرٍ واحد على حقيقةٍ روحانية واحدة؛ لذلك لا يمكن لرسالةٍ واحدةٍ أن تجمع تطور البشرية كله؛ إذ تتطور الشريعة بتطور الزمان، ويتغير الناموس بتغير العصر.
لذلك وُجد التفاضل في الرسل. ولا يعني التفاضل اختلافًا في القيمة، فالكل من مصدرٍ واحد؛ ومن ثَم القيمة واحدة. الفضل في المرحلة التاريخية، السابق واللاحق، المتقدم والمتأخر؛ فالتقدم جوهر الزمان؛ وبالتالي جوهر النبوة.
وكل رسول يفضل الذي تقدَّم درجةً أو درجات. وليس الفضل بشخصه، بل بتقدم المرحلة، فضل المُتقدم على المُتأخر، واللاحق على السابق، والجديد على القديم، والناسخ على المنسوخ، والأواخر على الأوائل، والاجتهاد على التقليد، والتغير على الثبات، والوضوح على الغموض، والمُحكَم على المُتشابه، والمجمَل على المبيَّن، والحقيقة على المجاز، والمئوَّل على الظاهر.
ولا يعني النسخ التغيير والتبديل والانقطاع فقط، بل يعني أيضًا الاستمرار والتواصل مُحققًا جدل الثابت والمُتحول، الثبات والتغير من أجل تحقيق تغير من خلال التواصل، أو التواصل من خلال التغير، مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا.
لذلك قد تقع بين شريعتَين مشاركة في التحليل والتحريم، فتُشارك الشريعة الجديدة الشريعة القديمة في بعض وجوه لئلَّا تنفر عنها النفوس، فتكون استقامة الملك لصلاح الدين موجودة، وحتى لا يحدث اضطراب وحيرة وشك في نفوس الناس، فيقعوا في النسبية ثم اللاإرادية ثم العدمية، وحتى لا يُظهر الناس تعاندًا وتناقضًا بين الرسل فيؤمن بالبعض ويكفر بالبعض الآخر. وكلها حججٌ نفسية تربوية من أجل الإبقاء على التراكم الكمي في التاريخ الذي يؤدي إلى تغيرٍ كيفي.
وتختلف التغيُّرات الكلية في العقب والأزمنة والدهور فتخرب العامرة، وتعمر الخربة، ويصبح الأعزَّة أذلَّة، والأذلَّة أعزَّة. فالرسل من معدنٍ واحد، وتختلف أوضاعهم وشرائعهم، فيصبح الحلال حرامًا، والحرام حلالًا، والمأمور منهيًّا، والمنهي مأمورًا، دون أن يتغير الأصل، النبوة في الزمان، كالثابت في المتحول، والوحدة في التنوع.
وقد أثبت الرسل جميعًا مُعاينتهم لما لا يخطر على قلب بشر؛ أحدهم كليم الله، والآخر روح الله، وقولٌ ثالث أنه دنا منه حتى رآه. والكل يقول بأنهم عايَنوا الجنة والنار وساكنيها. كلام الله إذن له حدوده العلوية والسفلية. أما كلام المُتعالي الخالي من المقابلات، من جهة أمره المحض، فهو مُتعالٍ لا يقع عليه خلقه، بل هو علة جميع المخلوقين الجسماني والروحاني، الكثيف واللطيف.
(ب) النبوة والملك
وقد يُضاف الزمان إلى واحد من الملوك، ملوك الملة، فيقال إن الزمان هو الملك، إذا فسد فسد الزمان، وإذا صلح صلح الزمان. ومع ذلك هناك فرق بين النبوة والملك. المملكة لا تقوم إلا بالنبوة. النبوة منَّة من الله على من يشاء من عباده، والمملكة مُتنقلة بين الناس. النبوة تنزع الملك وتضمُّه إليها، في حين أن المملكة لا تستطيع أن تنزع النبوة وتضمَّها إليها. النبوة لا تحكم بأحكام الملك، في حين تحكم المملكة بأحكام النبوة. أحكام النبوة معدودة ومُتساوية ومُتوازنة، وأحكام المملكة غير معلومة ولا معدودة ولا مُتساوية أو موزونة، مجرد بحث ورأي. النبوة موجودة في بقعةٍ غير مُتنقلة، في حين لا تخلو بقعة من مملكة. النبوة ذات أسماء مختلفة، في حين أن المملكة مرتبطة باسم الملك. النبوة لا يمكن إرثها كليًّا أو جزئيًّا مثل الإمامة والوصاية، في حين أن المملكة يمكن توريثها للخليفة، وربما فات اللاحق السابق. في النبوة يُذكَر الرسول والإمام عند الأنبياء، في حين أنه ينقص ذكر الملوك السابقين في المملكة. تجمع النبوة مكارم الأخلاق، في حين قد يجمع الملوك مساوئ الأخلاق. ولا ينال النبوةَ أصحابُ النذالة، في حين قد يكون الملوك منهم.
لا توجد خصائص ثابتة للطبيعة تُقاس النبوة عليها وثباتها في نسلٍ واحد مثل فيلة الهند أو أحصنة العرب أو نمور أفريقيا. وخصائص الشعوب العامة مثل ضيافة بني مدلج، وزجر الطير في بني أسد، والخفة واللعب في أهل الهند، والصناعات العجيبة عند أهل الصين، والفلسفة عند اليونان، لا تعني أنها هِباتٌ طبيعية، بل بها قدرٌ كبير من الاكتساب طبقًا لحاجات البيئة؛ فقد كانت الفلسفة في الهند والصين وفارس. أما التوجُّع على مغادرة النبوة النسل فإنه يُعادل الفرح بقدوم النبوة عند شعب آخر؛ فالفقد والوجد منطقٌ واحد. وقد يكون الدافع على الرغبة في إبقاء النبوة في نسلٍ واحد هو إبقاء الإمامة في نسلٍ واحد؛ فلا يُعقَل أن تبقى النبوة في نسلٍ واحد، ولا تبقى الإمامة في نفس النسل؛ فالإمامة استمرار للنبوة وقراءة لها عبر التاريخ. ليس السبب في فساد الأمم انتقال الإمامة والخلافة خارج بيت النبوة، بل عوامل متعددة أخرى؛ فهذا مُعارض لروح الشريعة، «اسمعوا وأطيعوا ولو أُمِّر عليكم عبدٌ حبشي.» ولن يؤدي بقاء النبوة في نسلٍ واحد إلى طاعةٍ زائدة، وآدم نبي له نسلٌ خرج منه، ومحمد نبي وليس له نسلٌ خرج منه.
(٢) الأكوار والأدوار
ويُمثل أبو يعقوب السجستاني هذه الروح الجديدة في فلسفة التاريخ. وقد استشهد بالفعل في ثورة ٣٣١ﻫ قبل أن يتوفى الفارابي في بلاط سيف الدولة بثماني سنوات.
وقد استعمل إخوان الصفا من قبلُ هذين المصطلحين. لم يذكرهم السجستاني وهم من نفس البيئة الثقافية الشيعية التي خرج منها، ربما لم تكن رسائلهم معروفة في ذلك الوقت؛ فقد كانت جماعةً سِرية يصعب الحصول على كتاباتها.
(أ) جدل التاريخ
وكل نبي سابق يتضمن النبي اللاحق في حالة كُمون قبل أن يتحول من القوة إلى الفعل، ومن الكمون إلى الظهور.
ولكل دور سبعة أئمة مستقرُّون. والإمام المستقر هو الإمام الذي ساعد على تحويل النبوة إلى حركة في التاريخ وإلى ملك، وذلك مثل شيث أو هابيل لآدم، وسام لنوح، وإسماعيل لإبراهيم، وهارون لموسى، وشمعون الصفا لعيسى، وربما علي لمحمد.
الصامت والوحي والأساس مفاهيم مُتداخلة، وأحيانًا مُتمايزة؛ فهارون هو الصامت بالنسبة لموسى، ويوشع هو الوحي بالنسبة لهارون، في حين تتَّحد المفاهيم الثلاثة في باقي الصامتَين، سام وإسماعيل وشمعون وعلى. ولآدم شيث وقابيل؛ فأيهما الصامت والأساس والوحي؟ وإذا كان إسماعيل هو صامت إبراهيم، فماذا عن إسحاق؟ ومن هو صامت القائم وأساسه ووصيه، أم إنه ليس بحاجة لأن يقوم بهذه الوظائف؟ كما تذكر علاقة الهجرة عند كثير من الأنبياء هجرة إبراهيم من مسقط رأسه إلى أرض تهامة وشهابها، هجرة موسى من الشام إلى بيت المقدس ومجاورته التِّيه، هجرة محمد من مكة إلى المدينة. وهناك تشابه بين البداية والنهاية، بين آدم والقائم؛ آدم من الكشف إلى الستر، والقائم من الستر إلى الكشف. وبعد كل صامت يأتي ستة أئمة قبل أن يظهر ناطقٌ آخر، اثنان وأربعون إمامًا قبل أن يظهر القائم صاحب الدور السابع، صاحب الكشف والظهور. والصلة بين الناطق والأئمة مثل الصلة بين المقام والأحوال الصوفية. وقد نصَّب القائم بعد الغيبة خلفاء له بمثابة الأساس. وتقوم الوصية نصًّا مثل وصية محمد على علي بغدير قم. وقد يُحسَب عمر الناطق مثل تحديد عمر موسى بمائة عام وسبع سنين.
والحقيقة أنه يختلف الأمر في الاجتماع والسياسة؛ فقد يكون الذكر صامتًا والأنثى ناطقًا، وقد يكون المركز ناطقًا والمحيط صامتًا. قد تتبادل الأدوار بين الظاهر والباطن، قد يكون الباطن ظاهرًا، والظاهر باطنًا.
وكل دور له سمة؛ آدم والهبوط من الجنة، نوح والهبوط من السفينة، إبراهيم والهجرة، عيسى والرفع، محمد والهجرة، القائم والغيبة ثم الظهور.
ولكل دور أساس؛ آدم وإقامة الوحي، ونوح وإقامته من نجا من الغرق، وإبراهيم وإقامته إسماعيل، وموسى وإقامته يوشع وصيًّا، وعيسى وإقامته شمعون وصيًّا، ومحمد وإقامته عليًّا وصيًّا، والقائم وإقامته الخلفاء. الخمسة النطقاء كل قائم له وصي، بعكس آدم ونوح اللذين يُشاركان في الهبوط من الجنة ومن السفينة.
ولكل ناطق ضدٌّ طبقًا لقوانين الجدل والصراع؛ إبليس رمزًا للغواية ضد آدم، وابن نوح رمزًا للكفر ضد نوح، ونمرود رمزًا للعناد ضد إبراهيم، وفرعون رمزًا للطغيان ضد موسى، ويهوذا رمزًا للخيانة ضد عيسى، وأبو جهل وأبو لهب رمزَين للإنكار والكفر ضد محمد، والسلطان الجائر أيًّا كان وفي أي زمان رمزًا للطغيان ضد القائم. وقد أظهر فرعون الأضداد حتى أصبح رمزًا في الأدب الشعبي.
والإمام رأس الهرم، والقاعدة الأتباع. وكما تتبع القاعدة الرأس يتبع الأتباع الإمام. الإمام بحرٌ تصبُّ فيه كافة الأنهار والعيون والسواقي منه وإليه، مولِّد كهربائي يشعُّ نوره في المصابيح. الأئمة بشر في الظاهر، ولكنهم في الباطن وجه الله؛ لأنه لا يُعرَف إلا بوجهه. وهو يدل على العالم؛ وبالتالي فهو وجه الله، ويد الله لأنه يبطش به، وجنب الله. الإمام هو الذي يُحاسب البشر يوم القيامة، هو الصراط المستقيم والذكر الحكيم.
وعند المؤيد في الدين الشيرازي خلق الله أمثالًا وممثولات. جسم الإنسان مثل، ونفسه ممثول. والدنيا مثل، والآخرة ممثول، والأعلام التي خلقها الله وجعلها قوام الحياة، والشمس والقمر والنجوم مثل، وقُواها الباطنة التي تؤثر في المصنوعات ممثول.
ويظهر النطقاء بعد انتشار الفساد في الأرض؛ إذ ينتشر الفساد في الأرض وتعمُّ البلايا قبل ظهور الرسل والنطقاء؛ مما يستلزم النطقاء التفكير فيه. ولولا الفساد لما ظهر الرسل؛ لأن الرسول مجمع البركات؛ فالشر مقدمة للخير، والسلب على الإيجاب في جدل التاريخ. وتجديد الشريعة لا يلزم إلا بعد الدروس المُتقدمة والخبرات المُتراكمة. ولما كان المخصوص بالرسالة في أول أمره ضعيفًا، في حين يشتدُّ الفساد من الوباء والقحط والقتل والجور؛ مما يستدعي مقاومة الناس، يظهر النطقاء لقيادة الدعوة. وكلما اشتدَّت الأزمة اقترب الخلاص؛ فإذا ما خبأ نور الشريعة في قلوب الأمة، وأصبح تطبيقها لا يتم إلا بجهد ومقاومة، بل والاستخفاف بكل شريعة أخرى، يظهر النطقاء إلى أن تنتهيَ أدوارهم إلى أدوار الكشف، ويُلزمون أنفسهم بما اكتسبوا في أدوار الستر من الخير بموالاة الأولياء، ومن الشر لمتابعة الأعداء.
فإن قيل إن المعارف موجودة قبل الرسل عند الحكماء اعتمادًا على لطافة أذهانهم ومقاصد حكمتهم، يُقال إن الحكماء يتعلمون عن طريق التلميذ والأستاذ إلى ما لا نهاية، في حين أن الرسول لا مُعلم له إلا الله. كما أن الإفاضة العقلية تظل نسبيةً محدودةً معرَّضة للخطأ، في حين أن النبوة كاملةٌ صادقة. كما اجتهد الرسل في حفظ الصحة وحفظ الأمراض؛ فكل نبي حكيم، وليس كل حكيم نبيًّا. فقد عرف الرسل بلطافة أنفسهم وشرفها حركات الأنفس في كل دور، وكيف تتحدد بالأشخاص، وانشقوا بالصور الفنية بالقصور والجنان والخيام والأكواب، ووضعوا الموسيقى على الفِطَر الإنسانية والتآليف الروحانية. وكل ما لدى الحكماء لدى الرسل؛ فهم مُنجمون ومُهندسون ومُوسيقيون وأطبَّاء، وكذلك الرسل. وأضاف الرسل سياسة العامة وبناء المدن ووضع المحاسن وكيفية اللباس، ليس عن طريق الحكمة، بل عن طريق الصلوات في أوقاتها وما فيها من ذكر الله والثناء عليه وتسبيحه وتقديسه، وتوزيع الزكاة على الفقراء؛ ومن ثَم تفُوق سياسة الرسل سياسة الحكماء بما لديهم من قدرة على وضع ناموس شرعي وتدبير ديني.
(ب) الأدوار السبعة
لم تكن هناك أدوار قبل آدم؛ لأن الأدوار مرتبطة بنشأة الإنسان وبقصد استقلال وعيه عن الطبيعة، كمال العقل واستقلال الإرادة. ليست الأدوار للجن ولا الملائكة ولا الشياطين لأنهم غير مكلَّفين. هم خارج الزمان؛ وبالتالي ليس فيهم إمكانية التطور والتحول، وتحقيق مشروع الكمال العقلي والإرادي. هناك شياطين الإنس مجازًا الذين عكفوا على الظواهر فتباعدت أسفارهم، وشياطين الجن الذين اقتصروا على العلوم العقلية، وبعدوا عن إصابة الحق وإدراك الخفيات، فعزُّوا عن السمع؛ فالشيطان من الشَّطَن وهو البُعد.
ودور محمد هو دور القرآن. والحقيقة أنه قد تختلف القراءة والاشتقاق. القرآن من فعل قرأ قرآنًا، أو القرآن من فعل قرن أي قرانًا دون الهمزة. الأولى قراءةٌ ظاهرية، والثانية قراءةٌ باطنية. القرآن مقروء بطبيعة الحال، والقِران هو الربط والعقد بين طرفين، الله والعالم، المثال والواقع، العقيدة والشريعة، النفس والبدن، الكيف والكم، الصورة والمادة، العقل والحس، النظر والذوق، التنزيل والتأويل … إلخ. وهو معنى التوحيد؛ فالتوحيد قِران ضد الثنائيات المعروفة سلفًا في الديانات الثنوية الشرقية القديمة والديانات التطهرية التي تُضحي بطرف لحساب الطرف الآخر؛ المسيحية لحساب الروح، واليهودية لحساب البدن.
(٣) حساب الجُمل
ومن حساب الحروف والكلمات خرجت الأسماء والألقاب عند الشيعة؛ الناطق والصامت والإمام والمأذون والمستجيب والداعية والمهدي والأساس واليد والحجة وذو الامتصاص والحجة والقائم والباب والبلاغ واللاحق والجناح والوصي والمتم والخليفة وصاحب الكشف وصاحب الدور وصاحب الكور والمستودع، للدلالة على مراتب العلم الباطني ومستويات التأويل. ولا فرق في ذلك بين اللغة والوجود، بين الكلمات والأشياء، بين الحروف والظواهر الطبيعية، بين المعاني وفترات التاريخ.
(أ) الحروف والكلمات
هذا العالم المغلق بين الحروف والأسماء والأشياء والأئمة يعبِّر عن رغبة في السيطرة على العالم الضائع ببناء عالم مُحكَم تُسيطر فيه اللغة على العالم؛ فالحروف عناصر مشتركة يتكون منها الله والعالم والإنسان والتاريخ.
وتتداخل الموضوعات؛ فصاحب التأويل هو الإمام أو الأساس، وصاحب التأييد يعني الإمام، أولًا توجد فواصل واضحة في التأويل. القصد فقط هو إيجاد تناسق نفسي بين الفكر والوجدان، وليس وصف أشياء في الواقع، إبداع الخيال وليس تقرير واقع. والخيال أحد أبعاد الوجود الإلهي مع الجد والفتح.
وهو تفسيرٌ كوني للشهادة، وليس تفسيرًا ثوريًّا بفعلَي الشعور، النفي والإثبات، السلب والإيجاب، الرفض والقبول، وتفسيرٌ شيعي للصليب. وبين التشيع والنصرانية عناصر درامية مشتركة، استشهاد الحسين والمسيح، الشعور بالاضطهاد والمقاومة، التجسُّد والخلاص، الإشراق والمعجزات، وكما لاحظ الصوفية من قبلُ بين صلب الحلَّاج وصلب المسيح.
كان الهدف من ذلك عدم الوقوع في التشبيه كالأشاعرة، أو التعطيل كالمعتزلة، والدخول في مرموزات النطقاء، وتحويل الروحاني إلى جسماني عن طريق التأويل وعلم الإحاطة وعلم الانتهاء. ومع ذلك وقع الفكر الشيعي في الحرفية والتشخيص والتثبيت في واقعٍ معيَّن وفقد العمومية، مع أن الغاية من التأويل هو الخروج من اللفظ إلى المعنى، ومن التشبيه إلى التنزيه، ومن الجسماني إلى الروحاني.
كان الدافع هو الرغبة في إيجاد نسق وتناسق كردِّ فِعل على الفصم النفسي والسياسي والاجتماعي، من التنافر إلى التناسق، ومن اللاعقلي إلى العقلي، ومن عدم التطابق بين الآية والواقع إلى التطابق بين حروف الآيات وعالم التعويض.
وأفضل الأسماء المجموعة في «لا إله إلا الله»، وهي أربعة أشياء؛ اسمان لطيفان خاصيان «الله وإله»، وكلمتان عاميتان «لا وإلا». الأولى للنفي، والثانية للإثبات. يدل الاسمان اللطيفان على العقل والنفس اللذين هما أصلان للعالمَين العُلوي والسفلي. اسم الله دليل على العقل الذي يدل على وحدانية الله. ولما أبدع المُبدِع العقل جمع في صورته الثلاثة؛ النفس والناطق والصامت.
وتضمُّ الشهادة اثني عشر حرفًا؛ أي إن كل إمام يصل إلى المُستجيبين بواسطة اللواحق الاثني عشر. وهي ثلاثة حروف متكرِّرة تُشير إلى التنزيل والتأويل والتأييد، والتي بها قوام الحدود، كما تدل على الجد والفتح والخيال؛ الوسائط بين الروحانيين والجسمانيين. وهي نفي وإثبات، يُشير النفي إلى أهل الظاهر الذين يصفون تشبيهًا، ويُشير الإثبات إلى أهل الباطن الذين يعبِّرون تنزيهًا. وقد تقوم الشهادة على العدد اثني عشر، الأصلان والفروع الثلاثة والحروف السبعة في العالم الروحاني. والعالم الجرماني اثنا عشر، وكذلك أبراج الأرض وجزرها وحروف القلم واللوح والجد والفتح والخيال والعالم الوصفي وأبواب النطقاء، والعلوم في العالم الوضعي من جهة اللواحق.
والشهادة في مجموعها بصرف النظر عن تَكرار الحروف، ثمانية وعشرون حرفًا، أربعة في سبعة؛ الأربعة النطقاء والأوصياء والخلفاء والأنحاء، وكلٌّ منهم سبعة أئمة.
«لا إله إلا الله» أربع كلمات؛ اسمان لطيفان وخاصان؛ الله وإله. الله يعني العقل، وإله تعني النفس. وكلمتان عامتان جاريتان؛ لا وإلا، نفي واستثناء. والله من أربعة حروف؛ الألف للعقل، واللام الأولى للنفس، واللام الثانية للناطق، والهاء للصامت. ومجموع حروف «الله» و«إله» سبعة، وهي الحروف العلوية. وحروف الله في مُقابل صلاة الفجر. والعقل ثلاثة حروف؛ النفس والناطق والصامت. والألف واللام سجدتان للناطق، وركعتان للصامت. الحد العُلوي القلم واللوح، والحد السفلي الناطق والصامت.
«لا إله إلا الله» خمسة حروف؛ الإمام، واللاحق، والجناح، والمأذون، والمستجيب. والحواس الظاهرة هي الحدود الجسمانية الخمسة؛ البصر للناطق، ضوء الشمس. العين لا ترى إلا المشاهد في حين أن الناطق يرى الأجسام عن بعد، والأذن تسمع من قريب. واليد الداعي بدلًا من اللمس. والأنف تبحث عن مكان في النسق.
وتعبِّر هذه الثنائيات عن رغبة في التطهر والتعويض عن الواقع في البداية؛ فالمثال تعويض عن الممثول وليس ثورة عليه.
ومن قطع الأساسين وبين الفرعين ودعا النجدين دون الآخر ملعونٌ منفي مطرود من رحمة الله في العاجل، ومن ثواب الله في الآجل. وقد قال أمير المؤمنين: الرحمن من الرحمة، والرحيم من المغفرة. أي إن من الناطق الإيقاظ والإعذار والإنذار رحمةً لهم، ومن الصامت البيان والهداية، وبها تقع المغفرة للأنام. وباطن الأساس لا يناله إلا الموحِّدون.
والألف الناقص في «بسم» و«إله» هو الألف من الحروف، وصلاة المغرب هو الانتصاب. الألف دليل العقل، ولا يتصل بالحروف مثل العقل في حين أن الباء تتصل بالحروف.
وقد أسقط الرسول البسملة من براءة لأن الباب في أولها أمر الغضب؛ أي إنه يمكن تأويل الآيات والحروف تأويلًا ثوريًّا سياسيًّا غاضبًا، وليس فقط تأويلًا ميتافيزيقيًّا إشراقيًّا رمزيًّا.
حروف | ركعات | العدد | الشرح | |
---|---|---|---|---|
بسم ب س م النفس |
٣ مثل إله | المغرب | النقطة | أربعة حروف بالقوة والرمز النفس هو العقل بالقوة متصلة بالحروف. |
الله أ ل ل ﻫ العقل |
٤ حروف | |||
الرحمن الناطق |
٧ حروف ٦ + خفي ظاهر |
النطقاء ستة معروفون بأسمائهم ظاهرون عند اللبية مخفيون عند القشرية. ألفان، خفية وظاهرة. | ||
الرحيم | ٦ حروف | الأساس ستة ظاهرة ألف واحد ناطق | ||
الأساس |
وهكذا تتحول الحروف إلى علمٍ شامل مُطلَق. البداية بالحروف، ثم بالكلمات، ثم تتجسم في الجواهر. وتظهر الدلالات الرمزية تُزحزح المعاني اللفظية. ولا تتساوى الحروف كلها في الأهمية؛ فأهمُّها الألف واللام، حتى تنقيط الحروف وأشكالها لها دلالات على الأئمة. إن ضياع كل شيء يؤدي إلى الحفاظ على أي شيء. ضياع المُتناهي في الكبر يؤدي إلى الحفاظ على المُتناهي في الصغر، والغنى الفاحش يؤدي إلى البخل الشديد لمعرفة قيمة المال والثورة. وقد يصل تأويل الحروف أحيانًا إلى حد الأسطورة بلا برهان؛ فالحروف العشرة خمسة منها بلا نقط تكون روحانية، وهي: أ، ل، ح، م، ﻫ؛ وخمسة منها بنقط تكون جسمانية، هي: ن، ز، ي، ش، ب.
وقد يتم الجمع بين حروف البسملة وحروف الشهادة؛ فاللام طول وعرض، وتُشير إلى الشمالي، هوية بسيطة بالنسبة إلى السابق. والهاء طول وعرض وعمق، تُشير إلى الجد، ثالث الحدود الروحانية، وتعني التأييد المُتحد بالناطق، كما تدل على الناطق والجد والنفس والعقل. والحاء تُشير إلى الفتح. وتكون هذه الحروف الناطق والأساس. والميم تُشير إلى الخيال، والنون إلى الناطق، والراء إلى الأساس.
ثم يتم الانتقال من الطبيعة إلى الأئمة. فالعوالم أربعة؛ الوصفي، والعنصري، والفلكي، والروحاني. الأولان كثيفان، والآخران لطيفان. الوصفي ابتداءً من الناطق والقيامة، والعنصري هو الجرماني ابتداءً من الهيولى والصورة، والفلكي ابتداءً من الفلك المستقيم وفلك البروج، والروحاني ابتداءً من القلم واللوح.
وتُقابل هذه العوالم الأربعة الفروع أو الأئمة أربعة؛ المأذون، واللاحق، والدليل (الداعي)، والإمام. الأولان كثيفان لا حظ لهما في التأييد، والآخران لطيفان. واللاحق يقبل العلم بالخيال، ويؤدي بالكلام والحروف. والفروع في القوة لأن النفس هي العاملة بالقوة. وكلما تقدَّم الفكر الشيعي في التاريخ زاد التراكم، وظهر التجميع، وقلَّ الإبداع.
وأهم حرف هو الألف الناقص في كلمتَي «بسم»، «إله»، وهو الناطق، ومن صلاة المغرب ركعة، والانتصاب دليل عليها. تدل على العقل، وتنقص النفس. تتصل الحروف بالألف في حين أن الألف لا تتصل بها، مثل العقل الذي لا يتصل بالحدود في حين تتصل الحدود به. وباقي الحدود تتصل بالنفس والعقل، العقل أو الحدود، والثاني النفس ألف العقل، وباء النفس؛ لأن ألف أول الحروف، وثانيها الباء. العقل واحد في العدد، ومركز الدائرة في الهندسة والنفس المحيط. والباء أول نقطة على الخط، ابتداء كل عمل وقراءة كل شيء، في البسملة وفي سورة «براءة».
وتضمُّ البسملة كلماتٍ أربعًا هي الأصول الأربعة. بسم ثلاثة حروف، مثل إله، وتُقابل النفس. حروفها عشرة؛ نِصفها مشمولة بالنقط، والنصف الآخر لا نقاط فيها.
وتدل الحاء على الفتح. يُشاكل الجد، ويُشبه الخيال لأنه الواسطة. والجدان الفتح والجد. والخيالان الخيال والفتح، الفتح واسطة بين النطقاء والأسس، شكل الخيال الذي به تفتح اللواحق من الأنحاء.
وتُئوَّل صفات التجسيم في الأئمة؛ فالوجه دليل على السابق، والعينان الأصلان والحدان والخيال، ظاهر وباطن، شمال ويمين. والنفس النفس الكلية، واليدان الأصلان، والسماء الناطق من السمو بالعلم والتأييد السامي، والأيدي الأصلان والفروع، والسموات النطقاء وأرباب الظواهر، ودعوتهم مطوية في التأويل وفضائلهم فيه.
الصفات والذوات هي الحدود الروحانية الدالة على وحدانية الباري؛ لأنه أقام كل واحد منهم داعيةً إلى توحيده بأمره، وأضاف الصفات الواقعة عليها إلى هويته. وقد أضاف الرمي إلى هويته وإن كان الرامي غيره؛ ولذلك أضاف الصفات إلى هويته وإن كان الموصوف بها غيره.
الله ثلاثة حروف. الألف العقل، واللام النفس، والهاء الأساس. الرحمن ألفان، والرحيم ألف. وهذا يدل على أن للناطق مثل ما للأساس من العلم، مرتبتان لأن للذكر مثل حظ الأنثيَين! والألفان في البسملة خمسة. والحدود أربعةٌ روحانية؛ النفس والجد والفتح والخيال. النفس من أثر العقل، والجد خاصة الرسول، والفتح خاصة الوحي، والخيال خاصة الإمام. الجد للتأييد، والرسول رسول ووحي وإمامٌ يجمع بين الجد والفتح والخيال، والوحي وحي وإمامٌ يجمع بين الفتح والخيال، والإمام إمامٌ يختصُّ بالخيال.
العقل والنطق والحس والنمو من آثار العالم العقلي، وكل مجموعة في الصور الروحانية وهو الإنسان. وهذا دليل على أن مرتبة الأساس موجودة في الناطق، ومرتبة الناطق معدومة في الأساس.
الفتح هو البيان، والخيال هو القوة الموهبة لمن أُكرمَ بالقوتَين، الجد والفتح، حتى تكتمل له الذات الروحانية. والحروف العلوية السبعة أن كل صاحب دور أسقط من العالم الروحاني ما أمكنه من تأليف شريعته وإنشاء تنزيله وسياسة أمته. وهو عالم العقل والنفس. الكلام أول دليل على إثباته، والكلام حروف، في حين أن الكلام الحقيقي جوهر العالم الروحاني يُعبَّر عنه بالأمثال والتشابيه وصور اليوم الآخر من كل رسول طبقًا لتأليفه، وحدة المعنى وتعدُّد الألفاظ. تغيَّرت الرسالة طبقًا للرسل السبعة والحروف السبعة والنطقاء السبعة ليكون لهم القدرة على إنشاء الشريعة وتأليف التنزيل إلى أن يستطيع الوصول إلى الكلام الحقيقي العري عن الأمثال.
والألفات والبسملة خمسة؛ أربعة حدود روحانية هي النفس والجد والفتح والخيال، وكلها من العقل. والألفات الخمسة ألف غير ظاهرة هو الجد، واثنتان ظاهرتان في اللفظ.
والكاف في الهجاء ثلاثة أحرف، وهي الثلاثة حدود العلوية؛ الكلمة والسابق والتالي. والنون في الهجاء أيضًا ثلاثة أحرف، وهي الثلاثة حدود العلوية الأخرى؛ الجد والفتح والخيال. وهي مثل على الحدود السفلية؛ الناطق والأساس والإمام والحجة والداعي واللاحق، تُقابلهم الأيام الستة التي تم فيها خلق السموات والأرض وما فيها. الحدود العلوية مثل، والحدود السفلية ممثول.
وهذا كله من إبداعات العقل. يختلط فيه الزمان بالمنطق بالحياة وبالأخلاق وبالتاريخ. فإبداعات العقل سبعة؛ الدهر، والحق، والسرور، والبرهان، والحياة، والكمال، والغيبة. وكأنها صفات الله السبع عند الأشاعرة. فتنبع فلسفة التاريخ من الفلسفة الإشراقية، ويخرج الواقع من صنع الخيال.
وتبلغ ذروة التأويل عند الشيعة في نظرية «المثل والممثول»؛ فقد ظهر اللفظان عند القاضي النعمان كنظرية في تأويل الشرائع تقوم على ثنائية اللفظ والمعنى، الدال والدلالة، الماهية والواقع، الروح والبدن. لا يدخل الجنةَ إلا من تجاوز المثل إلى الممثول، والفظ إلى المعنى، والظاهر إلى الباطن.
(ب) الأسماء والألقاب
وتعني الأسماء ألقاب الأئمة ودلالاتها على الدعوة ومراحلها؛ فالتشيع دعوةٌ سِرية كما تدل على ذلك ألقاب دعاتها. وتتراوح هذه الألقاب بين الاثني عشر والسبعة والستة في تراتبٍ تنظيمي بين الأعلى والأدنى، الرئيس والمرءوس. ويختلف الشيعة في هذه الألقاب؛ فالإمام النزاري مثلًا يجعل رتبة الشيخ بدلًا من داعي الدعاة. وهي مراتب الموجودات، ومراتب الصنعة الإلهية، ومراتب الصنعة النبوية أو علماء الدين في آنٍ واحد، لا فرق بين العالم والله والإنسان.
ويُلاحَظ أن التأويل أعلى من التنزيل ويأتي بعده، وأن مهمة الإمام تنفيذيةٌ خالصة، وأن مهمة الباب والحجة معرفية في التمييز بين الحق والباطل، وأن البلاغ محاجَّةٌ كلامية لإثبات المعاد، وأن الداعي المطلق والمحدود مهمتهما تحديد المفاهيم العُلوية والسفلية، وأن مهمة المأذون المطلق والمحدود جمع الناس وربطهم بالميثاق وتطهير أنفسهم، في حضور الإمام أو في غيابه.
وفي اثني عشرية أخرى: الرسول، والأساس، وهما الأساسان. ثم الإمام وهو المتمم، والحجة وهو اللاحق، وهما معًا الفرعان. واليد، وذو الامتصاص، والداعي وهو الجناح، والمأذون المطلق، والمأذون المحدود، والمؤمن، والمستجيب دون الثاني عشر. فالناطق هو الرسول، والداعي والجناح مرتبتان مرةً ومرتبة واحدة. والداعي نوعان مطلق ومحصور مرة، وداعٍ فقط مرةً أخرى. ثم تختلف الأسماء في الباب والبلاغ واللاحق مرة، وفي اليد وذي الامتصاص والمؤمن والمستجيب مرةً أخرى.
الناطق أي الإعلان وليس الجسد. والأساس هو الوحي، أساس المؤمنين والأئمة واللاحق ودور الكشف، وكلاهما الأصلان؛ أي التنزيل، الرسول والوحي الأساسان، والتنزيل والتأويل للدين والدنيا. بالتنزيل عصمة الرجل وماله، وبالتأويل حياته وروحه ونجاة نفسه. والإمام هو المُتمم؛ أي بالأئمة تتم أدوار النطقاء، ويرتقي السابع من مرتبة الإمامية إلى القائمية. والحجة هو اللاحق؛ لأن الإمام لا يُقيم حجته على أهل زمانه من نفسه لعظم الأرض، فقسَّمها طبقًا لأقسام الفلك الاثنتي عشرة جزيرة بإزاء بروج السماء، وسبعة أقاليم بإزاء السبعة أفلاك، وجعل في كلٍّ منها حجة، وفي كل جزيرة لاحق يدعو الخلق لدين الله. واللاحق من اللحوق؛ لأن التأييد خاصٌّ لا يتعدى واحدًا في كل زمان. ولكل لاحق خليفة، وله قسط من تأييده. ويُشار إلى الإمام والحجة بلفظٍ واحد، وهما فرعان من الأصلين. في العالم الجسداني أساسان، وفي العالم الروحاني أصلان. واليد لكل لاحق يعتمد عليه ويثق به ويقوم مقامه، وبمقدار عدد اللواحق توجد الأيادي. وذو الامتصاص صفة لبعض المُختارين يمتصُّون بها ما يترجم باللسان وماضيه من حلاوة ودراية. والداعي أو الجناح معتمد على اللواحق في الدعوة لنشرها ظاهرًا وباطنًا طائرين مثل الأجنحة، وتسليمها إلى المأذون المطلق أو المحدود. والمؤمن من عرف صاحب زمانه نسبًا واسمًا وسكنًا وبيعة، ووقف على مجاري الأكوار والأدوار ومراتب الأسابيع وكيفية البعث والثواب والعقاب. والمستجيب من استجاب لدعوة الحق، وانقاد لمعرفة التوحيد والحدود العلوية والسفلية، ومعرفة مُتشابهات التنزيل والشريعة التي لا يعرفها أهل الظاهر.
وصفات الفعل تعبِّر عن الأكوار والأدوار من أعلى إلى أدنى؛ الحكماء أربعة والأوصياء أربعة في كور الإقرار، ثم أدوار أربعة في كور الإقرار يضمُّ ثمانية وعشرين، ثم النطقاء الأربعة والأسس الأربعة والأنحاء الثمانية والعشرون في الأدوار الأربعة في كور التعبد، ثم الناطقان والأساسان، ثم الأنحاء الأربعة عشر في دورين، ثم صاحب الكشف، ثم الخلفاء الثمانية في دور العلم. ويكون المجموع تسعة وتسعين اسمًا.
الاسم الذي لا مسمَّى له هو الجد، المرتبة الأولى. والمسمَّى الذي لا اسم له هو المستجيب، المرتبة الأخيرة. وما بينهما اسم ومسمَّى، علة ومعلول. الصفة والاسم طرفان، والمصدر وسط، كما أن العقل والحدود طرفان، والنفس وسط.
الناطق | الصامت الأساسي | العلاقة | السمة | المرحلة |
---|---|---|---|---|
آدم | قابيل | التوبة | التوبة، الهبوط إلى الأرض قبول التوبة وإقامة الوحي | من الكشف إلى الستر |
نوح | سام | السفينة | الهبوط من السفينة إلى الأرض | الأمن من الغرق |
إبراهيم | إسماعيل | الهجرة | ||
موسى | هارون، يوشع | الهجرة | ||
عيسى | شمعون | الرفع إلى السماء | ||
محمد | علي | الهجرة | الغيبة ثم الحضور | من الستر إلى الكشف |
١ | ٢ | ٣ | ٤ | ٥ | ٦ | ٧ | |
---|---|---|---|---|---|---|---|
النطقاء | آدم | نوح | إبراهيم | موسى | عيسى | محمد | القائم |
الأوصياء | شيث | سام | إسماعيل | يوشع | شمعون | علي | المهدي |
الأئمة | علي | حسن | علي | محمد | جعفر | إسماعيل | محمد |
الدرجات | معدن | نبات | حيوان | إنسان | حسن | ملك | انتهاء |
المراتب | مستجيب | مأذون | داعٍ | حجة | مُتم | وصي | ناطق |
-
ك = نوح
-
ل = إبراهيم
-
م = موسى
-
ا = عيسى
-
ت = محمد
اليوم | ١ | ٢ | ٣ | ٤ | ٥ | ٦ |
---|---|---|---|---|---|---|
الحركة | علو | سفل | يمين | شمال | أمام | خلف |
القوى | الحركة | السكون | الهيولى | الصورة | الزمان | المكان |
الجسد | اليدان | الرجلان | الظهر | البطن | العنق | الرأس |
الله | أ | ل | ل | ﻫ |
الكلمة | ك | ل | م | ﻫ |
التأييد | التركيب | التأليف | التأويل | |
الأئمة | السابق | التالي | الناطق | الأساس |
الأركان | النار | الهواء | الماء | الأرض |
الأوتاد | بيت الحياة | بيت العاقبة | بيت الخصومة | بيت الرفعة والسلطان |
الحروف | العين | الحاء | الخاء | الهاء |
العقل | النفس | الصورة | المادة | |
الذوات | الهموم | القول | الكتابة |
لا | إله | إلا | الله | ٤ كلمات |
---|---|---|---|---|
التسبيح | الإضافة | الابتهال | التعظيم | ٤ كلمات |
فصل | فصلان | فصلان | فصلان | ٧ فصول |
حرفان | ثلاثة حروف | ثلاثة حروف | أربعة حروف | ٧ حروف |
السابق | التالي | الناطق | الأساس | ٤ أئمة |
الأصلان | الأساسان |
لا | كلمة عامية | نفي | الركوع | دليل الصامت | |||
إله | اسم لطيف | النفس | العالم السفلي | المغرب | التالي | ||
إلا | كلمة عامية | إثبات | سجدتان | دليل على الناطق | |||
الله | اسم لطيف | العقل | العالم العلوي | الفجر |
الحرف | الشكل | الجوهر |
---|---|---|
(١) أ | خط طول | العقل السابق |
(٢) ل | خط عرض | النفس التالي |
(٣) ح | عرض وقوس | الفتح |
(٤) م | طول وعرض | الخيال |
(٥) ن | قوس | الناطق |
(٦) ر | قوس | الأساس |
(٧) س | طول وعرض وعمق | اللاحق |
(٨) ي | عرض وقوس | الإمام |
(٩) ﻫ | طول وعرض وعمق | الجد |
(١٠) ب | عرض | الجناح |
العالم الجسداني | الأمهات الأربع | الكواكب السبعة | البروج الاثنا عشر | الطبائع الأربع | الأعضاء السبعة الباطنة | الأعضاء الاثنا عشر الظاهرة |
---|---|---|---|---|---|---|
١ | النار | زحل | الحمل | الصفراء | الدماغ | الرأس |
٢ | الهواء | المشتري | الثور | الحمراء | القلب | الوجه |
٣ | الماء | المريخ | الجوزاء | السوداء | الرئة | العنق |
٤ | الأرض | الشمس | السرطان | البيضاء | الكبد | الصدر |
٥ | الزهرة | الأسد | الطحال | البطن | ||
٦ | عطارد | السنبلة | المرارة | الظهر | ||
٧ | القمر | الميزان | الكليتان | اليدان | ||
٨ | العقرب | الفخذان | ||||
٩ | القوس | الرجلان | ||||
١٠ | الجدي | القدمان | ||||
١١ | الدلو | |||||
١٢ | الحوت | الذكر |