رابعًا: الأخلاق الطبيعية والدينية (إخوان الصفا)
وهي في كل مراحلها أخلاقٌ إنسانية يظهر فيها لفظ الإنسان كما هو الحال عند الفارابي، لا تعتمد على العقل وحده أو الذوق وحده، بل أيضًا عن الروايات عن الصحابة والأولياء والحكايات عنهم، واعتراض أحدهم على الله لماذا خلق، وعلى الجدل القرآني كما هو في الحديث الشريف «وحجَّ آدم موسى»، وهو أضعف جزء في الرسائل لأنه صوفيٌّ خالص، يضع تقابلًا بين الحقيقة والشريعة، الحقيقة والطريقة.
(١) الأخلاق الطبيعية (الجغرافية)
وهي أخلاق البيئة التي تخضع لها الأمزجة الفردية والتكوينية العضوية طبقًا لأحكام النجوم؛ فالأمزجة أربعة طبقًا للعناصر الأربعة: الأرضي، والناري، والمائي، والهوائي. وهي الأخلاق الأرضية التي تتحكم فيها الطبيعة «البيولوجية». يُعطي الإخوان تفسيرًا ماديًّا للأخلاق عن طريق الأمزجة، وإن كانت حركات الكواكب هي التي تؤثر علة تركيب الأفلاك، فتُسيطر الخرافة على العلم كما يُسيطر الأعلى على الأدنى. وهناك الأخلاق الفلكية؛ أي أثر النجوم والأفلاك في الأخلاق ثم في السلوك؛ فالسماء تتحكَّم في الأرض، والحتمية الكونية تحتوي الحرية الإنسانية، الطبيعة المريخية تؤدي إلى التعصب والجدل، والطبيعة المشترية تؤدي إلى الزهد والورع. وماذا عن باقي الأفلاك العشرة؟
وتتوالى هذه الثنائيات على كافة المستويات؛ العضوية مثل الحياة والموت، الشبابية والهرم، النوم واليقظة، المرض والصحة؛ والنفسية مثل العلم والجهل، التذكر والغفلة، العقل والحماقة؛ والأخلاقية مثل الفجور والعفة، البخل والسخاء، الجبن والشجاعة، الألم واللذة؛ والاجتماعية مثل الصداقة والعداوة، الفقر والغناء، الخير والشر، الخوف والرجاء، الصدق والكذب، الحق والباطل، الصواب والخطأ، القبح والحسن.
وبالمثل للحرية الإنسانية الأخلاق نوعان؛ جِبلَّة بسبب الأخلاط والأمزجة أو البيئة أو النجوم؛ ومكتسَبة بالتعليم. والجبلَّة هي الأخلاق المطبوعة وهي الأصل، والأخلاق المكتسَبة هي الفرع.
واختلاف الأخلاق ليس للمزاج ولا للقرانات للأفلاك والمواليد طبقًا لها؛ فهذه حتميةٌ كونية تُمحى مع المسئولية الفردية وأفعال الاختيار.
أخلاق الدنيا بالطبيعة، وأخلاق الآخرة بالاكتساب. الأولى بالفطرة، والثانية بالجهد. والسؤال هو: لماذا لا يكون العكس صحيحًا؛ اختيار الدنيا بالإرادة، والذهاب إلى الآخرة باندماج الروح خاصةً إذا كانت الطبيعة خيِّرة؟ ولماذا لا يكون كلاهما طبيعة أو كلاهما حرية دون الوقوع في نظريةٍ تطهُّرية مُتشائمة في الطبيعة، ومُتفائلة للروح، والتي عندها تنتفي المسئولية والجزاء؟ ما دامت الأخلاق في الجبلَّة فلا مسئولية ولا حساب، لا فرق الحتمية الطبيعية والحتمية الاجتماعية والحتمية الدينية.
وأخلاق الاكتساب منها ما يُحكَم عليها طبقًا للقاموس وطبقًا للعقل؛ أي وجود معيار للحكم على أخلاق الإرادة الحرة. ومن هذا التقابل الثنائي بين الطبيعة والاكتساب انقسمت أخلاق النفوس أربعة أقسام؛ المكتسَبة بالعادة، العلوم التعليمية، الآراء المعتقدة، والأعمال المكتسَبة للاختيار والإرادة. وهي قسمةٌ غير دقيقة، أطرافها العادة والاختيار، ووسطها الرياضيات والعقائد. وربما الرابطة بينهما البرهان، حضورًا في التعاليم وغيابًا في الاعتقاد. الطرفان عمل، والوسط نظر.
والنفوس ليست صفحةً بيضاء كما يقول الإخوان لوجود الأفكار الفطرية والنور الطبيعي، وإلا تحوَّلت الطبيعية إلى مجرد انفعال، والاكتساب إلى فعل، وكما أصبح الإنسان البالغ العاقل قابلًا على المعارضة والمقاومة لما يكتسبه من المجتمع. وإذا كانت الأخلاق طبعًا وعادات، فإن أعمال الناس في ظاهر أمورهم تكون بحسب أخلاقهم التي تطبَّعوا عليها، أو بحسب عاداتهم التي نشَئوا فيها، أو بحسب آرائهم التي اعتقدوها دون أن يقلِّل ذلك من شأن حرية الأفعال.
وليست الشعائر فقط رموزًا كونية، بل هي أيضًا عمليات، الجودة بالربح أو الخسارة تحت أثر المجتمع التِّجاري وأخلاق التُّجار، وهو كذلك في كل دين، في اليهودية قبل أن تحوِّلها المسيحية إلى شعائر روحية خالصة، انتقالًا من ملكوت الأرض إلى ملكوت السماء. وقد حاول أبو حيَّان ذلك من قبلُ في تأويل مناسك الحج العقلي إذا ما ضاق الفضاء عن الحجة الشرعية.
ويمكن تأويل مناسك الحج على نحوٍ اجتماعي، كنوع من الحلول الوسط مع ديانات العرب قبل الإسلام، والارتباط بها والتواصل معها، قبل أن يحوِّلها إخوان الصفا إلى دين العشق والمحبة اشتقاقًا من لفظ الخليل.
(٢) الأخلاق الفردية والاجتماعية
ينقد الإخوان العلماء المزيَّفين المتشبِّهين بأهل العلم والمُوالين لأهل الدين، الجاهلين بالفلسفة والشريعة وادعاء النظر في خفيَّات الأمور، وهم لا يعرفون أنفسهم التي هي أقرب الأشياء لهم، ولا يميِّزون الأمور الجلية، ولا يتفكَّرون في الموجودات الظاهرة المُدرَكة بالحواس، المشهورة في العقول، ثم ينظرون في الطفرة والجزء الذي لا يتجزَّأ، وغيرها من الأمور المتوهَّمة التي لا وجود لها في الهيولى، وهم شاكُّون في الأشياء الظاهرة الجلية، ويدَّعون المُحالات بالمُكابرة والحِجاج، كذَّابون على الأنبياء ينتحلون ولا يتحققون، يدَّعون ما لا يعرفون، يتكلمون فيما لا يُحسنون، ويهيمون في أودية ما يتوهَّمون، ويقولون ما لا يفعلون، توجُّهًا من وصف القرآن الكريم للشعراء، وهم علماء الكلام والنفوس.
ويمكن الاعتراض على هذه الأخلاق بأن الدعوة إلى الفتوح للذي ليس له علم ولا مال دعوةٌ إلى الرضا والاستكانة دون حث على المطالبة والتغيُّر نحو الكمال. ولا يخلو الأمر من تأويلٍ رمزي للأعداد؛ فالأربعون عددٌ رمزي وَوَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، كما أتت النبوة في سن الأربعين في المرتبة الثالثة.
وأخيرًا يركِّز إخوان الصفا على الصداقة، موانعها وكيفية اكتسابها ومعاشرة الإخوان. ما يمنع من الصداقة تراكُم الجهالات، ورداءة الأخلاق بحسب الجهالات المُتراكمة، وفساد الآراء حسب الأخلاق الرديئة منذ الصِّبا، وسوء الأعمال بحسب الآراء الفاسدة، كل مرتبة عُليا قائمة على المرتبة الدنيا، وكل مرتبة دنيا تتَّجه إلى المرتبة العليا. والبداية بالمعرفة وتصفية النفس من الجهالات.
وهناك أربع جهالات مانعة من الصداقة؛ الجهة وكيفية انبعاث النفس، والجهل بسبب ربط النفس بالجسد، والجهل بكيفية ربط النفس، والجهل بالفرق بين النفس والجسد. المانع من الصداقة في كل الموانع هو الجهل بصلة النفس بالبدن التي يسمِّيها الإخوان «ربط» في لفظٍ مادي حسي، وما دامت لا تعرف النفس كيف تُفارق فلا خلود ولا فوز.
وتتم معرفة النفس قبل معرفة العالم كما هو الحال في العبارة الشهيرة للسيد المسيح: «ماذا تربح لو كسبت العالم وخسرت نفسك؟»
وكل إنسان مركَّب من جوهرَين؛ الجسد، وهو لحم وجِلد وعظم وعصب وعروق؛ والنفس، وهي جوهرةٌ سماوية، روحانية نورانية، علامة إدراكه لصور الأشياء. وهي ثنائيةٌ حادَّة بين النفس والجسم نظرًا لوجود عناصر مُتوسطة بينهما، مثل المخ والأعصاب. ليس السؤال كما يرى الإخوان كيف يتم خلاص النفس من هذا الجسد، بل كيف يتم بقاء النفس في هذا الجسد. هذا هو تحدِّي العصر؛ البقاء وليس الفناء.
وأكبر مصيبة سوءُ اختيار الإخوان؛ فمن الناس من لا يصلُح للصداقة على الإطلاق، وهم الأصدقاء المزيَّفون أصحاب الخصال السيئة، الطرف الثاني في الثنائيات المُتضادة، من يتشكل بشكل الصديق، ويدلِّس بالموافقة، ويُظهر المحبة والبغضاء في صدره وضميره. والسؤال هو: ألا يمكن الحب والصداقة بين الضدَّين للتكامل؛ فحب النقيض للنقيض حياة، وحب الشبيه للشبيه ملل؟
والإخوان لا يكفِّرون أحدًا على عكس الخوارج، والناس كثيرو التلوُّن إلا الإخوان. صداقتهم قرابة رحم، يعيشون معًا، ويرثون بعضهم لأنهم نفسٌ واحدة وأجسامٌ مُتفرقة، وهم الأعوان على أمور الدنيا، أعز من الكبريت الأحمر.
(٣) الأخلاق العقائدية
للعقائد أثرٌ حسن أو سيئ على النفس؛ وبالتالي في السلوك. ولا يخصِّص الإخوان لذلك فصولًا خاصة أو أقسامًا أو فواصل، ويقدِّمون عدة نماذج لذلك مع أنها كثيرة لا يمكن إحصاؤها، تتعلق بوجود الله والإمامة، ذات وصفات وأفعال، والنبوة والمعاد والحشر، والإيمان والعمل.
فإذا كان صاحب القول بقِدم العالم دون صانع أو مدبِّر سعيدًا، فلماذا يخاف الموت ويندم في الآخرة، ويشهد الحسرة والندامة والخُسران؟ وإن كان شقيًّا وأسوأ حالًا وشقاءً في الدنيا والآخرة، ولا يدري المؤمن الذي يقول بصانعَين أين الخير لفعله وأين الشر لتجنُّبه، فيعيش حيران. والقول بأن الناري والإله والروح القدس مختلقة اليهود، وصلبت ناسوته فذهب لاهوته، وترك مخزٍ، ولا يُثير في النفس الغليظة القاتل والحنق على المقتول، وحزنًا وغمًّا يبقى طول العمر معذبًا مؤلمًا مُشتهيًا الانتقام، فيموت بحسرته.
ومن الاعتقادات الفاسدة الاعتقاد بأن عذاب الكفار غيظ وضيق، كلما احترقت أجسادهم عادت الرطوبة لتحرق مرةً أخرى تشفيًا. وهو إساءة الظن بالله، وجعله خاليًا من الرحمة والشفعة، ومملوءًا بالشدة والقسوة مثل الصادي. وأهل الجنة أجسادهم لحمية، أجسام طبيعية قابلة للتغير والاستحالة والآفات، فينتظرون النعيم الحسي. وهي اعتقادات النساء والجُهال والصِّبيان في مُقابل العقلاء والحكماء، وبالرغم من الإجماع بأن العقل والنقل شيءٌ واحد؛ لذلك مسموح للعقلاء بالتأويل. وهذه عقائد شعبية، تصوُّر عذاب الله تشفيًا وحنقًا والتذاذًا بآلام البشر. كل ذلك خيالٌ شعبي وتفسيرٌ حرفي وتشبيهٌ إنساني يستلزم تفسيرًا معنويًّا كما يفعل الفلاسفة، وعودًا إلى أصلها في التجربة البشرية كما يفعل علماء النفس والصوفية. وهذا ينطبق على أهل الجنة وأهل النار على السواء، وربما بقايا من عقائد مصرية قديمة في ضرورة الجسد بعد الموت للنعيم والعذاب. ويرى الإخوان أن الحكمة في عذاب النفوس كفَّارة لذنوبهم، أو رياضة لنفوسهم، أو بيان لفضل الله ونعمته، وهو تبرير لآلام وقبولها لا يختلف عن الإيمان الشعبي.
وهناك عقائد أخرى تتعلق بالعمل، مثل عداوة إبليس للناس، فيفعلون دون أمر الله، يخلق في الإنسان حقدًا على جزء من خلقه، ويُناصبهم العداوة والبغضاء. وإن لم يستطع النَّيل منه بقي طول عمره مُغتاظًا مُتألمًا معذَّبًا، بل كافرًا بالخلق وتنصيب إبليس عدوًّا له. وذلك يعني إغفال الحرية الإنسانية والشمولية على فعل الخير والشر، وتعليق ذلك على «شمَّاعة» إبليس. وإذا كانت هذه الذريعة صحيحة، فلماذا لا يحقد الإنسان على إبليس وجنوده ويُعاديهم، ويأخذ زِمام المبادرة منه؟ أليس هذا هو الهدف من قصة آدم وإبليس ودلالتها النهائية، تحذير البشر من الغواية؟
وكما أن للاعتقادات الفاسدة آثارًا سيئة على الأخلاق، فإن للاعتقادات الحسنة آثارًا قيِّمة على الأخلاق. الأولى أخلاق الشياطين، والثانية أخلاق الملائكة. بعضها معزوز في النفس، وبعضها بالعادة ينشأ عليها الصِّبية من الصِّغر. وعلى العاقل أن ينفق أمواله وسيرته، ولا يحتج بالطبع المركوز، بل يجتهد وينظر ويبحث. البداية بإصلاح للنفس قبل الغير، وبوصايا الله، وبالدعوة إلى الوحدة، والتنبيه على شر الفُرقة، والآراء الحسنة لأولياء الله وعباده الصالحين ومذهب الربَّانيين من لهم طهارة اللسان والقلب وعدم الاعتراض على الله، على الأرض بأجسامهم، وفي الملأ الأعلى بأرواحهم، لهم نور اليقين في النفس، وتطهَّروا من الآراء الفاسدة عن قلوب الأولياء بعد ما عرفوا من الحق.
ولا توجد موضوعاتٌ محدَّدة كما هو الحال في الاعتقادات الفاسدة، بل مجرد أحاديث عامة عن بعض الموضوعات المُتفرقة، مثل بعض الأحكام الشرعية عن المأكولات والمشروبات، الصنائع والتجارات والأعمال والحِرف وتصاريف الأمور، جمع المال والأثاث والأمتعة والادِّخار، إنفاق المال واتخاذ المنازل وإنشاء العقار وعمارة الأرض، والحرث والنسل، وتربية الدواب، وعشق النساء والغِلمان واللهو والغناء والنرد والقمار والعصبية والحرب والقتال، وأخيرًا الصوم والصلاة والصدقات والقراءة والتسبيح والخشوع والبر والعبادة. وهذه ليست اعتقادات بل فقهيات، وليست نظريات بل عمليات تتعلق بشتَّى النواحي المعيشية التي تصوِّر حياة المجتمع الإسلامي التِّجاري الحِرفي القديم، بما في ذلك عشق النساء والغلمان، ثم تغطية ذلك كله بالصوم والصلاة والصدقة والقراءة والتسبيح والخشوع والبر ومظاهر العبادة، إشباعًا لحاجات البدن ومطالب الروح، لمقتضيات الدنيا وحيثيات الآخرة. وهو أقرب إلى النفاق الديني والتعمية والتستُّر والتخفِّي وراء الدين لتشريع الانغماس في الدنيا.
ليس موضوع الإيمان بالضرورة موضوعًا غيبيًّا بعيدًا عن الحواس، بل الواقع الاجتماعي وتناقضاته من أجل تغييره بالإصلاح أو بالثورة. وهل أول عقيدة الملائكة وقد آمَن عمر بمحمدٍ الثوري وأبو بكر بالنبي وليس بالملائكة أولًا؟ لقد انتشر الإسلام في آسيا بالنظام الاجتماعي. وكيف يمكن إصدار أحكام على الملائكة بأنهم مُحتاجون إلى الإيمان لتفاوُتهم فيه، وما هو المقياس؟ وأشرف الملائكة حمَلة العرش تصوُّرٌ إنساني خدم، عمل دون نظر، وقربهم من الله قربٌ مكاني وليس قربًا روحيًّا. وإذا كانوا مُتفاوتين فليسوا ملائكة؛ لأن الملاك هو الكامل المُطيع.
(٤) ماهية القيم الدينية
(أ) ماهية الإيمان
والعلم مجرد صورة المعلوم في النفس، والصورة في نفس العالم، وليس لها وجود في الهيولى، ولا في الموجودات المفارقة، بل العلم المجرد. والماهية مضمونٌ غيبي في الشعور، الفضل الإلهي. فنِعَم الله على الإنسان خارجية للجسد، المال والقرين والولد ومتاع الدنيا، وداخلية إما للجسد، الصحة وحسن الصورة وكمال البنية والقوة، أو للنفس، ذكاء النفس وحسن الخلق. فالعلم موهبة من الله وفضل منه.
واضحٌ عند الإخوان أن الإيمان مقدَّم على العلم، كما أن العلم مقدَّم على العمل؛ فالإيمان يورث العلم بلا برهان. الإيمان من خصال الملائكة، والكفر من خصال الشياطين، أقرب إلى حكم القيمة منه إلى حكم الواقع؛ فالشيطان يُعمل العقل والقياس ويعترض على الله، والملائكة لا فكر ولا قياس ولا اعتراض؛ ومن ثَم يُحاصر الإنسان مرتين، مرة لحساب الشيطان، ومرة لحساب الملائكة. تبدو الملائكة خدمًا وعبيد الله، والله مخدومًا وسيدًا. وأحيانًا تبدو آلات ليس لها قوة التفكير أو الاعتراض والرفض. وأحيانًا تبدو شركاء مع الله، والله ليس في حاجة إلى مُساعدين أو تقسيم عمل وظيفي.
(ب) ماهية التوكل والإخلاص
أما ماهية التوكل فهو الاعتماد على الغير عند الحاجة بالنيابة عن الإنسان. ويُعطي الهدوء والراحة في النفس، وهو أحد خصال الإيمان وسمات المؤمنين.
(ﺟ) ماهية الصبر والرضا، القضاء والقدر
ويفسِّر الإخوان الناموس كله، أي تاريخ الأنبياء وقوانين التاريخ، على أنه رضًا بالناموس مثل استشهاد سقراط، واستشهاد المسيح أمام اليهود، والمؤمنين أمام فرعون، وفُضلاء المُهاجرين والأنصار يوم أُحُد، والحُسين في كربلاء؛ فالشهادة عمل وليست قضاءً. وقد طلب البعض من الرسول الدعوة على المشركين في هزيمة أُحُد، فرفض من أجل الاستعداد لهم في الجولة القادمة.
(د) ماهية الطاعة
والطاعة قيمةٌ خلقية تتبع الخوف والرجاء؛ لأنها تقوم أيضًا على الترغيب والترهيب، وهي طاعة الناموس. والنواميس الإلهية أعلى النواميس رتبةً، لا يضعها البشر بل يُطيعونها. ليست الطاعة فقط بالإرادة الإنسانية بل بالطبيعة. فهناك تَماهٍ بين اتباع الإنسان النواميس الإلهية واتباع الطبيعة النواميس الكونية، وهو ما سمَّاه الشيعة علم الميزان (الكرماني)، وما سمَّاه الإخوان التقابل بين العالم الأصغر والعالم الأكبر. وينبت العلم في القلب كما ينبت العُشب في الأكمة، وهو نوع من التأويل الشعوري يتَّحد فيه النص بالطبيعة.
والطاعة هي أساس الخوف والرجاء، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، طاعة أجير السوء وليس طاعة المُحبِّين، «إن المُحبَّ لمن يُحب يُطيع»؛ فهي نوع من الأشعرية الصوفية. والأمور التي يُخشى منها إما دنيوية كالرئاسة أو حسن الثناء والعز والمال والدنيا والحب، أو أخروية مثل نجاة النفس. والغرض من استعمال الناموس إما عمل الخير وتجنُّب الزُّور والبُهتان، وهو غرضٌ عملي؛ أو بلوغ الحق وحكم الصواب، وهو غرضٌ نظري. وهي كلها قيمٌ مُتشابهة؛ الوعد والوعيد، الترغيب والترهيب، الخوف والرجاء، الأمر والنهي.
(٥) الأخلاق الصوفية
ثم ينتقل الإخوان من ماهية القيم الدينية إلى الأخلاق الصوفية. فالدين دينان؛ دين الجسم ودين الروح، دين الظاهر ودين الباطن، دين أعمال الجوارح ودين أعمال القلوب، الاعتقادات والضمائر. ويمكن الاستمرار في هذه الثنائيات إلى ما لا نهاية؛ دين العامة ودين الخاصة، دين الفقهاء ودين الصوفية، دين التنزيل ودين التأويل. الدين الثاني أصل الدين الأول؛ فالداخل أصل الخارج، والقلب أساس الجوارح.
لذلك كانت الدنيا مَعبر الآخرة؛ فالدين دنيا وآخرة، ظاهر وباطن؛ وصلاح الدين في الدنيا والآخرة. ومن الناس من لا يريد من التمسُّك بالدين الإصلاح في الدنيا فيحرص على الدين، الصلاة والصوم في الشريعة، ويُرائي الناس، فيطلب ما ينفع الدنيا، فحِفظُ الدين له أقوم. وآخرون يريدون الدنيا لطلب الآخرة وصلاح المعاد، فيزهدون في الدنيا ويتركون الشرور، ويؤدُّون الأمانات سرًّا وعلانيةً، ويُعاملون الناس بالصدق والورع؛ وفي ذلك صلاح الدنيا والآخرة. فالتصوف صدق، والشريعة نفاق. ويفسِّر الإخوان معجزات السيد المسيح على هذا الأساس تفسيرًا روحانيًّا؛ أبرأ الأكمه باكتمال الجواهر الروحانية، وتأليف الأسرار الربَّانية، وبذر البذورات المفردات الهيولانية.
(أ) الخلاص بالزهد
إذا كان الدين هو هذه الهُوَّة السحيقة التي يغوص فيها كل شيء، وفيها تضيع الأزمة، يبدو الخلاص بعيدًا عن الدنيا، فيتمُّ الانتقال من الخارج إلى الداخل، ثم من الداخل إلى أعلى. كل شيء يصبُّ في الدين، هذه الهُوَّة السحيقة التي ليس لها قرار حتى يتمَّ الانتقال إلى الله، من الدنيا إلى الآخرة؛ فكل شيء يُردُّ إلى الله، وكل شيء يتوجَّه نحوه.
لقد وقع سقوط في أول الخلق، خروج آدم من الجنة، ومهمة الفلسفة العودة إلى حالة البراءة الأولى قبل الخطيئة. الدنيا عالم الكون والفساد، عالم الغواية والخطيئة؛ ومن ثَم وجب الخلاص منها والفرار إلى الآخرة. ومن أجل زيادة المأساة في الدنيا يتمُّ التخويف بالجن والشياطين وجنود إبليس. كلما اشتدت الغواية قوِيَت الرغبة في الخلاص.
ومع ذلك، الناس في الدنيا نوعان؛ أخيار يعملون بالناموس وبموجب العقل دون عِوض من منفعة أو ضرر، وأشرار لا يعملون بالناموس ولا بموجب العقل، ولا يُحركهم إلا مقياس المنفعة والضرر والعوض. وهي قسمةٌ تقليدية دون سياق اجتماعي. قد تكون الآخرة ضرورةً طبيعية لقانون العدل؛ فالعدل نتيجةٌ طبيعية للتوحيد، توحيد بلا عدل صورةٌ بلا مضمون، وعدل بلا توحيد مضمونٌ بلا صورة، ويقوم على تجربةٍ إنسانية في العوض عند الموت. وهو فهم إخوان الصفا في تأسيس الفكر على مجموعة من التجارب الإنسانية العامة، تأويلًا للنصوص وفهمًا للحقائق.
(ب) العشق
هو موضوع بين النفس والأخلاق في الرسالة السادسة من القسم الثالث. النفسانيات والعقليات بعد تحوُّل العقل إلى النفس في آخر رسالة «الأدوار والأكوار»، وهو بحث عن الماهيات «ماهية العشق»، مثل ماهية القيم الدينية. وطالما أنه تجربةٌ بشرية يمكن معرفة ماهيته عن طريق تحليل التجارب الحيَّة؛ لذلك يُحلَّل الشعر العربي مع التحقُّق من آراء السابقين مثل الصوفية، ورفض القيل والقال عند الأطبَّاء اعتمادًا على الثقافة الشعبية عند الجمهور.
وقد يتحوَّل تعليل الحب إلى المستوى النفسي الخالص، فيكون الحب إفراطًا في المحبة وشدة الميل إلى نوع أو شخص أو شيء؛ أي لفردٍ متعيِّن. وفي نفس الوقت هو عام جدًّا يوجد عند كل إنسان بكثرة الذكر له والاهتمام به. الحب هنا انجذاب مُتبادل أو تعاطف، وهو ما سمَّاه الصوفية اتحاد، وهو رأي الحكماء أيضًا عندما قسَّموه إلى نوعَين؛ الأول هوًى في النفس نحو طبع مُشاكل للجسد أو صورة مماثلة في الجنس، والثاني شوق إلى الاتحاد نحو النفس. العلة في النفس لسببٍ خارج عنها.
والناس نوعان؛ عامة تُحب الصنعة وحدها، وخاصة مثل الحكماء، وينتقلون من الصنعة إلى الصانع. والنفوس نوعان؛ ناقصةٌ قصيرة الهمَّة لا تُحب إلا زينة الدنيا، ولا تتمنى إلا الخلود فيها؛ وشريفةٌ مُرتاضة، تأنف من الرغبة في الدنيا، وتزهد فيها، وتريد الآخرة، وتلحق بأبناء جنسها من الملائكة. وهذا لا يتم إلا بعد فِراق الجسد.
وهناك مستويات في النفس ومعشوقاتها؛ النفس النباتية الشهوانية تعشق المأكولات والمشروبات والمناكح، والنفس الغضبية الحيوانية وتعشق القهر والغلبة وحب الرياسة، والنفس الناطقة وتعشق المعارف واكتساب الفضائل.
والعشق على درجات، من أول نظرة كالبذرة قبل الشجرة، إلى الدنو والقرب، إلى الخلوة والمجاورة، إلى المعانقة والقُبلة، إلى الدخول في ثوبٍ واحد وقمته النكاح؛ وطبقًا للعقل الشعبي، نظرة فسلام فمحبة فعشق فلقاء.
ويشبِّه الإخوان العشق بالكائن الحي؛ فالعشق حياة، ولو لم يكن العشق في الخليقة لخفيت الفضائل ولم تظهر، ولم تُعرَف الرذائل. المحبة والعشق فضيلة في الخليقة، وحكمةٌ جليلة، وخصلةٌ نفسيةٌ عجيبة من فضل الله على خلقه، وعنايته بمصالحهم، ودلاله عليهم، وترغيب لهم فيما أمر به. العشق أساس الفضائل والرذائل في الوجود. الوجود عشق.
(ﺟ) وغاية العشق يقظة الوعي
والغاية من ذلك كله هو المعشوق الأول، وهو الله، وكل نفس تتَّجه نحو معشوقها. ومتى نالت الغرض ملَّت إلى حب الله؛ فإنه لا ملل فيه. وتتم رؤية الله بالنفس حسب الصورة الخالصة، رؤية نور بنور لنور في نور من نور، في ذاتٍ كاملة مُكتفية بذاتها، هي الذات والموضوع، الأنا والآخر.
والله هو الصورة المحضة طبقًا لظاهرة التشكُّل الكاذب. ولا يحتاج الإخوان إلى أرسطو كي يصبح الله هو المعشوق الأول والله كذلك في القرآن. والسؤال هو: هل هذه الصورة البديلة حقيقة أم وهم، دافع على الفعل أم عزاء وسلوى وتكييف النفس مع المفقود لاستمرار الأمل؟
(د) الطريق إلى الله
والطريق إلى الله اصطفاء واختيار؛ فقد خلق الله الخلق واصطفى المؤمنين والأولياء لاطلاعهم على الأسرار. ليس الاصطفاء لشعبٍ خاص كما هو الحال في اليهودية الربَّانية التي جسَّدتها الصهيونية السياسية، بل الاصطفاء لجماعة المؤمنين والأولياء، لمجتمع الأقطاب والأبدال كما هو الحال عند الصوفية، وما سمَّاه الحكماء الخاصة في مُقابل العامة. الطريق إلى الله إذن هِبةٌ من الله إلى الإنسان، وليس كسبًا للإنسان إلى الله؛ مما قد يُثير عدة تساؤلات عن مقاييس الاصطفاء وشروطه ودور الإنسان فيه، واحتمال اعتراض غير المصطفى على تركه رافضًا التحيُّز والانحياز.
والاصطفاء بالعلم والعمل؛ فالعلم ليس فقط العلم النظري بل العلم العملي، التوحيد والعدل، المعرفة والسعادة. ويأتي العلم إما باستنباط الأنبياء مثل الحديث، أو بإلهام من الله مثل القرآن. وهو علمٌ يتعلق أساسًا بأمور المعاد، الملائكة والسجود والحشر والصراط والصور.
والعمل بسنتَين؛ الأولى صفاء النفس بالرسائل الرياضية وأمثال للإيضاح، والثانية استقامة الطريق. فالإنسان نفس وبدن؛ البدن هو الجسد، والنفس جوهرٌ سماوي روحاني، حِسي ربَّاني، حقيقة مُتحركة. وهي نفسٌ عالمة دون جهالات حجابها عن ربها بجهالاتها لجوهرها وآرائها الفاسدة وأخلاقها الرديئة.
ومعارف البشر على مراتب ست مُتدرجة من أدنى إلى أعلى؛ الأولى معارف المتكلمين واختلافاتهم، ويمكن حلها بصورة الإنسان وصور البرهان؛ أي إرجاعها إلى التجارب الإنسانية الحية التي يُحاول الكلام تشخيصها وتثبيتها في جواهر ثابتة في عالم الأعيان، وإخراجها من عالم الذهان. والثانية تطلُّع الهِمَم إليها والرغبة في معرفتها تقليدًا، ثم تحويلها إلى برهان تدريجيًّا، وهم أنصاف المتكلمين الذي يُسيئون تأويل النقل وإعمال العقل. والثالثة النُّفور والاشمئزاز من العلم، وهم الجُهال الذين ما زالوا يعيشون على الطبيعة. وهؤلاء يستحقُّون الرأفة وحسن المعاملة؛ فالجاهل أفضل من نصف المُتعلم كالمُتكلم. والرابعة التقليد المحض، سواءٌ إيمان العوام أو تقليد العلماء، والتقليد ليس مصدرًا من مصادر العلم. والخامسة الإيمان بالحق دون الوصول إلى مرتبة الحكمة مثل إيمان الأولياء والأتقياء. وأخيرًا السادسة مرتبة الحكمة التي تشفع الإيمان بالتصديق والبرهان، فيستحيل الإنكار.
والإخوان على مراتب ثلاث؛ الأولى أغبياء وأشرار وأردياء، وهم المطلوب تجنيدهم لنقلهم إلى المراتب العليا. والثانية المتوسطون بين الأشرار والأخيار، والمطلوب نقلهم إلى مرتبة الأخيار. والثالثة الخواص العقلاء المُتدينون، وهم الأخيار الفضلاء الذين وصلوا إلى سدرة المُنتهى.
والناس المطلوب تجنيدهم على أنواع أيضًا؛ الأول المُقرُّون بفضل الإخوان، ولكن جاهلون بعلومهم لتستُّرهم بالتشيُّع. والثاني الشاكُّون المُتحيرون، وهم أفضل؛ لأنهم يبحثون وإن لم يصلوا بعدُ إلى مرتبة اليقين. والثالث المُوقنون بالدعوة ووقتها، وهم الأسهل انقيادًا. ومن ضرورات التربية الفلسفية الرفق بالجهال، خاصةً وأن في دياناتهم وكتبهم تأويلاتٍ حرفيةً أيضًا.
ويعتمد الإخوان في ذلك على «سيكولوجية» الدعوة والداعية، والوضع الاجتماعي وجهل الناس، وإيقاع القارئ في هوةٍ سحيقة، يتَّحد فيها كل شيء بكل شيء حتى يتوه، ويغترب عن العالم حتى تبدوَ الحاجة إلى الخلاص، وتنبيهه على أنه غافل في حاجة إلى يقظة اعتمادًا على حجة الإحراج، إرهابًا من أجل الدعوة وجرِّ الإنسان بعيدًا عن الناس إلى جماعة الإخوان، يجد فيها ذاته، ويُثبت فيها وجوده، ويُحقق ماهيَّته.
ويتضمَّن النوع الأول اعترافًا صريحًا بالتشيع بالإضافة إلى الاتجاه الإمامي الإشراقي العام. وينقد الإخوان من جعل التشيع عدم قبول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوى التستُّر والتخفِّي والاختفاء فيركبون المحظور. ويتبرَّأ الإخوان من التستُّر باسم العلويين المُخلفين للشريعة، مثل تبرُّؤ الصوفية من الأدعياء الذين يقولون بإسقاط التدبير؛ فالإخوان يمثِّلون المعارضة الشيعية التي تُمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل أهل السنة في العلن وليس في الخفاء.
والمطلوب من المدعوِّين التحوُّل تدريجيًّا من الإقرار باللسان إلى التصوُّر بالأمثال للوضوح والبيان، إلى التصديق بالضمير والاعتقاد، إلى التحقيق بالاجتهاد في الأعمال؛ فالإقرار دون التصور تقليد، والتصور دون تصديق شك، والتصديق دون تحقيق تقصير، والتكذيب باللسان والقلب جحود وكفر.
والمُقرُّ باللسان والتصور بالقلب على حقيقته يجد أربع خصال في نفسه لم يعرفها من قبلُ؛ الثقة بالله واليقين التام بهذا الأمر، الرجاء والأمل للفوز عند مفارقة الجسد، النشاط في طلب الخلاص من الهيولى، جهنم الجسد، وأخيرًا قوة النفس للنهوض من الجسد.
وفي «الدعوة إلى الله» يتوجَّه الإخوان إلى خمس مجموعات بالنداء كما هو الحال في رسائل بولس إلى الكنائس السبع؛ الأول خطاب إلى المُتفلسفين الشاكِّين في أمر الشريعة، الغافلين عن أسرار الكتب النبوية؛ فالشريعة أسرار، لا يمسُّها إلا المطهَّرون، مقدَّسة لا يجوز تناولها بالعقل، مضمونها غيبي وقصصي بعيدًا عن مصالح الناس وشئون الدنيا، كلها سمعيات ولا عقليات فيها؛ وبالتالي فهي ظنيَّات ليست يقينيات طبقًا للنسق الأشعري، في حين يُدافع المعتزلة عن العقل، والفقهاء عن المصلحة. ولا توجد فروقٌ نوعية بين التوراة والإنجيل والفرقان في نسبة العقليات إلى السمعيات، بالرغم من تطوُّر الوحي طبقًا لقانون تناقص السمعيات وتزايد العقليات اتجاهًا نحو استقلال العقل والإرادة.
ومع هؤلاء المُتفلسفين الشاكِّين يُخاطب الإخوان المُتشيعين، فهل هم المسلمون عامةً حتى المُلتزمون المُتيقنون بأحكام الشريعة، أو هم الشيعة خاصة المُتمسكون بالشريعة السياسية والدينية؟ هل هو نقد لمُدَّعي التشيع مثل النقد الغالب على باقي الخطابات، أو مدح في مُقابل المُتفلسفين الشاكِّين كفِرقةٍ بديلة؟ فالإسلام مودة بين الأصدقاء، وقدوة بالنبي وبالله كما يفعل الإخوان. وهو أقرب إلى الخطابة السطحية، وكأنه موجَّه إلى العامة أو الطوائف.
ويجمع الإخوان الخطابات الأربعة الأخرى في خطابٍ واحد؛ أولًا على أولاد الصناع والمُتطرفين وأمناء الناس، وثانيًا إلى أولاد العلماء والأدباء والفقهاء وحمَلة الدين، وثالثًا إلى أولاد الأشراف والدهاقين والثناء والتجار، ورابعًا إلى أولاد الملوك والأمراء والوزراء والكُتاب والعمال.
ويُنتدب أخٌ لكل طائفة، ينصحهم بالرفق، ويُعاونهم في إفهامهم التنزيل والتأويل، وزوال الدنيا والتغير، وتنظير للموروث الأصلي وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ بالنسبة إلى الرؤساء من أجل زعزعة الثقة بهم، وعدم الخوف منهم، والخروج على طاعتهم، ونبذ المجتمع القائم إلى مجتمعٍ آخر منذ الجاهلية إلى الإسلام. فرسالة الإخوان القيادة الثورية، وزعزعة الحكم، واستمرار حركة التاريخ.