أموال خراج أراضي مصر في عهد العرب
ذكر أخبار أموال خراج أراضي مصر، وذلك على سبيل الاختصار، قال ابن عبد الحكم: إن أموال الديار المصرية في زمننا هذا تنقسم إلى قسمين؛ أحدهما يقال له خراجي، والآخر يقال له هلالي، فالمال الخراجي ما يؤخذ من الأراضي التي تزرع حبوبًا أو نخلًا أو ما تزرع من أصناف الزراعات أو غير ذلك، فهذا يُسمى خراجيًّا، وأما المال الذي يُسمى هلاليًّا فقد أحدثه جماعة من ولاة السوء شيئًا بعد شيء حتى وصل ذلك في الإسلام، فكان أول من أحدث الأموال التي هي من وجوه المظالم بمصر أحمد بن محمد بن مدبر لما ولي أمر خراج مصر بعد خمسين ومائتين، فإنه كان من دهاة الناس، ومن شياطين الإنس، فابتدع في مصر بدعًا كثيرة، فصارت مستمرة من بعده إلى الآن، فحجر على النطرون وكان مباحًا، وقرر على الكلا الذي ترعاه البهائم مالًا وسماه المراعي، وقرر على الأسماك التي تصاد من البحر مالًا وسماه المصايد، وكانت مباحًا من عند الله للصيادين، وأحدث من أبواب هذه المظالم أشياء كثيرة، فانقسم مال مصر من يومئذٍ إلى خراجي وهلالي، فلما ولي الأمير أحمد بن طولون أبطل هذه المظالم التي أحدثها أحمد بن محمد بن مدبر، وكتب بإسقاطها في جميع أعمال الديار المصرية، وكانت نحوًا من مائة ألف دينار في كل سنة.
فلما كانت الدولة التي يقال لها الفاطمية أعادوا جميع ما أبطله الأمير أحمد بن طولون من المظالم والمكوس، فلما ولي الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر بإسقاط تلك المكوس من أعمال الديار المصرية كلها، وكتب بذلك مرسومًا بخط القاضي الفاضل، فلما ولي ابنه الملك العزيز عثمان أعاد تلك المكوس التي أبطلها أبوه صلاح الدين، فلما ابتدأت دولة الأتراك وولي الملك المعز أيبك التركماني وانقرضت دولة بني أيوب جدد عدة مكوسات وضمانات، وأخذ أموال التجار، فلما ولي الملك المظفر قطز جدد عدة مظالم عند خروجه إلى هولاكو، وصادر الناس وأخذ على الأملاك والأراضي والنخيل والرءوس من ذكر وأنثى، وأحدث من هذه الأنواع أشياء كثيرة من أبواب المظالم، حتى بلغت هذه المصادر نحو ستمائة ألف دينار، فلما ولي الملك الظاهر بيبرس البندقداري أبطل جميع ما كان أحدثه المظفر قطز من أبواب المظالم، كما تقدم ذكر ذلك، فلما ولي الظاهر برقوق أبطل من المظالم أشياء كثيرة، مما كان يؤخذ على القمح والشعير والفول، وما كان يؤخذ على الدبش والحلفا بباب النصر، وأبطل الأبقار التي كانت ترمى على الناس بالوجه البحري عند فراغ الجسور، وأبطل من هذا النمط شيئًا كثيرًا، فلما ولي الملك الناصر فرج بن برقوق زاد في الظلم وتجديد المكوس بواسطة جمال الدين يوسف الإستادار، وهو الذي جدد المكوس على بيع السمك البوري فغلا سعره بالقاهرة وقل وجوده.