رسوم النيل في الآثار المصرية
قد اطلع القارئ على تفصيلات وافية، تبين أن حياة الشعب المصري تتوقف على تحسين أحوال الري وانتظامه؛ ليكون من فيض النيل الخير الشامل، وإغداق الثروة ورواج الأحوال التجارية، وقد نقش اسم النيل في جميع المعابد دلالة على أن القدماء كانوا يعتبرونه إلهًا يمنح الحياة والسعادة، وجاء في الفصل ١٤٦ من كتاب الموتى «أن الآلهة تشترك في إسداء نعمه»، ونقشوه في بعض المعابد كتمثال إنسان واقف يحمل القرابين ويهبها بسخاء لجميع الخلائق من إنسان وحيوان.
وفي كثير من الأمكنة ترى رسوم الاحتفالات بوفاء النيل، لا سيما في معابد أدفو ودندرة، وهناك ترى النيل مارًّا بأدراج السلم، خارجًا من ناووسه كما يخرج كل سنة من مجراه؛ لزينة الدنيا وخصب الأودية وتدبيج وجه الأرض بالنباتات المتنوعة التي تستفيد منها الناس الغذاء والحاصلات المتنوعة ويقتنون الثروة، فكأن أرض مصر مستودعات للنفائس الكونية بأنواعها، تجوز منها على كل البقاع بما تحتاجه.
وهناك أيضًا رسم آخر يمثل النيل خارجًا من سلم «كما يخرج من مجراه»؛ ليملأ الأرض بالحبوب معبرًا عن إعطاء الآلهة الحياة والهناء؛ لأن من نباتات النيل تتقدم حياة الحيوانات والإنسان والطيور، إلخ.
وكأن النيل يخاطب البلاد بلسان حاله، بأنه مصدر رخائها وينبوع حياتها، وأنه يجود بخيراته على كل من تُقِلُّهم أيُّ أرضٍ سرى إليها فيضه، فيمنحها نِعمًا مزيدة وخيرات متجددة، ويؤدي للآلهة المحترمة كل شعائر الإجلال والتقديس.
فالنيل بهذا الاعتبار من المعبودات الثانوية، بدليل أنهم كانوا يرسمونه دائمًا في المعابد بالجزءِ الأسفل، وأنه كخادم يهيئ جميع الأشياء الجيدة والقرابين التي يقدمها للأرض ومن عليها.
ووجد في تمثال محفوظ بالمتحف البريطاني بالجزء المصري نقوش تمثل الملك ششنق، وحوله العبارة الآتية: «يقول حعبي: النيل ابن الآلهة ومصدر النمو الذي يفيض على الوجهين القبلي والبحري بخيراته المتدفقة فتسعد بها الحياة، وتنكشف الشدائد، وتنصب منه المياه على الجبلين والحوضين كيف يشاء، ويعود متى أراد بعد أن يملأ المدائن والقرى بالمؤن والحاصلات الزراعية.»
فكأن هذه النقوش تصف مزايا النيل التي امتاز بها واديه في الخصب والرخاء، وجعلته مصداق قول القائلين بأن النيل أبو الآلهة والبشر، وإذا كانت جميع الكائنات تستمد حياتها من مصدر إلهي، فالنيل هو أكبر المظاهر الباهرة لهذا المصدر الأسمى.