آلهة الأنهر – ثالوث بيلاق – العجل أبيس وسيرابيس – قصص خرافية عن النيل – ما أشيع عن النيل
كما اعتقد المصريون في النيل مزايا الألوهية، ولقبوه أنه أبو الآلهة، وأنه الإله حعبي، كانت لهم أيضًا آلهة أخرى لأنهار كثيرة ورءوسها على أشكال أكباش وآلهة الشلال وثالوث بيلاق.
فمنها أزوريس إله مندس، وخونسو إله الشلال، و«حرشافيتو» إله مدينة هيراكليوبوليس الكبرى، وكل منهم هيأ قسمًا من النيل في دائرة المنطقة المسماة باسمه لتستمد بمعوناته وفيوضاته حظها من الخصب والرخاء.
قال هيردوت: كان أهالي مندس يكرِّمون كثيرًا جنس المعز، وإذا ماتت واحدة من فصيلتها أقاموا لها حدادًا في كل إقليم، ولفظة مندس كلمة مصرية قديمة معناها تيس، وكان مرشافيتو معبود هيراكليوبوليس الكبرى ومعبود النيل أيضًا، وثالوث بيلاق هو خونسو وأتوكيت وساتيت، وخونسو كلمة مصرية قديمة معناها رئيس البنائين، وأتوكيت معناها الحاضنة، وساتيت معناها رامية السهام.
وثالوث بيلاق يرجع تاريخه إلى أقدم العصور، وكان خنوم أحد الآلهة المعبودين في ذلك الإقليم يرسم في جهةٍ برأس كبش وفي غيرها برأس آدمي، واسمه القديم توم، وفي عصر البطالسة صاروا ينطقونه بلفظ خنوم ومعناه جمَّع.
وقد شبهوا فتاح إله مدينة ممفيس بالنيل، وأنه يشبه أزوريس في كونه كالشمس الليلية، وأنه الإله الأول.
والعجل أبيس من آلهة النيل أيضًا، وقال رولين: قد أذاعوا عن العجل أبيس أنه يجمع بين الحيوانات، وشيدوا له المعابد وكانوا يقدمون له فروض الإكرام، فإذا مات يحزن له جميع المصريين ويقيمون المآتم، ثم يبحثون عمن يختارون بديلًا منه بعلامات خاصة، ويميزونه بغرَّة بيضاء في جبهته على شكل الهلال، وعلى ظهره رسم صقر وعلى لسانه رسم جُعَل «جعران»، فمتى عثروا على من تتوفر فيه هذه الصفات انتخبوه، وبدلت أتراحهم أفراحًا.
وقال بلوتارك: إن العجل أبيس هو الصورة الحية لأزوريس، ولا يتجاوز عمره ٢٥ سنة، فمتى بلغ هذا السن أماتوه وألقوه في النيل بكل إجلال واحترام، ودفنوه في السرابيوم، وبموته يصبح أزوريس، وكلمة سرابيوم مأخوذة من اسم «أسر حعبي» الذي حرَّفه اليونان إلى لفظة سيرابيس.
وترجع عبادة العجل «أبيس» إلى أقدم العصور التاريخية، وقد ذكرت في شاهد لابنة الملك خوفو من الأسرة الرابعة، وكانت عبادته أكثر انتشارًا في عهد الأسر الثلاثة الأولى، لا سيما في عهد البطالسة، وقد وصف إكليمندس الإسكندري والقديس أغسطينوس جمالَ هذا الإله، وقالا: إنهم شيدوا له معبدًا فخمًا اشتهر بمعبد السرابيوم، الذي كان إحدى عجائب الإسكندرية في عهد البطالسة.
وجميع الرسوم والتماثيل تمثل لعقولنا مقدار عظمتهم العصرية، وعنايتهم بأن تبقى آثارهم مدى الأجيال، تتنبأ عنها الشعوب متمدحة بعظمة النيل وإعظامهم له؛ لأن كل دولة احتلت مصر سواءً في العصور القديمة أو الحديثة تعترف بما للنيل من الأيادي البيضاء الخالدة في أعناق كل من شملتهم سعة واديهم المبارك.