ذِكر شيء من فضائل النيل
قال المقريزي: أخرج مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، في حديث المعراج، أن رسول الله ﷺ قال: «ثم رُفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار؛ نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.»
وقد ذكر اسم النيل في التوراة «يور»: «تخرج من النيل البقرات التي رآها فرعون في الحلم.» (سِفر التكوين، الفصل ٤١، الأعداد ١–٣)، «أمر فرعون أن يُلقى في النيل أبناء العبرانيين الذكور.» (سِفر الخروج ١–١٢٢)، «ألقي موسى في النيل في سبت من الخيزران والتقطته ابنة فرعون.» (سِفر الخروج، الفصل الثاني، الأعداد ٣–٦)، «أخذ ماءً من النيل وألقاها في الأرض فتحولت إلى دم.» (سِفر الخروج، الفصل الرابع، العدد التاسع)، «أخرج موسى من النيل الضفادع التي أتلفت أراضي مصر.» (سِفر الخروج، الفصل الثامن، الأعداد ٥–١٣.)
وذكر الأنبياء اسم النيل في كتاب العهد القديم، (أشعيا الفصل ١١ العدد ٦)، «مياه النيل مياه البحر»، ويصف أرميا مجرى النيل في (الفصل ٤٦ الأعداد ٧-٨)، وقال ناعوم في (الفصل الثالث، العدد الثامن): «كان هذا البحر سوًا لمدينة طيبة …» إلخ، وفي التوراة: «وخلق فردوسًا في عدن، وجعل الإنسان فيه، وأُخرج منه نهران فقسمهما أربعة أجزاء فجيحون المحيط بأرض حويلا وسيحون المحيط بأرض كوش، وهو نيل مصر، ودجلة الآخذ إلى العراق والفرات.» وروى ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: «نيل مصر سيِّد الأنهار، سخَّر الله له كل نهر من المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمرَ كل نهر أن يمدَّه فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله الأرض عيونًا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.»
وعن يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل كعب الأحبار: «هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرًا؟» قال: «أيْ والذي فلق البحر لموسى، إني لأجده في كتاب الله أن الله يوحي إليه في كل عام مرتين، يوحي عند جريته أن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك يا نيل غُرْ حميدًا.»
وعن كعب الأحبار رضي الله عنه أنه قال: «أربعة أنهار من الجنة، وضعها الله في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن في الجنة.»
وقال المسعودي: «نهر النيل من سادات الأنهار، وأشراف البحار؛ لأنه يخرج من الجنة على ما ورد به خبر الشريعة.»
وقد قالت العرب: إن النيل إذا زاد غاضت له الأنهار والأعين والآبار، وإذا غاض زادت، فزيادته من غيضها، وغيضه من زيادتها. وليس في أنهار الدنيا نهرٌ يُسمى بحرًا غير نيل مصر لِكبره واستبحاره.
وقال ابن قتيبة في كتابه غريب الحديث: وفي حديثه عليه السلام: «نهران مؤمنان ونهران كافران؛ أما المؤمنان فالنيل والفرات، وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ.» إنما جعل النيل والفرات مؤمنين على التشبيه؛ لأنهما يفيضان على الأرض ويسقيان الحرث والشجر بلا تعب في ذلك ولا مئونة، وجعل دجلة ونهر بلخ كافرين؛ لأنهما لا يفيضان على الأرض ولا يسقيان شيئًا إلا قليلًا، وذلك القليل بتعب ومئونة، فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين، وهذان في قلة الخير والنفع كالكافرين.