التنبؤات المصرية القديمة الخاصة بالنيل
بلغت العناية بأمر النيل في مصر اجتراء كثير من المتصدرين للبحث والعلوم على تنبؤات كثيرة فيما يختص بزيادته ونقصانه، وما يعتري الأمة في أدوار القحط من الانزعاج والألم والانكماش، وكان من تصدر عنهم هذه التنبؤات يجهرون بها بين يدي الفراعنة في وقتهم، ويتلقاها الناس بتشوق شديد، وحرصٍ مستمر لمقارنة الحوادث وتطبيقها عند وقوع شيءٍ منها بما يكون منافيًا أو مؤيدًا لهذه الأقاويل، ومن ذلك ورقة أنسطاسي البردية التي توجد في متحف لندن تحت رقم ٣٤٤، اشتهرت بورقة أنسطاسي؛ لأنه هو الذي اكتشفها في مدينة ممفيس بالقرب من سقَّارة، وابتاعها منه متحف لندن سنة ١٨٢٨ مكتوبة بالهيراطيقية من وجهيها، ويرجع عهدها إلى عهد الأسرة ١٢ أو ١٩.
ومما اشتملت عليه أقوال ذلك المتنبي: «إنه سيأتي على مصر دور تقلُّ فيه مياه النيل، ويتبع ذلك كساد الأحوال، وتنتشر الأوبئة وحوادث الثورات وإراقة الدماء، ويتغلب الصعاليك على الأعاظم، وتتعدد الحروب الداخلية، ويتوالى الانقلاب، وتسود بعض العناصر المنحطة، وتنفرد بالسيطرة، ونهب الأموال من ساداتها، وتكثر نساءهم من التجمل بنفائس العقود والقلائد، وتحل التعاسة ببعض الطبقات الراقية حتى يعوذها طلب القوت، وتكثر الدخلاء حتى في العلماء، وتُنْتَهَكُ أماكن العبادة، وتُعطل الشعائر، فالويل كل الويل لمن يجعل في عصره أقل إمكان لوقوع أقل شيءٍ من هذه الشرور.
ثم تنتهي تلك الدورة المؤلمة ويسود السلام، ويعود النيل إلى فيضه المعتاد، وتسترد الأرض بهجتها، وتعود إلى النفوس مكانتها على يد من يسخرهم الله لسعادة الإنسان.»
ومن هذه الأساطير وأمثالها يُعلم أن عظماء الفراعنة وأَيِمَّة الباحثين كانوا يعلقون كل شيءٍ في مستقبل البلاد على فيض النيل وانخفاضه، ويرتبون نتائج الخير على بركات الفيضان، ويتشاءمون بكل حوادث الشر في السنوات التي يكون فيض النيل فيها بطيئًا أو منخفضًا، ولا ننكر أن حياة مصر قديمًا وحديثًا تتفاوت في الرخاء والنعم بقدر ما يغمرها به نيلها المبارك، أدامه الله لها مستفيضًا بالخيرات والسعادة، ووفق رجالها العاملين إلى الصالح العام في كل أدوارهم الكريمة.